أمام تسابق بعض الصحافة العربية على الحديث عن تمويل القذافي للرئيس الفرنسي السابق، نيقولا ساركوزي، رأينا أن هنالك فائدة كبيرة في إعادة نشر مقال “الشفاف” التالي.. كما هو! ومع أن المقال نُشِر أولاً في ٥ نوفمبر ٢٠١٦، فلم يتغيّر شيء، رغم الإحتجاز الجزئي لنيقولا ساركوزي ليومين من قِبَل القضاء الفرنسي. الخلاصة هي نفسها: لا يملك القضاء الفرنسي دليلاً حسّياً على صحة مزاعم التمويل! نقطة على السطر!
*
شكري غانم: السنوسي وسيف الإسلام أرسلوا أموالاً لحملة ساركوزي.. ولكنها لم تصل!
يصعب تكذيب أي خبر عن نظام “المعتوه” معمّر القذافي! مع ذلك، فهنالك ما يستدعي الإستغراب والتشكيك في ما تداولته الصحف والمواقع العربية (بدون تمحيص، وعلى طريقة “النسخ واللصق” ..)، نقلاً عن “وكالة الصحافة الفرنسية”، عن قيام مسؤولَي الأمن في “جماهيرية” القذافي، أي عبدالله السنوسي وموسى كوسا، هما شخصياً، (لم يجدا أعواناً أو مساعدين أو مأمورين للقيام بتلك المهمة القذرة نيابةً عنهما!)، “بالإستحصال على ٣١ زجاجة صغيرة تحوس فيروس الأيدز وحقن أطفال به في مستشفى ليبي!”!
ونقلاً عن “وكالة الصحافة الفرنسية“، كذلك، تداولت الصحف والمواقع العربية، وبدون تمحيص أيضاً، المقطع التالية من البرقية المنسوبة لوكالة الصحافة الفرنسية: “
في مذكراته التي عثر عليها بعد وفاته في 2012……….،التي نقلها موقع ميديابارت الفرنسي الجمعة واطلعت عليها فرانس برس، يروي غانم انه استقبل في 2007 محمد الخضار، العضو في لجنة التحقيق التي شكلت في ليبيا حول الافراج عن الممرضات.
ونقل الخضار ان رئيس الاستخبارات العسكرية عبدالله السنوسي روى خلال استجوابه امام لجنة التحقيق انه حصل مع موسى كوسا رئيس الاستخبارات الليبية يومها على 31 زجاجة صغيرة تحوي الفيروس.
واضاف الخضار ان السنوسي وكوسا “حقنا الاطفال بالفيروس. لم يكن الاطفال ال232 في بنغازي بل نقلوا من مستشفى تاجوراء” قرب طرابلس.
وافاد مصدر قريب من الملف ان المعلومات الواردة في المذكرات والتي كشف ميديابارت النقاب عنها، سلمت للقضاء الفرنسي في اطار التحقيق حول شبهات بتمويل ليبي لحملة نيكولا ساركوزي الرئاسية العام 2007. وكشف شكري غانم في 29 نيسان/ابريل 2007 ان ساركوزي تلقى على ثلاث دفعات ما لا يقل عن 6,5 ملايين يورو.
ماذا كتب شكري غانم فعلاً عن قضية ملايين ساركوزي؟
تورد جريدة “لوموند” (وهي أعلى مصداقية بكثير من موقع “ميديا بار” الذي نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية المقطع الوارد أعلاه) كلاماً مختلفاً نوعاً عما دوّنه “المقتول” شكري غانم في “دفتره”. وحسب “لوموند” (الصورة المرفقة أدناه)، فإن شكري غانم كتب:
“عند الظهر، تناولنا الغداء مع “البغدادي” و”بشير صالح” في مزرعة “بشير”. وتحدث “بشير” قائلاً أنه أرسل مبلغ ١،٥ مليون أورو إلى ساركوزي حينما دفع “سيف الإسلام” مبلغ ٣ مليون أورو. ولكن، قيلَ لهم أن المال لم يصل. ويبدو أن “الرجال” (أي الوسطاء الذين كُلِّفوا بنقل الأموال) اختلسوا المبالغ، مثلما اختلسوا مبلغ ٢ مليون دولار أرسله عبدالله السنوسي”.
وتضيف “لوموند”، نقلاً عن “دفتر شكري غانم” نفسه:
“يُعرب شكري غانم عن شكوكه حول مدى تأثير مبلغ ٦،٥ مليون أورو، ويكتب: “لا أعرف إذا كانوا فعلاً على قناعة بأنهم يمكن أن يغيّروا سياسة فرنسا بواسطة هذا المبلغ. أولاً، فإن المبالغ التي يستخدمونها تافهة بمقاييس أوروبا. وعدا ذلك فإن بلداناً أخرى تدفع مبالغ أكبر”!
أي أن معلومات جريدة “لوموند” تناقض برقية وكالة الصحافة الفرنسية المنقولة عن موقع “ميديا بار”.
ماذا تقول المصادر الليبية؟
لاستيضاح الموضوع، سأل “الشفّاف” مصادر ليبيبة كانت “مطّلعة” في عهد القذافي، فأجابت:
أولاً، “شكري غانم”، سواءً كرئيس حكومة، أو كرئيس لشركة النفط الوطنية، لم يكن على اطلاع أو صاحب قرار في قضايا مثل تمويل سياسيين أجانب. فمثل تلك العمليات لم تكن تُبحَث في اجتماعات الحكومة، ولم يكن ممكناً لحكومة ليبيا أن تتخذ قراراً بشأنها لأنه، أصلاً، ليس هنالك ميزانية “رسمية” لمثل هذه الأمور! مما يعني أن “شكري غانم” ليس مصدراً “أصلياً” للمعلومات في مثل هذه المواضيع.، بل إنه يدوّن ما “سمعه” من مدير مكتب القذافي “بشير صالح”. وهذا الأخير يمكن أن يكون “مصدراً أصلياً”.
وتضيف المصادر أن أحداً لا يملك “إثباتاً” على حصول ساركوزي على تمويل من القذافي. والسبب بسيط: فإذا كان صالح بشير وعبدالله السنوسي وسيف الإسلام قد دفعوا أموالاً، فإن ذلك لا يعني أن الأموال وصلت إلى ساركوزي أو مساعديه، بل قد تكون “ضاعت على الطريق”، كما كان يحدث غالباً في العمليات التي تقوم بها ليبيا. (وهذا، عملياً، هو ما دوّنه شكري غانم في “دفتره”).
وتضيف المصادر أن كل هذا التركيز على تمويل القذافي لحملة ساركوزي الإنتخابية لا يبدو مقنعاً لسبب آخر: “فإذا كان ساركوزي قبض من القذافي فعلاً، فكيف نفسّر تصميم الرئيس الفرنسي، لاحقاً، على إسقاط نظام القذافي بأي ثمن؟”
وتضيف المصادر الليبية: “الأرجح أن هنالك أسباباً أخرى، سياسية وشخصية، وراء موقف الرئيس ساركوزي ضد العقيد القذافي”!
ماذا يعني ذلك؟
ترد المصادر الليبية: “ربما كان بين الأسباب الوعود التي أعطاها القذافي بإبرام عقود كبيرة مع فرنسا إذا تم رفض الحصار عن نظامه. وبالفعل، فقد استقبله الرئيس ساركوزي في باريس، وسمح له بنصب خيمته الشهيرة، ومع ذلك لم تحصل فرنسا على عقود نفطية أو تجارية أو عسكرية تُذكَر”!
وتضيف المصادر: “وقد يكون بين الأسباب، أيضاً، المعاملة غير اللائقة التي تعرّضت لها زوجة الرئيس ساركوزي، “سيسيليا”، حينما زارت ليبيا لمرافقة الممرضات البلغاريات اللواتي أفرج القذافي عنهن”!!
هل فعلاً قام عبدالله السنوسي وموسى كوسا بحقن الأطفال بفيروس “الأيدز؟
تجيب المصادر الليبية “المطلعة” بأن سبب انتشار “الأيدز” في مستشفى “بنغازي” هو “انعدام الشروط الصحية” في مستشفى بنغازي. وحتى لا يعترف نظام القذافي بمسؤوليته عن الأوضاع الصحية المتردية في بلد غني بالنفط، فقد لجأ إلى “نظرية المؤامرة” التي قام طبيب فلسطيني وممرضات بلغاريات!
وماذا عن اقوال “محمد الخضار” الذي ينقل موقع “ميديا بار” الفرنسي أنه اتهم السنوسي وكوسا بحقن الأطفال بالأيدز؟
تجيب المصادر الليبية بأن “المدعي العام العسكري محمد الخضار” كان “صديقاً حميماً” لشكري غانم. وأنه كانت هنالك مشاكل كثيرة بين شكري غانم وعبدالله السنوسي. وأن “قطر كانت أحد مواضيع الخلاف بينهما”! ومع ذلك، فإنه “يصعب تصديق أن يكون محمد الخضار قد وجّه مثل هذه الإتهامات للسنوسي وكوسا. فالجميع كان يعرف أن المشكلة كانت في غياب الشروط الصحية في مستشفى بنغازي”!!
سوابق “إدفي بلينيل”: من “فضيحة بناما” المزوّرة.. إلى “فضيحة شكري غانم وساركوزي”؟
إدفي بلينيل، مؤسس ورئيس موقع “ميديا بار”، ومدير التحرير في جريدة “لوموند سابقاً
هل يمكن أن يكون موقع “ميديا بار قد “تورّط” في نسج أخبار تفتقر إلى “الدقة”؟
للجواب على هذا السؤال، بحثنا عن”سيرة” مؤسس ورئيس موقع “ميديا بار”، “إدفي بلينيل”، الذي سبق له أن كان “مدير التحرير” في جريدة “لوموند” في التسعينات. وتتضمن سيرته على”الويكيبيديا” المقطع التالي الذي قام “الشفاف” بترجمته من الفرنسية إلى العربية:
فضيحة في بناما
« إدفي بلينيل » هو مؤلف « سقطة » تاريخية: ففي صيف ١٩٩١، ولمناسبة رحلة استغرقت شهراً على خطى كريستوف كولومبوس، فقد كتب لجريدة « لوموند » سلسلة مقالات بعنوان « رحلة مع كولومبوس ».
وفي الحلقة ٢٤، التي قدّمها كـ »سبق صحفي »، تحدث « بلينيل » عن « فضيحة في بناما ». وجاء في الحلقة أنه، قبل عدة سنوات، قام نظام الجنرال نورييغا (أي «أموال المخدرات ») بتمويل الحزب الإشتراكي (الفرنسي)، وخصوصاً بالصلة مع حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية في سنة ١٩٨٨.
ونشرت « لوموند » رسائل على أوراق رسمية لسفارة فرنسا في بناما مؤرخة في سنة ١٩٨٧. وفي الساعات التي تلت نشر المقال في عدد ٢٧ أغسطس ١٩٩١، أصدر الحزب الإشتراكي الفرنسي تكذيباً رسمياً، ولكن ذلك التكذيب لم يُنشَر في جريدة « لوموند » حتى ٥ سبتمبر: وفي ذلك اليوم، أي ٥ سبتمبر، « اعتذرت » جريدة « لوموند » من قرائها ومن كل المعنيين لأنها نشرت « معلومات لم يتم التحقق منها ». وكان سبب الإعتذار هو انكشاف التزوير غير المتقن في الوثائق، حيث أن « بلينيل » لم يكلّف نفسه عناء التحقق من أصحاب التوقيعات في الوثيقة، الذين تبيّن أنهم كانوا قد تركوا مناصبهم في سفارة فرنسا في بناما في قبل وقت طويل من تحرير الوثيقة المزوّرة.
وقد أقر « إدفي بلينيل » بأن تلك القضية شكّلت « ضربة قاسية » له، وقال: « نسيت أنني صحفي. واعتقدت أنني روائي »!!
(ترجمة « الشفاف »)