تستحق “معلولا” ما هو اكثر من العصبية الدينية الساذجة أو المتعامية، بصرف النظر عن صدق الانباء عما جرى فيها، أو كذبها.
تستحق معلولا كل اهتمام، ليس لانها بلدة مسيحية تاريخية، بل لانها بعض من تراث الانسانية، مثلها كمثل ضريح خالد بن الوليد، والصحن الحيدري والمقامات الدينية في العالم الاسلامي، وكمثل تماثيل بوذا في افغانستان التي دمرها الطالبان.
حدث معلولا فضح، مجدداً، العصبية الدينية الحولاء، التي تهب للهوية الأضيق، لدى اللبنانيين المسيحيين تحديداً، وفي الطليعة انتهازيو الفرص الرخيصة، من السياسيين ومياومي حلف الاقليات، الذين يريدون المسيحيين أهل غيتو، رهائن أو ضيوفا، لا مواطنين في بلدانهم.
ليس هذا التقوقع على هامش الحس الانساني وحيدا في شرقنا العربي، فهناك نأي عن الحس الانساني يزامله، وإلا ما القول في الصمت العربي على سقوط 300 عراقي يومياً، بتفجير سيارات مفخخة، في أعمال ارهاب لا يمارى.
لكن ذلك، لا يبدو غير مألوف، من المحيط إلى الخليج. ومن لم يعلن ادانته تفجيرات 11 أيلول الأميركية، أو يبدر منه أسف على ضحايا ذلك اليوم، هو نفسه من يصمت أمام دماء العراقيين والسوريين، وقبلهم اللبنانيين في حروبهم مدى 15 سنة، ومعهم قتلى التفجيرات الارهابية في كل مكان.
هل السبب ان العرب يعاشرون الموت في حياتهم، كون الحرية، وهي جذوة الحياة، مصادرة أو مراقبة، أم ان الأنا المريضة والمتدرجة من الذات الى العائلة أو العشيرة، فالحي والبلدة، تمنحهم بلادة التماسيح ودموعها قدام مشاهد الدم والدمار؟
والحال هذه، يستحيل تصنيف استنكارات البعض لاعمال خطف وقتل وتفجير، ضمن يقظة الحس الانساني واجلال الحياة البشرية، بل ضمن الانتظام الطائفي، كما الحال تجاه خطف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم، والاكاذيب عن معلولا، وكما الانحياز السياسي لتظاهرة جماعة 8 آذار، في عوكر، تضامنا مع نظام الاسد الدموي، وليس رفضا لهدر دماء السوريين، سواء على يد بشار، كما الحال منذ نحو 3 سنوات، او بسبب الضربة الاميركية الموعودة.
ما يكرس طائفية الاستنكار، أو استزلامه السياسي، ان نقيض المستنكرين، أو خصمهم لم ينبس ببنت شفة. وما قول الوزير “المعجزة” ان ما يجري في معلولا يستهدف تهجير المسيحيين من سوريا، إلا تأكيد لذلك، فهو لم ير أن عدد المهجرين، الى اليوم، من سوريا فاق المليونين، نال لبنان ما يزيد على ربعهم، ولا تقول المعلومات انهم مسيحيون أو مسلمون بل سوريون من البشر.
توظيف طائفي رخيص لحالة انسانية؟
بل هو دفن الحس الانساني عموما، وخواء الرابط العروبي، من المحيط الى الخليج، عمومان من جهة، ودناءة سياسية “ضيعجية” محلية، من جهة اخرى.
ويحدثونك عن لبنان المبادئ والقيم. لكن ماذا عن اللبنانيين؟!
rached.fayed@annahar.com.lb