حتى لا تسجل انطباعك عني من خلال آراء الآخرين… عليك أن تقرأ داخلي لتجد حقيقتي واضحة لديك… ومن حقيقتي ستعرفني وتفهمني… ومن حقيقتنا نحن نحقق اقترابا ً مؤكدا …. وانسجاما ً عميقا …. فالحقيقة تحمل وجها ً واحدا ً لايحتمل الرياء هو وجه الصدق.
والحقيقة بالنسبة لي مفهوم يشير إلى أن المعرفة بالشيء تطابق الواقع الذي أراه أو أعرفه لا ما يصوره لي الآخرون.
وحقيقة الإنسان مفهوم يشير إلى شخصية الإنسان المتمثلة بسلوكه الخارجي والمتحقق من خلال المتراكم من تجاربه وخبراته الحياتية التي شكلت أخلاقياته ومعتقداته وأفكاره وإنتماءاته ومن خلالها يتفاعل و يحيا في الحياة.
وفي رحلة العمر مع الحياة نلتقي بشخصيات مختلفة فيبدأ العقل بتسجيل ما يلتقطه من معلومات بواسطة الحواس، فيخزن الصور والكلمات لنكون إنطباعا ً معينا ً، وتكون بعض المعلومات غير حقيقية لاننا لم نختبر الشخصيات ولم نحتك معها لنكوّن معرفة واضحة حقيقية …. إضافة إلى إننا غالبا ًً ما نأخذ رأينا وحكمنا على الآخرين من آراء البعض لاننا نحيا في مجتمعات تغيب العقل و تلغي حرية الإختيار.
ومن المفترض أن تكون حقيقة الإنسان مرآة تعكس أعماقه ودواخله إيجابياته وسلبياته ،صدقه أو زيفه. ولكن غالبا ً ما يكون الواقع عكس ذلك…!!!! لأن الكثيرين متخفون وراء أقنعة متعددة لاتعبر عن حقيقتهم…. فهناك من يستعير سلوكيات لاتمثله. وآخرون محترفون يتصنعون أداءهم … و البعض يتظاهر بخلاف ما يضمر و يغلف حقيقته بالاوراق الملونة… وآخرون ينسبون لأنفسهم ما لايملكون في محاولة مقصودة لإخفاء حقيقتهم…. و لكن في لحظة ما ستنكشف أعماقهم بالوجه الحقيقي… و من ردة فعل بسيطة ينفضح ما يخفون… فنعرف حقيقتهم التي أخفوها خجلا ً أو حرجا ً أوضعفا ً، في مجتمعات تحاكي الظاهر المنمق وتبتهج بالجميل المبهرج وتضعف أمام الماديات البراقة على حساب توازن النفس وتآلف الروح و قيمة الجوهر. وكلما أخفى الآخرون حقيقتهم يزداد إنقياد مجتمعاتنا نحو القشور والزيف في العلاقات التي حاصلا ً ما ستكون وقتية .. ومن هذا فقدنا معنى العلاقات وروح الصداقات وغاب صدق المشاعر.
وتكمن أسباب أخرى لإخفاء الحقيقة…. حين تكون العلاقات من أجل تحقيق غايات مصلحية بحتة و التعامل بفوقية و أنانية ،حيث تأسست هذه الشخصيات وفق معاير الإحتيال والكذب… تحمل فايروس الخبث والضغينة … وتتعاطى أكل اللحوم البشرية بشراهة ، مما جعل مجتمعاتنا تزخر بظاهرة الأشخاص المخادعين والمنافقين والمنتفعين…. فانعدم الوفاء و زادت الخيانة ونقصت الأمانة وغاب الصديق الصدوق.
فالمسؤل صاحب الإمتياز إشترى شهادة العلم ليكون لائقا ً بمنصبه الجديد.. والفقير يتظاهر بالغنى وينسب لنفسه رصيد غضب مفلس يصبه على الأغنياء… ومستحدث النعمة يخفي مصدر ماله و يتكبر على أبناء الذوات…ومدعي القلم يخفي جهله وسرقته جهد الآخرين فخورا ً بمجد ٍ زائف… و المريضة نفسيا َ تخفي إضطراباتها خوفا ً من إتهامها بالجنون وتدعي أنها مسحورة إستجدائا ً للشفقة… وفاقدة العذرية تدعي الشرف وترشق الأخريات بما لاتمتلك… والزوجة الثانية تفتخر لأنه إختارها وفضلها وتخفي حتى على نفسها إنها سرقته من بيته الآمن… وتلك الثرية تمارس العهر بمالها لتروي شهواتها… وأخرى تطارد الرجال وتدعي أنها الضحية والذبيحة وتخفي إنحرافاتها التي تُسقطها على الآخرين، وهكذا شخصيات زائفة من دخان… يحيون بأوهامهم على أنها الحقيقة… فالازدواجية تمنحهم التوازن السلبي … وقانون الرذيلة لديهم معكوس على أنه فضيلة…. كما الضياء يتعب بصيرتهم فيغامرون في الظلام … وهذه الشخصيات الغير متصالحة مع نفسها ومع الآخر هي من قادت مجتمعاتنا إلى الهاوية.
وتبقى معرفة حقيقة الآخر قضية مهمة جداً في العلاقات الإنسانية والإجتماعية…. فعليكم أن تخلعوا أقنعتكم … وتكشفوا و جوهكم لتواجهوا أنفسكم … وتقتنعوا بنواقصكم وتسامحوا أنفسكم … لتظهر مصداقية حقيقتكم… فالمنطق يقول الحقيقة: حين نكون حقيقيين سنرافق أشخاصا ً حقيقيين نفهم شخصياتهم و يفهموننا… حينها نستطيع أن نطلق آراءنا الصائبة عنهم… و نصحح وجهة نظر كانت خاطئة تجاههم … و نتخذ القرارات الإيجابية بالارتباط أو التواصل معهم….
فمعرفة حقيقة الآخر تعني أننا لم نعد نجهل بعضنا البعض ، حتى لايكون بعض الناس ضحايا لأنفسهم.
ruaabazirgan@yahoo.com