لما أني أكتب من الحجاز، المملكة العربية السعودية، فسينصرف التفكير في نادي الهلال الرياضي. حتى لا ينصرف الذهن الى هذا فإني وللتوضيح اقصد هلال السماء وحددت السماء بالذات حتى لا ينصرف ذهن البعض الى هلال البشر.
الهلال الذي أعنيه بالتحديد هو هلال المواقيت التي يعتمد عليها في إثبات بداية شهر الصوم ونهايته وبداية شهر ذي الحجة لمعرفة يوم الوقوف بعرفة يوم الحج الأكبر.
هذا الهلال حيّر المسلمين وكان سببا في تناقضات بين الدول ووصل في بعض الدول الى تناقضات بين الجماعات في الدولة الواحدة. فقد أخبرني صديق قُدر له الصيام في دولة الباكستان الإسلامية والتي لا زالت شبه متماسكة حتى اللحظة، قال: ثبت عيد الفطر لدى جماعة ولم يثبت لدى جماعة أخرى وخرج صديقي لصلاة العيد معتمدا على ثبوته في السعودية فجوبه بجماعات تحمل العصي(وتلسع)كل خارج للصلاة، وجماعات أخري تطرق الأبواب على من لم يخرج. وبدأت الاشتباكات بين الجماعات فقال صاحبي (استخرت الله ورجعت بيتي وأنا أفرح من الغنيمة بالإياب).
منذ فتحت عيني على الدنيا والجدل لم يتوقف هل نعتمد الحساب والذي قال الله عز وجل عندما خلق أبينا آدم (وعلمه عدد السنين والحساب)أم نعتمد على الرؤيا بالعين المجردة؟ ثم تطور العلم واخترعت المراصد، ولما وصلت إلينا دخلت حلبة النقاش: هل يجوز الاعتماد عليها في الرؤيا أم لا بد من أن تكون الرؤيا بالعين المجردة؟
عندنا في السعودية دائما يتغلب رأي المتشبثين بحرفية النص في حديث سيدي رسول الله عليه أزكى سلام والذي لا أعرف درجته ولكنه يقول ما معناه(صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته وإن غم عليكم فأتموا عدة الشهر 30 يوما)أو كما قال. ما لاحظته في الحديث الشريف أنه قال (لرؤيته)ولم يقل بالعين المجردة لعدم وجود الوسائل العلمية في عهد سيدي رسول الله عليه أزكى سلام وصحبه رضي الله عنهم.
مرت علينا سنوات يقال لنا صوموا يوما فقد حدث خطأ في رؤية الدخول، وسنوات يقال صمتم يوما زائدا لذات السبب والزيادة خير.
الدول العربية تعتمد الرؤيا فيها على درجة العلاقة السياسية بين بلد وأخرى. إن كانت الرؤيا في دولة ليست على وفاق مع دولة تخالف الدولة وتصوم في غير ذلك اليوم. وبطبيعة الحال فمن نافلة القول أن أتكلم عن علاقات الدول العربية حتى وأنه من غريب الأمر أنه لو كان بين دولتين خلاف لا تذكرها في النشرة الجوية.
في المملكة العربية السعودية حصل خلاف بين هيئة كبار العلماء الأجلاء، وللعلم جميعهم من منطقة واحدة، وقد اجتمعوا لتسوية الخلاف وخرجوا بأن الذي سيعتمد هو الرؤيا بالعين المجردة. وطوال سني عمري، وقد ناهزت السبعين، لم يثبت قط إلا من تلك المنطقة وتلك لعمري كرامة ليس بعدها كرامة.
الآن خرج علينا مخترع تونسي الأصل وبطبيعة الحال أمريكي الجنسية فلا يمكن أن يبلغ أحد درجة عالية من العلم وهو يعيش في دولة عربية وكمثال(الباز وزويل والمعاطي ويعقوب والسندي )وتلك حكمة علمها عند الراسخين في العلم. المهم أن العالم التونسي الأمريكي اخترع جهازاً يحدد ولادة الهلال بالعين المجردة.المعضلة هل سيأخذ علماؤنا الأجلاء بهذا أم أن القاعدة هي: العلم ضد الدين؟
allehbi@gmail.com
* كاتب سعودي