منذ زمن “حان الوقت لفتح نقاش جدّي حول مصير الإنتفاضة السورية” وقد كتبت عن ذلك في يناير 2015 قي مقالين “مراجعة شاملة للثورة السورية” و”دعوة مفتوحة للحوار حول الثورة السورية“.
المقالان يوضحان ان الثورة السورية كانتفاضة شعبية من اجل الحرية ولاستبدال النظام الاستبدادي الراهن بنظام ديمقراطي مدني، قد انتهت بعد التحول للعسكرة الشاملة وليس الجزئية، ومن ثم هيمنة الفصائل الاسلامية المسلحة، داعش والنصرة واشباهها، على ساحة مواجهة النظام لتطرح اهدافها الخاصة في اقامة دولة دينية تعتبر الديمقراطية كُفراً، والتي انهت الحراك الشعبي في مناطق سيطرتها وقضت على تنسيقيات الثورة التي كانت تتجه لتشكيل سلطة بديلة للنظام كما همّشت المجالس المحلية التي باتت تابعة للفصائل. لكننا قلنا ايضا ان انتهاء الثورة لا يعني انه لن تنشب ثورات اخرى تليها الى ان تتحقق اهداف الشعب في الحرية، حتى لو استبدل النظام الاستبدادي بنظام اكثر استبدادا متسترا بالدين وما يسمى تطبيق الشريعة. منذ ذلك الحين حدثت امور كثيرة اهمها مزيد من التدخلات العسكرية الاقليمية والدولية لتتحول سوريا لارض صراعات للقوى العظمى والمحلية على حساب شعبها وعمرانها..
الثورة الاولى للشعب السوري انتهت، ولكن ليس “الحرب انتهت في سوريا” كما يقول الاستاذ لؤي حسين.
هذا مناقض كليا لما هو قائم فعلا على ارض الواقع، هى امنيته نعم، ولكن في الواقع الملموس الحرب مستمرة حتى مع من يقال انهم وافقوا على وقف اطلاق النار. يشهد بذلك وادي بردى ودرعا المدينة والغوطة الشرقية ومضايا وادلب وخان شيخون والباب ودير الزور وغيرها كثير مما يتجاهله حسين. علما ان في سوريا حروب وليس حربا واحدة، حرب النظام مع حلفائه من ميليشيات شيعية وحزب الله وايران وروسيا على الجميع عدا ميليشيات الـ”بي واي دي”، وحرب التحالف الدولي الذي تقوده اميركا ضد داعش، وحرب تركيا والجيش الحر التابع لها ضد داعش والفرع الكردي للحزب الاوجلاني، وحرب الميليشيات الكردية ضد داعش والفصائل المعارضة المسلحة. كل هذه يتجاهلها حسين ويكتفي بالاعلانات الروسية عن ان “وقف اطلاق النار يبدو ساري المفعول”! وان هناك “بعض الخروقات”! فيما روسيا نفسها تشارك في الغارات على قوى محسوبة انها من الفصائل التي وقعت على اتفاق وقف اطلاق النار!
اما عن تأكيده ان الجماعات المسلحة هُزمت، فيستند الى دعاية النظام وروسيا حول ان معركة حلب هي هزيمة نهائية للفصائل فيما هي في حقيقتها هزيمة في معركة وليس هزيمة في حرب، بل “حروب”، لا زالت معاركها المتعددة محتدمة.
كما يناقض الوقائع المعاشة ما يقوله حسين من المخيلة وليس من الواقع عن انتهاء العمل العسكري الذي ما زال مستمرا يوميا. والاكثر مدعاة للتعجب هو انه بعد اعلانه هذا يقول “علينا ان نعود الى النضال السياسي”!! وهو فصل غير علمي بين العمل السياسي والعمل العسكري المترافقان والمتلازمان. فقد سبق لخبراء الحروب ان قالوا “الحرب هي امتداد للسياسة لكن بوسائل اخرى”. بالطبع العمل العسكري كان غالبا وما يزال، والعسكر هم من يتحكمون بالسياسة حاليا كما يقال عن ان “السياسة تنبع من فوهة البندقية”، فيما كان الوضع الطبيعي ان يكون العسكر تابعين لقيادة سياسية تعمل لتحقيق الاهداف بوسائل مختلفة سلمية ومسلحة حسب الضرورات لكن يتبعها الجميع من حملة السلاح او العاملين في الحقل السياسي او الخدمي .
يعتمد حسين في حديثه للمراسل على مقولة ان لروسيا وسائل متعددة للتحكم بالنظام السوري، ورغم ذلك يرى انه “لم يعد ممكنا تقليص صلاحيات الرئيس”، فاذا كانت روسيا تستطيع فرض هذا التقليص قلماذا لا تفعله؟ عمليا منذ الآن وقبل اي تفاوض، يرى حسين انه يجب على معارضي الاسد ان يتخلوا عن نقل كافة صلاحيات الرئيس لحكومة انتقالية مشكلة من طرفي الصراع، اي التخلي عن تطبيق بيان جنيف1 الذي اقره مجلس الامن في قراراته حول المسالة السورية. ماذا يبقى للتفاوض حوله؟ لا يبقى سوى انه تفاوض لتنظيم عملية الاستسلام و”المصالحة”! و”تسوية اوضاع” حاملي السلاح بعد تسليمه، وذلك انسجاما مع استنتاجه الغير واقعي حول هزيمة الجماعات المسلحة الذي اختصره حسين بأن وجود المعارضة “في جنيف هو من قبيل الديكور”!
كما يستعمل حسين تعبير “المعارضة محارة فارغة على المستوى السياسي”. فيما لو دققنا جيدا بهذا الوصف لوجدنا انه ينطبق اكثر على كتلة حسين “الوطنية” التي اعلنها من بيروت، والتي هدفها الوحيد ابراز حسين كـ”منصة” اخرى الى جانب منصات كثيرة: حميميم والقاهرة وموسكو والآستانا، المفصلة خصيصا لتمييع التمثيل الحقيقي للمعارضة وتلغيم وفدها لجنيف بشخصيات توافق مع ما تريده روسيا والنظام وايران. لذلك ربما من المفضل تسمية منصة حسين “منصة حزب الله” حيث عقدت مؤتمرها في بيروت في ظل الاشراف السياسي والامني وربما المالي – الله اعلم- للحزب الالهي.
يستنتج حسين في النهاية ان الاسد سيستمر في الحكم حتى العام 2021 ! وانه يمكن ان يترشح مجددا ! وهذه نفس اجندة النظام التي يروج لها، رغم ان التسوية التي ترعاها الامم المتحدة تتحدث عن دستور جديد وانتخابات تشرف عليها مباشرة الامم المتحدة، فلماذا يستبعد حسين انتخابات رئاسية الى جانب التشريعية حسب الدستور الجديد المقر ويفضل منذ الآن “للرئيس” استمرار حكمه “الملكي” منذ عام 2000 – بل منذ بداية حكم العائلة الاسدية 1970- ، مع امكانية التمديد اذا رغب بعد الـ21 عاما؟ يبدو هنا كرم الاستاذ حسين لا حدود له على حساب الشعب السوري!
ahmarw6@gmail.com