يشير كثير من الكتاب والمثقفين الى “الزمن الجميل” الذى عاشته مصر قبل حلول وقتنا الحاضر الذى يصفه معظمهم–على اختلاف ميولهم ومشاربهم- بالزمن الردئ!
فما هو بالضبط ذلك الزمن الجميل؟ و ماالذى جعله جميلا؟
وما الذى أوصلنا بعده الى الزمن الردئ؟
مرثية الزمن الجميل
قرأت تعبير ” الزمان الجميل” لأول مرة فى قصيدة “مرثية للعمر الجميل” للشاعر المصرى أحمد عبد المعطى حجازى ، والتى كتبها فى سبتمبر عام 1971 فى ذكرى مرور عام على رحيل جمال عبد الناصر، وقد كتب الشاعر تحت عنوانها عبارة “فى ذكرى عبد الناصر” والقصيدة هى احدى اجمل اعمال حجازى الشعرية، وفيها يدخل الشاعر – الذى يطلق على نفسه فيها لقب “المغنى” – مع الزعيم – القائد عبد الناصر فى حوار فكرى وعاطفى مثير ومرير هو مزيج من المرثية والمناحة والمحاورة العاتبة الغاضبة المتألمة المستفهمة المستنكرة، يعتب فيها “المغنى” فى حزن وجودى هائل على بطله الذى خذله، فى محاولة شعرية لفهم اسباب الانكسار وطبيعة العلاقة السحرية التى كانت بين الشاعر والمثقف المصرى بشكل عام – وبين عبد الناصر– الرمز المجسد لاحلام جيل عربى كامل. فراح الشاعر حجازى الذى فجع فى هزيمة بطله ييبحث فى نسيج انسانى شعرى عظيم – يذكرك بمراثى أرميا وحزنه على أورشليم فى العهد القديم – عن معانى ومفاتيح ألغاز الثورة والبطولة والهزيمة.
وفى المقطع التالى من القصيدة الطويلة يشير حجازى الى “الزمان الجميل” وهو يحاور بطله “الملك” ويتساءل فى نوع من الاعتراف بالمسئولية فى اشتراكه فى الخديعة السحرية المتبادلة:
من ترى يحمل الان عبء الهزيمة فينا
المغنى الذى طاف يبحث للحلم
عن جسد يرتديه
ام هو الملك المدعى ان حلم المغنى
تجسد فيه
هل خدعت بملكك
حتى حسبتك صاحبى المنتظر
ام خدعت بأغنيتى
وانتظرت الذى وعدتك به
ثم لم تنتصر
أم خدعنا معاً
بسراب الزمان الجميل؟!
وهكذا دشن عبد المعطى حجازى تعبير الزمن الجميل فى مرثيته هذه لعصر عبد الناصر.
ويمكن بذلك القول ان الزمن الجميل قد انتهى برحيل عبد الناصر فى سبتمبر 1970.
بداية الزمن الجميل
كانت سنوات الثورة المصرية التى قامت فى 23 يوليو 1952 –وعهد عبد الناصر الذى مثلها وقادها- هى سنوات الحلم والامل والتوثب الشبابى والتفتح الثقافى والتحول الاجتماعى والصعود السياسى على الساحة العالمية. وبهذا تكون فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين هى فترة الزمن الجميل. وان كان البعض يقول ان الزمن الجميل يعود الى ماقبل الثورة، فى مرحلة الكفاح ضد الاحتلال الانجليزى من اجل الاستقلال فى ثورة 19 بقيادة الزعيم سعد زغلول والاشتراك الفعال الحميم “لعنصرى الامة من مسلمين واقباط” بالاضافة الى ما اتسمت به تلك الفترة من ديمقراطية قريبة من الديمقراطية الغربية تجلت فى تعدد الاحزاب وانتخابات حرة نزيهة بالاضافة الى الفكر النهضوى التحررى الذى كان من اعلامه فى مطلع القرن قاسم امين الملقب بمحرر المرأة ومحمد عبده الشيخ الازهرى المستنير محرر الخطاب الدينى. والشيخان الاخوان عبد الرازق، والرائد المالى التجارى الصناعى طلعت حرب ثم طه حسين والعقاد وسلامة موسى، ومع هذا كله حركة عمران بديعة فى القاهرة والاسكندرية (مع اهمال لبقية القطر!) ولاشك ان القاهرة كانت اكثر جمالا ونظافة واناقة فى تلك السنوات اذ كانت اقل ازدحاما وتكاد تخلو من السيارات.
ولكن هذا كله كان تحت نير الاحتلال البريطانى الذى كان هو الآمر الناهى فى نهاية المطاف. وكان الذهب المصرى يرحل بالسفن الى بريطانيا كل عام والجنود الانجليز يرتعون فى مدن مصر وقراها بلا حسيب – وحادثة دنشواى خير دليل وما كان لشعب تحت الاحتلال ان تكون له أحلام أبعد من حلم الاستقلال فقد كان هذا هو الهم الاكبر الذى استحوذ على كامل الجهد والطاقة للقادة والشباب على السواء . وبهذا لم يكن من الممكن ان يكون ذلك الزمن جميلا مرصعا بالاحلام والامال وماكان لمصر مكانة سوى مكانة كل وطن جريح وكل شعب مستعبد وتحت الاحتلال.
وليس الامر امر جمال المبانى والشوارع فهذه وحدها لا تصنع – ولم تصنع – زمنا جميلا يتلألأ بطاقات النمو وعافية التحولات الاجتماعية والثقافية الهائلة التى نقلت مصر من ريف هادئ خامل يستجم فيه الباشوات الى “حركة مباركة” وصلت بها درجة التوثب واللهاث خلف النمو الى حد افتتاح مصنع كل 48 ساعة فى عهد عزيز صدقى اب الصناعة المصرية.
وهكذا ومع الاعتراف بفضل أجيال جميلة سابقة ارست لقواعد فكر النهضة بانفتاحها على الحضارة الغربية فى اوروبا – فإن الزمن الجميل بدأ فى مصر مع “الحركة المباركة” وهو الاسم الذى عرفت به الثورة فى شهورها الاولى.
وقد حققت هذه الحركة أهم انجازاتها بتوقيع اتفاقية الجلاء عام 1954.
ماالذى جعله جميلا؟
للجمال جوانب متعددة ، ولكن اكثرها اثارة هو جمال الصبا والشباب بما يتميز به من براءة ونزق واندفاع وراء الاحلام الكبيرة فى مغامرة مستمرة مثيرة هى مغامرة صنع الحياة واقتناص فرصها واللهاث خلف بريق وعودها.
كان لزمن الثورة الجميل هذا الجانب المثير من جمال الصبا وتوثب الشباب بحيويته الهائلة المتدفقة والمتأمل لسنوات الثورة لاشك ستذهله السرعة الخاطفة لتوالى الاحداث الجسام والانطلاقات الاولى فى كل مجال وتلاحق الانجازات فى لهاث متصل وكأن ذلك الجيل – جيلنا – جيل الثورة – كان يعرف ان عمره قصير كالزهور ولذلك كان متسرعا متعجلا يريد تحقيق كل شئ فى لمح البصر.
انك لتدهش بلا شك حين ترى ان مصر قد تحولت فى غضون ثلاث سنوات فقط من دولة نائمة تحت الاحتلال الانجليزى عام 52 الى دولة رائدة مؤسسة – مع الهند ويوغسلافيا – لحركة عالمية هائلة هى حركة عدم الانحياز.
متوجة مكانتها التى اكتسبتها فى لمح بصر الزمان عام 55 فى مؤتمر باندنج! لايمنحنا التاريخ المعاصر مثالا مشابها لدولة ارتفعت من القاع الى القمة بمثل هذه السرعة!
لست هنا فى مجال تعداد انجازات الثورة وان كنت الاحظ –للأسف- ان الكثيرين من الجيل التالى لجيل الثورة لايعرفون هذه الانجازات بسبب حملة التشويه الهائلة التى قام بها عهد السادات وزبانيته وترعرع الجيل المصرى التالى فى وسطها فتأثر بها وسقط فى حبال منزلقها الاخلاقى والتاريخى فراح يتصور عن الثورة تصورات هى فى الكثير منها هلوسات مرض الكراهية العمياء وحقد الجهلاء. بالاضافة الى ماقام به الاخوان المسلمون من الأخذ بثأرهم التاريخى من عبد الناصر وثورته بجهد لايكل فى الافتراء عليها وتشويهها والطعن بكل انجازاتها والمضحك المبكى هنا انه حتى انجاز هائل مثل السد العالى وهو انجاز صناعى هندسى زراعى بحت يحاولون عبثا الحط من قيمته حتى ظهر فى مطلع هذا القرن تقرير عالمى وضعه خبراء هندسيون فى الغرب يعتبر السد العالى احد اهم عشرة مشاريع هندسية فى العالم فى القرن العشرين!
صبا الفكر وجمال الثقافة
بالإضافة الى انجازات الثورة اللاهثة فى المجالات السياسية والصناعية والاجتماعية ومشروعاتها التى حققت للغالبية الساحقة من فقراء مصر من الفلاحين والعمال مستويات اعلى من المعيشة حولتهم الى طبقة وسطى فاعلة نشطة فلاشك ان من اكثر انجازات الثورة جمالا واثارة لشاعر مثل حجازى – ولشاعر ناشئ مثلى كانت تتفتح براعمه الوجدانية على كل ماهو جديد ومثير فى تلك الفترة – هى تلك الحركة الثقافية الفنية الفكرية الابداعية الهائلة التى انطلقت بشكل تلقائى فريد لتواكب الثورة وتساندها وتغذيها وتتغذى بها.
فقد شهدت الخمسينات – وبشكل متزايد الستينات – انطلاقة بالغة الاثارة فى كل مجال من مجالات الفنون التى كانت معروفة فى مصر من قبل – بالاضافة الى عدة مجالات جديدة لم تكن معروفة فعشنا وشاهدنا ابداعات وانطلاقات مثيرة فى الاعلام المصرى – اذاعة وصحافة ثم تلفزيون – وكانت مصر – الثورة اول دول الشرق الاوسط معرفة للتلفزيون ورأينا الاهرام يتحول بقيادة محمد حسنين هيكل الى مؤسسة صحفية رائدة وشامخة حيث استقطب هيكل عمالقة الفكر والأدب فى ذلك الوقت لينضموا الى هيئة كتابها، من توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف ادريس الى لويس عوض وحسين فوزى وصلاح جاهين وكمال الملاخ وغيرهم. وحظى جيلنا بقراءة اعمال نجيب محفوظ الشامخة المتمردة – مثل اولاد حارتنا واللص والكلاب وميرامار وغيرها. على صفحات الاهرام. اما الاذاعة فيكفى ان صوت العرب كان له دور عظيم فى نشر فكر وثقافة ومشاعر التحرر والاستقلال والكرامة فى ارجاء العالم العربى حتى ان دولة مثل فرنسا اشتركت فى العدوان الثلاثى عام 1956 على مصر لكى تحد من صوت العرب وتحد من تأثيره فى تأجيج ثورة الجزائر ضدها!
واندلعت فى مصر حركات التجديد فى الفكر والفنون ، وكان صلاح عبد الصبور وحجازى من أعلام التجديد الشعرى فيما عرف بحركة الشعر الجديد وخاضا – ومعهم نقاد مصر فى ذلك العصر الذهبى من لويس عوض ومحمد مندور الى رجاء النقاش وغالى شاكر – معركة ضارية ضد العقاد وجودت ومدرسة الشعر القديم.. وفى المسرح ظهرت فرقة المسرح القومى باعمالها الراقية بجانب عدد كبير من الفرق العامة والخاصة الاخرى فاندلعت حركة مسرحية باهرة كانت تغرف من الطينة المصرية ابداعات اصيلة فيما هى تغترف من الثقافة العالمية بانفتاح مدهش وكان بإستطاعتى ان اشاهد على “مسرح الجيب” آخر صيحات مسرحيات العبث لصمويل بيكيت ويوجين يونسكو بعد عام او عامين فقط من ظهورها على مسارح لندن وباريس.
وكان اهتمام الثورة بالفنون باهرا حقا، فأقامت الدولة الفرقة القومية للفنون الشعبية ومسرح العرائس وأنشأت “قصور الثقافة” فى مدن وقرى مصر.
وكانت السينما المصرية صناعة زاهرة تنتج ما يزيد عن خمسين فيلما جديدا كل عام، وكانت الاغنية المصرية فى اوج مجدها يصدح بها فنان الثورة عبد الحليم حافظ ومعه جيل شاب من المؤلفين والملحنين المبدعين مثل كمال الطويل والموجى وبليغ حمدى وسيد مكاوى، كما ابدع الجيل القديم – عبد الوهاب وام كلثوم والسنباطى – اعظم اعمالهم فى عصر الثورة وكانت ام كلثوم سفيرة الثورة الى العالم العربى والعالم كله، وأصبح عبد الوهاب موسيقار الأجيال بتطويره الدائم لأعماله الفنية.
علمانية عالمية
بجانب الانفتاح المثير على الثقافات العالمية شرقا وغربا. كان للتوجه العلمانى للثورة – اى فصلها للدين عن السياسة وحفظها للدين فى مكانه ومكانته بعيدا عن المعترك السياسى واختفاء النعرة الدينية والتشدد الدينى وانحسار سلطة الفقهاء والعلماء والشيوخ على العامة، كان لهذا اثره فى ترعرع الفنون والآداب.
ورغم ان الثورة لم تطلق شعار العلمانية على الاطلاق الا ان سياستها الداخلية كانت سياسة علمانية تقدمية مستنيرة بشكل واضح لا لبس فيه وكانت الاشارات تأتى واضحة من اعلى السلطة فلم يكن عبد الناصر يستعمل فى خطاباته التى كانت تلهب مشاعر الجماهير عبارات دينية كما فعل خلفه السادات، ولم يكن يقحم اسم الله ولا ايات القرآن فى كل خطاب وكان يبدأ خطبه دائما بعبارة “ايها الاخوة المواطنون” اى انه اسس قواعد المواطنة الحقة قبل نصف قرن من محاولة ادخالها الى المشهد السياسى الحالى الذى تحول الى مشهد دينى سلفى منغلق بفضل استيلاء الاخوان المسامين على الشارع المصرى وتشكيلهم للوجدان المصرى وللثقافة المصرية على هواهم السلفى المعروف.
الهزيمة ليست النهاية
رغم فداحة الهزيمة العسكرية عام 67 فلم تكن هى نهاية الزمن الجميل بدليل الأداء الباهر فى حرب العبور بعد ذلك بست سنوات فقط والجيل الذى حارب وعبر القناة وحقق انتصارا كبيرا بكل المقاييس هو نفسه جيل الثورة الذى تفتحت عيونه وحواسه وافكاره على مباهج الزمن الجميل. هذا الجيل اذن هو صانع نصر اكتوبر ولايمكن القول ان ضربة 67 كسرت عزيمته او حطمت ارادته الى الابد.
وحين انظر الى اعمالى الشعرية التى بدأت كتابتها ونشرها بعد 67 اجد ان بها جرعة كبيرة من التشبث بالامل.
والتبشير باستمرارية الحلم. فأول قصيدة نشرها لى الاستاذ رجاء النقاش فى مجلة الهلال عام 69 كانت تقدم الأمل الجميل القادم فى “زمن الحب” رغم فداحة “زمن الحرب”:
بعد قليل
زمن الحرب قتيل بعد قتيل
زمن الحرب عويل
زمن الحرب وداع
دمع ومناديل
زمن الحرب طويل
بعد قليل
بعد قليل
تضحك ياأرغول
ترقص ياأرغول
ارجع من غابات النار
من عطش الاسفار
املأ ارضى فرحا ومواويل
اكتب اسمى
واسم حبيبى
فوق ضفاف النيل
ياوطنى وأقول:
زمن الحب جميل.
وفى قصيدة أخرى كتبتها فى نفس الفترة أقول:
وعد
مالت على النخيل
الشمس ثم غابت
وأطبق الظلام فوق الوادى
لكنها من قبل أن تميل
أهدت الى وعدها الجميل
ان لا يطول الليل والعويل
فى بلادى
وهكذا نجد ان 67 لم تكن بالضرورة هى نهاية الزمن الجميل اذ استمر جيل الثورة فى التعلق بالآمل الذى بعثته فيه سنوات الرايات والبروق.
وآمن فعلا انه رغم الكارثة فمن الممكن ان ينظر الى ماحدث باعتباره “نكسة” يقوم بعدها. وهذا ما أثبتت صحته حرب العبور.
بداية الزمن الردئ
ما الذى قضى على الزمن الجميل إذن؟ وما الذى دشن بداية الانحدار نحو الزمن الردئ؟
برحيل عبد الناصر فى سبتمبر عام 70 بعد ثلاث سنوات فقط من هزيمة 67 بدا ان كل شئ ينهار. وليس بالغريب ان يكتب شاعر مثل حجازى مرثيته للعمر الجميل والزمن الجميل بعد عام من رحيل عبد الناصر، فقد جاء السادات لا ليكمل المسيرة الثورية ونهضتها التنويرية العلمانية الباهرة بل ليغير اتجاهها مائة وثمانين درجة.
وقد شعر الشارع المصرى بفطنته التاريخية بهذا رغم اعلانات السادات المتكررة باستمراره على نهج عبد الناصر، وانطلقت وقتها “النكتة” الذكية التى تقول ان سائق سيارة السادات وصل بالركب الرئاسى الى مفترق طرق، فسأل ” اى اتجاه آخذ يا ريس؟ فسأله السادات: واى اتجاه كان يأخذه عبد الناصر؟ فأجاب السائق: كنا نتجه الى اليسار.
فقال له : اذن اعط اشارة الاتجاه لليسار واتجه بنا لليمين!
وهذا ما فعله السادات بالضبط. فقد اسلم مصر قيادة وشارعا لقوى اليمين – سياسيا واقتصاديا ودينيا – واستعان بالاخوان المسلمين لمواجهة اليساريين والناصريين. ومنح لهم الضوء الاخضر للاستيلاء على اتحاد الطلاب بالجامعات واتحادات العمال ونقابات المهن وسحب قيادات الاعلام من اليساريين والوسطيين و منحها للاسلاميين واليمينيين فسحبت مجلة الهلال من رجاء النقاش واعطيت لصالح جودت شاعر الذوق القديم البائد فترك النقاش مصر غاضباً حزينا، واقال السادات كافة المثقفين المستنيريين واليساريين من مناصبهم وأسلم الإعلام والثقافة المصرية بأكملها لقوى التشدد الدينى واليمين السياسى – وهى دائما وفى كل مجتمع – بما فيه المجتمع الامريكى – قوى معادية للفكر والفنون والانفتاح الثقافى – فاليمين فى كل مجتمع هم اهل المظاهر الدينية الصاخبة من ناحية والتجارة والمال من ناحية اخرى ففى امريكا اليوم هم المحافظون الجدد والمسيحية الصهيونية والوول ستريت وفى عهد السادات كانوا هم الاخوان المسلمين وعثمان احمد عثمان وشركات توظيف الاموال.
ومع صعود اسهم هؤلاء راحت الثقافة المصرية التى كانت دائما هى الثقافة العربية الرائدة تتراجع وتنحدر وراحت الفنانات يهجرن الفن باعتباره حراما ويعتزلن ويتحجبن وكانت نهاية السينما المصرية والمسرح المصرى والابداع المصرى بشكل عام. واختفت كافة مظاهر الفنون والجمال والذوق من الشارع المصرى والوجدان المصرى الذى راح – بقيادة الاخوان وارشادهم الروحى والمادى معا – يتخذ من الوهابية السعودية والرجعية الطالبانية امثلة تحتذى فإذا بنا نرى أحياء شعبية كاملة بقلب القاهرة تتحول الى افغانستان اخرى ! هل يمكن لانسان يعشق مصر حضارة وتاريخا وريادة ان يقبل ان تصبح مصر تابعة لاكثر مجتمعات الارض تخلفا وتزمتا وانغلاقا فكريا وحضاريا؟
وهكذا وصل بنا الحال الى الزمن الردئ البذئ المتردى فى الاسفاف والانحطاط.
فالهزيمة العسكرية ليست هى التى قضت على الزمن الجميل فى مصر – ولكنها الردة الحضارية الرهيبة التى اطلق السادات العنان لها ولم يفلح نظام مبارك فى ان يتصدى لها بثقافة مضادة وحضارة حية حيوية بديلة، فاستسلم الشارع المصرى لثقافة الزار والهوس الدينى والصراخ السلفى والرجعية الوهابية حتى أصبحت مصر – ام الدنيا وفجر التاريخ واولى حضارات الزمان – قطعة من أفغانستان!
هذا هو مسار المأساة – الملها ة التى نعيشها اليوم.
هذه هى حكاية مصر من الزمن الجميل الى الزمن الردئ.
ومازال الزمن يزداد رداءة.
ولكننا سنستمر فى الكتابة استدعاء لزمن يعيد لمصر جمالها وبهائها.. وعندها:
“أملأ أرضى فرحا ومواويل
واكتب اسمى
واسم حبيبى
فوق ضفاف النيل
يا وطنى واقول:
زمن الحب جميل!”
fbasili@gmail.com
*كاتب و شاعر من مصر يقيم في نيويورك