خاص بـ”الشفّاف
يحتفل العالم المتحضر هذا العام بمرور مائة عام على النظرية النسبية العامة التي أتم صياغتها عالم الفيزياء اليهودي الألماني ألبرت إينشتاين فى 1915. سبقها بالنظرية النسبية الخاصة فى 1905 عندما كان فى الـ26 من العمر!
ونحن هنا لسنا بصدد التفاصيل الفيزيائية والرياضية لهاتين النظريتين، بل إعطاء موجز عن حياة هذا العبقري، والتركيز على أفكاره التي استفادت منها البشرية وخففت من معاناتها!
ولد من أسرة يهودية “أشكنازية” ألمانية غير ملتزمة دينياً. واليهود “الأشكناز”، او “الغربيون”، يشكلون 74% من يهود العالم الذين يبلغ تعدادهم حوالى 15 مليون نسمة أي 0,2% من اجمالى سكان العالم. لهم بروز عالمي، فمعظم مشاهير اليهود الآن من “الإشكناز”، ابتداءً بأينشتاين ومروراً بكيسـنجر وانتهـاءً بالموسيقار غيرشوين والكوميدي آدم سندلر. بالمناسبة نصيب اليهود من جوائز نوبل فى الفيزياء والطب والكيمياء والأقتصاد والآداب هو اكثر من 180جائزة. هذا يعنى معدل جائزة أو اثنتان سنوياً منذ أول احتفال توزيع الجوائز فى 1901.
وللعلم فقط، نصيب العالم الأسلامي، الذي يبلغ تعداده 1.62 مليار نسمة، هو جائزتان فقط في المواد العلمية طوال المائة عام!
وخلافاً للرواية المنتشرة بين الناس،
أينشتاين لم يكن فاشلاً فى المدرسة بل كان متفوقاً، ودرجاته فى امتحان النهائي فى مدرسة ارو بسويسرا تم نشرها فى “غوغيل”.
تخرج من جامعة زيورخ “تخصص فيزياء ورياضيات” فى سن 21 ونال شهادة الدكتوراه فى 1905 فى سن 26.
فى ذلك العام، كتب فى مجلة علمية ألمانية عن التأثير الكهروضوئي ومعادلة تكافؤ الطاقة والمادة وهى أشهر معادلة فيزيائية فى القرن العشرين. وشرح “النظرية النسبية الخاصة“، ليلحقها، بعد عشرة سنوات، بـ”النظرية النسبية العامة” التي سببت ثورة علمية فى مفهوم علماء الفيزياء لقوانين هذا الكون- لأعتقاد أينشتاين بأن قوانين نيوتن التى هيمنت لأكثر من 200 عام وكان لها الدور الأساسي فى النهضة الصناعية فى أوروبا لم تعد كافية لتتوافق مع النظرة الحديثة للمجال والأمواج الكهرومغناطيسية والتى منها الضوء…!
كيف استطاعت البشرية الاستفادة من هذة النظريات؟
١– هناك حوالي مائة الف رحلة طيران تجارية يومياً حول العالم، وهذا العدد فى تزايد مستمر، وجميعها يتم توجيهها والتحكم فى مسارها بواسطة نظام تحديد المواقع عالمياً أو “جي بي إس” (GPS)، وهو شبكة مكونة من 24 قمر صناعي يدور حول الارض على ارتفاع 19 الف كيلومتر قامت بتصنيعها وإرسالها وزارة دفاع الولايات المتحدة الامريكية بتكلفة 12 مليار دولار وفرتها لغرض معرفة المواقع والملاحة الجوية والبرية والبحرية، وبشكل مجاني، لجميع سكان الأرض منذ عام 2000. ويوجد مركز التحكم فى قاعدة عسكرية فى ولاية كولورادو الأمريكية.
نظام تحديد المواقع “جي بي إس” الذي لا تستطيع البشرية الاستغناء عنه يعتمد أساساً على حسابات أينشتاين فى النسبية الخاصة والعامة… وسوف نقوم لاحقا بكتابة مقالة حول كيفية عمل الـ”جي بي إس”!
٢– تتم الإستعانة بنظام “جي بي إس” في المشاريع الضخمة لتحديد المساحات والمسافات كبناء المدن الحديثة والجسور الضخمة و حفر الإنفاق.
وحيث ان شبكة أقمار “جي بي إس” مزودة بساعات ذرية تُعتبر أدق ساعات توقيت حتى الآن، حيث يصل مقدار الخطأ ثانية كل 30 مليون سنة تقريبا وفقا للإحصائيات الحديثة، الأمر الذي جعل منها معيارا للتوقيت العالمي. وعليها يعتمد التداول فى أسوق الأوراق المالية العالمية، حيث التأخير بمقدار ثوانٍ معدودة فى شراء أسهم لشركة عملاقة قد يعرض المستثمر لخسارة كبرى.
وأيضاً يستخدم لتحديد الوقت والموقع لأجهزة السحب الآلي للأوراق النقدية “آي تي إم”.
٣– تحويل الضوء الى تيار كهربائي يسمي “التأثير الكهروضوئي” يُستخدم كمصدر هام وبديل للطاقة الأحفورية كالبترول والغاز والفحم القابلة النضوب والتي تسبب تلوثاً بيئياً. “التأثير الكهروضوئي” هو عنوان بحث ألبرت أينشتاين الذى حاز جائزة نوبل عنه فى 1921.
يوجد حالياً اكثر من ١٠٠٠ قمر صناعي يدور حول الارض لأغراض مختلفة، عسكرية، ولأحوال الطقس، أو للملاحة كما وضحنا أعلاه، أو للأتصالات التي أصبحت شبة مجانية حول العالم. هذه الأقمار تستمد طاقتها من ألواح شمسية مزودة بها تعمل وفق نفس النظرية. وأيضاً علي نفس الفكرة تعمل أجهزة ونظارات الرؤية الليلية..
٤– حتى بداية القرن العشرين، لم يكن لدي العلماء أى تفسير علمي عن كيفية تكوين المادة مباشرةً بعد “الإنفجار العظيم” قبل 13.7مليار سنة التي كوّنت المجرات والنجوم والمجموعات الشمسية! وظل الأمر محيراً.. الي ان ظهرت معادلة تكافؤ المادة والطاقة الشهيرة لأينشتاين E = mc2 والتى أسقطت الفاصل بين المادة والطاقة.. وأتى بمفهوم علمي جديد وهو ان المادة هى فى الواقع طاقة مركزة. أى الطاقة الهائلة التى نجمت عن “الإنفجار العظيم” هي التى كوّنت ذرة الهيدروجين في الدقائق الثلاث الاولى من عمر الكون ثم اندمجت لتكون الذرات الأخرى الضرورية لتكوين عناصر الكون الشاسع!
وتفسر أيضاً الطاقة الهائلة المنبعثة من الشمس عبر مليارات السنين.
ضد القنبلة الذرية
ومعادلته هى القاعدة التى اعتمد عليها عملُ المفاعلات النووية التى تزوّد كبرى عواصم العالم بالتيار الكهربائي. وتم الاستفادة منها في صناعة القنبلة الذرية. علماً أنه لم يفكر او يخطط أبدا لصناعتها. بل كان مناهضاً لها ولاستعمالها ضد اليابان، وأصدر هو والفيلسوف الانجليزي برتراند راسل بياناً عالمياً موقعاً من مجموعة كبيرة من العلماء يدعون فيها رؤساء الدول العظمى الى عدم استخدام الطاقة النووية للأغراض الحربية!
هذا، كما تنبأ قبل 60 عاماً بوجود “ثقوب سوداء فى الفضاء” بناء على معادلته في “النسبية العامة”- هذه “الثقوب السوداء” التي تم اكتشافها قبل ٩ سنوات تلعب دوراً محورياً في تشكيل المجرات والمجموعات الشمسية وبالتالي في وجود الارض وفي وجودنا نحن بني البشر..!
يُعتبر أينشتاين الشخصية العلمية الاكثر شعبية فى تاريخ البشرية، ويضرب به المثل فى الذكاء!! ربما بسبب بساطة افكاره. فهو صاحب الحكمة القائلة أنك “اذا كنت لا تستطيع ان تشرحه مبسطاً فأنت لا تفهمه بشكل كافٍ”! أو ربما بسبب تواضعه وتواصله المستمر مع جميع فئات وطبقات المجتمع. او بسبب قوانينه التي جعلت نظرة الانسان الى هذا الكون أكثر واقعية ومنطقية..!
والطريف فى هذا العالِم أن جميع تجاربه كانت ذهنية. والتجربة الذهنية لا تحتاج الى مختبرات وعِدّة وأدوات يقوم بها العلماء النوابغ، ومن ثم يعطون إطاراً رياضياً للتجربة لتمكن من الإستفادة منها عملياً
ختاماً، يعتبر كثير من العلماء أن ألبرت أينشتاين نموذج بشري علمي نادر، وما زلنا نكتشف جوانب علمية مفيدة من نظرياته حتى بعد ٦٠ عاماً من وفاته في
1955، وهو في سن 76.
ألبرت إينشتاين يعزف الكمان، شاهد الفيديو أدناه
مرور مائة عام على النظرية النسبيةالغرب يحب من علمائه العظام من يستطيع أن يربح بهم معركة العقول و القلوب أكثر من أولئك الذين خدموا الإنسانية بجد. و أهم مثال على هذه الإزدواجية هو مثال آلبرت آينشتاين و نيكولا تيسلا. فالأول قدم نظريات فتحت أفاق جديدة أمام البشر، أما الثاني فقد خدم الحياة البشرية اليومية باختراعاته المفيدة ابتداء من توليد الكهرباء زهيد التكلفة و ليس انتهاء بالريموت كونترول، لكن عبقريته قوبلت بالإزدراء لأنه كان غريب الأطوار ينعزل عن الناس في مختبره و لا يخرج منه إلا قليلا حتى أن صورة العالم الذي يهرش شعره و المهووس بالعلم التي روجتها هوليود و… قراءة المزيد ..