الكويت –
تبقى لكلّ معركة انتخابية في الكويت ظروف خاصة بها. هذه حال المعركة التي سيشهدها البلد السبت المقبل. فمع انخفاض درجة حرارة الطقس في الكويت، زادت سخونة الحملات الانتخابية التي ستحط رحالها في 26 نوفمبر… وبدأت مواقف القوى السياسية تتكشف يوما بعد يوم الى الدرجة التي يمكن معها القول ان المعركة صارت معركة اجندات لا معركة مرشحين.
في البدء، يمكن التسجيل انه ما زال في العالم العربي مكان تجرى فيه الانتخابات بشكل دوري. في الكويت، هناك تداول للوجوه والنخب السياسية بشكل دائم. تتميز الحياة السياسية في هذه الدولة باستيلاد طاقات ووجوه شابة تصل الى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتسمح طبيعة الحكم فيه بمشاركة شعبية دائمة في القرار.
هنا، حيث لا حديث اليوم سوى حديث الانتخابات، تذكير بفترة مجلس الامة السابق الذي رأسه مرزوق الغانم في ظل مقاطعة المعارضة. فهذا المجلس، رغم كل الانتقادات التي وجهت اليه في مواضيع السياسة الداخلية، استطاع ان يحقق استقرارا مكّن الكويت من استعادة ريادتها خارجيا، الى حدّ كبير. قاد الربان الامير الشيخ صباح الاحمد سفينة دولته الصغيرة بين امواج الصراعات الاقليمية العاتية ورياحها العاصفة الى شواطئ الأمان، بل اصبح المرجع في هذا الشأن حاصدا لقب «زعيم الانسانية» من الامم المتحدة لدوره في اغاثة الشعوب المنكوبة وحل الخلافات بالطرق السلمية واعتماد الحوار اساسا لإنهاء الصراعات. لا يمكن تجاهل انّ معظم المؤتمرات التي انعقدت تحت مظلّة الامم المتحدة لدعم الشعب السوري ومساعدته، انّما كانت في الكويت.
لم يكن للسياسة الخارجية الكويتية استعادة هذا الدور لولا الاستقرار الداخلي، حتى ان مبررات حل المجلس الاخير ارتبطت كلها بالوضع الاقليمي وضرورة اعادة تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية على اسس جديدة لمواكبة التحديات الاقليمية المستجدة. سمح الاستقرار الداخلي للكويت بالتقاط أنفاسها والعمل من اجل المستقبل في منطقة تضربها العواصف وتشتعل فيها الحرائق في ظل الهبوط الكبير في أسعار النفط والغاز، وفي ظلّ إدارة أميركية قرّرت طوال ثماني سنوات التفرج على آثار العواصف والحرائق من بعيد.
لكن السياسة الخارجية ليست وحدها محور اهتمام الكويتيين الذين يقفون ايضا امام تحديات اقتصادية ناتجة عن تراجع المداخيل مع انهيار اسعار النفط. فالكويتي وجد نفسه للمرة الأولى يدفع ثمن وقود سيارته اكثر من السابق، وسيدفع اكثر ثمن استهلاك المياه والكهرباء، وسيدفع اكثر عندما يتم رفع الدعم عن بعض السلع. وعلى الرغم من ان شد الحزام وترشيد الاستهلاك وضبط النفقات العامة امور اعتمدتها كل دول الخليج بنسب أعلى، الا ان الامتعاض في الكويت اكبر لأن حرية الاعلام والتعبير اكبر من جهة ولأنّ الكويتي اعتاد تاريخيا، من جهة أخرى، الاعتماد على دولته في كلّ صغيرة وكبيرة، اكثر من ايّ شيء آخر.
قضية اخرى انكشفت من خلال حملات المرشحين وبدت الاكثر حضورا، وهي قضية ارتباط المواقف باجندات مخفية لمتنفذين حاضرين او لمتنفذين سابقين صاروا خارج المشهد السياسي لأسباب معروفة لدى جميع الكويتيين. فهؤلاء يجتمعون على امر واحد وهو العودة الى لعب دور سياسي محوري وان عبر نواب محتملين من اجل استعادة حضورهم وبالتالي تنفيذ اجندتهم على مستوى السلطة والحكم.
ولذلك، عاد معارضون مقاطعون للانتخابات الى الترشح بعدما كانوا اقسموا على المقاطعة.
هناك عدد لا بأس به من المرشّحين، قدموا برنامجا أولويته واحدة: اسقاط مرزوق الغانم نائباً او رئيساً للمجلس. فجأة لم يعد في الكويت كلها مشكلة اقتصادية او اجتماعية او رياضية او سياسية الا مشكلة وجود مرزوق الغانم رئيسا لمجلس الامة. بدأت مجموعة متناسقة من المرشحين في الندوات والاجتماعات توقيع وثيقة واعلان قسم وتعهد بألا ينتخب المرشح مرزوق الغانم رئيسا لمجلس الامّة اذا وصل الى البرلمان.
الاجندة واضحة، فالمتنفذون الذين صاروا خارج المشهد السياسي انما كانوا على صدام مباشر مع مجموعة لعب مرزوق فيها دور رأس حربة في التصدي لها ومواجهتها بشكل مباشر. من الطبيعي، اذن، ان تكون عودة هؤلاء المتنفذين الى الواجهة السياسية تقتضي ألا يكون الغانم رئيساً للسلطة الثانية.
الغريب ان الحملة على مرزوق الغانم تترافق مع بروز للخطاب الطائفي المقيت الذي يعتمده اليوم مرشحون من مختلف الطوائف بهدف اللعب على الغرائز المذهبية من اجل حصد اكبر عدد من الاصوات… فهذا الخطاب تراجع ايضا في السنوات الثلاث الماضية كجزء من سياسة الاستقرار التي كانت تقاد بالتناغم الشديد بين رئيسي الحكومة والمجلس.
يبقى ان الانتخابات في الكويت هي انتخابات مفصلية بل وتأسيسية، فهي الأولى التي سيخوضها الجميع، موالاة ومعارضة، على قاعدة الصوت الواحد، والأولى منذ زمن طويل التي تتم في اجواء استقرار سياسي لا في اجواء تظاهرات وصدامات في الشارع، والأولى التي تتكشف فيها اجندات الطامحين في السلطة بهذا الشكل، وهي الانتخابات التي ستحدد نتيجتها حجم الاستقرار ليس على صعيد المؤسسات… بل على صعيد السلطة ايضاً.
يبقى أيضا ان الكويت تبدو مقبلة على مرحلة سياسية جديدة تبدو فيها الحاجة اكثر من ايّ وقت للتفكير في كيفية مواجهة قضايا كبيرة مطروحة بحدّة بدل البقاء في اسر التجاذبات الداخلية الضيّقة والحسابات الشخصية المرتبطة بأفراد هذه المجموعة العائلية او الدينية او تلك. هناك، قبل ايّ شيء آخر، إدارة أميركية جديدة تختلف جذرياً عن الإدارة الحالية التي على رأسها حتّى العشرين من يناير المقبل باراك أوباما. ما تأثير التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة بانتخاب دونالد ترامب رئيسا على الشرق الاوسط والخليج؟ هل هذا التغيير يخدم الاستقرار الإقليمي؟ كيف التكيّف مع المعطيات الجديدة على الصعيدين الدولي والإقليمي؟ اين الكويت من كلّ ذلك؟
أسئلة كثيرة ستطرح نفسها. ستساعد نتيجة الانتخابات الكويتية في الإتيان ببعض الإجابات عنها، بما في ذلك عن السؤال الأساسي الذي يمكن تلخيصه بالآتي: هل يستمر الاستقرار السياسي في الكويت، كما حصل في السنوات الثلاث الماضية في ظلّ تناغم بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس الامّة؟