القاهرة (رويترز) – أعلن الرئيس المصري محمد مرسي فرض حالة الطواريء لمدة شهر في محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية التي قتل فيها عشرات على مدى الاربعة أيام الماضية خلال احتجاجات عمت البلاد وعمقت الازمة السياسية في البلاد.
وبعد دقائق من اعلان الطواريء مساء الاحد خرج المئات يحتجون في محافظات قناة السويس الثلاث وتعهد نشطون بتحدي حظر التجول بينما وصل عدد القتلى خلال الاحتجاجات وأعمال العنف منذ يوم الخميس الماضي الى 50 قتيلا.
وسقط معظم القتلى في بورسعيد حيث قتل 40 شخصا خلال يومين فقط. وقتل بالرصاص في بورسعيد سبعة وأصيب مئات يوم الاحد خلال تشييع جنازة 33 شخصا قتلوا في اليوم السابق حين غضب سكان المدينة من أحكام اعدام أصدرتها محكمة بشأن أحداث عنف شهدتها بورسعيد خلال مبارة لكرة القدم. وامتدت الاحتجاجات المناهضة للحكومة لتشمل أنحاء البلاد.
ومن جانب آخر قال مصدر بمجلس الوزراء المصري لرويترز يوم الإثنين إن المجلس أقر مسودة قانون يمنح القوات المسلحة سلطة الضبط القضائي مما يسمح لأفراد الجيش بالقاء القبض على مدنيين لمساعدة الشرطة في إرساء الأمن.
وأضاف المصدر أن الجيش سيكون مثل قوة للشرطة مما يعني أن أي شخص يلقى القبض عليه سيحال إلى محكمة مدنية وليس عسكرية.
وأثناء تشييع جنازات قتلى يوم السبت صب المشيعون جام غضبهم على مرسي وطافوا بنعوش القتلى في شوارع بورسعيد وهم يهتفون “يسقط يسقط مرسي” وبشعارات تطالب بسقوط النظام وتتهمه بالقتل والتعذيب.
كما هتفوا بسقوط حالة الطواريء التي يقول نشطاء حقوقيون إنها تمنح الشرطة سلطات واسعة لاعتقال الأشخاص الذين تعتبرهم خطرا على الأمن بجانب صلاحيات استثنائية أخرى.
ودخلت أعمال العنف في المدن المصرية يومها الخامس. وأطلقت الشرطة مجددا في الساعات الاولى من صباح يوم الاثنين القنابل المسيلة للدموع على عشرات الشبان الذين كانوا يلقون الحجارة قرب ميدان التحرير حيث يعتصم معارضون منذ اسابيع.
وذكر مصدر أمني أن أحد المارة قتل بالرصاص في القاهرة يوم الاثنين أثناء سيره بالقرب من ميدان التحرير. ولم يتضح من الذي أطلق الرصاص.
وكشفت أعمال العنف انقساما حادا في البلاد. ويتهم ليبراليون وقوى معارضة أخرى الرئيس الاسلامي بالفشل في الوفاء بالوعود الاقتصادية التي قطعها على نفسه ويقولون أيضا انه لم يف بوعده بأن يكون رئيسا لكل المصريين. أما أنصاره فيقولون ان المعارضة تسعى لاسقاط أول رئيس منتخب انتخابا حرا.
وقال ابراهيم عيسي وهو طاه عمره 26 عاما وهو يغطي وجهه من الغاز المسيل للدموع المتجه نحوه من صفوف الشرطة قرب ميدان التحرير مهد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك “نريد ان نسقط النظام والدولة التي يديرها الاخوان المسلمون.”
ومنذ انتخابه في يونيو حزيران الماضي بعد ان دفعت به جماعة الاخوان المسلمين الى الرئاسة يواجه مرسي أزمات سياسية متلاحقة ومظاهرات تتسم بالعنف مما يصعب مهمته لدعم اقتصاد مترنح وتهدئة الاجواء قبل الانتخابات البرلمانية التي تجري خلال الاشهر القليلة القادمة والمفترض ان ترسخ انتقال مصر الى الديمقراطية. وأثر اندلاع الاضطرابات المتكرر بشدة على الجنيه المصري.
وقال مرسي مساء الاحد في كلمة إلى الشعب عبر التلفزيون الرسمي إنه قرر فرض حظر التجول من التاسعة ليلا حتى السادسة صباحا بالتوقيت المحلي في محافظات القناة الثلاث اعتبارا من اليوم الاثنين وطوال فترة الطواريء.
وقال في الكلمة التي استمرت دقائق إن ما دعاه لاتخاذ القرار “ما شهدناه في الأيام الماضية من أعمال عنف واعتداء … وترويع المواطنين وقطع الطرق وإيقاف المواصلات العامة واستخدام السلاح.”
وأضاف أن مثل هذه الأعمال “لا يمكن تصنيفها إلا خروجا على القانون وخروجا على الثورة” التي أطاحت بسلفه في انتفاضة شعبية اندلعت قبل عامين.
وقدم الرئيس المصري العزاء لأسر القتلى وقال ان حماية الامة هي مسؤولية الجميع وانه سيواجه أي خطر يتهدد أمن الامة بقوة وحسم في اطار القانون.
ودعا مرسي في خطابه أيضا القوى السياسية لحوار يوم الاثنين الساعة السادسة مساء (1600 بتوقيت جرينتش). وقال في كلمته يوم الاحد “قررت دعوة قادة ورموز القوى السياسية للحوار غدا حول الموقف الراهن.”
وفي وقت لاحق أصدرت الرئاسة بيانا دعت فيه الحلفاء الاسلاميين والقوى الليبرالية وغيرها من جماعات المعارضة بالاضافة الى سياسيين بارزين مثل الزعيم اليساري حمدين صباحي والامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى للحوار.
وأعلنت جبهة الانقاذ الوطني التي تمثل المعارضة الرئيسية في مصر انها ستجتمع يوم الاثنين لبحث عرض الحوار المقدم من الرئيس. لكن بعض المعارضين لمحوا بالفعل الى انهم لا ينتظرون الكثير من لقاء الحوار وهو ما قد يشير الى احتمال حضور ضعيف.
وكتب محمد البرادعي السياسي البارز الذي أسس حزب الدستور في تغريدة على موقع تويتر “بدون تحمل الرئيس لمسؤوليته عن الاحداث الدامية وتعهده بتشكيل حكومة انقاذ وطني ولجنة متوازنة لتعديل الدستور فإن اي حوار سيكون مضيعة للوقت.”
وقال صباحي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية وهو عضو آخر بارز في جبهة الانقاذ إنه لا حوار مع الرئيس قبل إعلانه تحمل المسؤولية السياسية عن الأحداث الحالية ومسؤولية إراقة الدماء طوال مدة حكمه.
وأضاف صباحي في تصريحات خاصة لصحيفة المصري اليوم “دعوة الرئيس للحوار جاءت متأخرة جدا بعد سقوط مئات الجرحى والضحايا منذ 4 أيام.”
وقال إن مرسي يدعو القوى السياسية لجلسة تحضيرية للتوافق حول الآليات في الوقت الذي أعلنت فيه هذه القوى أكثر من مرة عن شروطها التي تتمثل في وقف العمل بالدستور واتخاذ إجراءات لتطبيق العدالة الاجتماعية والقصاص للشهداء.
وتبرز هذه الردود حالة الاستقطاب الشديد في الساحة السياسية المصرية. وعلى الرغم من الفوز الكبير الذي حققه الاسلاميون في الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية وحدت المعارضة صفوفها بعد ان فقدت الامل حين اعلن مرسي العام الماضي عن توسيع سلطاته وتمريره السريع لدستور ذي طابع اسلامي من خلال الاستفتاء.
ومعارضو مرسي يتهمونه بالاصغاء لانصاره الاسلاميين فقط ويقولون انه حنث بوعده بأن يكون رئيسا لكل المصريين ويرون إن سبب الاحتجاجات أن حكومة مرسي الذي انتخب في يونيو لا تطبق سياسات تحقق أهداف الثورة التي لخصها الشعار البارز “عيش (خبز).. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية”.
بينما يقول اسلاميون ان خصوم مرسي يريدون الاطاحة بأول رئيس منتخب انتخابا حرا بأساليب غير ديمقراطية.
ونأت جبهة الانقاذ الوطني المعارضة بنفسها عن أعمال العنف الاخيرة وقالت انه كان على مرسي ان يتحرك بشكل أسرع لفرض اجراءات امن اضافية لانهاء العنف وألقت مسؤولية التصعيد كاملة على الرئيس.
وقال متحدث باسم جبهة الانقاذ ان خطوات مرسي لاعادة الامن يوم الاحد جاءت متأخرة وانه يريد مزيدا من التفاصيل بشأن دعوة الحوار التي وجهها مرسي الى القوى السياسية.
وقال خالد داود إن دعوة الرئيس لتطبيق قانون الطواريء خطوة “متأخرة جدا لانه كان يتعين عليه تطبيق مثل هذه الاجراءات منذ بدء اعمال العنف وكان يجب تطبيق اجراءات امنية اكثر صرامة قبل صدور حكم المحكمة والذي كان متوقعا ان يثير اعمال عنف.”
وفي ميدان التحرير قال بعض المحتجين انه نظرا لاعمال العنف وسقوط قتلى في بورسعيد ومدن القناة الأخرى لم يكن هناك الكثير من الخيارات سوى اعلان حالة الطواريء وان حملوا مرسي مسؤولية العنف.
وقال محمد أحمد (27 عاما) وهو يمشي مبتعدا بسرعة عن دخان القنابل المسيلة للدموع في الميدان “يحتاجون الى حالة الطواريء لان هناك الكثير من الغضب.”
وتعهد نشطون في المحافظات الثلاث التي اعلنت فيها حالة الطواريء بتحدي حظر التجول.
وقال السياسي البارز وعضو مجلس الشعب السابق عن بورسعيد البدري فرغلي “لن نرضى بقانون الطواريء جملة وتفصيلا ولن تتحول بورسعيد إلى سجن كبير… هذا اعتداء على حريتنا.”
وقال نصر الزهرة وهو تاجر إن بورسعيد مدينة تجارية وسياحية “لا يمكن أن تغلق أبوابها في التاسعة مساء.”
كما دعت بعض جماعات المعارضة الى مزيد من الاحتجاجات اليوم الاثنين الذي تحل فيه ذكرى يوم من أدمى أيام الانتفاضة التي اندلعت يوم 25 يناير كانون الثاني عام 2011 وأسقطت حكم مبارك في 18 يوما.
ويقول نشطون مدافعون عن حقوق الانسان ان اعلان مرسي الطواريء هو خطوة للوراء في مصر التي ظلت فيها أحكام الطواريء مطبقة طوال 30 عاما من حكم مبارك.
وقالت هبة مورايف ممثلة مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش في القاهرة ان الشرطة التي مازالت تواجه الكثير من مشاعر الاستياء لممارساتها الشديدة تحت حكم مبارك سيكون لها الحق مجددا في القاء القبض على الناس “لمجرد أن هيئتهم تبدو مريبة” وهو ما يقوض جهود اصلاح قوات الشرطة وجعلها أكثر فعالية واحتراما.
وأضافت معلقة على اعلان حالة الطواريء “الاعتقاد بأن قانون الطواريء سيساعد على إحلال الأمن رد فعل تلقائي… إنه يعطي وزارة الداخلية صلاحيات واسعة تنتهي بمزيد من الانتهاكات وهو ما يثير بدوره مزيدا من الغضب.”