حاوره: رياض طوق (الشفاف – بيروت)
بعد انقطاعه عن اليوميات السياسية منذ انتهاء الانتخابات النيابية، يستعد النائب السابق مصباح الاحدب للاطلالة من جديد على المشهد السياسي بعد التطورات التي تحفل بها الساحتين اللبنانية والاقليمية. الاحدب وفي حديث الى موقع “شفاف الشرق الاوسط” هو الاول من ضمن سلسلة خطوات ومواقف ينوي اتخاذها قريباً أعرب عن استيائه من التنازلات التي قدمتها الاكثرية النيابية لحزب الله. وفي حين أكّد تمسكه بمبادىء وطروحات “ثورة الارز”، فانه لم يوفر رئيس الحكومة سعد الحريري من نصائحه وملاحظاته وحتى انتقاداته. اما عن زيارة الحريري لسوريا، فاعرب الاحدب عن تقديره لشجاعة الحريري معتبرا أن العلاقة مع دمشق يجب أن تتم على اسس شاملة وواضحة والمصالحات يجب أن تشمل جميع الاطراف.
س: برأيك كيف ستتم التعيينات الادرارية المقبلة، وفي ظل ما يحكى عن الاصلاح والكفاءة والنزاهة، هل هناك امكانية لتحديث الادارة اللبنانية؟
ج: أنا اعتقد اننا سنصل الى نفس التوازنات التي قامت عليها الحكومة. وقبل كل شيء على الجميع أن يدركوا أن شكل الادارة اللبنانية الحالية أصبح قديماً وفاقداً لفعاليته ولا أعتقد ان هذا الامر يؤخذ بجدية. ومن هنا انا لست متفائلاً لا سيما في ظل غياب فعالية الفريق الذي لا يستطيع مواجهة الطرف الذي يتولى فعلياً حكم البلد. فهل من المعقول أن تفوض الاكثرية الشعبية أحدهم على أساس اتجاه فيعمل في اتجاه معاكس؟ وأظن اننا سنرى الامر نفسه في التعيينات الادارية.
فالتركيبة الوحيدة التي تمتلك الفعالية هي تركيبة “حزب الله” التي تتناقض كلياً مع التركيبة اللبنانية التاريخية — وهنا لا اتحدث عن البُعد الطائفي والمذهبي بل عن البُعد الامني والعقائدي والاقليمي– في حين أن التركيبة التي تمثل غالبية الشعب التي اقترعت على اساس بناء الدولة مقابل الامر الواقع فاقدة لفعاليتها. والذين تمكنوا من اكتساب التفويض الشعبي عادوا ليخضعوا لشروط الامر الواقع. وأظن اليوم ان هذه المعادلة ستحكم التعيينات، في حين سنسمع تنظيراً من قبل الاكثرية النيابية التي ستحاول تبرير ما قد يحصل.
الأغلبية سترضخ في التعيينات كما رضخت عند تشكيل الحكومة
س: ماذا عن التعيينات في المؤسسات الامنية؟
ج: لمّا كانت فعالية قوى 14 آذار في أوجّها تم تعيين اللواء وفيق جزيني مديراً للامن العام. وهنا لا ألوم المؤسسات الامنية بل أعتقد أن اللوم يقع على القرار السياسي غير الواضح. فعندما تتم استشارة الشعب الذي يقول أنه يريد أن تسيطر الدولة على كامل الارض اللبنانية من دون وجود قوى مسلحة غير شرعية تسيطر على قرار الدولة، ومن ثم نجد أن العمل يتمّ بصورة معاكسة للارادة الشعبية، لذا أعتقد أننا سنصل الى الكثير من التنازلات. وعندما لا يتخذ قرار باستيعاب من يعمل خارج الدولة ومؤسساتها في اطار الدولة فهذا يعدّ أمراً غير طبيعي. فوضعية “حزب الله” هي وضعية غير طبيعية. واذا سلمنا جدلا ان “حزب الله” هو مقاومة، فهل استطعنا أن ننتزع من هذه المقاومة ضمانات لعدم استعمال السلاح في الداخل؟ هذا الامر لم يتم تحقيقه حتى على مستوى البيان الوزاري. فـ”حزب الله” يتصرف وكأنه أمر واقع. وهذا الامر الواقع هو الذي يحكم، وليس أغلبية الشعب اللبناني.
أويد تطبيع العلاقات مع سوريا على أسس شاملة وليس جزئية
س: الى أين ستصل العلاقات اللبنانية- السورية؟ وكيف تقيّمون زيارة الرئيس سعد الحريري الى سوريا؟
ج: أنا أعتقد أن العلاقات اللبنانية- السورية كانت قد وصلت الى دُرك كان من المفروض ألا تصل اليه. وأنا كنت أنتقد هذه العلاقات عندما كان السوري في لبنان، في حين كان الجميع ينظّر بأن هذه العلاقات خالية من الشوائب. ومن ثم حصل ما حصل واعترف الرئيس بشار الاسد بارتكاب الأخطاء. وأنا أؤيد من حيث المبدأ زيارة الرئيس الحريري الى سوريا ولكن ليس بالشكل الذي تمت به لأن هذه الزيارة قد أخذت طابعاً شخصياً بالرغم من خطوة الحريري الجيدة من أجل طيّ الصفحة وتسوية العلاقات. ولكن تسوية العلاقات لا تكون فقط بين الرئيس الحريري والنظام السوري. فهل استطاع الحريري أن يسوّي العلاقات بين النظام السوري وبين اللبنانيين الذين كانوا يحركونهم أوقات الازمات وفي عز ايام التوتر بين البلدين عندما كان يقال لهم أن الشارع مقابل الشارع وغيرها من مظاهر التصعيد؟ وهل تمكّن من إزالة أسماء اللبنانيين الذين تتهمهم السلطات السورية انهم متورطين ضدها عن الحدود، وهل شملتهم هذه المصالحة؟ فالحريري لم يستطع حتى الآن أن يحلّ موضوع الإنابات القضائية التي صدرت بحقّ أقرب المقربين منه. وبالرغم من كل ذلك فأنا آمل بتنقية العلاقات على اسس واضحة وشاملة لأن المصالحة لم تتم بين السوريين وجميع اللبنانيين.
س: لماذا هناك كلام عن أن الرئيس الحريري يريد أن يكون هو شخصياً مسؤول عن ملف تسوية العلاقات اللبنانية- السورية؟
ج: أكرر القول أن الرئيس الحريري يعالج ملفات شخصية، وربما هذا من حقه. وهنا لا بدّ من تقدير شجاعة الحريري للقيام بهذه الخطوة الجريئة، اذ تمكّن من تجاوز آلامه وتجاوز التـّهم التي كان قد وجهها في السابق الى النظام السوري.
س: ماذا تقصد بأن الزيارة كانت خاصّة وهدفها تنقية العلاقات الشخصية؟
ج: اليوم، هناك حلفاء للرئيس الحريري كالقوات اللبنانية مثلاً. وهناك كلام على أن الجانب السوري مستعد للقيام بمصالحات مع جميع الاطراف اللبنانية باستثناء “القوات اللبنانية”. فما هو رأي الرئيس الحريري، طالما هو يعالج الملفات العالقة مع السوريين؟ فأنا برأيي أن هناك مقومات محددة لارساء علاقات جدية ومؤسساتية بين لبنان وسوريا. ويجب على الحريري أن يمارس هذا الدور على أساس انه رئيس حكومة كل لبنان وليس على أساس شخصي.
س: هل تعتقد أن هذه الزيارة كانت من ضمن سلة متكاملة تدخل في اطار التسوية العربية- العربية؟
ج: أنا أؤيد المصالحة العرية- العربية وهي ضرورية في هذه المرحلة بالذات، وأنا أعتقد أن الخطوات التي تقوم بها المملكة العربية السعودية هي ضرورية، ولكن هناك روزنامة لبنانية لا يمكن تجاوزها. وأريد أن أسأل لماذا لم يتم تشكيل وفد من قوى 14 آذار يضم كل مكوناتها ويقوم بزيارة الى سوريا تمهد لزيارة الرئيس الحريري لتعزيز العلاقات العربية- العربية؟ فنحن نقدّر ظروف الرئيس الحريري، ولكن يجب تقدير ظروف لبنان أيضاً. فما هي الروزنامة اللبنانية مع سوريا وما هي الروزنامة مع اسرائيل، فالجميع يعرف أن هناك مفاوضات غير مباشرة بين “حزب الله” واسرائيل عبر ألمانيا. ولكن ما هو دور الدولة اللبنانية؟ وهناك مفاوضات بين سوريا واسرائيل عبر الاتراك. وحماس تفاوض عبر مصر. اذاً، لماذا لا تفاوض الدولة اللبنانية بطريقة غير مباشرة أسوةً بالدول والاطراف العربية لوضع روزنامة واضحة تحدد اطار معالجة المشاكل مع العدوّ الاسرائيلي؟ أنا أفهم عندما يقال أن لبنان لا يوقّع على معاهدة سلام الا بالتنسيق مع سوريا، وهذا أمر طبيعي. ولكنني لا أفهم عندما يقال ان لبنان سيكون آخر دولة عربية توقع سلاماً مع اسرائيل. فماذا سيكون موقفنا لو قبلت سوريا مثلاً واحتجت السودان؟
س: هل تصحيح الخلل بين لبنان وسوريا يحتّم على لبنان تنقية علاقاته بكل الدول العربية؟
ج: اذا كان هناك من مصالحات عربية، فهي تتم اليوم على أساس تجاوز المشاكل السابقة والاتهامات السياسية المتفرعة عنها. انا اقول تجاوز هذه المشاكل وليس طمسها او الغاءها. واذا كان الامر كذلك، أي مصالحة وتطبيع على قاعدة التجاوز بانتظار جلاء الحقائق، فيجب ان ينسحب على مجمل الدول العربية. مثلا، ليبيا المتهمة باخفاء الامام موسى الصدر، الذي هو قيمة روحية وزمنية ومرجعاً لبنانياً شاملا وليس مرجعاً شيعياً فقط، تماما كما رفيق الحريري. من ضمن هذا التوجه، لماذا لا نعيد العلاقات مع ليبيا، ونسمح أقلّه لمزارعي التفاح في الجرد اللبناني أن يسوّقوا انتاجهم في ليبيا التي أوقفت منذ فترة تبادلها التجاري مع لبنان بسبب هذه القضية؟ فتطبيع العلاقة مع سوريا يجب أن يُستَتبع بتطبيع للعلاقات مع كلّ الدول العربية.
س: ربما قولك بأن الحريري ينفرد في معالجة الخلاف اللبناني- السوري قد يحتّم على حلفائه المسيحيين أن يأخذوا احتياطاتهم لكي لا يتم عزلهم، فلماذا تقوم اذاً بمهاجمة المبادرة المسيحية التي يتم التحضير لاطلاقها قريباً؟
ج: أنا لا أهاجم المبادرة المسيحية، لا بل على العكس أرحّب بها. واذا كان هناك تجمع مسيحي لدعم مواقف البطريرك الماروني الوطنية والمشرّفة وليس للنطق باسم 14 آذار، فأنا أشجع هذه الخطوة. ولكن زيارة الحريري الى سوريا لم تكن باسم مسلمي 14 آذار لكي يقوم مسيحيو 14 آذار بهذه المبادرة. واذا اصروا على المبادرة تحت يافطة 14 آذار فهم يكونوا حينها كأنهم يقولون ان الطرف المسلم لم يعد قادرا على حماية تراث 14 آذار ومبادئها. وهذا غير صحيح اطلاقا، على المستوى الشعبي والجماهيري. فالجمهور هو الذي صنع 14 آذار وليس القادة.
س: لكن الرئيس الحريري هو من يمثل مسلمي 14 آذار نيابياً ووزارياً؟
ج: أنا لا أنكر ذلك، ولكن الحريري يمثل الطرف المسلم في هكذا خطوة عندما تكون القواعد الشعبية كلها مرتاحة. فأنا، كإبن طرابلس، استطيع ان أجزم انه لم يحصل بعد إطمئنان شعبي كاف في ما يختصّ بتطبيع العلاقات اللبنانية- السورية. ومن هنا أرفض أن يقوم المسيحيون بمبادرات منفردة بإسم طروحات 14 آذار. فأنا مسلم مؤمن بطروحات 14 آذار ولا يحق لأحد أن يجزّىء هذه الطروحات التي هي ملك للشهداء الذين استشهدوا في سبيلها.
س: هل أنت مستعد شخصياً لزيارة سوريا؟
ج: أنا لا أعترض على اي زيارة لدمشق لا بل أدعم هذه الزيارات، ولكن على اسس وشروط مؤسساتية، اي عندما يذهب أي كان الى سوريا يذهب بصفة تمثيلية، تماما كما يفعل اي مسؤول سوري عندما يزور لبنان. وفي حال توجهت الى الشام، أتوجه لأفاوض باسم من امثلهم من متضررين وأبناء شهداء ومعتقلين ومفقودين في السجون السورية وليس لحلّ ملفات شخصية فحسب.
س: ما هي علاقتكم بقوى 14 آذار؟
ج: أنا من صلب حركة 14 آذار وأنا متمسك أكثر من أي وقت مضى بطروحات ومبادىء 14 آذار. ولكنني غر معني بالهيكلية التنظيمية لقوى الرابع عشر من آذار. فحركة 14 آذار هي دماء رفاقنا الذين استشهدوا، وهي مسيرة طويلة بدأت في مؤتمر الكارلتون عام 2001، ومن بعدها في لقاء البريستول عام 2003 والذي كنت أحد أركانه عندما كانوا يقولون أن السنّة غير ممثلين في هذا اللقاء.
س: يحكى عن احتمال قيام حرب على لبنان. واسرائيل كررت تهديداتها معتبرة أن اي اعتداء عليها هو من مسؤولية الحكومة والجيش و”حزب الله”. هل هذا يعني أن لبنان أصبح مرتبطاً بروزنامة “حزب الله”؟
ج: الشعب اللبناني قال كلمته عندما قرر انه يريد الشرعية مقابل الامر الواقع. وهنا أخشى، لا سمح الله، من توجيه اسرائيل ضربات عسكرية لوزارة الدفاع والثكن والمراكز العسكرية الرسمية، وأن تقصف المقرات الرسمية والحكومية والوزارات والادارات والمرافق الحيوية. ومن ثم يخرج البعض ليقول أنه حقق انتصاراً على العدوّ الاسرائيلي. وعندها تكون قد تبعثرت الدولة اللبنانية وبقيت قوى الامر الواقع. فمن هو المسؤول عندذاك؟ فأنا أعتقد أن القيادات التي تم تفويضها من قبل الشعب هي المسؤولة لتتدارك ما قد يحصل في حال صدقت التهديدات الاسرائيلية. ومن هنا أشدد على عدم المزج بين المصالحات العربية الضرورية وبين الرضوخ للامر الواقع ولشروطه.