حول المؤلف
سيث ويكاس مختص في بحوث المخابرات في إدارة الخزينة الأمريكية في الولايات المتحدة عمل سابقاً كعضو زائر في معهد واشنطن مركزاً على تقاطع السياسة السورية الداخلية والخارجية. في الفترة ما بين 2005 و 2006 ، بحث هذا الموضوع في دمشق كعضو في معهد ديفيد بورن لتعليم الأمن القومي” David Boren National Security Education “. قبل أن يعيش في سورية، عمل كرئيس تحرير أوليف برانش (غصن الزيتون) المجلة الرسمية للمنظمة اللاربحية “بذور السلام” والتي مقرها القدس. كان أيضاً مسؤولاً عن أول منشور للمنظمة باللغة العربية أصدر لاستخدامه في مدارس اللاجئين الفلسطينيين.
السيد ويكاس يتكلم اللغتين العربية والعبرية بطلاقة ويحمل درجة البكالوريوس في دراسات الشرق الأدنى من جامعة برينستون ودرجة الماجستير في الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط من جامعة القدس العبرية. وهو عضو”Dorot” سابق رفيع المستوى في إسرائيل وطبيب مقيم في إدارة شؤون الشرق الأدنى.
الآراء الواردة تعبر عن آراء الكاتب وليس بالضرورة عن آراء إدارة الخزينة في الولايات المتحدة أو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أو مجلس الأمناء أو المستشارين.
جدول المحتويات:
• كلمة شكر
• ملخص تنفيذي
• مقدمة
• مكاسب المعارضة العلمانية
• نقاط ضعف المعارضة العلمانية
• الإسلاميون
• المعارضة السورية والسياسة الأمريكية
كلمة شكر:
هذه الدراسة لم يكن لها أن تتم لولا نشطاء المجتمع المدني الشجعان، المعارضين السياسيين، الكتاب، والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين قابلتهم خلال النصف الأول من عام 2006 وتكلموا عن المعارضة السورية. ومع أني لا أستطيع ذكر أسمائهم هنا ، فإن هذه الدراسة مهداة لهم ولجهودهم الاستثنائية.
أود أن أشكر عدداً من الأشخاص الذين شاركوا بفهمهم العميق في هذا البحث ومن بينهم البروفسور جوشوا لانديس من جامعة أوكلاهوما الذي ساعدني بشكل كبير في بداية هذه المرحلة من الدراسة، والسيد أندرو تابلر المقيم في دمشق وبيروت ومؤسس صحيفة “سوريا اليوم”، والسيد جو بيس، المصدر الغني عن شؤون المعارضة السورية، وزميلي في المعهد ديفيد شنكر لمساعدته الكبيرة في التحرير. وشكر خاص للدكتور رضوان زيادة من مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، فعمق بحثي يعود إلى مساعدته في كل مرحلة من مراحله. وأدين لمساعدتي رنا شهاب التي استوعبت تفاصيل الموضوع بسرعة وساعدت في الفهم الأدبي والترجمة العربية.
ملخص تنفيذي:
اختبرت سوريا المعارضة المحلية منذ أن تولى حزب البعث زمام السلطة في 8 آذار 1963. أسس انقلاب البعث لدكتاتورية الجيش التي يترأسها أفراد من الطائفة العلوية في القيادة. أغضب التأميم طبقة التجار السنة وأدت علاقات هذه الطبقة مع المؤسسة الدينية والإخوان المسلمين إلى تطرف الأخوان وإلى حرب أهلية بين الإسلاميين وقوى الحكومة. انتهت تلك الحرب بمجزرة 1982 في مدينة حماة وإلى تأسيس سوريا كدولة استبدادية. وعلى الرغم من أن الأحزاب العلمانية لم تكن بخطورة الإسلاميين على النظام السوري فقد عاملت الحكومة الشيوعيين و المعارضين العلمانيين بقسوة أيضاً،وبذلك أخمدت أية محاولة للمعارضة في البلد وجعلت سوريا حافظ الأسد جمهورية القمع.
عندما استلم بشار الأسد ابن الرئيس السابق السلطة في عام 2000 اعتقد السوريون من مختلف المستويات أن عهداً جديداً من تاريخ بلدهم قد بدأ. خلال حركة ربيع دمشق بدأ النشطاء العلمانيون بتشكيل مجموعات للحوار عملت على الانتقاد المفتوح للنظام ودعت إلى الإصلاح السياسي. ولم تشهد سوريا منذ الخمسينيات نشاطاً مدنياً كهذا يدعو إلى التغيير المحلي. ورغم أن الحكومة أخمدت هذه الحركة بعد ستة شهور من مولدها، دأبت المعارضة العلمانية على توحيد العرب والكرد في إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في تشرين الأول 2005 ثم دعم المثقفين السوريين لإعلان دمشق بيروت في أيار 2006 والذي دعا إلى إعادة تقييم العلاقات السورية اللبنانية. مكن الوصول إلى الإنترنت المدافعين عن حقوق الإنسان ومجموعات المجتمع المدني من الاتصال ببعضهم والنشر عن الظروف في سوريا. وقد شكلت نشاطات المعارضة العلمانية تهديداً جدياً للنظام السوري من الصعب استبعاده. و مع أنها أصبحت معروفة على الصعيدين الدولي و المحلي، إلا أن المعارضة العلمانية لم تجار الجهاز الأمني الذي يسيطر على كافة مظاهر الحياة اليومية. قضت الحكومة على ربيع دمشق بشن حملة اعتقالات واسعة، وإغلاق المنتديات، والتشديد على أن كل من يتصل بالمعارضين في الخارج سيعاقب بشدة. وأكثر ما عرقل المعارضة هي رسالتها التي ركزت على الإصلاح السياسي وليس على الوضع الاقتصادي القاسي لمعظم السوريين. ترافقت هذه الحقيقة مع غياب الوسيلة الفعالة لنقل رسالة المعارضة إلى الجماهير (الذين نشروا الفكر المناوئ اعتقلوا)،والانقسامات بين المعارضين العرب والأكراد، والفشل في جذب الشباب، ونجاح النظام في تقسيم صفوف المعارضة من خلال الرشوة والتخويف وعزل زعمائها مما أدى إلى تهميشها و منعها من أن تصبح قوة فاعلة.
لقد واجه النظام المعارضة الإسلامية ممثلة بجماعة الأخوان المسلمين والحركات الإسلامية التي ظهرت في العالم العربي. هذا العامل أظهر سياسة سورية نحو الإسلام. ظل النظام يعتبر أن أي اتصال مع الإخوان المسلمين خطً أحمر ويعتقل الأفراد المعروفين في الأحزاب الإسلامية، وفي الوقت نفسه أوجد سياسة الإسلام الموالي للدولة التي ترحب بممارسة الشعائر الدينية بشكل أوسع،وتدعم المؤسسات الدينية،وتسمح لرجال الدين المؤيدين للحكومة بالكلام الحر. لم توجد معارضة إسلامية ناجحة ومنظمة، ويعتقد العديدون أن الجماعات الإسلامية كجند الشام وغرباء الشام، والتي تعارضت مع سلطات النظام، هي ببساطة من صنع النظام، كي يبين أن الحكومة تتعامل بكفاءة مع الإسلام الراديكالي بالمشاركة أو القمع. نجحت الحكومة في كبح الإسلاميين المشبوهين ولكن دعمها لبناء المساجد محفوف بالمخاطر ويمكن أن يؤدي بالحكومة إلى فقدان السيطرة.
لدى الحكومة الأمريكية سجل فقير عن المعارضة السورية. لقد تحدثت إدارة بوش مع جماعات المعارضة داخل وخارج سوريا، ولكن المعارضة الداخلية قابلت دعم الولايات المتحدة باللامبالاة. تصف الحكومة السورية أولئك الذين يتعاطون مع الأجانب بالخونة، كما أن غزو العراق، وعزل حكومة حماس بعد الانتخابات الفلسطينية الديمقراطية، ونقص مساندة لبنان خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله، كل ذلك أدى إلى انعدام المصداقية الأمريكية في عيون المعارضة السورية في الداخل. إن تقديم الإدارة الأمريكية خمسة ملايين دولار للحكم السوري Syrian governance و برامج الإصلاح في أوائل 2006 لم يساعد المعارضة بسبب الخوف من أن أخذ النقود قد يؤدي إلى إيذاء أعضاء المعارضة السوريين واعتبارهم كعملاء للأجانب. علاوة على ذلك فالمعارضة السورية في الداخل تخشى أن تنحى جانباً فيما إذا حدث أي تقارب أو صفقة بين الحكومة السورية والولايات المتحدة في المستقبل.
في سوريا، ما يخدم الحكومة الأمريكية هو التركيز على بناء علاقات أقوى بأعضاء المعارضة، وجلب المعارضين الراغبين للتحدث مع المسؤولين في الحكومة الأمريكية حول الأوضاع في سوريا. يجب أن تتابع الحكومة الأمريكية بحذر تجليات الأصولية الإسلامية الصاعدة في سوريا وردة فعل الحكومة السورية عليها. على المدى القصير تبقى المعارضة المحلية ضعيفة ولا يمكن النظر إليها على أنها وسيلة للتغيير، ولكن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في مساعي المعارضة. إن عمل أمريكا في سوريا يجب أن يركز على إضعاف حلفاء سورية، إيران وروسيا، وإقناع الاتحاد الأوروبي والفاعلين إقليمياً بعزل سوريا والضغط عليها لإجبار النظام على تغيير سلوكه.
مقدمة:
تبحث هذه الدراسة في المعارضة المحلية لحكومة الجمهورية العربية السورية. ومع أن هذه الورقة تركز على الوضع الحالي للمعارضة فإن معارضة النظام السوري ليست ظاهرة حديثة. لأربعين سنة مضت، واجهت حكومة البعث السورية الخصومة المحلية، ما أنتج سنوات من عدم الاستقرار. فبعد إعلان استقلالها عن فرنسا عام 1946، عانت سوريا من سلسلة من الانقلابات العسكرية والتغيرات في شكل الحكومة من الديمقراطية إلى الديكتاتورية العسكرية. ومع أن حزب البعث العربي الاشتراكي استلم زمام السلطة في عام 1963، شهدت الستينيات خضوع الحزب لانقلابات داخلية وظهور قيادة سيطرت عليها الطائفة العلوية، الأقلية المضطهدة طويلاً، والتي تشكل فقط 10% من سكان سوريا. عندما استلم وزير الدفاع حافظ الأسد السلطة في تشرين الثاني من عام 1970 دخلت سوريا عهداً جديداً من الاستقرار الداخلي نسبياً.
هذا الاستقرار على أية حال كان له ثمن. غضبت مؤسسة التجار العرب المسلمين السنة عندما استلم السلطة في 8 آذار 1963 كادر من ضباط جيش البعث، علماني فقير وتقوده أقلية. إذ هدد انقلاب البعث المصالح السياسية للسنة بالسيطرة على الحكومة والمصالح الاقتصادية بتأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد. علاوة على ذلك فالأسد استلم السلطة في الوقت الذي بدأ فيه الشبان العرب الراديكاليون “جيل عام 1967”- وهم يرون اندحار العالم العربي في حربه مع إسرائيل في 1967- يتحولون إلى الشيوعية والحركات السياسية الأخرى للتعبير عن نقمتهم والاحتجاج على فساد الأنظمة العربية السياسي والاجتماعي والاقتصادي. بهذه الطريقة شكلت التيارات الدينية- التجارية والعلمانيون قاعدة المعارضة في سوريا.
عناصر المعارضة الدينية والعلمانية:
إن سيطرة البعث عام 1963 حرضت كلاً من المتدينين والعلمانيين في سوريا. فالتأميم الاقتصادي صدم طبقة التجار السنة وأغاظ رجال الأعمال في المدن الكبرى. العديد من التجار وخاصة في مدينة حماة كانوا مرتبطين بشكل وثيق بالمؤسسة الدينية الإسلامية. والاشتباك الأول بين الأكثرية السنية والحكومة ظهرت كنزاع بين أعضاء جماعة الأخوان المسلمين التي تأسست في أواخر الثلاثينيات وقوات الشرطة. ثار الأخوان المسلمون ضد الحكومة خلال الستينيات ولكن الاستقرار الذي أعلن عنه حافظ الأسد في عام 1970 أدى إلى تأجيل العنف. في السنوات الست الأولى من حكم حافظ الأسد اختبرت سوريا مستويات من الاستقرار والحرية والتوسع الاقتصادي لم تٌشهده منذ الاستقلال. ولكن في عام 1976 بدأ نمو البلد يتباطأ. من 1976 إلى 1982 تكثفت الاشتباكات بين الأخوان المسلمين والحكومة وقادت سوريا إلى الحرب الأهلية. اتخذت الحكومة موقفها النهائي ضد الأخوان المسلمين في حماة عام 1982 بتحطيم ثلث المدينة وقتل ما بين 15 و 25 ألف شخص والقضاء على تأثير الأخوان المسلمين في الحياة اليومية.
كانت أحداث حماة إشارة إلى لحظة محورية في السياسة الداخلية السورية حولت الأسد من زعيم وعد بنمو اقتصادي وبمستقبل أسطع للسوريين إلى دكتاتور متوحش اعتمد أكثر الأساليب وحشية للقضاء على المعارضة الداخلية، ووسمت الإسلاميين كأكبر تهديد للنظام والأمن الداخلي، جاعلة قمع العناصر الإسلامية أولوية عند النظام.
تضمنت السنوات التي أدت إلى أحداث حماة أنواعاً أخرى من القمع الداخلي أيضاً، إذ قوضت الحكومة النقابات المهنية الموجودة قبل ثورة 1963 والتي تمتعت بحكم ذاتي نسبياً لعقود من الزمن. في أواخر السبعينيات دعت نقابة المحامين ونقابة المهندسين إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وفي 1980 دعت الأخيرة إلى حرية التعبير وإنهاء حالة الطوارئ. في آذار 1980 نادت هذه المنظمات ونقابة الصيادلة إلى إضراب وطني احتجاجاً على عدم استجابة الحكومة لمطالبهم من أجل الإصلاح. عندما فشل في تخويفها، قام النظام بحل جميع النقابات المهنية وأسس أخرى جديدة تخضع إلى قيادة معينة من قبل الحكومة وإلى سيطرة حزب البعث.
العديد من الأحزاب والتجمعات الأخرى عارضت نظام الأسد. والشبان العرب الذين عايشوا هزيمة 1967 التي حدثت عندما كان الأسد وزيراً للدفاع،احتجوا على خواء خطاب البعث. ورداً على الجبهة الوطنية التقدمية، وهي اتحاد للأحزاب الموالية للنظام، شكل منتقدو النظام التجمع الوطني الديمقراطي عام 1979 كمظلة لأحزاب المعارضة. وبالرغم من أن العديد من أولئك الأفراد والأحزاب دعوا إلى المعارضة السلمية ونبذ العنف إلا أن النظام تعامل معهم بقسوة وسجنهم لمدد طويلة. بعض المعارضين السوريين الأبرز اليوم كانوا من بين أولئك الذين سجنوا خلال حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الحكومة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. أمضى الكثيرون عقداً من الزمن على الأقل في السجن. ومع أن الأحزاب والأفراد العلمانيين لم يشكلوا تهديداً للنظام كالإخوان المسلمين إلا أن تجربة الحكومة مع الأخوان أدت إلى تبنيها نهجاً قاسياً ضد جميع المعارضين في القطر.
فهم سوريا اليوم:
خلافاً للسبعينيات، حيث كان الخلاف الرئيسي بين الأخوان المسلمين ونظام حافظ الأسد، فالسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين شهدت اصطفافاً مختلفاً. من جهة حامل لقب أسد دمشق الفخري: نظام بشار الأسد ابن حافظ الأسد الغربي التعليم والمتحدث بالإنكليزية وطبيب العيون. ومن جهة أخرى المعارضة العلمانية في البلد. لأن القانون رقم 49 (1980) أعلن أن عضوية الأخوان المسلمين جريمة كبرى فالأشكال الأبرز للمعارضة هي علمانية في طبيعتها، وتدعو إلى التغيير السلمي نحو الديمقراطية والحريات والحقوق الأساسية وإنهاء حالة الطوارئ وحكم الحزب الواحد. والعديد من هذه المجموعات تعبر عن نفسها بمفهوم المجتمع المدني العلماني أو مجموعات مدنية متطوعة لردم الهوة بين الدولة والمجتمع، مثل المنظمات الحقوقية والمنظمات اللا ربحية و الجمعيات النسوية. هذا المفهوم ثوري في سوريا. مدت الدولة نفوذها إلى جميع مجالات الحياة لعقود من الزمن، والفضاء المتبقي كان يحتله المجتمع المدني الإسلامي عادة: المؤسسة الدينية الإسلامية وفرت الخدمات والمساعدات التي لم توفرها الحكومة.
بعد مجزرة حماة فهم حافظ الأسد قوة المشاعر الإسلامية ودعا إلى إسلام يؤدي إلى البعث والحكم العلوي الذي سيستثني المعارضة الإسلامية المحلية. فعل ذلك من خلال رعاية الدولة للنشاطات الإسلامية وجعل دمشق مقراً لعشرات من المجموعات الإرهابية الإسلامية والفلسطينية. في السنوات الأخيرة حدثت صحوة إسلامية في كامل الوطن العربي ومن ضمنه سوريا. يتحول العرب إلى الإيمان والممارسة الإسلامية الأكبر وهم يرون إفلاس الشيوعية والبعثية والقومية العربية. صعد نظام بشار الأسد مشاركة العناصر الإسلامية لمنع أي ردة فعل للقواعد الدينية.
المعارضة المنظمة الوحيدة للنظام هي فسيفساء من جماعات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية والنشطاء الأفراد. إن وجود عناصر المعارضة هذه والمشاعر الإسلامية القوية عند العديد من السوريين ومحاولة النظام أن يكون أكثر تعاطفاً مع الإسلام كلها عناصر رئيسية لاعتبارات السياسة الأمريكية. هذه الدراسة تنظر في نقاط القوة والضعف للمعارضة العلمانية ومكان الإسلام في الدولة والمجتمع السوريين والتوصيات بالنسبة للسياسة الأمريكية قياساً بهذين العنصرين.
مكاسب المعارضة العلمانية:
أحست المعارضة العلمانية أن تغييراً قد حصل بعد خطاب بشار الأسد في 17 /7 /2000. لامس الخطاب كافة مشاكل المجتمع السوري: تباطؤ التنمية، دور المواطنين، الشفافية السياسية والاقتصادية، الديمقراطية، الإصلاح الإداري، التعليم، وتهيئة سوريا للقرن الحادي والعشرين. لامس المواضيع التي تجاهلها أبوه لأكثر من عقد من الزمن: إذ ركز حافظ الأسد على السياسة الخارجية. إن مجرد ذكر بشار للمشاكل المحلية كان خطوة مهمة.
يدل تحليل الخطاب على مدى مراوغة بشار في الأمور المهمة التي أثارها. قال الرئيس الجديد عن الديمقراطية: إلى أي مدى نحن ديمقراطيون؟ وما هي مؤشرات غياب الديمقراطية؟ هل هي في الانتخابات أم في الصحافة الحرة أم في حرية الكلام أم في الحريات والحقوق الأخرى؟ إنها ليست أي منها لأن جميع هذه الحقوق وغيرها ليست هي الديمقراطية، بل بالأحرى هي ممارسات ديمقراطية… نحن لا نستطيع أن نطبق ديمقراطية الآخرين على أنفسنا. الديمقراطية الغربية مثلاً هي محصلة تاريخ طويل أنتجت أعرافاً وتقاليد ميزت الثقافة الحالية للمجتمعات الغربية… يجب أن يكون لدينا تجربتنا الديمقراطية والتي هي استجابة لحاجات مجتمعنا ومتطلبات واقعنا.
عن الشفافية قال: “لا شك أن الشفافية شيء مهم وأنا أدعم مثل هذا المسعى، ولكن من خلال فهم ملائم للتعبير والأرضية التي يمكن أن يبنى عليها.
لم يتكلم بشار الأسد عن كيفية تطبيق مبادئ الديمقراطية والشفافية على الحكم السوري وبالأحرى ركز على معاني الكلمات. استعمل الأسد الكلمات المعروفة في السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين ولكنه ركز على الحذر في تعريفها وسياقها.
اعتقد العديد من أولئك الذين عارضوا نظام حافظ الأسد بشدة، أن الرئيس الجديد قد يغير النهج. فقد رأى النشطاء والمعارضون،والذين ناضلوا لسنين،انفتاحاً في تنصيب الرئيس الجديد إلى أن تخلصوا من هذه الفكرة بعد أقل من سنة من ذلك الخطاب البكر.
ربيع دمشق و بيانات الـ 99 و 1000:
ما بين صيف 2000 و 2001 وفي حركة تعرف اليوم بربيع دمشق، شهدت سوريا ازدهاراً في التعبير والتجمع والعمل السياسي لم يعرف منذ الخمسينيات. قاد الحركة مجموعة من الرجال في الستينيات والسبعينيات من العمر، اختبروا قمع الحكومات السورية المختلفة في السجن وخلال التحقيق معهم من قبل المخابرات وقوات الأمن. هؤلاء الأفراد شهدوا سوريا في الأربعينيات والخمسينيات عندما كانت تنبض بالحركة السياسية والتغيير وعندما كان التنظيم في أحزاب سياسية ممكناً. انضم الجيل الأصغر المولود في الخمسينيات إلى الحركة أيضاً. لقد أصبحوا راديكاليين نتيجة هزيمة العرب أمام إسرائيل في حزيران 1967 ورفضوا القومية العربية لصالح الشيوعية والعقائد الأخرى.
ظهرت بوادر ربيع دمشق قبل أيام من موت حافظ الأسد في حزيران 2000 عندما نظم الصحفي والناشط المدني المعروف ميشيل كيلو لقاء للكتاب والناشطين والفنانين في منزل المخرج نبيل المالح، وتطور اللقاء إلى لجان إحياء المجتمع المدني (CRCS) والتي تستمر في عملها إلى اليوم. بدأت كمجموعات حوار بهدف إنعاش الحراك الثقافي والديمقراطي في سوريا.
تبع ذلك منتديات أخرى. حالما بدأت لجان إحياء المجتمع المدني أسس عضو البرلمان رياض سيف منتدى الحوار الوطني، وهو مجموعة حوار سياسي تلتقي أسبوعياً في منزله في دمشق.
لربيع دمشق وقادته الفضل في إنجازين وضعا الاتجاه العام للمعارضة خلال ولاية بشار الأسد. الأول كان الاستخدام الفعال للبيانات العامة في الإعلام. ففي أيلول 2000 أصدرت “الحياة”،الصحيفة اليومية العربية في لندن،البيان الموقع من قبل 99 مثقفاً ومعارضاً وناشطاً مدنياً سورياً وطالب بـ:
• إنهاء حالة الطوارئ المعمول بها منذ 1963
• العفو عن المعتقلين السياسيين
• ضمان الحريات العامة
• وتحرير الحياة العامة من القوانين المقيدة
و في حين كان بيان الـ99 عبارة عن صفحة واحدة مقتضبة، كان بيان الألف الصادر في كانون الثاني 2001 والموقع من قبل ألف معارض أكثر طموحاً وتفصيلاً. أدان البيان حكم الحزب الواحد وتهميش المجتمع المدني وتضمن ثماني نقاط:
• إلغاء قانون الطوارئ
• حرية الصحافة
• قانون انتخابات ديمقراطي
• قضاء مستقل
• حقوق اقتصادية لجميع المواطنين
• إعادة تقييم للجبهة الوطنية التقدمية الموالية للنظام.
• القضاء على التمييز ضد المرأة
والمشترك في هذه المطالب هو الدعوة إلى المشاركة الديمقراطية ودور المواطن السوري.
النص الأصلي على صفحة الشفاف الإنكليزية:
http://www.middleeasttransparent.com/article.php3?id_article=1396&lang=en
هاجم بيان الألف بشدة نظام الحزب الواحد الذي ركز السلطة في يد نخبة طائفية صغيرة وتوزيعها على الموالين المقربين والموثوقين. وفي حين تحدث بيان الـ99 في العموميات قدم بيان الألف نفسه كطريق للإصلاح.
أثبت البيانان كم يمكن أن تكون قوة البيانات العامة والإعلام. في عام 2000 دخلت الإنترنت بصعوبة إلى سوريا ولكن إصدار البيانات إلى الإعلام العربي كان أداة فعالة لإيصال رأي المعارضة. وحالما أصبحت الإنترنت منتشرة بشكل واسع استخدم أعضاء المعارضة المواقع الالكترونية والبريد الالكتروني لنشر رسالتهم. ومع أن السلطات السورية حجبت بعض مواقع المعارضة داخل سوريا، اعتمدت مجموعات وأفراد مختلفون على البريد الالكتروني كوسيلة أساسية للاتصال بمن هم خارج سوريا.
لم تبد الحكومة السورية أية استجابة لبيان الـ99 و لكن نشر بيان الـ1000 أنذر بنهاية ربيع دمشق. في نهاية كانون الأول دعا رياض سيف إلى تشكيل حزب سياسي مستقل هو حركة السلم الاجتماعي. لم يستطع النظام تحمل تلك الحركة، واعتبارا من شباط 2001 بدأ باعتقال ومهاجمة أعضاء المعارضة.
منتديات الحوار:
كانت منتديات الحوار القطب الثاني لحركة ربيع دمشق. بعد أن تأسست لجان إحياء المجتمع المدني ومنتدى رياض سيف للحوار الوطني في صيف العام 2000، ظهرت منتديات للحوار السياسي في كل مدينة وبلدة رئيسية في سوريا، ولعبت دوراً أساسياً في التثقيف السياسي وفي تجميع الناس. إن عهد ما بعد أحداث حماة قد أقفل الجدل والحوار في سوريا. وخلال الثمانينيات و التسعينيات كانت السياسة قطاعا محتكرا من الحكومة. إن الافتقار إلى الحوار السياسي خلال تلك الفترات بالإضافة إلى احتكار حزب البعث لجميع مجالات الحياة خنق كل أنواع الحوار والنقاش السياسي وغير السياسي. علق أحد المثقفين، والذي باشر بمجموعة حوار في عام 1996 للطلاب السوريين، بالقول إن السوريين لم يعرفوا كيف يفكرون عن أنفسهم وكيف يأخذون زمام المبادرة أو كيف يتناقشون ويطورون أفكارهم. بعد 34 سنة من حكم البعث توقف الناس عن استيعاب ماذا تعني المشاركة السياسية أو حتى كيف تكتب عن السياسة. وقد سمحت مجموعات الحوار للناس بإبداء آرائهم في جو بدا أقل تهديدا منه قبل عام 2000.
إن جمع الناس في مناطق مختلفة من سوريا كان إنجازاً هاماً لمنتديات الحوار. وبالرغم من تجاهل الإعلام السوري لمنتدى سيف إلا أنه اجتذب الإعلام العربي ولقد عرض على قناة الجزيرة.
المنتديات الأخرى تضمنت منتدى الكواكبي الذي سمي باسم عبد الرحمن الكواكبي المفكر السوري الذي نادى بالنهضة العربية، ومنتدى طرطوس للحوار الوطني الديمقراطي والذي تزعمه حبيب صالح (اعتقل مؤخراً وأمضى خمسا من السنين الستة الماضية في السجن)، ومنتدى جلادت بدرخان على اسم الناشط الكردي وتزعمه مشعل تمو في القامشلي شمال شرق سوريا.
ربما كان المنتدى الأكثر شهرة هو منتدى الأتاسي للحوار الديمقراطي والذي كان آخر منتدى يغلق في ربيع 2005. سمي المنتدى باسم القومي السوري البارز جمال الأتاسي والذي كان وزيرا في حكومة البعث الأولى ولكنه فيما بعد عارض رؤية حافظ الأسد لسوريا. يعقد المنتدى في السبت الأول من كل شهر في بيت سهير الأتاسي ابنة جمال. يبدأ المنتدى بمحاضرة مدتها نصف ساعة يتبعها نقاش. كان المنتدى مفتوحاً للجميع ، وفي العديد من المناسبات حضر أكثر من 300 شخصا. قصد المنتدى نشطاء وفنانون وصحفيون بارزون تحدثوا عن حقوق الإنسان والديمقراطية والتعليم والبطالة والفقر بهامش من الحرية لم يعرف حتى تلك اللحظة. ويدين منتدى الأساسي بطول عمره إلى اسمه لأن جمال الأتاسي كان أحد أعضاء حزب البعث الأوائل واعترف به الجميع في سوريا، حتى عائلة الأسد، كوطني حقيقي.
جماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني:
تتعهد جماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والصحافة الإلكترونية في عملها- رغم ضعفها- باستمرار روح ربيع دمشق. ورغم أن مواقعها يمكن أن تحجب في سوريا إلا أن جماعات حقوق الإنسان أحسنتْ استخدام الإنترنتِ والبريد الإلكتروني لنشر حالة حقوق الإنسان في البلد. إذ يرسل عمار قربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بنشرة شبه يومية باللغة العربية إلى البريد الإلكتروني لأكثر من ألف شخص ومنظمة بالاعتقالات والمحاكمات وانتهاكات حقوق الإنسان. وكثيرا ما تنشر تقاريره في الصحف اليومية العربية كالقدس العربي والحياة وإيلاف. ثمة موقع بارز آخر هو “ثرى” وهو مجلة أسبوعية أدبية واجتماعية ناقدة تركز على حقوق المرأة والطفل. ويرسل موقع “كلنا شركاء” ويديره عضو حزب البعث أيمن عبد النور ملخصا يوميا بالعربية والإنكليزية بمقالات كتبت داخل أو خارج سوريا حول الشؤون الخارجية والسياسة الاجتماعية والإصلاح لأكثر من 17000 شخص منهم 11000 في سوريا.
استخدمت السلطات السورية عدداً من الوسائل لمواجهة التعبير المتزايد. مثلاً أغلق موقع “كلنا شركاء” بعد فترة قصيرة من إطلاقه. بعد أن بدأ عبد النور بالتوزيع عبر البريد الالكتروني أغلقت السلطات العنوان الأصلي وأجبرته على إرساله من عنوان جديد. ولعب عبد النور والسلطة لأكثر من ستة أسابيع لعبة القط والفأر، إغلاق وتغيير عنوان البريد الإلكتروني. وفي أوائل 2007 حسّن عبد النور الموقع وهو يواصل تغيير عنوان الإرسال والمخدم تجنبا للحجب.
في مجال حقوق الإنسان تستخدم الحكومة أساليب قانونية لمواجهة منظمات حقوق الإنسان، فكثيرا ما ترفض طلبات الترخيص لهذه المنظمات. وقد استخدم عمار قربي هذا لمصلحته بنشر رفض وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لطلب الترخيص لمنظمته في تقريره.
هناك أيضا جهود لبناء مجتمع مدني سوري ومجموعات عمل بالرغم من أن العملية بطيئة جداً. قليلون هم النشطاء الذين يعرفون كيفية وضع تصريح صحفي أو مشروع منحة. يفتقر هؤلاء إلى الخبرة أو التدريب بل ولديهم صعوبة حتى في توضيح أفكارهم. مع ذلك فالعديد من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان يديرون حلقات تدريب خاصة بهم يتعلمون فيها مهارات إصدار تصريح أو تقديم اقتراح أو ابتكار خطة..، ولكن كما لاحظ أحد الناشطين الحقوقيين ” نذهب إلى مؤتمر، نتعلم بعض المهارات ولكننا حقاً لا نستطيع استخدامها في هذه البيئة…. لا يوجد مجتمع مدني هنا ما عدا حقيقة أنه لدينا تدريب ومؤتمرات”. بالإضافة إلى ذلك يذهب العديد من النشطاء إلى الدول العربية أو إلى أوروبا ولكن سفرهم خارج الشرق الأوسط يثير حولهم الاتهامات وأبرزها أنهم عملاء للأجانب يعملون ضد المصلحة الوطنية.
إعلان دمشق:
ارتفعت الروح المعنوية للمعارضة بنشر إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في 16 تشرين الأول 2005. وقع الإعلان من قبل خمسة تجمعات سياسية وتسع شخصيات معارضة معروفة. وتكمن أهمية الإعلان في أن مفكرين ونشطاء بارزين من مختلف الأطياف الأيديولوجية وأحزاباً كردية ولجان إحياء المجتمع المدني والتجمع الوطني الديمقراطي وقعوا على الإعلان. وحسب حسن عبد العظيم، الناطق الرسمي باسم التجمع، فالعمل على الإعلان بدأ عندما اجتمع عضوان من لجان إحياء المجتمع المدني مع الأمين العام لجماعة الأخوان المسلمين المنفي علي صدر الدين البيانوني في المغرب للاتفاق على برنامج مشترك لجبهة المعارضة السورية المحلية – المنفية. ومع أن الأخوان المسلمين والأحزاب المعارضة الأخرى ليست مجال هذه الورقة إلا أن إعلان دمشق يجب أن ينظر إليه على أنه وثيقة إجماع للأحزاب العربية والكردية في سوريا والعناصر داخل وخارج سوريا.
اجتمع نشطاء المجتمع المدني في مكتب رجل الأعمال ورئيس الحزب الوطني الحر سمير نشار في ربيع 2005 للبدء بوضع مسودة الإعلان. شدد نشار على أن الوقت قد حان لفتح الحوار مع الأخوان المسلمين وجمع المعارضة المنفية والمحلية. وركز الإعلان على النقاط التالية:
• إن الضرر الذي لحق بالبلد وتمزيق النسيج الاجتماعي يعودان إلى احتكار النظام الاستبدادي للسلطة.
• تأسيس نظام وطني ديمقراطي كطريق رئيسي للتغيير والإصلاح السياسي بالاعتماد على الحوار والاعتراف المتبادل.
• عدم إعطاء أي حزب أو اتجاه الحق في الادعاء بدور استثنائي.
• ضمان الحرية للأعضاء والمجموعات والأقليات الوطنية للتعبير عن أنفسهم.
• إيجاد حل ديمقراطي وعادل للقضية الكردية في سوريا يضمن الحقوق والمساواة لجميع المواطنين الأكراد.
• تعليق قانون الطوارئ وإلغاء القانون 49 (عقوبة الإعدام لعضوية الأخوان المسلمين).
• تشكيل المنتديات والصالونات والهيئات لتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.
• الانتخاب الشعبي لجمعية تأسيسية جديدة تضع مسودة دستور جديد.
خلافاً لبيان الـ 99 و بيان الـ1000 اللذين وقعهما أفراد، تضمن إعلان دمشق اتفاق التجمعات السياسية السورية. وبشفافية أكبر جاءت طبعة تشرين الثاني 2005 من الموقف الديمقراطي بعشرين صفحة من بيانات الدعم من الأخوان المسلمين وحزب العمل الشيوعي والجماعات السياسية الكردية وجماعات حقوق الإنسان ومنتديات الحوار.
ومع أنه وثيقة ناقصة إلا أن إعلان دمشق كان القاعدة التي يبدأ منها التنسيق بين التجمعات المختلفة. في شباط 2006 أسس الموقعون مجلسا” وطنياً: ممثل للإعلان في كل محافظة، مكتب صحفي، ولجان متابعة وتنسيق ولجنة تنفيذية. تظهر بيانات إعلان دمشق في هيئتي الأخبار العربية في لندن إيلاف والقدس العربي وعلى الإنترنت في موقع أخبار الشرق المرتبط بجبهة الخلاص الوطني وهي تحالف بين الأخوان المسلمين ونائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام.
حاول الموقعون على الإعلان الاستفادة من انشغال النظام بأحداث أخرى عند توزيع الإعلان. في 20 أكتوبر 2005 كان من المنتظر صدور تقرير لجنة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس. وقد كان رجل الأعمال الحلبي سمير نشار مصراً على إطلاق الإعلان قبل تقرير ميليس لتفادي اتهام المعارضة باستغلال ضعف النظام. وعلى أية حال حظيت المعارضة بمهلة لأن الحكومة السورية كانت منشغلة بمواجهة نتائج تقرير ميليس الذي قرر أن الاغتيال لم يكن ليحدث بدون معرفة المسؤولين ذوي الرتب العليا في المخابرات وقوى الأمن السوري وتواطؤ النظام السوري في عملية الاغتيال. ولأن النظام كان مشغولاً في الرد على هذه التهم لم يسجن أي ناشط في إصدار الإعلان. وفي الثاني من نوفمبر أي بعد مدة قصيرة من صدور التقرير أطلقت سوريا سراح 190 معتقلاً سياسياً، الأغلبية العظمى كانوا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، في إشارة إلى أن دمشق قد فهمت الضغط الدولي المكثف الذي كانت تخضع له.
وعلى أية حال، فإنكار أحد شهود ميليس الرئيسيين لشهادته وتمديد التحقيق وتنحي ميليس عن رئاسة اللجنة في ك1 / 2005 جدد ثقة النظام بقدرته على تجاوز الضغط الدولي وحفز الحكومة على الاستمرار بحملة إسكات العناصر المحلية المعادية. جدد النظام كم أفواه المعارضين بكامل قوته في آذار / 2006 عندما أصدر بيانا يحذر نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء المعارضة السورية بأن الاتصال بالولايات المتحدة يعتبر خطا أحمر.أتى هذا الإنذار بعد اعتقال عمار قربي المدافع عن حقوق الإنسان لدى عودته من مؤتمر في باريس برعاية معهد إبسن. سبق هذا المؤتمر اجتماع عقد في واشنطن في ك2 / 2006حيث اجتمعت المعارضة السورية من داخل وخارج سوريا لمناقشة نقاط الالتقاء بين الطرفين. وقد تخوف النظام من تقوية الروابط بينهما وخاصة العلاقات بين المعارضة المحلية وجبهة الخلاص الوطنية الممثلة بالإخوان المسلمين الخط الأحمر بالنسبة للنظام.
المعارضة تذهب غربا: إعلان دمشق بيروت:
تجاوزت المعارضة الخط الأحمر بإصدار إعلان دمشق – بيروت الموقع من قبل أفراد وأحزاب سياسية محظورة. فعلت ذلك في أيار 2006 بإصدار وثيقة تنتقد سياسة سوريا في لبنان. في 12 أيار نشر الإعلام اللبناني والمواقع الالكترونية للمعارضة السورية إعلان دمشق بيروت وهو وثيقة بعشرة نقاط تنتقد العلاقات السورية اللبنانية وتركز على:
• احترام استقلال وسيادة كل من سوريا ولبنان والتمثيل الدبلوماسي وترسيم الحدود بين البلدين.
• الاحترام المتبادل للقانون والمؤسسات والانتخابات وحقوق الإنسان
• تأسيس نظام ديمقراطي في البلدين
• شجب الاعتقال السياسي ودعم التحقيق في اغتيال رفيق الحريري
وقع البيان من قبل 250 مثقفاً سورياً ولبنانياً، وخلال أسبوع قامت سوريا بأكبر عدد من الاعتقالات منذ قمع ربيع دمشق عام 2001. كان توقيت البيان مهماً لكلي الحكومة والموقعين، إذ نشر خلال التحقيق في قتل الحريري بقيادة البلجيكي سيرج براميرتس واضعاً سوريا تحت مراقبة دولية وإقليمية أكبر. بالإضافة إلى ذلك فقد نشر الإعلان قبل بضعة أيام من إعلان قرار مجلس الأمن 1680 الذي أكد الحاجة إلى حدود سورية لبنانية واضحة وسيادة لبنان على أراضيه.
ادعت أجهزة الإعلام الحكومية أن توقيت الإعلان مريب. وقد أشار المثقفون السوريون إلى أن مناقشة العلاقات السورية اللبنانية محرمة. كان رد النظام عنيفاً، إذ اعتقل جهاز الأمن اثنين من أبرز المعارضين السوريين هما الصحفي ميشيل كيلو والناشط الحقوقي أنور البني. صرح ميشيل كيلو في رسالة مكتوبة في السجن نشرت في كانون الثاني من عام 2006 في موقع أخبار الشرق أن حافزه الأساسي لدعم هذه الوثيقة كان إرساء العلاقات السورية اللبنانية على أساس قوي، و ذكر أولئك الذين توقعوا وجود تعاون بينه وبين عبد الحليم خدام أنه كتب مقالات عديدة ينتقد فيها خدام وحتى أنه قال أن انضمام جبهة الخلاص الوطنية إلى إعلان دمشق شكلت تهديداً خطيراً للمعارضة في الداخل. اتهم كيلو بخرق أربعة قوانين سورية على الأقل من ضمنها “إضعاف الشعور القومي” سنداً للمادة 285 من القانون السوري و”إثارة النعرات الطائفية” سندا للمادتين 307 و 376 و” نشر أخبار كاذبة تمس هيبة الدولة” سندا للمادتين 278 و 285.
إن رسالة كيلو وأسباب اعتقاله ترتبط بقضية أخرى أثارت المعارضة السورية وهي الارتباط بالخارج. ورداً على إعلان دمشق بيروت، وقع 117 مثقفاً سورياً “إعلان المثقفين السوريين” ونشر في صحيفة الحياة اليومية. انتقدت هذه الوثيقة تلك الأطراف التي تحمل سوريا مسؤولية مقتل الحريري، وأدانت تدويل العلاقات السورية اللبنانية “لمنعها من التبلور بالشكل الصحيح”، واعتبرت أن القرار 1680 مناف لميثاق الأمم المتحدة، واعترضت على الضجة التي تحيط بتمديد حكم الرئيس اللبناني إميل لحود عند تلك الأطراف (أمريكا و أوروبا) والتي وافقت على التمديد لسلفه الياس الهراوي، وشجبت العنف والاحتلال المستمرين في كل من فلسطين والعراق. وقع البيان مسؤولون سوريون وناشطون في مجال حقوق الإنسان، وأكد أن الموقف السوري الرسمي من المعارضة يعود إلى أن المعارضة تمثل قوى أجنبية: بلدان ذات سيادة، أفراد، أَو مجموعات خارج سوريا تُهدّدُ استقرارها.
بالإضافة إلى تهم كيلو نفسها، اتهم أنور البني “بالانتساب إلى منظمة سياسية دولية بدون موافقة الحكومة” و” القيام بصفقة تجارية لصالح بلد أجنبي”، وهي تهمة خطيرة جداً. في آذار / 2006 وقبل شهرين من إعلان دمشق بيروت افتتح أنور البني المركز الأول لحقوق الإنسان في سوريا الذي يقدم الاستشارات القانونية والتدريب على قضايا حقوق الإنسان. كان المركز جزءاً من مشروع معهد المساعدة والتضامن الدوليين- مقره بلجيكا- وقدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 100 ألف دولار للتمويل. أقفلت السلطات السورية المركز بعد أقل من أسبوعين من افتتاحه وأخبرت البني أنه غير مرخص. بالنسبة للحكومة السورية فالمركز الذي يديره محامي بسجل معروف من العصيان المدني عبر خطاً أكثر خطورة لأنه تضمن نقلاً لأموال من هيئة أجنبية إلى مواطن خاص. وفي نيسان 2007، وبعد سنة تقريباً من اعتقاله ومناقشة تجريده من المواطنة، حكم أنور البني بالسجن لمدة خمس سنوات.
مكاسب ربيع دمشق، إعلان دمشق، و إعلان دمشق بيروت:
أثبت ربيع دمشق شيئاً حاسماً للنظام وللعالم: عندما تعطى حرية التعبير والتجمع، سيستغل المواطنون السوريون تلك الفرصة. تجذرت منتديات الحوار، منظمات حقوق الإنسان، وجماعات المجتمع المدني وحقق منظموها الشعبية عند النخبة المثقفة وسوء السمعة عند جهاز الأمن. إن الستة أشهر من الحرية التي تمتع بها الناشطون لم تكن على أية حال كافية لبدء أي توجيه أو تنسيق وطني حقيقي، والذي ظهر خلال ربيع دمشق كان التزاماً اجتماعياً محلياً. اشتغلت كل مجموعة بالشؤون ذات الصلة ببرنامجها: فبينما ركز منتدى الأتاسي على قضايا الديمقراطية في العاصمة، ناقشت المجموعات الصغيرة كمنتدى جلادت بدرخان في القامشلي حقوق الأكراد. عندما بدأت الحكومة بقمع هذه المجموعات في شباط / 2001 افتقدت إلى الأساسات القوية، وانحنت جميعها ما عدا منتدى الأتاسي للضغط وأقفلت.
أرسى كل من إعلاني دمشق، وبيروت دمشق مطالب المعارضة في التغيير والإصلاح الديمقراطي. أشار إعلان دمشق إلى أن سوريا لا يمكن أن تتغير طالما بقيت محكومة بالمادة 8 من الدستور السوري التي تنص على أن حزب البعث هو “الحزب الحاكم للدولة و المجتمع.” هذا التأكيد أطلق بوجه المؤتمر العاشر لحزب البعث الذي عقد في صيف 2005 والذي ثبت السلطة المطلقة للحزب والرئيس. وقد نجح إعلان دمشق بيروت في اختراق تابو آخر هو دور سوريا في لبنان. كان لبنان دائما جائزة حافظ الأسد وقد نجح بالفوز به باتفاق الطائف عام 1989 وبمباركة أمريكية بعد اجتياح العراق للكويت. ركز اتفاق الطائف على العلاقات السورية اللبنانية الأخوية جاعلاً مناقشتها أو انتقادها مبررا آخر للعقوبة.
بالرغم من تصريحات أعضاء المعارضة والنقاد والمؤيدين بان المعارضة السورية ضعيفة، إلا أنها تمكنت من زعزعة السلطة بمهاجمتها لعدد من المبادئ المقدسة في الحياة السياسية في سوريا. أدى هذا النشاط بالنظام إلى أن يجهز انتقامه: موجة الاعتقالات، المحاكمات والسجن، وتهم إضعاف الشعور القومي والعمل مع أطراف أجنبية. استطاعت المعارضة أن تهدم جدار الخوف الموجود في سوريا منذ عام 1982 ، ولكنها بقيت ضحية القوة الساحقة لدولة البوليس.
نقاط ضعف المعارضة العلمانية
ترسانة النظام:
إن المعارضة العلمانية ضعيفة لتواجه النظام السوري،ومع أنها ناضلت بشجاعة لفتح حوار مفتوح حول القضايا الاجتماعية ونشر هذه الحالات في سوريا، إلا أن جهود هذه المجموعة الواسعة من الناشطين لا تجاري النظام الذي أصبح أستاذا في إخماد المعارضة.ولأن المعارضة بشكلها الحالي (ما بعد ربيع دمشق) تتضمن عناصر من فئات عرقية وإقليمية وعمرية متنوعة، فالتقسيمات الداخلية أيضاً تحد من قدرة المعارضة على مواجهة جميع وسائل النظام التي يستخدمها ضد منتقديه.
إغلاق منتديات الحوار و شتاء دمشق:
بدأت الحكومة هجومها على المجتمع المدني والنشاط السياسي في شباط / 2001 عندما أرسلت أعضاء قيادة فرع الحزب في المحافظات والجامعات الأربعة في سوريا في حملة احتجاج على منتديات الحوار وانتقاد الحكومة. في 17 / شباط خاطب نائب الرئيس عبد الحليم خدام هيئة التدريس والإدارة والمسؤولين في حزب البعث في جامعة دمشق قائلاً إن غاية منتديات الحوار والبيانات العامة”لم تكن الحرية ولا الديمقراطية” وأنه “لا يحق لأي مواطن أن يهاجم أساسات المجتمع… الفرد تنتهي حريته حيث ينتهي أمن واستقرار المجتمع” و أن المنتديات كانت تنوي ” أن تحول اهتمام سوريا عن الصراع العربي الإسرائيلي.
أتبعت الحكومة هذه التصريحات بفرض شروط على كل منتدى:
• تصريح من الأمن قبل 15 يوما من عقد الاجتماع
• نسخة عن المحاضرة واسم المحاضر
• قائمة بأسماء المشاركين
• مكان الاجتماع واسم المضيف
هذه الشروط كانت صعبة وظالمة لأن بعض هذه المنتديات كمنتدى الأتاسي كان يحضرها أكثر من 100 (وأحيانا من 300 – 400) شخصاً، وجهاز الأمن كان يصدر التصاريح بحذر.عندما تقدم مجلس إدارة منتدى الأتاسي بطلب ترخيص إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تم رفضه، مثل جميع الطلبات المقدمة من مجموعات حوار مختلفة، لأن الوزارة اعتبرتها غير مؤهلة. قبل أن تصدر القوانين الجديدة رخص منتدى واحد: كان يدار من قبل عضوة مجلس الشعب البعثية سهير ريّس التي قالت أن المنتدى سيركز على القضايا الاجتماعية وليس السياسية.
بدأت الحكومة بعد القوانين الجديدة تطعن بالمعارضة وتنعت أعضاءها بأنهم يعملون لدى السفارات الأجنبية، وفي الفترة ما بين آب وأيلول من عام 2001 اعتقلت معظم الناشطين البارزين بمن فيهم رياض سيف، وعضو مجلس الشعب مأمون الحمصي، وعميد كلية الاقتصاد السابق في جامعة حلب عارف دليلة، ورئيس الحزب الشيوعي رياض الترك، وآخرين. وفي حين أغلقت كل المنتديات في القطر في آب / 2001 بقي منتدى الأتاسي مفتوحاً ولكنه غير مرخص،و قد أشار بشار الأسد إلى أن وجود هذا المنتدى دليل على الحرية والديمقراطية في سوريا. في الوقت نفسه كثفت الحكومة جهودها لتبطل حجج النشطاء. حسب المحللين في ذلك الوقت كان الأسد مهتماً بتطويع التجمع الوطني الديمقراطي في الجبهة الوطنية التقدمية وسمح للمنتدى بالاستمرار حتى بات عدم اهتمام التجمع بالانضمام واضحاً.
استمر منتدى الأتاسي بالاجتماع، وقد وصف أحد أعضاء اللجنة الإدارية للمنتدى كيف أن ربيع دمشق أحبط في خريف 2001: “كانت إستراتيجية الحكومة وضع المنتدى تحت الحصار ومراقبته وكل شخص حضر المنتدى كان يعرف أنه مراقب، وكل من تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها النظام عرف أنه يمكن أن يرمى في السجن”. ما بين أواخر 2001 وإغلاق المنتدى نهائياً في ربيع 2005 بدأت الحكومة استراتيجيه مختلفة. في عام 2003 أصبح البعثيون وعناصر الأمن غالبية الحاضرين في المنتدى وقد توقف رواد المنتدى المعتادين عن الحضور إذ رأوا في ذلك ظاهرة غير عادية. استخدم البعثيون المنتدى لتمجيد النظام وقد أخبر مسؤولون في الأمن أعضاء المنتدى علناً أن هذا الاحتلال كان استراتيجية البعث. وقبل مدة قصيرة من إغلاق المنتدى في أيار 2005، أصبح المتعاطفون مع الحكومة تقريبا أغلب الحاضرين، وأصبحت الخطوط الحمراء مفروضة بشكل أكبر. في لقاء أيار / 2005 قرأ علي العبد الله رسالة إلكترونية من زعيم الأخوان المسلمين علي صدر البيانوني، وقد اعتقل مباشرة أسوة بباقي أعضاء اللجنة الإدارية الذين أطلق سراحهم فوراً إلا أن علي العبد الله بقي في السجن حتى تشرين الثاني/ 2006.
رياض سيف وتمزيق المعارضة:
ما بين 2002 و 2005 رأى نشطاء المعارضة والمجتمع المدني ومضات التعبير الحر تختفي بالكامل والحراك يوارى تحت الأرض. كان سجن رياض سيف ضربة قاصمة لأنه كان الزعيم الحقيقي الوحيد الذي يمكن أن يلتف حوله الآخرون. معظم أولئك الذي عرفوا عن أنفسهم كعناصر معارضة أو متعاطفين معها هم صحفيون وفنانون وأطباء ومحامون وآخرون من الطبقة الوسطى. قليلون كان لهم منزلة رياض سيف الذي دفع النظام بشكل صريح إلى الإصلاح الاقتصادي وانتخب مرتين في البرلمان بسمعة قوية كرجل أعمال شريف. وبالإضافة إلى حملته ضد الفساد،قدم سيف في حزيران / 2001 إلى البرلمان دراسة مفصلة عن استغلال الحكومة والتلاعب في شركة الخلوي، فكان رد الحكومة قوياً، وفي أقل من ثلاثة أشهر اعتقل رياض سيف. أكسبته أعماله وتضحياته احترام عناصر المعارضة. منذ اعتقاله وحتى بعد إطلاق سراحه في أوائل 2006 حاولت الحكومة تقييده قدر المستطاع. قال في مقابلة له بعد أشهر قليلة من إطلاق سراحه:
“حاول النظام إخافتي، ضربوني، حرموني من القيام بتصريحات علنية أو استضافة أي أجنبي أو دبلوماسي. حاولوا إخافة أصدقائي وأقاربي بإرسال الأمن ورائي أينما ذهبت، حتى إلى مكتبي والمطعم.حتى أنهم وضعوا أناسا أمام منازل أولادي. أرادوا أن يعزلوني وكان الناس خائفين من الاتصال بي لعلمهم أن هواتفي مراقبة وأنا أيضا مراقب.”
بالرغم من اعتقال العديدين بعد ربيع بيروت لم يلق الآخرون نفس الاهتمام الذي لقيه رياض سيف. أغلب عناصر المعارضة، سواء وافقوا أم لم يوافقوا على استراتيجيته أو تكتيكه أو أفكاره، يعترفون بأنه لو كان لهذا الحراك زعيم حقيقي سيكون هو رياض سيف. لديه السمعة والشعبية والرصيد الذي يمكنه من توحيد المعارضة وإعطائها شيئا من الجماهيرية وهذه أكبر نقطة ضعف للمعارضة. نتيجة لذلك قامت السلطات بجهد خاص لتهديده وإخافته وتهميشه.
الالتزام بالبعث واعتقال المعارضين:
جددت الحكومة اعتقال وإخافة المعارضة بعد المؤتمر العاشر لحزب البعث في حزيران 2005. في اليوم الأول من المؤتمر صرح الرئيس الأسد “نحن نؤمن أن أفكار ومنطلقات حزب البعث راهنة ووثيقة الصلة بالواقع وتلبي مطالب الشعب والأمة. وإذا كان تطبيقها ناقصاً فالأفراد هم من يتحملون المسؤولية وليست الفكرة أو العقيدة.” هذه التصريحات منسجمة مع تلك التي جاءت في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط في 8 شباط 2001، والتي أكد فيها الأسد دعمه لحزب البعث والعروبة ومؤسسات الدولة. وقد أجاب على كل الأسئلة حول المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بالقول إن جميع الاحتمالات كانت مفتوحة ولكن أمن واستقرار الدولة كانا اهتمامه الأعلى.
إن مؤتمر حزب البعث في سنة 2005 كان تكراراً ثابتاً لمستقبل سوريا: الالتزام بالحزب، الإصلاح الاقتصادي بدون إصلاح سياسي، والاستقرار. بالنسبة لنشطاء المجتمع المدني فقد أشار المؤتمر إلى بداية مرحلة جديدة من القمع. فبينما كان المؤتمر ينعقد في دمشق، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة في القامشلي حيث اجتمع مئات من الأكراد احتجاجا على قتل رجل الدين الكردي محمد معشوق الخزنوي، و الذي لام النظام بشدة. الخزنوي كان شخصية شعبية يخشاها النظام إذ يمكنه أن يوقظ المشاعر الكردية والإسلامية. في 29 / حزيران أمرت أجهزة الأمن السورية بإغلاق منتدى الأتاسي ، وفي تموز اعتقل عضو في التجمع الوطني الديمقراطي حسن زينو من حمص لأنه كان يحمل نشرة التجمع ، وفي آب صرحت وكالة سانا ( الوكالة العربية السورية للأنباء) أن الشرطة اعتقلت مشاغبين من المدينة الكردية عين العرب ، وفي أيلول، وبعد أن عجزت الشرطة عن إيجاد المتشددين المشتبه بهم اعتقلت زوجاتهم ، في تشرين الأول لوحق المحامي أنور البني من قبل السلطات السورية لزعمها بأنه ضرب امرأة في قصر العظم، ويقول شهود عيان أن المرأة وقفت أمام البني وأوقعت نفسها وفي غضون دقيقة ظهرت سيارة إسعاف وأخذ رجال الأمن يضربون البني في الشارع. ويعتقد أنور البني أنه نال غضب النظام لأنه وضع مسودة لدستور جديد لسوريا ونشره على الإنترنت.
أكمل السوريون هذه السياسة في بداية عام 2006، بعد أن شعروا أن الثقة بلجنة التحقيق في اغتيال الحريري قد ضعفت وأنها لم تعد تشكل تهديداً لبقاء النظام. بدءاً باللقاءات التي عقدت مع المعارضين السوريين في أوروبا والولايات المتحدة في كانون الأول وشباط من عام 2006 وصولا إلى إعلان دمشق بيروت في أيار 2006 أوضحت الحكومة أن الأفراد ما كان لهم أن يجتمعوا أو أن يتكلموا مع المعارضين في الخارج. في شباط اعتقلت السلطات رياض سيف ومأمون الحمصي الذي كان قد أطلق سراحه في الشهر السابق بعد أكثر من أربعة سنوات من السجن. في آذار عادت واعتقلت علي العبد الله الذي أمضى ستة أشهر في السجن بعد قراءة رسالة من الأخوان المسلمين في منتدى الأتاسي. بعد ذلك اعتقلت السلطات سمير نشار أحد مهندسي إعلان دمشق ولكن أطلق سراحه في اليوم التالي. قال نشار أنه اعتقل لأنه حضر اجتماعاً للمعارضين السوريين في برلين وواشنطن في أوائل 2006. في أيار اعتقل فاتح جاموس عضو حزب العمل الشيوعي المحظور في مطار دمشق بعد اجتماعه بشخصيات معارضة في أوروبا. وخلال ربيع 2006 هاجمت قوات الأمن اجتماعات لجنة التنسيق لإعلان دمشق. بعد نشر إعلان دمشق بيروت في أيار 2006 لم يقلق النظام من الضغط الدولي، وجاء اعتقال ميشيل كيلو وأنور البني بسرعة شديدة.
استخدم النظام وسائل أخرى في كبح المعارضين. منع السفر بكفاءة بالنسب للناشطين المعروفين كياسين الحاج صالح (في 2005) ورياض سيف (بعد إطلاق سراحه في 2006) والمحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان رزان زيتونة (ممنوعة من مغادرة سوريا منذ 2002)1. خلف المنع من السفر حاجة السلطات السورية لمنع خلق أية روابط بين النشطاء و المعارضين في الخارج.
الافتقار إلى القاعدة الجماهيرية والشعبية الضعيفة:
مع أن إعلان دمشق جمع شخصيات بارزة وجماعات عربية وكردية للتوافق على برنامج مشترك، إلا أن نقطة ضعف الإعلان الأكبر كانت التركيز على الإصلاح السياسي وليس على شؤون الجماهير العاملة. وبالرغم من أن المنتديات السياسية في ربيع دمشق كانت مفتوحة للعموم ولكن فئات معينة فقط حضرتها: شيوعيون سابقون وآخرون اعتقلوا بسبب معتقداتهم السياسية، صحفيون، كتاب، ومثقفون كرسوا حياتهم للنضال من أجل حرية التعبير، وناشطون شباب. في بلد يقترب عدد سكانه من 20 مليون نسمة بالكاد يبلغ عدد النشطاء الذين يعلنون عن أنفسهم الآلاف وهذا يجعل من إعلان دمشق ونتاجه أقلية صغيرة.
عند التحدث إلى المعارضين السوريين ونشطاء المجتمع المدني أو أعضاء المعارضة البارزين حول تضمين الجماهير السورية في رسالتهم غالباً ما تظهر العبارتان: “حائط من الخوف” و”أكثرية صامتة.” إن قمع الأخوان المسلمين والوجود المطلق للجيش والجهاز الأمني وعدم القدرة على نقد النظام يدعم جدار الخوف هذا، يشعر عناصر المعارضة أن أغلبية السوريين إلى جانبهم ولكن هذا الجدار يمنعهم من الانضمام إلى صفوف المعارضة. لا الديمقراطية ولا حرية التعبير تقع في قمة أولويات السوريين في بلد متوسط دخل الموظف الحكومي فيه 200 دولارا، و المواطنون يعملون عملين أو ثلاثة، والحكومة لم تعد تضمن فرص عمل لجميع المهندسين المتخرجين، والبيروقراطية تجعل فتح عمل خاص شبه مستحيل، وأصبح فيه الفساد عملة النظام. أصبح السوري حسب رأي أستاذ في إدارة الأعمال في جامعة القلمون معتاداً على التفكير بالاستقرار الاقتصادي وعدم المخاطرة بحياته ومهنته.
تبقى الهواجس الاقتصادية والمالية أساسية ولكنها لم تكن القضية المركزية التي عالجها إعلان دمشق. بدلاً مِن ذلك، خاطبت الدعوة إلى الحرياتِ السياسيةِ فئة ضيّقة جداً مِنْ النشطاءِ العلنيين، والمطالب المعنوية تستمر في الحد من قدرتهم على تحشيد أناس همهم الرئيسي هو مستوى معيشة أفضل وفرص أكبر. حجة البعض أن ناشطي إعلان دمشق جاءوا من خلفيات اقتصادية مختلفة – الماركسية، الشيوعية، الاشتراكية، الرأسمالية، وكل ما يندرج بينها – ولذلك تجنبوا القضايا الاقتصادية ليصلوا إلى الإجماع. مع ذلك فالتأجيل في تقديم برنامج اقتصادي يعرقل اتصال المعارضة بالسواد الأعظم من المجتمع السوري ومشاكله المالية.
العقبة الثانية الذي تواجه إعلان دمشق والمعارضة عموماً هي وسائل نشر رسالتها. فمنذ قمع المعارضة بدايةً في عام 2001، أصبح النظام أكثر حساسية لوجود أدبيات معادية للنظام لدى المعارضة. فموقع إعلان دمشق محجوب في سوريا وتوزيع الإعلان مشحون بالخطر والصعوبة، وفي ضوء مخاوف الجماهير من انتقام النظام والنفور من العمل السياسي سيحتاج المواطن السوري العادي إلى جهد خاص ليحصل على نسخة من الإعلان أو ليجدها على موقع لم تحجبه الحكومة. علاوة على ذلك قليلون هم الذين يملكون الوصول إلى الانترنت. وحتى لو أن رسالة الإعلان لا تلق الصدى لدى السوريين فصعوبة التوزيع حدت من فعاليته.
الانقسام داخل صفوف المعارضة المحلية:
إن المعارضة وعناصرها المتحالفة – جماعات المجتمع المدني، منظمات حقوق الإنسان، منتديات الحوار، والمنظمات اللاربحية – لديها أنصار من جميع فئات المجتمع السوري: دروز السويداء في الجنوب، المسلمون السنة في دمشق، أكراد الشمال الشرقي، والعلويون في الساحل. وبالنتيجة فليس مدهشاً أن المعارضة منقسمة في تركيبتها وفي أهدافها وغاياتها. تتمثل المعارضة بثلاثة انشقاقات رئيسية: العرب مقابل الأكراد، الشباب مقابل الكبار، والمتدينون مقابل العلمانيين ( القسم التالي من الدراسة مخصص للشق الأخير). تشير هذه الفئات الثلاث إلى قوة وضعف المعارضة وأيضاً إلى العناصر التي تعاقب باعتدال وتلك التي تعاقب بشدة. المعارضة تعرقل أيضاً من قبل النظام، فمخبرو الحكومة نجحوا في اختراق اجتماعات المعارضة وفي جعل أعضائها يرتابون في بعضهم البعض.
العرب والأكراد:
الانقسام العربي الكردي هو الأبرز في المعارضة، والأكراد أنفسهم منقسمون تماماً. في وقت الكتابة وجد على الأقل أربعة عشر حزباً سياسياً كردياً واستمرت أحزاب أصغر في التشكل. والأحزاب التالية هي اللاعب الرئيسي في الطيف السياسي الكردي:
• الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا وتتألف من ثلاثة أحزاب سياسية: الحزب الديمقراطي الكردي، الحزب الديمقراطي التقدمي، والحزب الديمقراطي الوطني.
• التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا و يتألف من أربعة أحزاب: الاتحاد الديمقراطي الكردي، الحزب اليساري الكردي، الحزب الديمقراطي التقدمي، والحزب الديمقراطي الكردي.
• تحالف صغير مؤلف من ثلاثة أحزاب مستقلة: حزب الوحدة (يكيتي)، حزب الحرية (آزادي)، وتيار المستقبل.
• حزبان تفرعا من حزب العمال الكردستاني: حزب الاتحاد الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني.
منذ تأسيس الحزب الكردي الأول، الحزب الديمقراطي الكردستاني في 1957 حدثت عدة انقسامات واتحادات وإعادة اصطفاف في الخمسين سنة من تاريخ الأحزاب السياسية الكردية. بعض المجموعات كآزادي تركت الجبهة الديمقراطية أو التحالف الديمقراطي. مجموعات أخرى انضمت إليهم. ومع أن أحزاباً أخرى رفضت، إلا أن الجبهة الديمقراطية والتحالف الديمقراطي كلاهما وقعا على إعلان دمشق مع الموقعين العرب. كانت مشاركتهم حاسمة في إظهار أن العرب والأكراد يمكن أن يتحدوا في السعي نحو الإصلاحات الديمقراطية.
هذا التعاون كان استثناء في تاريخ طويل- قبل تولي عائلة الأسد للسلطة بكثير- شهد اضطهاد الأكثرية العربية للأقلية الكردية. إن صعود العروبة في الخمسينيات والستينيات في سوريا شهد تمييزاً متزايداً ضد أكراد سوريا الذين يشكلون 10 – 15 % من سكان القطر. في عام 1962 أجرت الحكومة إحصاء في محافظة الحسكة التي تضم أغلب الأكراد لتميز المتسللين الأجانب من الأتراك. جرد هذا الإحصاء 120000-150000 كردياً من الجنسية. وفي عام 2004 تضاعف عدد الأكراد المجردين إلى 300000 أي حوالي 20% من السكان الأكراد السوريين ومن ضمنهم 200000 مسجلين كأجانب وحوالي 100000 مكتومين وهم الأفراد الذين لم يشملهم إحصاء 1962 أو الأطفال المولودين من تزاوج المسجلين الأجانب والسوريين. المكتومون هم أشخاص غير مسجلين في السجلات السورية الرسمية وبالتالي هم بدون دولة. في السبعينيات أكملت الحكومة السورية سياسة التعريب ببناء الحزام العربي وهو شريط حول الأكراد المتمركزين في الشمال الشرقي على تخوم الحدود التركية والعراقية وقد بني بتخصيص الأراضي الكردية للعرب المستقرين في الشمال الشرقي. مورس ضد الأكراد، إضافة إلى الإهانة والتجريح، التمييز الثقافي كمنع تدريس اللغة الكردية وتعريب أسماء القرى الكردية ومنع تسجيل الأسماء الكردية في الوثائق السورية.
ثمة حدثان حاسمان في 2004 و 2005 شجعا الأكراد ضد النظام السوري. الأول كان في 12 آذار 2004 في مباراة لكرة القدم في القامشلي حيث قادت المشاجرات بين المؤيدين للمعارضين الأكراد والفرق العربية قوى الأمن إلى ضرب بعض الأكراد. هذا الفعل أشعل الشغب خلال الأسبوع التالي وشمل الأكراد في شمال سوريا بما فيها حلب. في القامشلي أشعل الأكراد النار في السيارات العامة ومكاتب حزب البعث. وخلال ثمانية أيام قتل ثلاثة وثلاثين كردياً وسبعة عرب واعتقل أكثر من 2000 كردياً. عاد الهدوء فقط بعد أن أرسلت دبابات الجيش السوري إلى جميع البلدات الكردية الرئيسية. ازداد تشدد الأكراد السوريين في حزيران 2005 عندما انكشف أن محمد معشوق الخزنوي رجل الدين الكردي البارز والمدير المساعد لمركز دمشق للدراسات الإسلامية قد عذب وقتل قبل شهر. كل الأصابع أشارت إلى النظام. بالرغم من أن الخزنوي كان قد أصبح تدريجيأ أكثر علنية في دعم حقوق الأكراد وأكثر قرباً من الأحزاب الكردية. فقد اعتقد أن لقاءه مع البيانوني زعيم الأخوان المسلمين في شباط 2005 هو السبب في قتله. حضر الآلاف من الأكراد جنازته وضرب الكثيرون في المظاهرات التي تبعتها.
ليس من المدهش مع هذا التاريخ أن الأكراد هم الجماعة الأقوى في المعارضة السورية. الأحداث القديمة أدت إلى تطرف سكان يستاءون من العيش في بلد يدعو نفسه “الجمهورية العربية السورية” ومن كونهم مجبرين على القبول بالعروبة المفروضة. بالرغم من أن الأكراد يعانون من قلة الديمقراطية والحرية والتعبير عن أنفسهم – وهذه الظروف مشتركة مع أغلبية السوريين- إلا أنهم قادرون على تنظيم أنفسهم بنجاح كأقلية معارضة لها صوتها، بينما العرب غير قادرين على ذلك.
شعر الأكراد الذين تحالفوا مع شركائهم العرب في إعلان دمشق أن التعبير في الجزء الخاص بالأكراد في إعلان دمشق كان كافياً. إذ دعا إلى حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية بطريقة تضمن المساواة التامة للأكراد السوريين مع المواطنين الآخرين فيما يتعلق بالحقوق القومية والثقافة وتعليم اللغة القومية والحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية الأخرى على أساس وحدة الأراضي السورية وإعادة الحقوق القومية وحقوق المواطنة إلى جميع أولئك الذين حرموا منها.
في لسان حال التجمع الوطني الديمقراطي: “الموقف الديمقراطي” أشار ممثلون عن الجبهة الديمقراطية الكردية والتحالف الديمقراطي الكردي إلى أن الوثيقة مثلت “خطوة هامة نحو توحيد القوى الديمقراطية الوطنية” مؤكدين أن “القضية الكردية في سوريا قضية وطنية ديمقراطية”، و طالبوا بوحدة القوى الوطنية الديمقراطية بدون استثناء. ولكن يكيتي وآزادي لم يوقعا على الإعلان لشعورهم أنه وضع سقفاً لحقوق الأكراد بقضية المواطنة. هذه الأحزاب شددت على أن القضية الكردية ليست قضية مواطنة بل قضية أرض وشعب.
بالرغم من الانقسامات الكردية الداخلية، فالانقسامات الرئيسية موجودة بين المعارضين العرب والأكراد. شدد أنور البني والذي مثل المعتقلين العرب والأكراد، على أن الأكراد يشيرون إلى مشكلة استثنائية في سوريا. هذا التصريح من قبل واحد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان هام لأنه يشير إلى أن القضية الكردية هي إحدى قضايا التاريخ ومن الصعب على الزعماء العرب فهمها. وقد كرر زعماء الأحزاب الكردية التي وقعت على الإعلان أنهم يعيشون على أراضي أسلافهم كردستان وأن الأكراد لديهم هوية قومية خاصة بهم.
بالرغم من أن الأكراد منشقون إلى أحزاب عديدة إلا أن كردياً نبيهاً مراقباً للسياسة الكردية استنتج أن انقسامات الأحزاب شخصية تماماً وأن لديها القليل، إن وجد، لتفعله في برامج كل منظمة. تدعو جميع الأحزاب الرئيسية إلى المقاومة السلمية على أمل ضمان الديمقراطية والحريات في سوريا وتحبذ إدارة ذاتية كردية، ويدعو زعماء الأحزاب إلى التعاون مع العرب لتحقيق ذلك الهدف ولكنهم يأسفون أن الاتجاهات القومية بين زعماء المعارضة هي العائق الرئيسي لتنسيق حقيقي. يتراوح التوصيف الكردي للعلاقات العربية الكردية بين “جيدة” و ” شوفينية”. كتب أحد الموقعين الأكراد على إعلان دمشق ” نحن نفكر كالأكراد السوريين ولكنهم (الأحزاب الأخرى) يفكرون مثل الأكراد الذي صادف وجودهم في سوريا.” ناشط آخر أكد أنه كسياسي كردي يجب أن “يعمل في عالم الممكن ، وإعلان دمشق هذا كان ممكناً.”
بصرف النظر عن خلافاتها الشخصية والأيديولوجية وعن صلاتها الضعيفة بعناصر المعارضة العرب، ما يوحد المعارضة الكردية قدرتها على تنظيم صفوفها والتظاهر ضد الحكومة السورية. والأمثلة تتضمن مظاهرة الثلاثة آلاف شخصا بمناسبة رأس السنة الكردية في 2006، مظاهرة الخمسمائة طالب كردي في جامعة دمشق في 2006 لإحياء ذكرى اشتباكات 2004 بين السلطات السورية والأكراد في شمال سوريا ، والأهم مظاهرة العشرة آلاف كردي في القامشلي بعد اختفاء الخزنوي في أيار 2005. إن التمييز،الإهمال الرسمي للمناطقِ الكرديةِ،والعداوة الكردية للنظامِ السوريِ يُميّزُ الأكراد عن نظرائهم العرب الذين لا يَستطيعونَ القيام بنفس الإدّعاءات ضدّ النظامِ العربيِ.
الكبار والشباب:
إن الفجوة بين الأجيال هي نقطة ضعف المعارضة الأكبر. أولئك المولودون بعد عام 1970 عرفوا فقط سوريا البعث، سوريا الأسد. والمولودون في الخمسينيات و الستينيات كانوا أطفالاً أثناء ثورة البعث في عام 1963، و شهدوا المعركة الطويلة والدامية بين النظام السوري والأخوان المسلمين و تأسيس سوريا المحكومة من عائلة الأسد. وعلى أية حال فجيل الثلاثينيات و الأربعينيات يتذكر استقلال سوريا عن الحكم الفرنسي وصعود البعثية والشيوعية والأحزاب الأخرى وتجربة سوريا مع الديمقراطية بين عامي 1954 و 1958. لذلك فالشخصيات المركزية في المعارضة هي في الستينيات و السبعينيات من العمر وبمعرفة سطحية بمتوسطي العمر وبعض الشباب. ويبقى رياض سيف والصحفي المسجون ميشيل كيلو وزعيم الحزب الشيوعي المخضرم رياض الترك والمحامي هيثم المالح الأركان الأساسية للمعارضة التي اكتسبت سمعة كونها قديمة في سوريا. في دراسة في عام 2000 يشرح معارض بارز و أستاذ سابق في كلية الطب في جامعة دمشق بدقة لماذا أغلبية الشباب السوري غير مهتم بالسياسة. في “التنشئة السياسية للشباب السوري: محددات وتوجهات،” يلخص حازم نهار النظام التعليمي السوري. جميع طلاب المدارس الابتدائية يلبسون الزي الموحد المزخرف بشعار حزب البعث، وحتى فترة قريبة يحيون الرئيس كل صباح، وجميع الطلاب في المدارس المتوسطة مجبرون على الانتساب إلى اتحاد الشبيبة الذي أنشاه البعث عام 1963. قول نهار أن الانتساب إلى حزب البعث يحدث بدون تفكير أو مناقشة لنتائج الانضمام إلى حزب سياسي. في الجامعة يجب أن يقدم الطلاب باستمرار أوراقاً إلى فروع أجهزة الأمن والكثيرون ينتسبون إلى اتحاد الطلبة السوري الذي يشرف عليه حزب البعث. ويكلف حزب البعث طلاباً أعضاء بكتابة تقارير عن أي سلوك مريب في الحرم الجامعي.
إن تحليل نهار يطرق الحقيقة عندما يتحدث عن تجاهل الشباب السوري. فبتأييد من الطلاب السوريين يقول نهار أن أغلب الطلاب لا يعرفون ما هو قانون الطوارئ، ما هو مضمون الدستور السوري، أسماء أعضاء البرلمان، موقع القنيطرة على الخريطة أو وضع مرتفعات الجولان. وقد اكتشف مثالا واضحا لهذا التجاهل أثناء مقابلة أجراها الكاتب مع عضو البرلمان السابق رياض سيف: اعترفت مساعدته الشابة من صافيتا أنها قبل أن تعمل معه لم تكن تعرف شيئا عن نشاطاته السياسية أو عن مكانته في المعارضة.
لا مقال نهار ولا المثال السابق ينطبقان على كل الشباب السوري. فعلى سبيل المثال ثمة امرأة في العشرينات من العمر ومنتجة أفلام تغلبت على العديد من العقبات لتخرج فيلمها عن المواطنة. لقد كانت قلقة لأن القليلين ممن قابلتهم – خاصة الناس في الشارع – كانوا لا يعرفون معنى هذا المصطلح. وقد تغلبت أيضا على العديد من عراقيل جهاز الأمن في تصوير الفيلم في شوارع دمشق وعدم قدرتها على عرضه على المشاهدين. طلاب سوريون آخرون في جامعة دمشق وجامعة تشرين في اللاذقية أخبروا الكاتب أنهم بالرغم من أنهم يتناقشون بالسياسة إلا أنهم يعتبرون مثل هذه النقاشات بلا جدوى لأنهم ضعفاء ليغيروا الوضع الراهن.
إن حالات الطلاب النشطاء موجودة ولكنها قليلة ومتباعدة. المثال الأبرز في السنوات الأخيرة هو حالة محمد عرب، طالب الطب في جامعة حلب. هزم عرب مرشح حزب البعث في الانتخابات الطلابية في الجامعة مما أدى إلى تعليق ترشيحه. سافر عرب بعدها إلى دمشق لينضم إلى اعتصام ضد قرار الجامعة. اعتقل عرب وأدين من قبل محكمة أمن الدولة مع طالب آخر هو مهند الدبس و اتهما “بمناهضة أهداف الثورة” وحكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات. أمضى محمد عرب ثمانية أشهر فقط ولكنه قال أنه تحمل التهديد والضرب خلال تلك الفترة. علق عرب قائلاً “لم يكن السجن رائعاً ولكن العيش دون حرية أسوأ”. في 28/11/2006 حاكمت محكمة أمن الدولة العليا ثمانية شباب ما بين الحادي و العشرين والثلاثين من العمر لإنشائهم مجموعة حوار تركز على القضايا الثقافية والسياسية. اعتقلوا في أوائل 2006 لأنهم خرقوا المادتين 278 و 287 من القانون الجنائي السوري الذي حظر “نشر أخبارا كاذبة ومبالغا بها يمكن أن تمس بهيبة الدولة”. وقد نشرت المجموعة المسماة “شباب من أجل العدالة” معلومات حول الطلاب الذين اعتقلوا لتسعة أشهر دون الاتصال بمحام، وأكد التقرير أيضاً أن الطلاب لا ينتمون إلى أي حزب سياسي.
رغم نظام التعليم التلقيني لحزب البعث ووجود دولة البوليس، توجد حركات من أجل التغيير بين الشباب. البعض خاطر بحريته ومستقبله ليعمل في الشأن العام وانتقاد نظام الحزب الواحد. وبشكل عام لا يجد الشباب السوري اليوم صوته من خلال الأحزاب السياسية وإنما من خلال وسائل أخرى تتراوح ما بين النقاشات السياسية والآداب والفنون. لقد شكلوا طبقة جديدة من النشطاء السياسيين لا يستخدمون أحزابا منظمة وإيديولوجيات للتعبير عن أنفسهم. هذا التطور في المشهد السياسي السوري حري بالمتابعة لمعرفة فيما إذا كانت أفعال هؤلاء الأفراد ستدفع الآخرين لاتخاذ طريقاً مماثلة.
على أية حال يبدو أن زيادة النشاط الشبابي غير محتمل على المدى القصير لثلاثة أسباب: أولها: أن أغلب السوريين ممن هم في أواخر مراهقتهم وأوائل عشريناتهم – إذا كانوا غير قادرين على مغادرة البلد- يهتمون بشكل أساسي بإتمام تعليمهم وإيجاد عمل مضمون وبناء أسرة. أنهم غير مهتمين بالسياسة ولا يريدون العمل في نشاطات تجلب لهم ولأصدقائهم وأحبائهم المتاعب والأذى. ثانيها: ليس لدى أحد من قادة المعارضة خطة عملية ومتطورة لجذب الشباب. الكثيرون ممن تمت مقابلتهم من أجل هذه الدراسة تحدثوا عن الحاجة إلى تنشيط الشباب السوري وأهميته، ولكن كيف تحفز جيلاً غرس فيه الخوف والجهل واللامبالاة في بيئة قمعية تبقى هي العقبة الرئيسية. الأكثر أهمية بالنسبة لنشطاء المجتمع المدني الشباب – في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات- هو مد يدهم للشباب، وقد تحدث عدد منهم، وهم ناشطون في حقوق الإنسان والمجتمع المدني، عن دورات تدريبية للنشطاء وتشكيل جمعيات تركز على العمالة وحقوق الإنسان والعلاقات الإعلامية، وهذه النشاطات يمكن أن تؤدي دورا ما. ثالثها: والأهم هو أن انخراط الشباب في نشاطات المجتمع المدني تبقى تهديداً للنظام. في منتدى الأتاسي مثلا شكلت لجنة للشباب، والعديد من الطلاب الذين كانوا قد عوقبوا وطردوا من الجامعة توجهوا إلى المنتدى. وحسب عضو بارز في المنتدى فإن تشكيل لجنة للشباب شكلت تهديدا حقيقيا للحكومة وقد نجح النظام في إجبار منتدى الأتاسي على إيقاف نشاط الشباب زاعما أن المنتدى كان يفسد الجيل الشاب.
تدخل النظام:
لم تنجح السلطات السورية في شل المعارضة وحسب من خلال الاعتقالات والاحتجاز الطويل والمحاكمات الممددة وأحكام السجن الطويل، وإنما استطاعت أيضا تقسيم المعارضة من الداخل حيث تسللت إلى منتدى الأتاسي واستخدمت مجموعات الحوار للدفاع عن مواقع البعث.
الأكثر ضرراً على هذا الحراك، على أية حال، هو تدخل الجهاز الأمني وتخويف النشطاء المستقلين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء الأحزاب السياسية المحظورة. تتراوح العلاقة بين النشطاء والمسؤولين الأمنيين ما بين التعاون والموازنة في المصالح والتخويف. حسب موظف أمريكي خدم في السفارة الأمريكية في دمشق، “عندما يجلس ثلاثة، سوريان و أمريكي في غرفة يخشى السوري أن الآخر سيبلغ المخابرات عنه”.
بعد إعلان دمشق بيروت والإعلان المضاد لاحظ هذا الموظف أن طاقة المجتمع المدني تحولت من مساعدة المعارضين المسجونين ميشيل كيلو وأنور البني للاقتتال فيما بينهم، وقد خمن الموظف أن الحكومة كانت تحاول أن تغذي هذه العداوة. هذا التخويف يضاف إلى الخلافات الموجودة بين عناصر المعارضة والتي يمكن أن تكون شخصية أو يحركها جهاز الأمن أو الشك. لوحظت هذه المشكلة بأوضح أشكالها عندما ساهمت قوى مختلفة في بث الشقاق ثم المصالحة بين أعضاء لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
النشطاء أنفسهم يعترفون بأن الضغوط من الحكومة هائلة. رغم أن كثيراً من عناصر المعارضة مبتدئون، حتى بعد سنوات من السجن والمضايقة، إلا أن الكثير منهم يَرْضخونَ إلى الرشاوى أو صنّعهم النظامِ، أَو غير قادرين على مُوَاجَهَة ترسانةِ النظامَ. الاعتقالات الدائمة، منع السفر، والمراقبة تضعفْ العديد مِنْ النشطاءِ. أسف أحد النشطاء الذين وقعوا على إعلانِ دمشق للعقباتُ التي تواجه الاجتماعات البسيطة ِللجان إعلانِ دمشق في البيوت الخاصّة مُضيفاً أنّ الأعضاء يرتابون ببعضهم البعض ما يُخفّضُ قدرتَهم على الكَلام الحر. هذا الموقّعِ والناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني أدلى أنه ابتداء مِنْ كانون الثّاني 2007 كَانَ النظام يُضيّقُ الخناق أكثر على المعارضةِ الداخليةِ.
الإسلاميون
إرث الأخوان المسلمين:
الإسلام المتطرف كما هو في العديد من دول المنطقة تهديد للنظام. إن تجربة سوريا مع الإسلاميين وقمعهم هددت وجود نظام حافظ الأسد نفسه وشكلت أدوات وسياسة سوريا الحالية.
كانت جماعة الإخوان المسلمين الجماعة المسيطرة في سوريا منذ الأربعينيات، والجماعة المتسامحة في الأربعينيات والخمسينيات، وأصبحت أكثر تطرفا بعد انقلاب البعث عام 1963، خاصة وأن السياسات الاقتصادية لحزب البعث سلبت طبقة التجار السنة نجاحهم. وكثيراً ما انخرط الإخوان المسلمون في اشتباكات مسلحة مع الحكومة خلال الستينيات، ولكن الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي ما بين عامي 1970 و 1976 أدى إلى تخفيف التوترات. بحلول عام 1976، ومع الهبوط في الثروات الاقتصادية ودخول حافظ الأسد في الحرب الأهلية في لبنان، كان الأخوان المسلمون والمتعاطفون معهم العناصر الأبرز في المعارضة المحلية للنظام السوري. ما بين عامي 1976 و 1982 نظم الأخوان المسلمون مظاهرات مدنية كبيرة. أغلقوا جميع الساحات في المدن، أحرقوا الأبنية واغتالوا مسؤولين في حزب البعث ووزراء وحتى حرفيين علويين معلقين أن القاتلين ساووا بين البعثيين والعلويين كأعداء للعرب السنة. في حزيران /1979 ذبح قاتل غير معروف العشرات من طلاب المدرسة المدفعية في حلب، و في حزيران / 1980 كاد الأسد يقتل بالنيران الرشاشة والقنابل.
كان رد الحكومة على تلك الأحداث وحشياً. فقد رد رفعت أخ حافظ الأسد ورئيس الوحدات الخاصة ( سرايا الدفاع) على محاولة اغتيال الرئيس بإرسال وحدات إلى سجن تدمر، حيث احتجز الأخوان المسلمون، وقتل 500 نزيلاً دون تمييز. في آب / 1980 طوقت سرايا الدفاع وأطلقت النار على كل الذكور فوق الرابعة عشرة من العمر في حلب وحماة. وفي عام 1981 انخرط الأخوان المسلمون والحكومة في حرب شاملة مزقت الحياة اليومية. أشعل الأخوان المسلمون النيران في مستودعات الغذاء الحكومية. ولم يذهب الكثير من الناس في البلد إلى عملهم أو حتى يخرجون من بيوتهم بعد حلول الظلام. نجحت جماعة الأخوان المسلمين في شل الحكومة وإكراهها على اتخاذ وضعية الدفاع. وكان الهجوم على الأخوان ثمناً لاستقرار سوريا. صور البعث على أنه نخبة علوية طائفية صغيرة وغير قادرة على الوفاء بوعودها بالتقدم الاقتصادي بل بالعكس فقد تم التركيز على السياسة الخارجية والهيمنة الإقليمية.
بلغ الاشتباك بين الطرفين أوجه في شباط / 1982. ففي بداية الشهر قتل محاربون ضد الحكومة العشرات من القياديين البعثيين في محاولة لانتزاع السيطرة على حماة من الحكومة. وخلال ثلاثة أسابيع، قاتلت وحدات الجيش السوري لاستعادة السيطرة على المدينة واصطياد الشخصيات الإسلامية. تضمن القتال حرب شوارع وضرب قنابل على المناطق المدنية واستخدام البلدوزرات والدبابات في محاولة لإجفال الأخوان المسلمين. تتفاوت الإحصائيات ولكن التقديرات تقول أن الإصابات كانت بين 15000 و 25000 إصابة.
هذا التاريخ مهم عند النظر إلى الخمس وعشرين سنة الأخيرة. فبالرغم من وجود رئيس جديد لسوريا إلا أن جماعة الأخوان المسلمين نفيت والنظام حاكم الإسلاميين وبقيت الجماعة خطاً في الرمال. في ضوء هذا التاريخ يسهل فهم قتل رجل الدين الكردي محمد معشوق الخزنوي بعد فترة قصيرة جدا من لقائه بزعيم الأخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني في أوروبا، و كذلك سجن الكاتب علي العبد الله لستة أشهر بعد قراءته لرسالة من البيانوني. بطريقة مماثلة يوضح هذا التاريخ لماذا عينت الحكومة السورية في ربيع 2006 ، وفي خضم موجة الاعتقالات لأعضاء المعارضة،نجاح العطار أول نائبة امرأة للرئيس. والعطار هي أخت عصام العطار زعيم الأخوان المسلمين لفترة طويلة وهو الآن منفي في أوروبا. صورت نجاح العطار في مقابلة أشارت إلى شعرها الأشقر المصفف ولباسها كرمز لسوريا العلمانية. ومع أنها تعمل في الحكومة منذ حوالي ثلاثين سنة فتعيينها مرتبط بجماعة الأخوان المسلمين والتي ما زالت غير مرحب بها في سوريا.
إن جماعة الأخوان المسلمين في القرن الحادي والعشرين ليست نفسها في عام 1982. ففي عام 2002 نشر البيانوني زعيم الأخوان بياناً دعا فيه إلى دولة ديمقراطية وإلى نبذ العنف. وفي مقابلاته أكد دائماً على أن جماعة الأخوان المسلمين هي منظمة مختلفة عما كانت عليه وهي الآن ملتزمة بالتسامح والتعددية والانتخابات الديمقراطية. مع أن هذا البرنامج بعيد عن أعمال الإرهاب في 1970 إلا أن الأخوان المسلمين لا زالوا معارضين لنظام الأسد. باختصار، الأخوان المسلمون يجسدون جميع مخاوف النظام: فقدان السلطة، إطلاق العنان للإسلاميين، هيمنة السنة والهجوم على الأقليات. والأهم أن الأخوان المسلمين هم القوة الوحيدة التي اقتربت من إسقاط نظام الأسد. حسب معطيات التاريخ لا يفاجئنا أن الحكومة السورية وجهت معظم سياساتها المتشددة ضد المعارضة الإسلامية.
تبني الدولة للإسلام:
إن تجربة النظام مع الأخوان المسلمين خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات خلقت أزمة وفرصة للنظام. من جهة حولت سوريا إلى دولة بوليس حقيقية، ومن جهة أخرى إدراكاً منه أن المسلمين السنة يشكلون 75% من السكان فهم النظام أن قوة الإسلام وقمعه سيشجع العناصر المحلية والأجنبية المعادية للنظام. لهذا السبب بنت الحكومة المساجد ورعت تدريس القرآن في الثمانينيات، وفي التسعينيات أبدت تسامحا أكبر في ممارسة الشعائر الدينية كلبس الحجاب مثلاً. منذ التسعينيات أصبحت الرعاية الرسمية للإسلام أكثر تجذراً وذلك لمنع المساجد من أن تصبح مصدرا للعصيان. يرخص لكل الخطباء في المساجد من قبل وزارة الأوقاف ومواعظهم يوم الجمعة تجمع بين تفسير القرآن وإدانة أعداء سوريا وتمجيد النظام.
لقد تفوق بشار الأسد على أبيه في بناء جسور بين سوريا العلمانية وسوريا الإسلامية. شملت هذه الإجراءات السماح للمساجد بأن تبقى مفتوحة بين أوقات الصلاة ورفع الحظر عن المصلين في الثكنات العسكرية ودعوة السلطات الدينية إلى المحاضرة بالطلاب العسكريين. و الشخصيات القليلة التي سمح لها النظام بانتقاد الحكومة شملت الشخصيات الدينية وأبرزها صلاح كفتارو ابن المفتي العام السابق أحمد كفتارو ورئيس جامع أبو النور في دمشق وكذلك عضو البرلمان محمد حبش. لقد أشار كفتارو على الملأ إلى فشل الحكومات العربية وأشاد بالنموذج التركي للديمقراطية الإسلامية. أما حبش فقد دعا إلى إلغاء القانون 49 (عقوبة الإعدام لأعضاء جماعة الأخوان المسلمين) و أيد إعطاء الشرعية للأحزاب السياسية الإسلامية. علاوة على ذلك فقد دعمت الحكومة والزعماء الدينيون، ومن ضمنهم المفكر الإسلامي المؤيد للحكومة الشيخ سعيد رمضان البوطي، صعود القبيسيات،الحركة الإسلامية النسوية التي سعت لبناء مدارس إسلامية خاصة وجذب النساء البارزات من الطبقة العليا لتعلم كتاب المسلمين المقدس. وحسب شخصيات دينية مدعومة من الحكومة فالقبيسيات يذكرن بشار الأسد في صلواتهن ولسن بصدد أية سلطة سياسية.
محمد حبش هو الرمز الأسطع للاتجاه السياسي الذي ترعاه الحكومة. بالإضافة إلى كونه عضواً في البرلمان فهو مدير مركز الدراسات الإسلامية والذي يروج لإسلام معتدل ومتسامح. في عام 2001 وخلال صراع الموت لربيع دمشق وقبل انتخابه لمجلس الشعب تلقى حبش إذناً بتولي النقاشات الثقافية والاجتماعية لنشر التفكير الإسلامي المعتدل. يشدد حبش بحزم على الفرق بين المسلمين المحافظين والمسلمين الذين ينصحون بإصلاح أو تحديث الإسلام وبين المسلمين المتطرفين. يقول إن المتطرفين يشكلون أقل من 1 % من السكان، وأن الفرق بين المحافظين والمتطرفين هو أن المتطرفين يدعمون العنف. يشدد إسلامه الجديد على الحوار والاحترام والتسامح مع جميع الأديان. لقد بزغ كشخصية هامة تستطيع أن تحبط حركات المعارضة الإسلامية الناشئة بإظهار الحكومة السورية على أنها تحترم شعائر الإسلام المحافظ والإصلاحي وتهمش الجماعات المتطرفة.
بحظر جماعة الأخوان المسلمين عام 1982 لم تنشأ أية معارضة إسلامية حقيقية منظمة في سوريا. يوجد حالياً عدد من الجماعات أبرزها جند الشام وغرباء الشام. يزعم أن الأولى مرتبطة بعناصر موالية للقاعدة وأنها كانت مسؤولة عن تفجيرات المزة عام 2004 وجبل قاسيون عام 2005. في حزيران 2006 اشتبكت السلطات السورية مع مقاتلين مقنعين زاعمة أنهم يحضرون للهجوم على ساحة الأمويين في دمشق. كان عناصر المجموعة، حسب السلطات السورية، يمتلكون أقراصا مضغوطة تحتوي على مواعظ زعيم غرباء الشام أبو القعقاع المعروف باسم محمود آغاسي- الخطيب في جامع الشحرور في حلب. تدعو مواعظ آغاسي المعادية لأمريكا إلى إقامة دولة إسلامية مبنية على الشريعة الإسلامية في سوريا. في مقابلة تلفزيونية معه اعترف أن جند الشام تتبنى عملية ساحة الأمويين، ولكنه بنفس الوقت وافق على سياسة الحكومة السورية وأدان جماعة الأخوان المسلمين لأنها تؤدي بسوريا إلى دولة فوضى. وفي مقابلة أخرى قال إنه ومجموعته كانوا يعملون مع الحكومة السورية لتحقيق الوحدة الوطنية.
لأن هذه الجماعات تقاتل بهجمات معزولة وصغيرة نسبيا، فمن المحتمل أن تستخدمها الحكومة أو أن تكون هي التي اختلقتها من أجل ترويض الإسلاميين المتطرفين أو تزويدهم بمخرج. إن حقيقة أن هذه الحوادث تؤدي إلى خسائر قليلة نسبياً في الحياة، وأن تفاصيلها ليست واضحة أبداً، وأن المشبوهين دائما يقبض عليهم أو يقتلون يدعم هذا الادعاء. يتبع الهجوم على السفارة الأمريكية في أيلول 2006 هذا النموذج: قتل المهاجمون الأربعة ولم يجرح أي موظف أمريكي. جاء الهجوم في وقت توتر سياسي سوري سعودي كبير، وأشار تقرير وزارة الداخلية إلى أن المهاجمين الأربعة لم يكونوا منتسبين إلى أية جماعة إرهابية وقد خططوا للعملية في السعودية.
لا يوجد عناصر إسلامية بارزة داخل المعارضة المحلية السورية المنظمة. ثمة سببين لهذا الوضع. الأول هو أن أحزاب المعارضة وحلفاءهم يدعون باستمرار إلى ديمقراطية علمانية في سوريا والحزب الإسلامي الحقيقي الوحيد الذي وقع على إعلان دمشق هو جماعة الأخوان المسلمين المنفية منذ عشرين سنة مضت. الجزء من الإعلان الذي أقر الإسلام دين الأكثرية وبمركزيته في الحياة العربية كان إيماءة ومراعاة للإخوان المسلمين. السبب الثاني أن بناء النظام الإسلامي الموالي للحكومة لم يترك أي منفذ للإسلام السياسي أو غيره. كثيراً ما اعتقلت السلطات السورية أعضاء الحزب الإسلامي الوحيد في البلد وهو حزب التحرير الإسلامي. تدعو هذه الجماعة إلى استعادة الخلافة الإسلامية وهي محظورة في جميع الدول العربية. حسب المنظمات كاللجنة السورية لحقوق الإنسان في سوريا التي تابعت الاعتقالات والسجون فالحكومة السورية ناشطة جداً في اعتقال وسجن الإسلاميين المشتبه بهم خاصة أولئك الذين تشتبه بعلاقتهم بالإخوان المسلمين.
إن احتكار النظام للدين وضع المعارضة العلمانية في التزام جدي. فمن ناحية يطرد البرنامج العلماني للمعارضة أية جماعة إسلامية محلية يعرف أعضاؤها أن عقوبات الإسلاميين أشد من عقوبات المعارضين العلمانيين. ومن ناحية أخرى وقعت جماعة الأخوان المسلمين المنفية على إعلان دمشق مؤسسة بذلك علاقة بين المعارضة والعنصر الأكثر تهديداً للنظام.
لقد نجحت الحكومة السورية في ترويض الإسلاميين من خلال المؤسسات، الشراكة ، والشخصيات الهامة. يوضح هذه النقطة مثالان: في تشرين الثاني نشرت دار إيتانا الترجمة العربية للكتاب الإيراني “دعونا نخلع الحجاب”، وبعد أن اشتكى الإسلاميون لحزب البعث ضايقت قوى المخابرات رئيس إيتانا معن عبد السلام، ثم في كانون الثاني / 2006 أغلقت الحكومة السورية المطبعة. وحسب عبد السلام “تخلق السلطات السورية حركتها الإسلامية الخاصة وتستخدمها”.
اعتمد النظام أيضا وبشدة على رجال الدين الموالين للسلطة. فالشيخ البوطي محترم جداً في المجتمع السوري المتدين ويدرس في كلية الشريعة في جامعة دمشق منذ عام 1960. كان البوطي واضحاً وثابتاً في شكوكه في المجتمع المدني ومنتقدي النظام داعياً إياهم “عملاء ضد الإسلام”. في محاضرة له عام 2005 انتقد المجتمع المدني والمنظمات النسوية وغيرهم لنيتهم في “إثارة الشقاق ما يؤدي إلى ثورة داخلية بمساعدة قوى خارجية”. واخترقت كلمات البوطي قلب قابلية النظام لاحتواء المعارضة. لقد تفوقت الحكومة السورية في السيطرة على الإسلام واستخدامه ضد أعدائها واستمرت صياغة الخطابات ضد المعارضة في الهجوم الذي ربط المعارضة بقوى أجنبية تجاهد من أجل تحطيم الوحدة الوطنية. إن قدرة النظام السوري على قيادة جهاز الأمن ورجال الدين المتعاطفين معه لا زالت أقوى من قوى المعارضة العلمانية المحلية.
إن اتجاه سوريا نحو الأصولية هو ظاهرة عمرها ثلاثون سنة. فعندما تولى حافظ الأسد السلطة في أوائل السبعينيات وانتقد لكونه عضوا في هرطقة طائفية، تلقى فتوى من القائد الشيعي موسى الصدر تقول فيها أن العلويين مسلمون شيعة ، وصوره الإعلام السوري على أنه مسلم ورع يصلي في المساجد ويصوم رمضان. استمر نظام بشار الأسد في هذه الممارسة مستخدماً الإسلام أو أية عقيدة أخرى ليضمن زعامته وبقاءه. أثناء مؤتمر حزب البعث في 2005 شدد الأسد على أن التزامه بالعروبة لم يكن متعارضاً مع الإسلام. حل النظام السوري نفسه من التزامه بالبعث لعقود، والعدد المتزايد لغير البعثيين في المناصب العليا ( من ضمنهم نائب الرئيس نجاح العطار وسفير سوريا في الولايات المتحدة) وكذلك البرلمان هو دليل على هذا الاتجاه. لم يعد ينظر إلى النظام السوري على أنه ملتزم بالعلمانية والبعثية بكل معنى الكلمة بل على أنه ملتزم فقط ببقائه، ودعم الإسلام والبعثيين البارزين هو المفتاح لذلك.
هل يستطيع الإسلاميون تحريك الشارع السوري؟
أصبحت الإشارات إلى أن سوريا وشعبها باتوا إسلاميين أكثر وضوحاً، وقد غطت وسائل الإعلام ذلك: نساء يرتدين الحجاب بشكل أكبر، رجال دين يربون لحاهم ويمتنعون عن لبس خاتم الزواج، وجود محلات أكثر للكتب الإسلامية، استبدال شعارات البعث بأقوال إسلامية مثل “صلي على النبي” و “لا تنسى ذكر الله”، بالإضافة إلى إغلاق الكثير من المطاعم والبارات التي كانت تقدم الكحول. السؤال الأساسي هو إذا كان تكريس الإسلام يمكن أن يترجم إلى احتجاج على النظام.
في المدى القصير هذه النتيجة بعيدة الاحتمال حيث أثبت النظام مهارة في ترويض الشعور الإسلامي. تجلت هذه الموهبة بشكلها الأفضل في رد النظام على نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد في الصحيفة الدانمركية Jyllands Posten. في أيلول / 2005. في أواخر 2005 وأوائل 2006 نما إحساس العرب بالإساءة من الرسوم، ومن المفاجئ أن المعارضة العلمانية ردت بالشكل الأكثر شدة. بعد شهر تم فيه وضع لافتات على نوافذ المحلات تؤيد مقاطعة البضائع الدانمركية تظاهر الآلاف أمام السفارة الدانمركية في دمشق في 24/2/2006 واقتحم عشرات الشباب السفارة وأحرقوها. وحدث الشيء نفسه في السفارة النرويجية. استبدل المتظاهرون العلم الدانمركي بالعلم السعودي الذي كتب عليه “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” ، واستعرض الرجال والنساء والأطفال العرب في الشوارع لافتات تؤيد حزب الله وحماس والإسلام والنبي محمد.
إن هذا العدد الكبير من الناس الذين يتجمعون ويهاجمون السفارة الأجنبية وبوجود بيئة أمنية محكمة مستحيل بدون مشاركة الحكومة. لم يجرح أي موظف في السفارة لأن الاعتصام كان متوقعاً حسب تعبير موظف في المعهد الدانمركي في دمشق. فوق ذلك، حدث الهجوم يوم السبت عندما كانت السفارة في عطلة رسمية ولم يكن من المحتمل وجود أحد فيها. وقد أدلى جميع هؤلاء العناصر أن الحكومة إن لم تكن قد شجعت المظاهرات وإحراق المباني فهي على الأقل على معرفة مسبقة بها. نشرت الحكومة في السفارة الدانمركية 25 عنصراً مجهزين من شرطة مكافحة الشغب للإمساك بالمشاغبين والتعامل مع الأفراد الذين يحاولون اقتحام السفارة بسهولة. وعندما وصلت سيارة الإطفاء لإخماد الحريق قفز المتظاهرون مباشرة إلى سطحها. إن مثل هذا السلوك لا يحدث في سوريا القمعية ويجب أن ينظر إليه على أنه إدارة حكومية بارعة تسمح للإسلاميين والمتعاطفين معهم بتوجيه مشاعرهم ضد الأجانب وليس ضد النظام. مع تراجع البعثية والقومية العربية وصعود الإسلام في المنطقة ليس السوريون استثناء عندما ينظرون إلى الإسلام على أنه الإيديولوجية الملائمة الوحيدة التي بقيت. والسؤال هو كيف يرد النظام على هؤلاء الأفراد بالتزام أكبر. الطريقة الأهم التي يمكن من خلالها للإسلام تهديد النظام هي انتشار المساجد. مع أن المفتي الكبير أعلن في 2005 بفخر عن وجود أكثر من 10000 مسجد في سوريا يصلي فيها 4 ملايين شخصاً أسبوعياً ، إلا أن هذا السيل من المساجد يمكن أن ينعكس على النظام.
بينما نجحت الحكومة السورية في منع اجتماعات المعارضة العلمانية رحبت بالسوريين في المساجد. وما لم تراقب الحكومة هذا الاندفاع في الدين عن كثب، يمكن أن يتحول الجامع إلى أرض خصبة للعناصر المتطرفة والمعادية للنظام سواء كانوا مدرسين محليين أو شباب متدين أو منظمات خيرية إسلامية. على أية حال أشارت منظمات حقوق الإنسان إلى أن سوريا مستمرة في انتهاك حقوق الإنسان واضطهاد الإسلاميين. إن الإسلام المتصاعد وتعامل الدولة معه ظاهرة هامة ويجب أن تتابعها الحكومة الأمريكية عن كثب.
المعارضة السورية والسياسة الأمريكية
ترك جميع الخيارات مفتوحة:
بعيداً عن اقتراح لجنة الدراسة في العراق بفتح الحوار مع سوريا شددت إدارة بوش على موقفها الرسمي: سوريا ممثلة بالرئيس بشار الأسد “تعرف ما يجب أن تفعله” من أجل أن تصبح قوة مستقرة وإيجابية في الشرق الأوسط. الرئيس بوش وسكرتيرة الدولة رايس وإدارات الدولة الأخرى ومسؤولون في وزارة الدفاع كرروا جميعهم هذه العبارة حيث قابل السكرتير السابق كولن باول الرئيس الأسد في دمشق ووعد الأسد بإغلاق مكاتب المنظمات الإرهابية الفلسطينية وبضبط الحدود مع العراق بشكل أفضل. في الأشهر الأخيرة زار دمشق عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وممثلون في الكونجرس – بشكل خاص المتحدثة باسم البيت الأبيض نانسي بيلوسي في نيسان / 2007- ممن يؤيدون الحوار مع سوريا ولكن الإدارة وقفت بثبات ضد تبني موقف ألطف من سوريا.
إن إدارة بوش على كل حال كانت منفتحة على الأحزاب السورية الأخرى، حيث اجتمع أعضاء الإدارة خارج سوريا بعناصر مختلفة من المعارضة السورية في المنفى. وخلال السنين القليلة الماضية اجتمع فريد الغادري زعيم حزب الإصلاح في سوريا ومقره في باريس بمسؤولين كبار في الإدارة. وفي آذار / 2005 قابل الغادري إليزابيث تشيني ثم السكرتير المساعد نائب الرئيس في مكتب شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية وأيد العمليات السرية في مركز الاستخبارات الأمريكية والتمويل الأمريكي للمعارضة السورية من أجل إسقاط حكومة الأسد. عقدت إدارة بوش أيضا نقاشات مع زعماء جبهة الخلاص الوطني وهي المجموعة المعارضة الأكبر في المنفى ويقودها رئيس الأخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني ونائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام. اجتمع مسؤولون في الإدارة مع ممثلين عن جبهة الخلاص الوطني في واشنطن مرتين في خريف 2006 ولكن التقارير الصحفية أشارت إلى عدم اقتناع أعضاء مجلس الأمن الوطني ووزارة الخارجية ببرنامج جبهة الخلاص لنظام ما بعد الأسد.
بالرغم من أن مجموعات المعارضة في المنفى الجدية في تغيير النظام كانت مهتمة بلقاء المسؤولين في الحكومة الأمريكية إلا أن الاستجابة من داخل سوريا كانت أبرد. في خريف 2006 زار أربعة مسؤولين أمريكيين شخصيات معارضة في دمشق ومن ضمنهم هيثم المالح الناشط الحقوقي البارز ذو الصلات الوثيقة بالإخوان المسلمين. وحسب المالح فقد أخبره المسؤولون أنهم أرادوا العمل معه للضغط على الحكومة السورية للانفتاح على المعارضة الديمقراطية، ولكن المالح رفض لأنه” شك في صدقهم”.
بشكل عام يبدي العديد من المعارضين السوريين في الداخل مزيجا من التشويش والتخوين عند مناقشة الحكومة الأمريكية. يَخَشى العديد مِنْ أعضاء المعارضةِ أنّ الولايات المتّحدةَ تَستخدمهم فقط كأداة للضَغْط على سوريا ولا يَفْهمُون أيضاً لماذا تُروّجُ الولايات المتّحدة للديمقراطيةِ والانتخابات في الشرق الأوسطِ ثم تَرْفضُ التحدث مع تلك الحكوماتِ المُنتخبةِ التي لا تحبها (كحماس). أَيّدَت زيارة نانسي بيلوسي إلى دمشق في نيسان / 2007 اعتقاد أعضاء المعارضةِ بأن أمريكا لا مبالية بقضايا حقوقُ الإنسان في سوريا مؤكدة مخاوفهم في أن حقوق الإنسان ثانوية في إستراتيجية أمريكا في سوريا والشرق الأوسط. في افتتاحية الديلي ستار/ بيروت أشار الناشط في حقوقِ الإنسان رضوان زيادة إلى أن قضية حقوق الإنسان لَمْ يَظْهرْ أنها قد أثيرت في جميع مُناقشاتِ بيلوسي مَع بشّار الأسد.
البيت الأبيض، على أية حال، لم يكن غير مبال بمصير المعارضين أَو السجناء السوريينِ. ففي بيان صحفي في24/كانون الثّاني/ 2006 دَعا الحكومةِ السوريةِ إلى أن “تكف عن مضايقة السوريين الذين يسعون سلمياً إلى الإصلاح الديمقراطي في بلدهم “. وفي كانون الأول / 2006 كرر البيت الأبيض دعمه لرغبة الشعب السوري في الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. وبشكل خاص جاء توقيت التصريح الأخير بالضبط عند زيارة السيناتور بل نلسون لبشار الأسد في دمشق لمناقشة القضايا الإقليمية بالرغم من رفض الإدارة الأمريكية لتوصيات لجنة بيكر هاملتون بالتحدث مباشرة إلى سوريا. بعده جاء كل من جون كيري وكريستوفر دوود و أرلن سبكتر ، وقد أشار توقيت البيان إلى أنه بالرغم من موقف إدارة بوش الحازم ضد إشراك حكومة سوريا إلا أنها أرادت إيصال اهتمامها بالمواطنين السوريين وبإطلاق سراح السجناء السياسيين وأبرزهم أنور البني وميشيل كيلو وكمال اللبواني.
على أية حال فعل البيان القليل لإقناع أولئك الذين يناضلون من أجل الحرية داخل سوريا بأن الحكومة الأمريكية جدية في تغيير الوضع الراهن. في مقابلة في عام 2005 مع كمال اللبواني المسجون منذ عودته من الولايات المتحدة ولقائه بمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، قال اللبواني عن الدبلوماسيين المسؤولين عن ملف المجتمع المدني والمعارضة في السفارة الأمريكية في دمشق ما يلي: “المجموعة التي تعمل على ذلك البرنامج ضعيفة جداً. يتعاملون معنا من خلال شخص وحيد بالكاد يتكلم العربية وغير قادر على بدء أي شيء…. لم يظهروا أية رغبة في التنسيق أو التعاون مع عناصر المجتمع المدني. إن الولايات المتحدة لا تعول على المعارضة في لعب أي دور داخلي.
أعطى الدبلوماسيون في السفارة الأمريكية في دمشق صورة مختلفة عن العلاقات الرسمية بين المعارضة والسفارة. واحدة من الدبلوماسيين وتتكلم العربية بطلاقة وقد غطت حقوق الإنسان في 2006 قالت إنها عملت بجد لتطوير علاقات وثيقة مع نشطاء حقوق الإنسان وحاولت الإجابة على أسئلة كثيرة حول السياسة الأمريكية. إحدى أكبر العقبات هي أن الحكومة السورية تنتقد أي عمل للولايات المتحدة في قضايا حقوق الإنسان والمجتمع المدني على الأرض مهما يكن في حين أن الممثلين الأوروبيين يمكن أن يعملوا بحرية أكبر. على المستوى الرسمي لدى الولايات المتحدة هوة كبيرة جداً من المصداقية عند كل من النشطاء والحكومة،وهذه الحالة تعرقل العلاقات بين الولايات المتحدة والمعارضة.
تمويل MEPI للمعارضين:
الضربة الساحقة لهذه المصداقية الهشة جاءت مع إعلان مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط MEPI، مكتب وزارة الخارجية الذي يساعد المنظمات الفاعلة في الشرق الأوسط في شباط / 2006 عن منح مبلغ 5 مليون دولار لدعم الحكم الديمقراطي والإصلاح في سوريا. حسب بيان صحفي من وزارة الخارجية فالنقود ستستخدم “لبناء مجتمع مدني في سوريا ودعم المنظمات وتعزيز الممارسات الديمقراطية مثل حكم القانون، محاسبة الحكومة ، الوصول إلى مصادر معلومات مستقلة ، حرية التجمع والكلام والانتخابات العادلة والتنافسية”.
رأت الحكومةُ السوريةُ هذا البرنامجِ كمثال مبدأي لكُلّ نقدها الأسوأ للولايات المتّحدةِ وسياسة التدخلِ في شؤون الشرق الأوسطَ. وقد أدان وزير الخارجية وليد المعلم الإعلان قائلاً أنه تدخل في الشؤون الداخلية السوريةِ. إن مصطلحات “إصلاح”، “انتخابات”، “حرية الكلام والجمعيات”، “مساءلة الحكومة”، و”الديمقراطية”، كَانتْ كُلّها حججاً للنظامِ لمُهَاجَمَة المعارضةَ المحاصرة أصلاً ووصفها بأنها عميلة للأجانب. ولذلك، انتقد نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان وأعضاء المعارضةِ الإعلان. “نحن لَسنا بِحاجةٍ إلى 5 مليون دولار تمنحها الحكومة للإصلاح في سوريا. نُريدُ صداقةَ الشعب الأمريكي، ونطلب من الحكومةَ الأمريكيةَ التَوَقُّف عن استعمال القوةِ لبِناء الديمقراطيةِ”، قالَ أحد النشطاء. هذا الإعلان العلني لهذه المنحِ جَعلتْ أعضاء المعارضةً مستهدفين بشكل أكبر. ولَيسَ من قبيل الصدفة، وبعد فترة قليلة من هذا الحدث، أن يغلق مركز أنور البني لحقوق الإنسان والدعم القانوني، والمدعوم من المساعدة المالية الأوروبية، بعد أقل من أسبوعين من افتتاحه.
أهين أعضاء المعارضة أيضاً بكمية النقود المقدمة. لقد رأوا عشرات ملايين الدولارات تذهب إلى ديمقراطية إيران وبرامج المجتمع المدني وخمسة ملايين فقط تذهب إلى قضايا سورية. هذا يثبت أنه بالرغم من كل الخطابات حول الديمقراطية في سوريا، لم تكن الولايات المتحدة مهتمة حقاً بالمعارضة السورية وأهدافها. إن آلية التوزيع أيضا جعلت قبول الأموال شبه مستحيل: حسب إعلان البرنامج كان الحد الأدنى للمنحة 100000 دولار، وهي كمية كبيرة جدا لاحتياجات المعارضة المتواضعة (مكاتب- تجهيزات) ويمكن أن يعترض عليها النظام. لذلك خصصت الأموال برمتها للمنظمات خارج سوريا.
الإسفين الأخير بين نشطاء المعارضة السورية والولايات المتحدة كان مقالاً في مجلة “تايم” في كانون الأول / 2006 يلخص “نظام مراقبة الانتخابات” الممول من قبل MEPI. وحسب المقال كان سيخصص جزء من الملايين الخمسة لمشروع مراقبة الانتخابات والذي يتضمن طباعة ونشر مواد من قبل النشطاء داخل سوريا، إعطاء أموال لأصدقاء أمريكا من السياسيين، حملات تثقيفية للمقترعين، واستطلاع الرأي العام. فسر مثل هذا البرنامج كطريقة لزعزعة استقرار الحكومة السورية، وهذا جعل عمل المعارضة أصعب. أصدر التجمع الوطني الديمقراطي، دفاعاً عن نفسه، بياناً يطالب فيه كل المعارضة السورية بالكشف عن مصادر تمويلها حفاظا على الشفافية والمصداقية ومنعا لتلويث الطبيعة الوطنية للمعارضة.
المشاكل التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية:
إن برنامج MEPI الذي يهدف لتعزيز “الحكم الديمقراطي والإصلاح” يعبر عن السياسات الخاطئة للولايات المتحدة بالنسبة لسوريا والمشاكل التي تواجهها وكيف تؤثر هذه المشاكل على المعارضين داخل البلد.
أولاً: تواجه أمريكا نقصاً شديداً في المصداقية لدى المعارضة المحلية في سوريا. معظم السوريين يستنكرون التحيز الأمريكي لإسرائيل ومسؤولية واشنطن عن القتل اليومي في العراق، ولذلك لا يستطيع المعارضون العرب السوريون الدفاع عن أمريكا أو أن يقبلوا دعمها، فبمجرد زيارة الولايات المتحدة، كما حصل في حالة كمال اللبواني، يواجه المعارضون الاعتقال والسجن الطويل بعد عودتهم إلى سوريا رغم أن الكثيرين كاللبواني مستعدين للمخاطرة وجعل سجنهم بياناً سياسياً. بالنسبة للمعارضة المحلية المراقبة بشدة والموضوعة تحت التهديد الدائم فافتقار الولايات المتحدة للمصداقية بين الجماهير العربية في الشرق الأوسط يجعل أي ارتباط بالبرامج والشخصيات الأمريكية مكروهاً وخطراً.
ثانيا: بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة من حكم الأسد تكون لدى السياسيين السوريين ثقافة عميقة الجذور من سوء الظن بالأجانب، فالحكومة وإعلامها تدين باستمرار أعداءها الداخليين بوصفهم عملاء أجانب لإسرائيل والحكومات الأجنبية التي تهدد وحدة العرب والسوريين، ويتحمل أعضاء المعارضة المحلية أعباء عظيمة عندما يجتمعون بنظرائهم في الخارج، وهذا الفعل يعرضهم لهجوم أكبر من الحكومة. وبسبب وجود معارضة في المنفى ، ولأن جبهة الخلاص تضم نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام وزعيم الأخوان المسلمين ( والذي يتعاطف معه الكثير من السوريين) فإن دعم مثل هذه الجماعات من الداخل شبه مستحيل. جعل حسن عبد العظيم الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي هذا التقسيم المحلي-الأجنبي واضحاً في 8 /تشرين الثاني / 2006 عندما أقر أن التجمع اتفق مع تقييم جبهة الخلاص للوضع في سوريا، ولكنه في الوقت نفسه أوضح أن لا تنسيق بين التجمع وجبهة الخلاص. بالرغم من أن الأفراد في الولايات المتحدة وأوروبا يؤكدون على أن الشخصيات المعارضة البارزة يدعمون نشاطاتهم وبرنامجهم إلا أن هؤلاء الأفراد داخل سوريا لا يمكن أن يعترفوا بشيء كهذا حتى ولو حدث ذلك.
تعمل المعارضة النشيطة في المنفى والدعم الأوروبي لنشاطات المجتمع المدني وإعلان MEPI من خلال الخطاب الدائم للنظام بأن كل من يدعم التغيير هو عميل أجنبي. أكد جميع أعضاء المعارضة العرب الذين سئلوا في هذه الدراسة على وطنيتهم ورغبتهم في مجتمع ديمقراطي حر في وطنهم واضعين حداً واضحا بين آرائهم في الحكومة وحبهم لوطنهم. في حين ترى الحكومة الأمرين واحداً. وبالرغم من فتح البلد على العالم من خلال الخلوي والإنترنت إلا أن الثقافة السياسية لم تلحق بالتقدم التكنولوجي.
أخيراً: وضعت الحرب الأهلية في العراق وفلسطين وانتصار الإسلاميين في صناديق الاقتراع البرنامج الأمريكي لتعزيز الديمقراطية في وضعية الاستراحة. ترى المعارضة السورية هذا الفشل أيضاً، وتخلص إلى أن الديمقراطية لا تفرض بالقوة والانتخابات لا تصنع ديمقراطية. عند النظر إلى العراق يكرر العديد من المعارضين السوريين العبارة نفسها “تولد الديمقراطية دائما بعيدا عن الدم” وبعضهم يوافق على أن المشروع الأمريكي في العراق ضروري. هؤلاء أنفسهم لا يريدون تكرار تجربة العراق في سوريا. إنهم يرون في إعلان MEPI مثالا على حيرة الولايات المتحدة بشكل عام عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية والتغيير في الشرق الأوسط وسوء فهم الناس والمعارضين للأنظمة الدكتاتورية تحديداً. يرى أعضاء المعارضة بوضوح أن تهمة “عملاء أجانب” تقصد تشويه سمعتهم وإنقاص رصيدهم ولكنهم يوضعون في موقع صعب عندما يواجهون بخيارين صعبين: القبول بالمساعدة الأمريكية وخيانة الجذور القومية لقضاياهم أو المحافظة على حالة القمع الراهنة.
توصيات:
تواجه المعارضة السورية المحلية تحديات معقدة، وتواجه الولايات المتحدة العديد من العقبات في تشكيل سياسة منسجمة وعملية نحوها. يحمل السواد الأعظم من السوريين الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة عن الفوضى ويدين عجزها عن مجاراة خطابها الداعي إلى السلام وعن تحقيق تقدم حقيقي على الأرض، وتدين الحكومة السورية كل من يدعو إلى التغيير داخل النظام (عميل أجنبي)، وقد تشددت مع من قبل أموالاً أجنبية. إن أعضاء المعارضةِ هم مجموعة منقسمة ويَعِيشُون تحت وابل من التهديداتِ لهم ولعائلاتهم. في هذه البيئةِ،على أية حال، يَجِبُ أَنْ تتخذ الولايات المتّحدة – ووزارة الخارجية خصوصاً -عدداً من الإجراءاتِ لبِناء سياسة أكثر عملية وتطورا تجاه المعارضةِ السوريةِ:
1. تأسيس اتصال ثابت ومساعدة أطول:
إن موظفي المساعدة في السفارة الأمريكية في دمشق والمسؤولة عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني يجب أن يتكلموا العربية بطلاقة وأن يطلعوا على اهتمامات المعارضة والأفراد. ومن أجل تطوير علاقات قوية يجب أن يخدموا مدة أطول من سنة في هذا المكان. يجب أن يكونوا جاهزين للإجابة على أسئلة السوريين حول السياسة الأمريكية تجاه سوريا وأية إعلانات أو برامج تفكر بها وزارة الخارجية. يجب أن يستشار هؤلاء الدبلوماسيون في أية مبادرة مزعومة من مكتب الشرق الأوسط أو MEPI تخص سوريا لتجنب تعريض النشطاء للخطر، فمثلاً في 2006 كان يجب ألا يعلن عن منحة MEPI “للإصلاح والحكم الديمقراطي في سوريا” بمثل تلك الطريقة العلنية التي جلبت المراقبة والاتهام للمعارضة.
2. ترتيب زيارات بين المسؤولين الحكوميين وأعضاء المعارضة:
عندما يزور مسؤولون في الحكومة سوريا – سواء كانوا ممثلين في الإدارة أو أعضاء في الكونغرس- سيكون من المفيد أيضاً أن يزوروا الشخصيات المعارضة البارزة لسماعهم وفهم برامج المعارضة وما هي النشاطات التي يرغبون بها لمساعدتهم في إدراك أهدافهم. وعند عودتهم يجب أن ينقلوا نتائجهم إلى المكاتب الحكومية المناسبة.
3. جلب الشخصيات المعارضة إلى الولايات المتحدة:
يجب أن تحدد وزارة الخارجية أفراداً من المجتمع المدني وحقوق الإنسان في سوريا لزيارة الولايات المتحدة لحضور المؤتمرات في مجالهم والتحدث مع المسؤولين في الحكومة. في 2006 جلب برنامج الزائر الدولي في وزارة الخارجية محامي سوري في مجال حقوق الإنسان إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر عن الحقوق المدنية، الهجرة والقانون الدولي، وتحدث أيضاً إلى مسؤولين في الحكومة عن نشاطاته. هؤلاء الأفراد يعرفون أن زيارة الولايات المتحدة يمكن أن تعرضهم إلى الاعتقال والسجن ولكن إذا كانوا مهتمين بالدور الأمريكي يجب أن يتحدثوا إلى الكثير من الناس في الولايات المتحدة ليستطيعوا إطلاعهم على الوضع داخل سوريا.
4. التعاون الهادئ مع الأوروبيين:
الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الخاصة في أوروبا رعوا ومولوا عدداً من مشاريع المجتمع المدني الصغيرة في سوريا من المواقع الإلكترونية عن قضايا المرأة إلى الحلقات التدريبية والمؤتمرات. بتحديد تلك المشاريع التي يسهل تمويلها يَجِبُ أَنْ تَتعاونَ الحكومة الأمريكية والمؤسسات في أمريكا مع المصادر الأوروبيةِ لمُسَاعَدَة الجُهودِ المحليةِ التي تهدف إلى الحوارِ والتثقيف حول القضايا المحرّمةِ في المجتمعِ السوريِ والمُسَاهَمَة في انفتاح أكبر.
5. تقديم المساعدة الفنية:
يجب أن تدعو السفارة الأمريكية في دمشق الخبيرين في المجتمع المدني وتنظيم الجماعات وحقوق الإنسان لعقد مؤتمرات صغيرة وحوارات حول تلك القضايا مع النشطاء في هذه المجالات. ويجب أن تنسق السفارة الأمريكية هذه النشاطات مع الشركاء الأوروبيين في حال رفض النشطاء العمل مع الأمريكان. وإذا كان لتلك البرامج أن تلفت الانتباه إلى النشطاء السوريين يمكن للسفارة والنشطاء أن ينظروا في طرق بديلة للاتصال كالهاتف والإنترنت. يمكن أيضاًَ أن تدعو الولايات المتحدة خبراء في الاتصالات والإنترنت لمساعدة المنظمات والأفراد في نشر رسالتهم بتعلم مختلف وسائل الإعلام.
6. التمييز بين مطالب العرب والأكراد:
يشترك الأكراد والعرب في رغبتهم في التغيير وفي حرية أكبر في سوريا، ولكن طبيعة مطالبهم تختلف. العرب أكثرية في سوريا بينما الأكراد أقلية تعاني من التمييز وترغب في حكم ذاتي في أراضيها. يجب بذل الجهود لردم الهوة بدعم أي حوار عربي كردي. بالإضافة إلى أن السفارة الأمريكية والمسؤولين في الحكومة الأمريكية يجب أن يتفهموا دائما أن الأكراد الأنشط سياسياً – الذين يعيشون في الشمال أو المهاجرين إلى المدن الكبرى – كلهم يريدون الحكم الذاتي والوعي العربي الأكبر بفرادة المسألة الكردية السورية. المسؤولون الأمريكيون يجب أيضاً وبالتنسيق مع السفارات الأخرى التي تتابع هذه القضية أن يشجعوا النشطاء العرب على التحالف مع الأكراد لتحريك الشارع السوري بفعالية أكبر.
هل يوجد بديل موثوق للنظام؟
إن أعضاء المعارضة السورية ثابتون في وجه الفروق الكبيرة. لقد قدموا تضحيات كبيرة محاولين صنع حياة أفضل لهم ولأبناء بلدهم وأن يكونوا الصوت الذي يتكلم عندما لا يوجد أصوات أخرى. إنهم مجموعة واعية بذاتها تشتكي باستمرار وعلناً من ضعفها وانقسامها وقلة أملها في أي نوع من الإصلاح السياسي أو تحسن حقوق الإنسان أو إمكانية إصلاح نظام الأسد لنفسه. ومع ذلك لا زالوا يناضلون: في الذكرى السنوية لإصدار إعلان دمشق أصدر الموقعون بياناً يدعو إلى نظام التعددية وإنهاء حكم الحزب الواحد، ولكن السلطات السورية منعتهم من عقد مؤتمر صحفي.
لسوء الحظ لَيستْ الضرورات التي تُواجهُ المعارضة هي نفسها التي تواجه الولايات المتّحدة. تُواجهُ الولايات المتّحدةُ حرباً عنيدة في العراق وتبحث في كُلّ خياراتها في وجه النقدَ في الداخل والخارج. الوقت لَيسَ لصالح الولايات المتّحدةُ وهي ترى سوريا كمنشأ للعديد مِنْ مشاكلِ الشرق الأوسطَ في دعمها لحزب اللهِ، وكون دمشق ملجأ لزعماءِ حماس، وصلاتها الوثيقة مَع إيران، وتدخلها في الشؤون الداخلية اللبنانيةِ، والسماح للجهاديين والمعدّات والتجهيزات العسكريةَ بعبور الحدود السورية اللبنانية والسورية العراقية. عَملتْ الخطاباتُ القليل لفرض التغيير في سلوك سوريا، إذ تشعر سوريا أنها قوية وبأنها تنجح مراراً وتكراراً في الهروب من الحديث الدولي عن محكمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. إنها تبْني جيشِها بالمساعدةِ الروسيةِ والإيرانيةِ وقد نَشرَت سلاح المدفعية والقذائفَ قريباً من حدودِها مَع إسرائيل، وترْفعُ فرص النزاعِ المنخفض في المستقبلِ. علاوة على ذلك، سوريا كَانتْ ناجحةَ في استخدام الأصولية المتصاعدة لمُهَاجَمَة الولايات المتّحدةِ، والإدارة الأمريكية الحالية لَيستْ جاهزة لجعل الأخوان المسلمين،على الرغم مِنْ وجههم الأكثر تسامحاً، سلاحَها ضدّ نظام الأسد.
إن المعارضة المحلية الضائعة وغير الموحدة والمضطهدَة جداً لا يمكن أن تُقَارَن بالنظامِ السوريِ وجهازه الأمنِي. النظام غير القادر على توفير العمل أَو مستوى المعيشة الأفضل بارع في شيء واحد: الأمن الداخلي ومراقبة شعبه. مع ذلك، فالمشاركة الشعبية الميتة في الانتخابات البرلمانية في نيسانِ 2007 تُؤكّدُ تصريحات المعارضةَ “ أغلبية صامتة” معارضَة لحكم البعثِ. وكما علّقَ مراسل من BBC ، لم يسبق للسوريين أن عبروا بتلك العلنية عن قلة اهتمامهم بالانتخابات. السوريون يفهمون أنهم محكومون بنظام لا يمثّلْهم، ولكن الاحتجاج الشعبي النشط لا يَبْدو محتملاً في المستقبل القريبِ.
السؤال الأفضل هو كيف يمكن تشجّيع ومساعدةَ المعارضة الحالية. إن مجرد الفَهْم الصحيح لما يَحْدثُ في دمشق، حلب، طرطوس، حمص، أَو القامشلي يُمْكِنُ أَنْ يُساعدُ الحكومة الأمريكية على فهم ما سَيَحْدثُ إذا سْقطُ نظامَ الأسد. الحكومة الأمريكية يَجِبُ أيضاً أَنْ تَكُونَ متفهمة للعناصر الإسلامية لتحصل على صورة كاملة للمجتمع السوري. يَجِبُ أَنْ يَستمرّ المسؤولون الحكوميون في لقاء أعضاء المعارضةِ، داخل البلادِ وفي المنفى، وكْسب ثقةَ المعارضة الداخلية. يجد الدبلوماسيون صعوبةُ في تَبرير الدعم الأمريكي للديمقراطية السورية والمعارضة، على أية حال، حيث أن المصداقية الأمريكية في أقل مستوى.
في الوقت الحاضر، لا يوجد بديلَ فعّالَ للنظامِ. المعارضةَ الداخليةَ تحت ضغط أكبر من أن يمكنها من التصرف كعامل فعال، ومُعظم المعارضةِ في المنفى لم تدخل سوريا منذ سَنَوات.
الأخوان المسلمون لديهم تعاطف شعبي، ولكن لا يملكون منظمة قويَّة. الأصولية المتصاعدة ظاهرة قويَّة، ولكن النظامَ يراقبها بحذر. الحرب في العراق أيضا قَوّت النظامَ ً وأضعفتْ المعارضةُ وأيّ حديث عن الإصلاح السياسي. الحملةَ الإسرائيلية في 2006 ضدّ حزب اللهِ والمدعومة من الولايات المتّحدة عزّزَت شعبيةَ النظامَ أيضاً وأظهرت للسوريين ثانية، ومن ضمنهم المعارضة، أنه بالرغم من أن الولايات المتّحدةِ تدعم الديمقراطية في لبنان إلا أنها يمكن أن تكُون مستعدة للتَضْحِية به بسبب مصالح إستراتيجية أوسع.
مع هذه القيودِ، فالإستراتيجية العقلانية الوحيدة في هذا الوقتِ هي إضعاف حلفاء سوريا (روسيا وإيران) وإقناع الممثلين الأوروبيين وجيران سوريا في الخليجِ بأن عزل وخْنق النظام هو الطريقة الوحيدة لفرض التغيير، كما ظهر بوضوح بعد اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005 وإصدار تقرير الأُمم المتّحدةِ الأول عن التحقيقِ في قتلِه في تلك السَنَة. إن تغيير النظامِ المستعجلِ سينْتج فقط ممراً من الفوضى بين طهران وبيروت. في هذه اللحظة، يَجِب أَنْ تعْمَلَ الولايات المتّحدة باتجاه تَحسين علاقاتِها بشخصياتِ المعارضةِ داخل سوريا وشركائها الدوليين، بالإضافة إلى رفع مصداقيتها لدى الجماهير السوريِة.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط
اللجنة التنفيذية:
الرئيس: هاوارد.ب. بركويتز
رئيس اللجنة: فريد.س. ليفر
الرئيس الفخري: مايكل ستين
الرئيس المالي: باربي وينبرغ
نواب الرئيس الأعلى: برنارد ليفانثال، جيمز سكريبر
نواب الرئيس: تشالرلز آدلر، بنيامين برسلور، وولتر ب سترين
السكرتير: مارتين ج غروس
أعضاء اللجنة: ريتشارد بورو، موريس دين، جيرالد فرومر، روجر هيتروغ، بيتر لوي، دانييل مانتز، فريد سكوارتز، ديمتري سوغولف، ماريل تيش، و غاري ويكسلر.
مجلس قيادة الجيل القادم: جيفري أبرامز، توني بيير، ديفيد إيجين، آدم هرز، دانييل منتز (رئيس مشارك)، ديمتري سوغولوف (رئيس مشارك) جوناثان توروب.
المجلس الاستشاري:
وورين كريستوفر، لورانس. س. إغلبرغر، ألكساندر هيج، ماكس و لويس، إدوارد لوتواك، مايكل ماندلبوم، روبرت فارلين، مارتين بيريتز، ريتشارد بيرلي، جيمس روتش، جورج شلتز، بول وولفويتز، ر. جيمس وولسي، مورتيمر زكرمان.
إحياء لذكرى جين كيرباتريك يوجن روستو
مقارعة أسد دمشق: المعارضة السورية ونظام الأسد3000 من حزب الله طلبوا ودخلوا الاراضي السورية لقمع المظاهرات 2-يريدون تصدير المشكلة الى خارج سوريا من خلال :ا-فتح حرب اسرائلية لبنانية على الحدود لطمس ما يحصل في سوريا وانهم اشراف الامة والمناطق ج-فتح مشاكل داخلية ر ضد بعضها البعض سابقا د-هناك عملية تحضير واسعة النطاق استباق للقرار ه-ضخ ملايين الدولارات والعملات المزورة الى لبنان كل الف دولار يباع مقابل مائة دولار صحيحة عبر تجار عملات وسوابق لهم ارتباط بالشيعة والنظام السوري و-تسليم مسوؤليات لقيادات قديمة ومستبعدة سابقا لمواقع مهمة ي- تسلم اسلحة لكل مسؤول تابع ه من بعثيين وقوميين وغيرهم كل مسؤول 100… قراءة المزيد ..
مقارعة أسد دمشق: المعارضة السورية ونظام الأسد
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن نقول للاخوة الاكراد اللذين رووا بدمائهم ارض الوطن ضدد هذا النظام الطائفي القاتل اننا معكم بكل شئ حتئ النصر وان تكون سوريا وطن الجميع انتم ايها الاكراد يا احفاد صلاح الدين الايوبي وابن تيمة وابن القيم وانتم والله اللذين نحبهم ونحترمهم نقول لهم ان يوم الخلاص بات قريب وان شاء الله نكون يدا واحدة لاسقاط هذا النظام وانشاء نظام ديمقراطي حر يكون في العربي والكردي اخوة في كل شئ ولن ننسي كيف قتل النظام الطائفي الشيخ الخزنوي وقطع اربا رحمة الله موعدنا قريب الئ النصر يدا بيد