في مقابلة شرسة أجرتها المجلة الإلكترونية “دابق” التي يصدرها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» الشهر الماضي، سُئل الطيار الأردني معاذ الكساسبة – الذي أسقطت طائرته ووقع في الأسر مؤخراً خلال تنفيذه غارة جوية لقصف أهداف فوق سوريا – ما إذا كان يعلم مصيره على أيدي «داعش»، فكان رده “نعم، سوف يقتلونني.”
وللأسف، من المرجح أن يكون الكساسبة محقّاً في تنبؤه. فمع أنه مسلم سني متدين قيل إنه أدى فريضة الحج في مكة المكرمة قبل فترة وجيزة من انطلاقه في تلك الغارة المصيرية، فقلما يشعر تنظيم «الدولة الإسلامية» بوخز الضمير عند إعدام إخوانه في الدين. وحتى لو لم يكن الكساسبة محكوماً بالفعل، أو هالكاً لا محال، فإن الدور المحوري الذي يلعبه الأردن – أي الاضطلاع بدور القاعدة الإقليمية للعمليات الجوية – في التحالف ضد «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة، قد حسم على الأرجح مصيره.
ومن الممكن أن وقوع الضحية العسكرية الأولى للأردن على أيدي منفذي أحكام الإعدام لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» قد يعقّد انخراط عمان في التحالف الذي لم يلاقِ أصلاً استحساناً أو شعبية. فالعديد من الأردنيين، إن لم يكن معظمهم، يعارضون الدور المركزي الذي تلعبه المملكة الهاشمية في الحملة ضد «داعش»، لا سيما وأن المسلمين السنة الذين يمثلون ما يقرب من 98 في المائة من سكان الأردن يبدون تعاطفاً كبيراً مع الثورة السورية ضد نظام الأسد الشيعي اسمياً. وحتى اليوم وقع أكثر من 200 ألف شخص معظمهم من السنّة ضحيةً لهذه الحرب التي يعتبر فيها تنظيم «الدولة الإسلامية» القوة الثورية ذات الفعالية العسكرية الكبرى. وربما تكون هذه الدينامية هي السبب في اعتبار «داعش» منظمة إرهابية من قبل 62 في المائة فقط من الأردنيين، وفق ما كشفه استطلاع للرأي نشره “مركز الدراسات الاستراتيجية” في الجامعة الأردنية خلال أيلول/سبتمبر.
ويقيناً، أن الأردنيين يدركون أن هدف «داعش» هو إنشاء خلافة إسلامية تمتد للمنطقة بأسرها ولا تُستثنى منها المملكة الهاشمية. وعلى الرغم من أن القوات الأمنية في المملكة سبق أن أوقفت مئات الأفراد المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» أو تعاطفهم معه، يبقى الفكر السائد حالياً في الأردن هو أن “هذه الحرب ليست حربنا” – وقد أعرب عن هذا الرأي العام الماضي 21 عضواً من أعضاء البرلمان ومطلقي الهاشتاج الأردنيين، حيث تزداد شعبية هذا الأخير على موقع “تويتر”.
والسؤال الذي يطرح نفسه، حرب من هي إذاً؟ يقول الإسلاميون الأردنيون إن هدف المعركة ضد «داعش» هو حماية إسرائيل وهي “حملة أمريكية أخرى ضد الإسلام”. ووفقاً للمحررة الأردنية اليسارية البارزة لميس أندوني، تم ابتزاز الأردن للمشاركة في هذه الحملة. إذ كتبت في 30 كانون الثاني/ديسمبر أن الانخراط في الحروب الأمريكية أصبح “شرطاً ضمنياً للنمو الاقتصادي و[استمرار] تدفق المساعدات” إلى الأردن. وفي حين لا يوافقها جميع الأردنيين الرأي، إلا أن العمود الذي تحرره أندوني يسلط الضوء على الحساسيات الكامنة في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» – وأسر الكساسبة – بالنسبة للحكومة الأردنية.
والأردن الذي لم يُعرف يوماً بحفاظه على مستوى جيد من الشفافية، يتردد بشكل خاص في مناقشة تفاصيل الدور الذي يلعبه في عمليات التحالف، وحتى أن حديثه هو أقل بكثير فيما يخص الكساسبة. وينحدر الكساسبة من عشيرة أردنية، شأنه شأن الغالبية الكبرى من رفاقه الجنود، علماً بأن العشائر تشكل الشريحة السكانية التي لطالما اعتبرت الأكثر ولاءً للنظام الملكي. وحتى الآونة الأخيرة، كانت عمان تحاول التفاوض سراً على إطلاق سراح الكساسبة من خلال الاتصالات العشائرية عند الحدود. لكن ليس مستغرباً أن هذه المساعي لم تؤتِ ثمارها إذ طالبت «داعش» بانسحاب الأردن من التحالف مقابل عودة الطيار سالماً إلى دياره.
ومنذ أيام قليلة فقط أفادت تقارير غير مؤكدة أن القوات الأمريكية دخلت منطقة الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» في محاولة فاشلة لإنقاذ الكساسبة. ونظراً إلى مصيره المرجح، هناك عدد قليل من الناس الذين قد ينتقدون واشنطن وعمان على هذه المحاولة؛ ومع ذلك، كانت العملية مجازفة كبيرة. ففي النهاية لو لقي الكساسبة حتفه خلال العملية، لكانت أصابع اللوم قد عادت لتوجه نحو الحكومة ولانطلقت موجة جديدة من الاتهامات ضد الولايات المتحدة.
ولكن يبدو، على الأقل في الوقت الراهن، أن وقوع الكساسبة في الأسر يحشد دعماً شعبياً متزايداً لهذه القضية في الأردن. فقد كتب المحلل السياسي الأردني عريب الرنتاوي: “فجأة، شعرَتْ معظم العائلات الأردنية إن لم نقل جميعها، بأن لها ابناً اسمه معاذ الكساسبة“. وبغض النظر عن تأييد الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» أو الاعتراض عليها، يقول الرنتاوي إن الأردن يشهد “درجة عالية من التماسك والوحدة وراء القوات المسلحة وسلاح الجو ومعاذ الكساسبة وأهله وذويه.”
وفي الواقع أن مشاعر التعاطف مع معاذ تحت شعار “كلنا معاذ” ستعزز الدعم للعمليات الأردنية الناشطة ضد «داعش» في سوريا المجاورة. ولكن بعد انتهاء قصة “معاذ” – سواء بقطع رأسه أو بعودته بمعجزة حياً يرزق إلى عائلته في المملكة – من المحتمل أن يستأنف الأردنيون انتقاداتهم للحكومة وللقصر الملكي على ما يعتبرونه حملة تفتقر إلى الحكمة والدراسة وإلى الحدود الواضحة. وفي هذه الأثناء، سيرتفع عدد الضحايا الأردنيين لا محالة، ومعه ستزيد المعارضة المحلية – وربما أيضاً العشائرية – لانخراط الأردن في الحملة.
ومثلها مثل تفجيرات فنادق عمان التي نفذها تنظيم «القاعدة» في عام 2005 ، والتي أدت إلى انقلاب شعبٍ منقسم الآراء ضد بن لادن، من الممكن أن يتسبب وقوع اعتداء إرهابي ناجح في الأردن على يد تنظيم «الدولة الإسلامية» بتغيير الرأي العام ودفعه إلى تأييد الحرب. ولكن بنفس القدر من التصوّر أيضاً، قد يعتبر مثل هذا الاعتداء بمثابة انتقام على الأنشطة التي تنفذها المملكة الأردنية مع قوات التحالف.
والأردن الذي يتعرض للتهديد من «داعش» من جهة ويشعر بأنه مدين بالفضل لـ”واشنطن” من جهة أخرى سيستمر بلعب دور حاسم في التحالف. غير أن انخراط المملكة مكلف، فغياب التقدم الملحوظ في دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» والمشاركة في التحالف يندرجان ضمن لائحة متعاظمة من شكاوى الشعب الأردني التي تشمل الاقتصاد المحتضر، وصفقة شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل، ومخطط بناء محطتي طاقة نوويتين، والفساد المتفشي. ونظراً إلى الوتيرة البطيئة التي تسير بها العمليات الجوية وإلى التوسع الإقليمي المستمر لتنظيم «داعش»، من المحتمل أن تبقى الحرب مصدر جدل وخلاف في المملكة الأردنية لبعض الوقت.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
إقرأ أيضاً: