دخلت المواجهة بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان أسبوعها الرابع وسط توقعات ببقائها مفتوحة حتى القضاء على هذه الظاهرة وسوق المنتمين إليها الذين ارتكبوا مجزرة ضد العسكريين الى العدالة لمحاكمتهم. ويبدو انه تُرك لقيادة الجيش تقدير ظروف المواجهة وطبيعتها على قاعدة ان القرار اتخذ بالقضاء على هذه المجموعة المسلحة ولا تراجع عنه.
ووصل امس الى بيروت الموفد الفرنسي جان كلود كوسران، في زيارة تستغرق أياماً، والتقى بري ليلاً على ان يستقبله السنيورة اليوم، وسيلتقي ايضا قادة في «14 آذار» والنائب ميشال عون ومسؤولين في «حزب الله». وسيوجه الموفد دعوات للمشاركة في طاولة الحوار الاكاديمي – السياسي الى شخصيات «من الصف الثاني».
وتأتي هذه التطورات مع دخول قرار مجلس الامن الرقم 1757 المتعلق بإنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري حيز التنفيذ.
وكان بارزاً في الجولة الأخيرة من الاشتباكات ليل الجمعة – السبت التحاق قوى فلسطينية جديدة بـ «فتح الإسلام» الذي استطاع اعادة تجميع صفوفه بعد الضربات التي مُني بها، وتمكن من خوض معركة ضد الجيش كانت الأعنف منذ الاعتداء الذي استهدف العسكريين فجر الأحد في 20 أيار (مايو) الماضي.
وأكد شهود عيان في مخيم نهر البارد لـ «الحياة» ان أطرافاً فلسطينيين سارعوا الى نجدة «فتح الإسلام» في المواجهات من خلال تزويده بالمقاتلين والذخيرة والتموين، وهذا ما برز جلياً في المعركة الأخيرة التي خاضها ضد الجيش مخالفاً كل التوقعات التي كانت تتحدث عن انه بات على وشك الاستسلام.
وجاء ما كشفه الشهود العيان متطابقاً مع المعلومات التي توافرت لجهات رسمية وبعض القيادات في الأكثرية والمعارضة التي أجمعت على ان «فتح الإسلام» نجح من خلال الدعم اللوجستي والبشري الذي زودته به بعض الفصائل الفلسطينية في اعادة تنظيم نفسه إذ لوحظ ان المئات من المسلحين شاركوا في المعركة الأخيرة، بينما لم يتمكن في المواجهات السابقة من حشد أكثر من مئة مقاتل.
وتحدث الشهود ايضاً عن ان مقاتلين ينتمون الى فصائل فلسطينية انتشروا في المواقع الأمامية المؤدية الى مخيم نهر البارد في محاولة لإشغال الجيش اللبناني وتخفيف الضغط العسكري الذي كان يتعرض له «فتح الإسلام» على طول محاور استراحة النورس ومؤسسة صامد ومبنى التعاونية.
لكن هؤلاء اكدوا في المقابل ان المواجهة الأخيرة أوقعت في صفوف التنظيم اكثر من اربعين قتيلاً وان جثث بعضهم شوهدت متفحمة، بينما وضعت الجثث الأخرى في مستوصف «الرحمة» داخل المخيم.
وسقط للجيش اللبناني في هذه المواجهات 9 شهداء ليرتفع عدد الشهداء في صفوف العسكريين منذ اندلاع المعارك الى 57 شهيداً.
وفيما تجددت المعارك، بدءاً من بعد ظهر امس، بعد ليل هادئ، اكدت مصادر عسكرية في الجيش اللبناني ان وحداته حققت تقدماً على رغم ضراوة المعركة التي شهدت اشتباكات وجهاً لوجه في أكثر من موقع وأنها نجحت في تثبيت تقدمها بعدما تمكنت من تدمير مبنيين أتاحا لها السيطرة بالنار على محور التعاونية – صامد.
في هذه الأثناء عاود وفد يمثل «رابطة العلماء المسلمين في فلسطين» برئاسة الشيخ محمد الحاج التحرك في اتجاه «فتح الإسلام» بحثاً عن وسيلة لوقف المعارك في ضوء وقف الداعية الإسلامي فتحي يكن وساطته بين شاكر العبسي وقيادة الجيش بعدما وصل الى طريق مسدود، «وخرجت الأمور كلياً من يدنا وأصبحت الآن بيد تنظيم «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن» كما نُقل عنه.
ومع انه لم تُعلق آمال كبيرة على وساطة يكن، فإن مصادر وزارية توقفت امام حديثه عن إمساك «القاعدة» بزمام الأمور في نهر البارد ورأت فيه محاولة لصرف الأنظار عن ارتباط العبسي شخصياً بجهات إقليمية وعن الاعترافات الأولية التي أدلى بها عدد من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية وفيها ان جهات سورية رسمية نصحتهم بالتوجه الى المخيم لمبايعة العبسي اميراً عليهم.
وبالعودة الى تحرك الشيخ الحاج أكد الشهود انه التقى على رأس وفد من المشايخ، العبسي في حضور المسؤول العسكري في «فتح الإسلام» شاهين شاهين. ولفت هؤلاء الى ان اللقاء عقد ظهر امس في مكان يقع في منطقة تجمع مدارس «الأونروا» في المخيم وأن آثار إصابة العبسي في كتفه كانت ظاهرة للعيان. لكنهم لاحظوا ان ملامح مساعده شاهين شاهين ليست عربية كما كان أشيع سابقاً، وأن بشرته بيضاء وشعره يميل الى الشقرة.
وأوضح الشهود ان الشيخ الحاج أبلغ وجهاء المخيم بعد مقابلته العبسي انه حمل إليه مبادرة أدخلت عليها تعديلات عن تلك التي كان طرحها يكن. وأكدوا ان لقاء الحاج العبسي للمرة الأولى في منطقة تجمع مدارس «الأونروا» يعني انه اضطر الى إخلاء مقر قيادته الكائن بين التعاونية ومؤسسة صامد الذي اصبح تحت سيطرة الجيش نارياً.
ونقل الشهود عن الحاج تفاؤله الحذر في إمكان التوصل الى حل، داعياً الذين سألوه عن مضمون مبادرته الى إعطائه فرصة لتسويقها لدى قيادة الجيش.
وطغت المواجهات في نهر البارد على تحرك سفير المملكة العربية السعودية في لبنان عبدالعزيز خوجة بدعم من السفيرين الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار ايمييه في محاولة للتقريب في وجهات النظر بين الأكثرية والمعارضة لتسهيل اتفاقهما على مخرج لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة.
ولوحظ ان السفير الإيراني في بيروت محمد رضا شيباني لم ينخرط في الجهود التي يتولاها السفير خوجة على رغم انه كان كشف الخميس الماضي بعد مقابلته رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن جهود ايرانية – فرنسية – سعودية لإيجاد حل للأزمة اللبنانية. ولم يعط أي طرف محلي تفسيراً واضحاً لانكفاء السفير الإيراني عن الحركة الديبلوماسية الناشطة في كل الاتجاهات، لكن مصادر في قوى 14 آذار سألت عما اذا كان تريثه يعود الى رصد الموقف السوري النهائي من تحرك خوجة، مع ان معارضين زاروا دمشق اخيراً نقلوا عن مسؤولين سوريين استغرابهم الطلب من دمشق تقديم تسهيلات لتسريع الحل في لبنان بينما هناك من يستبعد القيادة السورية من الحركة الديبلوماسية العربية والدولية في هذا المجال.
بدوره، يستمر بري في تواصله مع السفراء خوجة وإيمييه وفيلتمان الذي سيلتقيه غداً لوضعه في أجواء لقاءاته مع القادة المسيحيين في «14 آذار» وتحديداً مع الرئيس أمين الجميل وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع والتي تصب لمصلحة توحيد الجهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ونقل زوار بري عنه قوله: «أمامنا فرصة للتوصل الى حل يجب الإفادة منها وتوظيفها في اتجاه التفاهم على حكومة وحدة وطنية وأنا أخشى ان يدهمنا الوقت في الشهر المقبل فلا نستطيع التوصل الى اتفاق يكون البديل خيارات أخرى لا نريدها ولا نتمنى بلوغها أو حتى الاقتراب منها».
وأكد الزوار ان بري يرفع الصوت عالياً ويطلق التحذير تلو الآخر لأنه لا يريد إضاعة الفرصة ولأن ما يحصل ضد الجيش اللبناني في نهر البارد أمر خطير لأن كرامة البلد من كرامة الجيش وهيبته وهي أساس في وحدته الوطنية، وأن ما يستهدفه من اعتداءات يفرض على الجميع توفير الحماية الوطنية له عبر الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأوضح هؤلاء ان بري لا يرى مشكلة في لقاء رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في أي وقت وأنه على تواصل معه، وأن اللقاء سيعقد عند التوصل إلى تفاهم على أمور جدية. كما نقلوا عنه قوله ان لا شيء شخصياً يمنعه من لقاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، لكنه لا يريد تكريس سابقة في اجتماعه معه لأنه يعتبر الحكومة غير دستورية بعدما استقالت منها طائفة أساسية.
وفي المقابل، أكد مصدر مسؤول في «تيار المستقبل» لـ «الحياة» ان النائب الحريري لا يزال يمد يده إلى المعارضة بهدف فتح صفحة جديدة وبيضاء بين الموالاة والمعارضة يقوم على أساسها اتفاق واضح ونهائي. ودعا «حزب الله» الى قراءة سياسية واضحة ومعلنة لما كان يدبر في نهر البارد لئلا يبقى الانطباع بأن موقفه كان غير بناء وغير داعم للجيش والدولة في مواجهة مشروع إرهابي خارجي.
(الحياة)