وزير الخارجية البلغاري ايفايلو كالفين (الرابع يمينا)، وأعضاء الفريق الطبي الذي أفرجت عنه ليبيا أخيرا، ومسؤول في لجنة دافعت عن الفريق الطبي، في صورة جماعية التقطت لهم في وزارة الخارجية بصوفيا أمس (ا.ف.ب)
القاهرة: خالد محمود باريس: ميشال أبونجم صوفيا ـ بروكسل: «الشرق الأوسط»
نفى مسؤول ليبي بارز اعتزام بلاده قطع علاقتها الاقتصادية والدبلوماسية مع بلغاريا، كما نفى وجود أي ترتيبات لزيارة محتملة من الرئيس البلغاري جورجي برفانوف للعاصمة الليبية للقاء الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. وقال المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، لأنه غير مخول بالحديث للإعلام، إن التصريحات المثيرة للجدل، التي أطلقها أخيرا سيف الإسلام نجل العقيد القذافي، خلال زيارته لفرنسا، بخصوص وجود صفقة تسليح فرنسية لليبيا أو اتهامه للسلطات الليبية باختلاق القضية، التي اتهمت فيها أعضاء الفريق الطبي البلغاري الستة، بأنها لا تعبر عن الموقف الرسمي للدولة الليبية.
واعتبر المسؤول، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن نجل القذافي لا يشغل أي منصب رسمي في الدولة الليبية، وبالتالي فان ما يقوله ليس ملزما لها، لكنه نفى في المقابل وجود صراع داخلي مكتوم خرج للعلن أخيرا بين القذافي الابن ورجال الحرس القديم المقربين من القذافي الأب.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن سيف الإسلام الذي ما زال يحظى بثقة والده، بات يلعب في الآونة الأخيرة دور المستشار الرئيسي لوالده، بدليل انه شارك عبر مؤسسته الخاصة في الترتيبات الخاصة التي أعادت الفريق الطبي البلغاري إلى بلاده. لكن المسؤول الليبي قال لـ«الشرق الأوسط»: «نعم هو (سيف الإسلام) يقوم بدور ايجابي فى معظم الأحيان، لكنه ليس الصانع الرسمي والوحيد للقرار في ليبيا». وأضاف: «أي حديث عن صراع مزعوم بين تياري الإصلاحيين والمتشددين هو اجتهادات صحافية لا معنى لها. ليبيا ليست ايران مثلا ولا نعرف في ليبيا هذه التصنيفات وليست لدينا مراكز قوى».
وامتنعت السلطات الليبية رسميا عن التعليق على التصريحات التي أدلى بها سيف الإسلام القذافي لوسائل إعلام غربية قبل يومين، ولم يصدر عن الحكومة التي يرأسها البغدادي المحمودي أو وزير الخارجية عبد الرحمن شلقم أي تعليق بشأنها.
وجاء هذا في وقت قررت الحكومة البلغارية أمس شطب 56.6 مليون دولار من ديون ليبيا التي تعود إلى الحقبة السوفياتية. وأوضحت الحكومة البلغارية في بيان أمس ان الديون المتراكمة مقابل مبيعات اسلحة وتقديم أنشطة دعم فني خلال الحقبة السوفياتية ستدفع بدلا من ذلك الى الصندوق الدولي الذي أسس لتعويض عائلات الأطفال المصابين بالايدز في ليبيا. وأضاف البيان أن 27 جهة مانحة منها 17 حكومة وتسع شركات خاصة ومنظمة غير حكومية واحدة تعهدت أيضا بالمساهمة في الصندوق. وأشار وزير الخارجية البلغاري ايفيلو كالفين ان المبلغ المشطوب (56.6 مليون دولار) هو عبارة عن 20 مليون دولار تمثل أصل الدين اضافة الى أكثر من 36 مليون دولار فوائد. وتابع قائلاً: «لم يتم دفع فوائد هذا الدين منذ أكثر من 18 عاما وليس هناك اتفاق واضح بخصوص قيمته، ولذا فهذا هو تقديرنا لمبلغ الدين».
وتعليقا على قرار بلغاريا بشطب ديون ليبيا، قالت مصادر ليبية إن هذا القرار كان متوقعا، ومن ضمن التفاهمات الأساسية بين الطرفين الليبي والبلغاري. وأوضحت المصادر أن ليبيا تنتظر من بلغاريا المزيد من الخطوات الايجابية، لكنها رفضت الإفصاح عن هذه الخطوات المفترضة.
كذلك، أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها سيف الإسلام القذافي بخصوص صفقة إطلاق الفريق الطبي البلغاري، جدلاً في فرنسا، بالنظر للدور الذي لعبته باريس في القضية. فقد هاجمت المعارضة الاشتراكية الرئيس نيكولا ساركوزي الذي أرسل عقيلته سيسيليا مرتين الى ليبيا وزار شخصيا طرابلس عقب الإفراج عن الفريق الطبي. وانتقد سكرتير الحزب الاشتراكي فرنسوا هولند «غياب الشفافية» في التعاطي مع الموضوع و«استبعاد» وزير الخارجية برنار كوشنير عن المفاوضات التي انحصرت بقصر الأليزيه. وقال هولند أمس للقناة الثانية في التلفزيون الفرنسي:«عندما يجهل وزير الخارجية في نظام ديمقراطي كالنظام الفرنسي وجود اتفاق عسكري (مع ليبيا)، أعتقد عندها أن هناك مشكلة هيمنة (من قبل الرئاسة) وهذا يطرح مسألة الشفافية والرقابة على السلطة التنفيذية». وأضاف: «ما أطلبه هو الشفافية: ما الذي حصل؟ ومن دفع ثمن إطلاق سراحهم؟ وإذا لم تكن هناك صفقة فلماذا إذن توقيع اتفاق عسكري مع نظام القذافي الذي كان وراء أعمال إرهابية وكان دولة مارقة؟». وفي السياق عينه، طالب أحد مسؤولي الحزب الاشتراكي «بتوضيح الظروف» التي أحاطت بإطلاق سراح الفريق الطبي و«البديل» الذي دفعته فرنسا.
وكان ساركوزي قد كرر الليلة قبل الماضية بعد نشر تصريحات سيف الإسلام أن فرنسا «لم تقدم أي بديل» لليبيا وأنه لم يوقع أي اتفاق عسكري مع ليبيا خلال زيارته إليها الأسبوع الماضي.
وامتنعت شركة «طاليس» للصناعات الإلكترونية والعسكرية التي تصنع صاروخ «ميلان» عن التعليق على معلومات سيف الإسلام الذي قال إن ممثلين عنها وعن شركة ساجيم الفرنسية موجودون في ليبيا لبحث العقد الذي ستحصل بموجبه ليبيا على صواريخ «ميلان» المضادة للدروع. وقال سيف الإسلام أيضا إن والده العقيد معمر القذافي سيأتي إلى باريس من غير أن يعطي تاريخا محددا لهذه الزيارة.
وفي غضون ذلك، قالت المفوضية الاوروبية امس انها لا تستبعد ان تكون اتفاقات ثنائية تمت بين طرابلس وبعض دول الاتحاد الاوروبي في قضية الفريق الطبي البلغاري. وقالت كريستيان هومان المتحدثة باسم مفوضة العلاقات الخارجية بينيتا فيريرو فالدنر: «لا يسعني ان استبعد حصول اتفاقات ثنائية بين دول اعضاء بصفة فردية والليبيين». وكان سيف الاسلام القذافي نجل معمر القذافي اعلن اول من امس في مقابلة اجرتها معه صحيفة «لوموند» الفرنسية ان اتفاق اسلحة وقع مع فرنسا وقرارا صدر عن القضاء البريطاني بشأن المقرحي كان لهما تأثير كبير في الإفراج عن الفريق الطبي البلغاري. وسئلت هومان عن هذه التصريحات فاكتفت بالقول انها «على اطلاع» على هذه المقابلة لكن «لا يمكنني التعليق».
(الشرق الأوسط)