بغداد: سودارسان راغافان*
في الوقت الذي تحاول فيه القوات الاميركية تهدئة العراق بما يمكن لقادتها السعي لتحقيق مصالحة سياسية، ذكر المراقبون العراقيون والغربيون انه يبدو ان رئيس الوزراء نوري المالكي والدائرة المحيطة به تزداد عدم قدرتهم على اخراج الحكومة من الشلل الذي تعاني منه.
وفي ظل استمرار نظريات المؤامرة، يتصرف المالكي وقيادات حزب الدعوة بنفس الطريقة التي تآمروا بها على اسقاط صدام حسين ـ العمل علنا والقلق على مصالح طائفتهم اكثر من بناء اجماع بين الجماعات العراقية المتحاربة، كما ذكر عدد من السياسيين والمحللين العراقيين والدبلوماسيين الغربيين. وفي الاسابيع الاخيرة، تعمقت تلك الشكوك مع بداية تعامل القيادات العسكرية الاميركية مع المسلحين السنة، اعداء الحكومة العراقية ذات القيادة الشيعية، الذين وافقوا على مواجهة جماعة «القاعدة» في العراق. وقال اشرف قاضي مبعوث الامم المتحدة في العراق «مستوى الثقة الطبيعية منخفض للغاية، بحيث لم تعد في حاجة الى اعادة بناء الثقة فقط، بل عليك بناء الثقة من الاساس، وهذه عملية متواصلة في الوقت الراهن».
وقد رد مساعدو رئيس الوزراء على ذلك بقولهم، ان المالكي يمكنه القيادة، وان زعماء الحزب ملتزمون ببناء حكومة ذات قاعدة عريضة. وقال حسن السنيد وهو نائب في البرلمان عن حزب الدعوة، والمستشار المقرب من رئيس الوزراء، «لم يطلب حزب الدعوة طلبا خاصا بضرورة استماع المالكي لنا. ولا نريد فرض حكومة مختلفة عما يريده الجميع. صدقني، حزب الدعوة هو الحزب الذي يدفع المالكي لكي يكون منفتحا على الاصوات الاخرى». وهناك العديد من الاسباب وراء الركود السياسي في العراق، ففي السنة الخامسة من الحرب، لا يزال السياسيون العراقيون مواليين للطائفة والعشيرة والقبيلة اكثر من انتمائهم للامة. ولا تزال ثقافة الخوف الموروثة من عهد صدام سائدة. وقال احمد الجلبي وهو شيعي يقود الهيئة العراقية العليا لاجتثاث البعث «بعض من شلة المالكي يخشون اصدقاءهم اكثر من اعدائهم. لا يمكنك فصل الناس عن خلفياتهم. معظمهم اعتادوا على سياسات المجتمع السري، وليس السياسات المفتوحة».
واسباب عدم الثقة عميقة. فقد ظل حزب الدعوة عقودا طويلة، سريا بخلايا مقاومة سرية ضد حكومة صدام حسين، بما في ذلك محاولة اغتيال واحدة على الاقل. وقمع صدام الحركة، التي كان هدفها تحويل العراق العلماني الى دولة اسلامية تحكمها الاغلبية الشيعية. وقد تم اعدام الالاف او جرى نفيهم للخارج. وقد حكم على المالكي، الذي فر الى سورية في عام 1980، بالاعدام. وفي الفراغ الذي خلقه الغزو الاميركي، عاد حزب الدعوة للظهور مرة اخرى كقوة في المنافسة لتشكيل العراق الجديد. الا ان حزب الدعوة وغيره من الاحزاب الشيعية بقيت تشك في دوافع الولايات المتحدة والسنة، لاسباب من بينها تاريخ الشيعة باعتبارهم طائفة مضطهدة، تعرضت للخيانة، وكذلك ما يعتبرونه فشلا اميركيا في دعم الانتفاضة الشيعية عام 1991 خلال حرب الخليج. وقال قاضي «لا يوجد عراقي واحد لم يتأثر بتاريخ العراق الاخير. وكل هذه الاشياء تجعل الحكم صعبا للغاية بالنسبة لأي شخص». وفي يناير (كانون الثاني) 2005، فاز الائتلاف العراقي الموحد بالانتخابات، مما اوصل الشيعة للسلطة. وبعدما اعترضت ادارة بوش والقيادات السنية والكردية على زعيم حزب الدعوة الجعفري، اصبح رئيس وزراء الحل الوسط. ومنذ ذلك الوقت، زاد الاحباط من قيادة المالكي، سواء في العراق او في واشنطن. وقد فشلت الحكومة في تمرير ما يطلق عليه القوانين الاساسية التي تعتبرها ادارة بوش حيوية للمصالحة السياسية. وتشمل تلك القوانين كيفية الاستفادة من ثروة العراق بالمساواة واعادة الاعضاء السابقين في حزب البعث الى الحكومة، بالاضافة الى المشاركة في الاصلاحات الدستورية لارضاء السنة. وفي الشهر الماضي اعلن المالكي ان الحكومة اقرت تشريعات النفط وستقدمها الى البرلمان. ولكن في اليوم التالي، اعترض عليها السنة والاكراد. وادعى الساسة الاكراد بوجود تغييرات لم تقر. وبالنسبة للعديد، فإن هذا الامر هو مثال اخر لسرية اتخاذ القرار في حكومة المالكي. ويقول نقاد المالكي ان السبب الرئيسي لمشاكل العراق السياسية هي اعتماده على شخصيات حزب الدعوة التي اختارها لولائها اكثر من خبرتها السياسية. وقال مسؤول عراقي كبير تحدث، شريطة عدم الكشف عن هويته، «المشكلة هي عدم وجود احساس بالحكم وكيف يجب ادارة الحكومة. وهم يخلطون ما بين ادارة حزب سياسي وادارة حكومة. ولا يرون الحكومة بأكملها بأنها حكومتهم، بل الناس الذين يمثلونهم والذين يكلفونهم».
ويعترف عدد من اعضاء حزب الدعوة بعدم خبرتهم. وقال حيدر العبادي وهو مشرع من اعضاء حزب الدعوة «لم يعمل احد منا في عمل حكومي من قبل. ولا يمكننا خلق المعجزات». ويصر هو وغيره من اعضاء الحزب على ان الاخرين مسؤولين عن صعوبات الحكومة. وقال عبادي «هناك دائما اشخاص داخل الحكومة وخارجها يريدون اعطاء الانطباع بان الحكومة ضعيفة وانها تكاد تسقط».
وقال العبادي وهو مهندس عمل في بريطانيا وعاد للعراق بعد 27 بسنة وشغل منصب وزير اتصالات، ان الشائعات عن قرب انهيار الحكومة تنتشر عن طريق «بعض الاعداء داخل الادارة الاميركية». وقال وهو يتحدث بصوت منخفض في مقهى في المنطقة الخضراء «بعض وحدات الاستخبارات لديهم خطتهم الخاصة. وهو ما يرعبنا. بعض الناس يريدون افشال الامر كله بدون بديل».
وقال بعض المراقبين ان المالكي يحاول تعويض موقف حزبه الضعيف في مواجهة الاحزاب الشيعية المنافسة. وعلى العكس من رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر او عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الاسلامي الاعلى، فليس لحزب الدعوة ميليشيات ومجموعة اتباعه صغيرة الحجم. وقالت وميض نظمي وهو محلل سياسي «يحاول تقوية حزب الدعوة وبذلك يهمش بقية الاحزاب السياسية الاخرى». واتهم المالكي مراكز بحوث عربية ووسائل إعلام بتدبير «مؤامرة ضد العراق»، من خلال تصوير المتمردين كونهم مقاتلين اسلاميين. وقال نظمي ان صدام حسين ايضا بدأ التشكيك في وجود مؤامرات، وأضاف قائلا ان كثيرين يرون أوجه شبه بين المالكي وصدام حسين، باستثناء ان المالكي أضعف بكثير من صدام. وقال ايضا ان الناس يشعرون بأن المالكي موجود في السلطة لأنه يتمتع بحماية الدبابات الاميركية، ويقول آخرون ان حزب الدعوة ليس لديه شعبية كافية تسمح له بكسب الانتخابات منفردا. والاعتماد على أعضاء حزب الدعوة ساعد على تأجيج الاتهامات بأن المالكي يفضل الشيعة على حساب الأقليات العراقية الاخرى، خصوصا السـنّة. وكان المالكي قد زار أو ساعد في الآونة الاخيرة ضحايا التفجيرات من الشيعة، فيما تعاني المناطق السنية من الإهمال. وأبدى قادة عسكريون اميركيون إحباطا إزاء ما يعتبرونه طبيعة طائفية لمكتب المالكي. ولا يشعر المالكي ومستشاروه بثقة في التحالفات الجديدة بين المسلحين السـنّة وزعماء العشائر الذين انقلبوا ضد «القاعدة» في العراق. وفيما ترى إدارة الرئيس جورج بوش في هذا التطور، يشعر المالكي وفصائل الشيعة الأخرى بأن الولايات المتحدة تعمل على تمكين جماعات لا تزال مصممة على إطاحة الحكومة. ويقول السنيد: «سياسة القوات الاميركية تقوم على اساس مواجهة القاعدة، حتى اذا تحالفوا مع الشيطان، في سبيل ذلك». وأضاف قائلا ان هؤلاء المتمردين سيشكلون ميليشيات مستقبلا ويؤكد ان هؤلاء اذا لم يثقوا في الحكومة فيجب على الجهات المعنية عدم تسليحهم. وفي إشارة الى أعضاء حزب البعث الذي جرى حله، تساءل العبادي قائلا: «هل تريدون إعادة البعثيين؟ لا نريد التخلص من القاعدة ليحل محلها مجرمون». وفقد المالكي بعض تأييد الشيعة، إذ سحب حزب الفضيلة في وقت سابق من هذا العام 15 من نوابه من ائتلاف المالكي. وكان أتباع الصدر قد تركوا الحكومة وانسحبوا من البرلمان الشهر الماضي، ووصل التوتر الى مستوى اضطر قادة في تنظيم الصدر الى التصريح علنا بأن حكومة المالكي على وشك الانهيار. وأنهى أتباع الصدر مقاطعتهم بعد وعد المالكي لهم بإعادة بناء ضريح شيعي في سامراء لحقت به أضرار من جراء تفجير في الآونة الاخيرة. وقال دبلوماسي غربي يعمل مع الحكومة العراقية، ان حزب الدعوة يبحث عن مصالحه، وأضاف قائلا، ان أحزابا شيعية اخرى تشعر بقلق بسبب المالكي وحزب الدعوة. وكان أحمد الجلبي قد قال ان المالكي زعيم مقتدر، إلا ان مكتبه يسيطر عليه حزبيون. ويشعر آخرون بصعوبة في التعامل مع هذا الوضع، ويرى الجلبي ان ثمة حاجة الى تغييره. وانسحبت جبهة التوافق، اكبر كتلة سنية، من الحكومة بسبب الإحباط من قيادة المالكي. وكان البرلمان العراقي قد صوت الشهر الماضي لإقالة رئيسه محمود المشهداني بسبب سلوكه الحاد. وأثار غضب السـنّة صدور امر اعتقال وزير الثقافة الذي اتهم بالمسؤولية عن اغتيال نجلي نائب سني آخر. وقال مسؤول عراقي بارز، في سياق حديثه حول النواب السـنّة، ان إثارة غضب هؤلاء ليست من مصلحة الحكومة في هذا الوقت، لأن هناك عملا من أجل أهداف اكبر. ووافق السنيد مؤكدا ان المالكي لا يستطيع السيطرة على ما يفعله البرلمان، وأشار الى ان المذكرة مسألة قانونية، وأضاف ايضا ان حزب الدعوة وأعضاء آخرين في التحالف هم الذين أقنعوا السـنّة بالعودة الى البرلمان الشهر الماضي. إلا ان جبهة التوافق انسحبت مرة اخرى وتركت فقط نائبا سنّيا للرئيس وواحدا من ستة أعضاء في الحكومة. قال سنيد ايضا ان المالكي فشل في إطلاق سراح قادة سـنّة اودعوا السجن على نحو غير عادل، وفشل ايضا في تطهير قوات الشرطة من أعضاء الميليشيات.
وفي الشارع بدأت نسبة التأييد للمالكي وحكومته تتراجع. وكان عبد الأمير علي، الذي يملك متجرا في حي الكرادة ببغداد، من مؤيدي المالكي حتى قبل سبعة شهور، إلا ان ولاءه الآن، رغم انه عضو في حزب الدعوة، لم يعد كما كان عليه في السابق. إذ انه بات يعاني كغيره من انقطاع التيار الكهربائي وتدهور الرعاية الصحية وارتفاع اسعار الوقود. يضاف الى ذلك ان حي الكرادة كان من أكثر أحياء بغداد أمنا، لكنه الآن بات مسرحا للهجمات الانتحارية وهدفا لقذائف الهاون. وقال علي ان الذين يقودون العراق الآن يتعلمون في الوقت الراهن ابجديات القيادة، وأضاف معلقا انهم يعرفون كيف يشنون مقاومة لكنهم لا يعرفون كيف يقودون دولة. ويلاحظ ان علي فقد أي ثقة في المالكي، الا انه قال انه يتوقع ان يتحسن مستوى الحياة، لكنه قال ان المالكي لا يبدو موجودا وان كل الأحزاب تعمل لمصلحتها.
*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»