مدْماك جديد يراكَم في الساحة الايرانية ويضيف خيطا آخر على تلاوين الصراع بين المعارضة الشعبية والسلطة الدينية وقوتها الضاربة من «حرس ثوري» وميليشيات وشرطة وخلافها. هذه القوات انتهكت قدسية العاشر من محرّم وانقضّت بالهراوات والقنابل الدخانية والرصاص الحي على المتظاهرين المعارضين. لأول مرة يخرج المتظاهرون عن طورهم السلمي ويردّون بالهجوم على هذه القوات. قتلى، فقط قتلى ولا جرحى… وإعتقالات غير عشوائية وإغلاق المجلات النقدية والتعتيم الاعلامي… وهذا كله تراكم ليس بالهين لقطب دولي من اقطاب الاسلامية المسلحة المحررة، الواعد بتضخم دوره مع قنبلته النووية المنتظرة وهدير صوارخ أتباعه في بلادنا.
فنحن أمام حالة غير مسبوقة، لا في الشرق ولا في الغرب: حركة جماهيرية، نعم جماهيرية، غير مؤطرة، غير غوغائية، تعارض حكما اسلاميا تعتبره «فاسدا ومزوراً»، لا حكما يزايد على تديّن الجماهير؛ لا تتغذى هذه الجماهير بأية يوتوبيا دينية، وتقوم، بحسب بعض العارفين على «نواة صلبة من إرادة الفصل بين الدين والدنيا» (الايراني فراهاد خوسرخافار). جماهير لا تصوّب نظرها الى السماء، بحثاً عن الحل، بل نحو دولة قانون، نحو إحترام ارادتها السياسية. وتحرّكها ثورة ضد المحرّمات والممنوعات: ممنوع الخروج الى الساحات العامة، الا لتأييد النظام، ممنوع الافلام والموسيقى، ممنوع على المرأة كذا وكيت من البديهيات في مجتمع معاصر….
حتى العاشر من محرّم، كانت هذه الجماهير سلمية؛ لكنها بعد ذلك أرغمها عنف بلطجية النظام على الدفاع عن نفسها، بالعنف المتوفّر لديها. هذا العنف بالذات هو الإثم الرمزي والملموس بعينه، يصدر عن سلطة قوامها المقدس والاخلاق. انه الشرخ الثاني بعد الاغتصاب. وقد مارسته قوات القمع في السجون ضد رجال ونساء جمعتهم المطالبة باحترام كرامتهم. لازمة التظاهرات، منذ انطلاقتها في حزيران الماضي هي «الكرامة». واذا بغير المحظوظين من بينها من الرجال والنساء يتعرضون للسجن والتعذيب والاغتصاب. وهذه شريعة ليست في الاسلام ولا في دستور الجمهورية الاسلامية. إثم على إثم والشرعية تتصدّع…
ولكن مهلا، التاريخ ليس سريعا مع الذين يستعجلونه. فالنظام قوي، بالمعنى الشرقي للكلمة. أي قوي بأدوات القمع الصريح. ولن يسلّم قبل آخر نقطة من دمه. وهذه حال السلطات في الدنيا. والفروقات بينها تقع في أدوات الصراع ودرجة عنفه ودمويته. ايضا، قد ترجّح كفته حربا اسرائيلية على ايران، حماقة اسرائيلية، من شأنها ان تعيد اللحمة القوية لنفس هذه الجماهير خلف القيادة الايرانية المدافعة عن الوطن، بعدما كانت تصرخ بسقوط مرشدها الأعلى.
وفي هذه الاثناء، الاسئلة التي لا بد منها: هل يستطيع النظام السياسي الاسلامي العقيدي أن ينطلق «عضويا»، أي بمؤازرة الكتلة الأوسع من الناس ثم يبقى «عضويا»الى ما لا نهاية؟ نعم ولا: نعم، استطاع ذلك في بداية عهده الثوري الواعد، وتخلص من كل ائتلاف، ومع ذلك بقي «عضويا»، أو على الاقل مقبولا. الآن، بعد مرور 30 عاما على ثورته، لم يعد كذلك. انه أثر الزمن؛ الزمن استهلك الدوغما، والتجارب المعيوشة، من كبيرة وصغيرة، ناقضتها. وشيئا فشيئا صار لهذا النظام شرطة وميليشيات وبلطجية مدرَّبون، يتجاوز عددهم العشرة ملايين ، ومهتمهم حراسة هذا النظام من إهتراء واجهته، بعدما ذهب أشواطا في استهلاك طقوسه وغيبياته.
والسؤال الأدق ربما: هل من ديمومة للتعايش بين نظرية «ولاية الفقيه» وممارساته من جهة، وبين النظرية والممارسة الديمقراطيتين من جهة أخرى؟ نظريا لا: «ولاية الفقيه» هي حصر للسلطات، فيما الديمقراطية هي توزيعها بالقدر المُتاح من العدل. عمليا، نعم: استطاعت «ولاية الفقيه» في ايامها الاولى، مستندة بذلك الى «عضويتها»، وبالرغم من معارضة كبار رجال الدين لها، ان ترفع محمد خاتمي الى الرئاسة الاولى. ولكن ارتباكها من نواياه الاصلاحية دفعها الى قصّ أجنحته وتحويله الى رئيس-صورة. لماذا تفاقمت الآن أكثر فأكثر إستحالة التعايش بين ولاية الفقيه والديمقراطية. أولا، لأن نظام «ولاية الفقيه» تحوّل عمليا الى حلف ثلاثي هرمي، يقف «الحرس الثوري» في قمته، يليه «الولي الفقيه» أي المرشد على خامنئي، ومن بعده احمدي نجاد. ومن المنتظر، مع اشتداد القمع، ان تزيد شوكة «الحرس الثوري» إيذاء بسبب طغيان «الحل الامني» على اية تسوية سياسية بين طرفي الصراع. والمدهش بالنسبة لنا نحن اللبنانيين ان بعض المراقبين باتوا لا يتوان عن وصف «الحرس الثوري» بالـ«دولة ضمن الدولة» (الايراني عباس ميلاني)… ثانيا: لأن «الولي الفقيه»، أي المرشد الاعلى، علي خامنئي، وقف بوضوح ضد الديمقراطية وانحاز الى القمع. ولأنه، بهذا الموقف، عبر عن وعيه الشديد لمعنى تنازله عن قيادة كافة مؤسسات البلاد، وإن بمساعدة 1500 مستشار. فبدا كالعاجز عن وقف الجموح الأمني. ثالثا: لأنه بسرعة نسبية طلع جيل من الشباب «المعوْلم» (من أصل ثلاثة ايرانيين اثنان منهم شباب)، له نافذة على العالم عبر الانترنت (2،32 مليون ايراني يستخدمونه، مقابل 66 مليون يشكّلون مجمل عدد الايرانيين) ناهيك عن الخليوي ورسائله وهو بحوزة 45 مليون ايراني. «ولاية الفقيه» التي تحكم هؤلاء السابحين في الوقائع الخارجية صارت متأخرة عن زمنهم وقوالبها لا تصلح لهم. فالعوالم المغلقة وحدها تديم «ولاية الفقيه».
ماذا حصل حتى خسرت الجمهورية الاسلامية صفة «العضوية» العزيزة عليها ووقفت صراحة ضد الديمقراطية؟ حصل ما كان لا بد من حصوله: حاولت الجمهورية ان تحسن واجهتها الديمقراطية وتشْرك الجميع بها، كعودة الى «عضويتها» الاولى المفقودة. فأطلقت حملة واسعة غرضها زيادة نسبة التصويت. فعشية الانتخابات والحملات التي سبقتها، خصوصا المناظرات التلفزيونية الحية… كانت لحظات انطلاقة للشعب الايراني لم يشهد مثيلا لها طوال عقوده الثلاثة من الحكم الديني. فخرج الى التصويت من لم يخرج منذ دهر. ونتيجة هذه الحركة الجماهيرية حقّق النظام هدفه، اذ بلغت نسبة التصويت 85%. لكنه خسر نفسه بالوقوف في وجه حركة احتجاجية عارمة، هي نفسها التي لبّت حملته… تتّهمه بالتزوير لصالح رجلها، أحمدي نجاد. ومنذ تلك اللحظة والنظام يتصرف بالقمع السافر، يغلق، يعتقل، يعذب، يغتصب، ويقتل… ومثله مثل أي من الأنظمة البعثية المعهودة، ينظم تظاهراته الموالية والمؤطّرة، حيث تصرخ هذه الجماهير بما لا يقل عن موت لموسوي وكروبي، وجهي المعارضة الابرَزين.
السيناريوهات المحتملة للوضع الايراني لا تُحصى. بعضها مستعجل والآخر متمهّل. والنماذج جاهزة: الصين، بولونيا، حرب أهلية الخ. لكن الأقرب الى المنطق ان الحدث الايراني سوف يفرز نموذجه الخاص. النموذج المضاد لثورة اسلامية هي الاولى في التاريخ المعاصر، وعليها دينٌ كبير تجاه كل الذين أوحت اليهم شيئا من تعاليمها «المقاوِمة»، المعادية للصهيونية والامبريالية والحداثة والثقافة والغرب ودعتهم الى الاستشهاد في مقاتلتها الخ.
وسط الجماهير الايرانية المعارضة اتجاهات مختلفة: دينية علمانية ملكية جمهورية متدينة غير متدينة… والاتجاهات يختلط بعضها ببعض ايضا. وليست معروفة بالضبط درجة ونوعية الزمنية التي بلغتها بعض اطرافها النواتية، كما يعتقد الايراني فراهاد خوسرخافار. ويصعب بالتالي رصد هذه او تلك من التوجهات. لكن من الواضح انه كلما اشتد القمع وأخاف، كلما ابتعدت الجماهير عن الدوغما الاساسية للنظام و اقتربت من نقيضها، أي الزمنية. بل ربما اقتربت اكثر فاكثر نحو العلمانية. وتكون ايران بذلك سبقت الجميع من اهل الشرق الاوسط في تجربة اليوتوبيا التي استحوذت على جماهيرها، فأضاعتها في متاهات الجنون الاستشهادي.
الى متى هذا السبق؟ الله أعلم.
* كاتبة لبنانية-بيروت
المستقبل
مقتلة العاشر من محرّم في الجمهورية الإيرانية الاسلامية: جولة جديدة من تصدّع الهالة والشرعية If any one think the problem is drinking beers , smoking pot and wearing bikinis in the middle of “Saudia Arabia” , I assure you (Problem Solved) , because there is one thousand ways to do that in the middle of Saudia Arabia “Got Anger issues ? Shoot a pillow to take it out” and Analyze This : (In Tehran, during the summer of 2007, a group of young students – male and female – are enjoying a house party. It’s a very hot day. They are… قراءة المزيد ..