أعدت اللجنة المشكلة بموجب قرار السيد رئيس مجلس الوزراء السوري المهندس محمد ناجي عطري برقم /2437/ تاريخ 7/6/2007 مشروع قانون الأحوال الشخصية السورية الجديد والذي تم في 5/4/2009 وذلك تمهيداً لإقراره. مما دفع بالعديد من النشطاء الحقوقيين الناشطين في مجال المرأة من إبراز العديد من النقاط التي تستمر في انتهاك القوانين والمواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها سوريا، وتضيف المزيد من الغبن والاضطهاد بحق المرأة السورية، إضافة إلى تناقضات أخرى مع الدستور السوري.
بالرغم من أن المادة /25/ من الدستور السوري توضح أن “الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم” ولم يشر الدستور إلى جنس المواطنين لذا يكفل هذا الحق لكلا الجنسين الذكر والأنثى إلا أن المادة /130/ من القانون الجديد والتي تنص أنه “على الزوجة السفر مع زوجها إلا إذا اشترط في العقد غير ذلك أو وجد القاضي مانعاً من السفر” رغم أن تبديل فعل الأمر “يجب” من القانون القديم إلى حرف الجر “على” في الجديد، إلا أن ذلك يدل على التمتع بحرية منقوصة للأنثى وذلك بخلاف ما ورد في الدستور، ويأتي ذلك مخالفاً للمادة /3/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه” الأمر الذي يشير إلى انتقاص حرية المرأة، ومخالفاً للمادة /13/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة، لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفى العودة إلى بلده”.
كما أن ذلك يعد مخالفاً المادة /33/ من الدستور في انتهاك حرية مواطن كامل كفله الدستور في التنقل واختيار المسكن “لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع من ذلك بحكم قضائي أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة”. ولم يرد القانون أي إشارة إلى الصحة والسلامة العامة، بل أتبع المرأة بالرجل مباشرة.
تنص الفقرة الثالثة من المادة /25/ من الدستور السوري على أنه “المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات”. إلا أن استمرار اشتراط الصحة في عقد الزواج حضور شاهدين رجلين، أو رجل وامرأتين مسلمين” بحسب المادة /38/ من القانون الجديد ينتهك هذا الحق من الدستور في التساوي أمام القانون. أما الإشارة إلى الكتابيين في زواج المسلم بالكتابية حين الضرورة، فيعد ذلك رؤية تمييزة بحق الأديان الأخرى، ويبين تناقضه من مبدأ التساوي أما القانون. في حين أن الفقرة الثالثة من نفس المادة تدل وبوضوح على انتهاك حقوق تثبيت عقد الزواج بين مسلم وكتابية “تجوز شهادة الذمي إذا كانت الزوجية كتابية، حين الضرورة ولكن لا يثبت الزواج إذا جحده الزوج المسلم، ويثبت إذا جحدته الكتابية” الأمر الذي يبث التمييز بين الأديان. وهو تمييز على أساس الدين منتهكاً بذلك المادة /2/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين..”
وفي فرع المحرمات المؤقتة المادة /63/ يقول القانون أن “زواج المسلمة بغير المسلم باطل زواج المسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية، زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غير مسلم”. في إشارة إلى وجود تمايز بين ما يحق للرجل المسلم وما لا يحق للمرأة المسلمة، كما انه انتهاك لحقوق النساء غير الكتابيات، كما أنه ينسف تماماً النية في تثبيت أي زواج مدني خارج إطار الدين. أما في كتاب أحكام خاصة الباب الثالث الأحكام الخاصة بالطوائف المسيحية المادة /630/ الفقرة الثانية “إذا كان الزوج مسلماً جاز إثبات الزواج بشتى وسائل الإثبات الشرعية” في حين زواج المسلمة بغير المسلم باطل تماماً، و زواج المسلم بالكتابية جائز قانوناً.
أما في الفصل الثامن الزواج خارج المحكمة ووفق المادة /84/ “لا يجوز تثبيت هذا الزواج إلا بعد استيفاء الإجراءات المنصوص عليها في المادة /76/ ما لم يكن هناك ولد، أو حمل ظاهر” الأمر الذي يقوض حق الزوجة التي لم تلد أو تحمل من هذا الزواج. كما أنه وجود أخذ موافقة إذا كان أحدهما أجنبياً فلا بد من موافقة دوائر الأمن العام، ولو كان هناك ولد أو حمل ظاهر. الأمر الذي يجيز لأجهزة الأمن التدخل في منع تثبيت زواج حقيقي وقائم، وهو ما يثير الاستغراب.
ولو كان هذا الأجنبي من الكرد المجردين من الجنسية، يعني ذلك أن الزواج لا يثبت ويضيع بذلك حق المرأة في التثبيت، حتى ولو تم أخذ الموافقة من الجهات الأمنية، كون هؤلاء المجردين من الجنسية ليست لديهم أية جنسية.
كما أن المادة /85/ من القانون تشير إلى أنه كل زواج يجري خارج المحكمة لا يترتب عليه الآثار القانونية، ويجب معاقبة الزوجين والولي والشهود ومنظم العقد بالحبس شهراً كاملاً. ووفق المادة /91/ لا يترتب على الباطل أي أثر من آثار الزواج. إذا ضياع كامل حقوق المرأة في هذا الزواج.
وفي باب الطلاق لم يتغير القانون إلا بتغيير تسمية “طلاق التعسف” بـ”الطلاق بالإرادة المنفردة” حيث أشار القانون الجديد في المادة /180/ إلى أنه إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة، ومتعة الطلاق. أما في القانون القديم في المادة /117/ يحكم القاضي بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة.
أما في باب التفريق بحكم الشرع والقانون فقد استمر حق الرجل في نفي نسب الولد إليه باللعان حيث جاء في الفصل الأول المادة /218/ إذا جرى اللعان بين الرجل والمرأة، نفى القاضي نسب الولد عن الرجل، ولا تجب نفقته عليه، ولا يرث أحدهما الأخر، وألحق الولد بأمه. الأمر الذي ينفي حق المرأة من تنسيب ابنها بمجرد اللعان.
أما في فصل التفريق لاختلاف الدين فقد جاء في المادة /230/ الفقرتين الثالثة “إذا كانت غير كتابية عُرض عليها الإسلام فإن أسلمت أو اعتنقت ديناً سماوياً خلال شهر واحد فزواجهما باقٍ وإن أبت أو امتنعت عن إبداء الرأي بعد إعلامها فسخ الزواج بينهما” والرابعة ” إذا أسلمت الزوجة وحدها يعرض الإسلام على الزوج إن كان أهلاً له، فإن أسلم خلال شهر واحد فزواجهما باقٍ وإن أبى أو امتنع عن إبداء الرأي بعد إعلامه فسخ الزواج بينهما” في إشارة واضحة إلى أن القضاء يفسخ الزواج بمجرد اختلاف الدين وهو أمر يناقض مبدأ الحرية في اختيار الشريك بحسب المادة /16/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله”.
أما في كتاب الولادة ونتائجها الباب الثاني في حقوق الأطفال الفصل الثاني كفالة الصغير القاصر ومجهولي النسب والمهملين المادة /278/ يكون الطفل المهمل مسلماً إذا كان أحد أبويه مسلماً، في إشارة إلى حرمان الأب أو الأم غير المسلم من تتبيع الولد لدين غير الإسلام، أو إذا وجد وليداً في حي أو شارع معظم سكانه من المسلمين بموجب بيان من مختار المحلة، أو وجد ملقى على باب أحد المساجد أو الزوايا. الأمر الذي قد يكون غير صحيحاً بمجرد أن الوليد نقل من محلة إلى أخرى. كما أنه يصار إلى أسلمة وليد قبل أن يعرف ما دينه الحقيقي، والذي يخالف المادة /18/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده”. فإذا سجل الوليد كمسلم وهو غير ذلك، وجب تطبيق الحد عليه في الردة عند تغييره لدينه إلى الأصل بعد علمه بطريقة ما. وهو بريء أساساً من الردة عن الإسلام.
أما في الحضانة فاشترط إن كانت الحاضنة امرأة غير مرتدة عن الإسلام الفقرة “هـ” من المادة /284/ الأمر الذي يقوض حق الأم المرتدة عن الإسلام باحتضان ولدها، وفي المادة /294/ اقتصرت الحضانة على الأم المسلمة فقط إذا خشي على المحضون أن يألف غير دين الإسلام وعاداته، أو كانت الحاضنة تستغل ضعف الطفل لتنشئته على غير دين أبيه الإسلام. الأمر الذي يسقط حق الأم المسلمة في أبنها، لمجرد أي سبب يرى أنه يحيد الطفل عن الإسلام وعاداته.
العديد من النقاط يجب الوقوف عليها في مشروع قانون الأحوال الشخصية السورية الجديد، ويجب الإشارة إلى كتب الخطبة، الزواج، السكن، النفقة، التفريق، والحضانة، وغيرها. وبالرغم من أن تغيير القانون يجب أن يراعي القوانين الوطنية والدولية، بما فيها المواثيق والعهود وفق الشرعة الدولية، تستمر القوانين السورية وخاصة قانون الأحوال الشخصية بانتهاكات لهذه العهود والمواثيق، والتركيز على التبعيات الدينية يقوض تماماً النية في إصدار قوانين زواج مدنية، كما أن استمرار الانتهاكات بحق المرأة السورية بالرغم من أن سوريا وقعت على العهود والمواثيق الدولية بهذا الخصوص، مع تحفظها على نقاط عدة منها، الأمر الذي تجب على الحكومة مراعاة تطور المجتمعات وتجاوزها للتمييز على أساس الجنس أو الدين أو أي انتماءات أخرى.
akkopress@gmail.com
* كاتب سوري