22 غارة منذ العام 2013، وردّ رمزي لم يكسر هدوءا شاملا كاملا أُرسي بعد حرب 1973. الرد على الغارتين الأخيرتين لم يتميز بنوعية او كمية مكتفياً بحد أدنى، لا ادري إن كان لرفع العتب او لرفع المعنويات، مع صفر معلومات عن الإصابات الواقعة في الجانب الإيراني ومعه “حزب الله”، وعن الخسائر التي لحقت مخازن الأسلحة او قوافل الأسلحة التي تدخل عبر سوريا الى لبنان.
الغارات تدل على ان لا شيء تغيّر لدى الإسرائيليين، الذين يراقبون القوى التي تحيط بكيانهم، تكبر وتتباهى بجبروتها ليبدأوا استنزافها كما فعلوا مع منظمة التحرير الفلسطينية، في وقت أجمع خبراء إسرائيليون عسكريون على أن التصعيد الأخير “مجرد جولة أولى في معركة طويلة” وأن الجولة المقبلة “آتية لا محال”. مما يؤشر الى ان هناك ضربات متقطعة مرتقبة تساهم في استنزاف القوات الإيرانية في سوريا، عفوا “فريق المستشارين الإيرانيين” ومعه “حزب الله”.
في المقابل، ومع ان الجانب الإيراني قوي وجبار ولا يُقهر، ويستطيع محو إسرائيل عن الخريطة في سبع دقائق، الا انه لا يريد ان يخربط التوازن القائم في منطقة عملياته السورية او في الوضع الإيراني بعد انتكاسة الاتفاق النووي، ويتوقع ان تفهم إسرائيل هذه المعادلة وتحترمها. عدا ان نظام الولي الفقيه مشغول جداً في مختلف الأقطار العربية، وليس فقط في سوريا، حيث يدمر ويخرب، ويسعى ايّما سعي لنسف الأنظمة القائمة خدمةً لمشروعه التوسعي. وعلى إسرائيل ان تشكره لأنه يساهم في تخفيف احتمال قيام أي مقاومة عربية تهددها فعلاً، وفي تقسيم الفلسطينيين عبر دعمه “حماس” على حساب “فتح” والحكم الذاتي الرسمي الفلسطيني. وقد خيبت أمله بحماقاتها ورعونتها ولم تقدّر جهوده لبقائها وأمنها، فهو يسعى الى جيرتها عبر القضاء على الشعب السوري والسيطرة على لبنان، ليطل على مياه المتوسط الدافئة وليس لأيّ غرض آخر. وكان على إسرائيل ان تفهم وتجاري إيران في لعبتها، وتكتفي بالشعارات من وزن “هيهات منا الذلة”، وتسوق بيئتها الحاضنة لتتظاهر وتحرق العلم الإيراني وعلم “حزب الله”. ويا دار ما دخلك شر.
الإيرانيون لم يفهموا ان الوجه الآخر لهذه الغارات الإسرائيلية المتفرقة لا يقرأ في كتاب الولي الفقيه ومشروعه لإعادة مجد الأمبراطورية الفارسية. لعلهم يستغربون تعامل الكيان المغتصب معهم وكأنهم لا يتجاوزون بقدرتهم ما كانت عليه منظمة التحرير الفلسطينية حتى قبل ان تعلن ان طريق القدس تمر عبر جونية.
منظمة التحرير الفلسطينية التي استُنزفت وانحرفت عن قدسها خلال الحرب الاهلية وانشأت جمهورية “الطريق الجديدة”، بعد ذلك تلقت من إسرائيل الضربة القاضية عام 1982 وخرجت من لبنان نهائياً.
لا أبو عمار اجتاز الطريق الى القدس، وإن جاورها من رام الله، ولا ذراع إيران في لبنان قطعت الخط الأزرق. فالظاهر ان المقاومة شيء وتحرير القدس شيء آخر مختلف تماماً. لذا الطريق لا تزال تلف وتدور ولا تصل الا الى حيث يريد اللاعبون الاقليميون والدوليون لها ان تصل، واليوم تُستخدم لإحكام السيطرة على سوريا المفيدة التي تفتح أوتوستراد طهران – بيروت، مرورا ببغداد ودمشق.
اما القدس فلا علاقة لها أصلاً بالطرق ولا بالفيالق التي تحمل اسمها، وأهمّ ما شهدته منذ ان رفع شعار تحريرها نظام الولي الفقيه، كان اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سفارته اليها، ما يكرس اعتراف الولايات المتحدة بها عاصمةً لإسرائيل المغتصِبة.
وفي حين هي المرة الأولى التي يعلن فيها الجيش الإسرائيلي بشكل واضح ضرب أهداف إيرانية في سوريا، وذلك بعد اعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، جاء الرد الإيراني متناقضاً، مرةً نفى قيامه بقصف الجولان عشية الغارات الاخيرة، وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن طهران لا تريد “توترات جديدة” في الشرق الأوسط، دون التطرق إلى الضربات الإسرائيلية في سوريا.
وأوضح روحاني، ان إيران “عملت دائماً على خفض التوترات في المنطقة، في محاولة لتعزيز الأمن والاستقرار”. بالطبع كان يقصد استقرار إسرائيل، وليس أي دولة تمددَّ فيلق القدس في اتجاهها.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، إنّ القصف الإسرائيلي “يؤكد أنّ الكيان الصهيوني لا يستطيع أن يضرب أمن المنطقة واستقرارها”. ما يعنيه المتحدث، هو ان لإيران دون سواها القدرة على ضرب الامن والاستقرار في سوريا والعراق واليمن. ولو تمكنت، لفلشت جناحيها على البحرين والكويت، حتى المغرب لم يسلم منها. اما إسرائيل فلتبقَ على الحياد، ولكل حادث حديث.
وبما انه لا بد من بعض التهديد للاستهلاك المحلي لايراني، سمعنا تصريحاً جاء فيه انه “إذا ارتكبت إسرائيل حماقة فسنسوي تل أبيب وحيفا بالأرض”.
حتى الآن إسرائيل لا ترتكب حماقات الا في ترجمات القاموس الممانع، فهي جدية تماماً واجرامها ليس للاستهلاك المحلي، وحريصة على رصد كل تحرك تقوم به منظمة التحرير الإيرانية في سوريا. هي تستغل كل لحظة دولية وإقليمية تقدم لها فرصة لمواصلة الاستنزاف، ولا سيما بعد تجديد العقوبات على نظام الولي الفقيه المنزلق الى أزمات اقتصادية يزيد استفحالها ويزيد منسوب الغضب والرفض في صفوف الإيرانيين ضد الدولة كلها وليس فقط المحافظين فيها.
لا يهمّ الوقت الذي تستغرقه هذه الغارات. كله بالنظام، حيث يتم أولاً بأول ابلاغ المسؤولين الروس بكل غارة قبل حصولها. الروس الذين اعترضوا مرة واحدة وطنّشوا في المرات الباقية، لا يمانعون، على ما يبدو، تحجيم دور ايران في سوريا، لأن تدخلهم هو الذي انقذ النظام، ولهم الحق في امتيازات لا تزاحمهم عليها منظمة التحرير الإيرانية التي لم تعد تعرف حدّها لتبقى عنده.
sanaa.aljack@gmail.com
“النهار”