إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
اليوم 21 مارس هو عيد الأم في مصر وبعض البلاد العربية، وهو الاحتفال الذي كان فكرة الصحفي المصري القدير علي أمين في عام 1956 واختاره لأنه بداية موسم الربيع. وكنت أحرص في هذا اليوم على زيارة أمي مهما بعدت بنا المسافات. وفي مرة قمت بزيارتها في عيد الأم وصحبتها إلى محل مجوهرات لكي أشتري لها هدية، ولكنها رفضت تماما وبكت وقالت لي كلمة لا زلت أذكرها: “زيارتك دي أحسن هدية” وبكيت معها من التأثر.
وعندما توفت أمي أحسست بأني أصبحت يتيما بالرغم من أني كنت قد تجاوزت سن الأربعين. فقد راحت الإنسانة التي أحبتني بلا شروط وبلا حدود وبلا انتظار أي عائد على هذا الحب، كان حبا أصيلا بلا غرض “حب لمجرد الحب“.
ولم أستطع وقت وفاتها الذهاب للمقابر في قريتنا لحضور دفن أمي لأني لم أكن لأتحمل منظر دخول جسد أمي للمقبرة لأني كنت أتخيل بأن أمي سوف تبقى معي طالما أنا على قيد الحياة.
ودائما أتذكرها في عيد الأم، واليوم فوجئت بمكالمة فيديو من رقم غريب على تليفوني الموبايل، وفتحت الفيديو على تطبيق الواتس آب ووجدت صورة امرأة شابة جميلة، ودار بيننا هذا الحديث:
– فاكر النهاردة إيه يا واد سامي؟
– طبعا فاكر، لكن حضرتك مين؟
– مش عارف أنا مين؟
– لا والله مش واخد بالي.
– انا أمك الحاجة خضرة
(أنا أخدت بالي إنك فيه شبه بين حضرتك وأمي لما كانت شابة)
– ما فيش داعي لكلمة حضرتك، قل لي يا “حاجة” زي ما كنت تناديني زمان
– مش معقول أنا مش مصدق، لكن إنتي بتتكلمي منين؟
– باكلمك من الآخرة.
– آخرة إيه؟ وبتاع إيه؟ إنتي أكيد واحدة عاوزة تبيع لي شاليه في الساحل الشمالي!
– شاليه إيه.. طيب إزاي عرفت إسم أمك؟
– دي سهلة لو دخلتي على كومبيوتر وزارة الداخلية ممكن تعرفي إسم أمي، طيب إديني أمارة ما حدش يعرفها غيري أنا وإنتي بس
– ماشي، ما انا عارفة إنك عنيد وما بتصدقش إلا بالإثباتات! فاكر في سنة من السنين لما جيت لي من أمريكا في يوم عيد الأم وأخدتني لمحل مجوهرات عشان تجيب لي هدية وانا قلت لك: “زيارتك دي أحسن هدية” واحنا الإتنين عيّطنا؟
(وذهلت لأن فعلا هذه القصة لا يعرفها أحد في العالم إلا أنا وأمي)
(ووقع التليفون مني من هول الصدمة)، وسمعت صوت أمي يقول:
– إنت رحت فين يا واد يا سامي
– واد إيه بس يا ستي الحاجة، ده أنا شعري شايب
– ولو برضه.. حتى لو عندك ميت سنة اناديك يا واد يا سامي
(ولم أصدق إني أتكلم مع أمي ووجدت الدموع تنهمر مني بدون أن أشعر)
– انت بتعيط يا واد يا سامي، ما أنا عارفاك من صغرك “دمعتك قريبة” تعيّط على أي حاجة (وسمعت ضحكتها الجميلة … فعلا هي ضحكة أمي)
– دي مش أي حاجة يا “حاجة” أنا باتكلم معاكي بعد وفاتك، ده لسه من سنتين ثلاثة رحت زرت المقابر في البلد وقريت لك الفاتحة
– أنا عارفة، وبالأمارة كان معاك أخوك الكبير
– ده صحيح، أنت عارفة كل حاجة، إنتي مكشوف عنك الحجاب
– كلنا هنا مكشوف عنا الحجاب وبنعرف كل حاجة بتحصل لحبايبنا في الدنيا
– طيب إنتي فين دلوقتي؟ إنت طبعا أكيد في الجنة لأنك بالنسبة لي عمرك ما كنتي بتغلطي أبدا
– أنا مش عارفة أنا فين بالضبط، لكن أحب أقول إني في مكان جميل جدا زي الجنة إللي قالوا لنا عليها، لكن ما فيش حد هنا بيقول عليها الجنة
– طيب إزاي رجعتي شباب كده ما شاء الله، وإيه الحلاوة والجمال ده كله، أنا عارف إنك كنتي حلوة لكن عمري ما شفتك في شبابك الصغير
– هنا يا واد يا سامي كل واحد يختار أجمل سن بالنسبة له علشان يرجع له، وأنا اخترت سني قبل الزواج
– وعندكم تليفونات موبايل كمان … طيب إزاي عرفتي تستخدمي التليفون، ده كنتي ما تعرفيش تفكي الخط؟؟
– جرى إيه يا واد يا سامي أنت حتعايرني عشان ما دخلتش مدارس، أجمل شيء هنا إنك لو فكرت تعمل أي حاجة تلاقيك تعملها من غير سابق معرفة
– طيب إزاي كلمتيني وهل كل الناس ممكن تكلم احبابها على الأرض
– لأ الموضوع ما كانش سهل أبدا، دول يا سيدي بيعملوا زي لوتارية كل 50 سنة وإللي يكسبها يقدر يكلم واحد فقط من أحبابه
– بجد كل 50 سنة وأنتي أخترتيني أنا عشان تكلميني في عيد الأم بعد ما كسبتي اللوتارية من ما بين مليارات الناس في الآخرة؟؟
– طبعا يا واد يا سامي … عشان أنت الوحيد إللي كنت تفتكرني في عيد الأم، فاكر أول هدية جبتها لي كانت عصارة برتقال يدوية، لما كان عمرك 14 سنة، ومش عارفة إزاي قدرت تحوّش تمنها؟
– طبعا فاكر .. ده أنا قعدت أحوش تمنها ييجي سنة من مصروفي
– طيب بتشوفي حد من أحبابك معاكي
– مش مسموح لنا نتكلم عن الموضوع ده
– طيب إيه أخبار الناحية التانية؟
– تقصد إيه بالناحية التانية؟
– أقصد النار والناس هناك عاملة إيه؟ إللي جلودها تتشوي على طول
– احنا ما نعرفش أي حاجة عن الناحية التانية خالص، وما نعرفش أساسا إن فيه ناحية تانية أو تالتة
– طيب أجمل شيء عدنك إيه؟
– أجمل حاجة هنا ما فيش أي مشاكل، ما فيش مرض، ما فيش عجز، ما فيش موت (لأن كلنا أموات هه هه) ما فيش كراهية، ما فيش هنا غير الحب والجمال.
– طيب إيه أكتر حاجة وحشتك من الدنيا؟
– أكثر حاجة واحشاني من الدنيا هي المشاكل، لأن المشاكل بتدّي طعم تاني للحياة
– والله يا حاجة شكلك كده غاوية مشاكل هههه
– احترم نفسك يا واد يا سامي
– طيب حتقدري تكلميني تاني أمتى، ممكن في عيد الأم السنة الجاية؟
– السنة الجاية مش ممكن ، ولكن ممكن عيد الأم بعد 50 سنة ده لو كسبت اللوتارية مرة تانية… مع السلامة يا واد يا سامي … وخليك فاكر أمك الحاجة
جميل وخيال مبدع