قبل ساعات من افتتاح طاولة الحوار الوطني في قصر بعبدا، أعلن رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أن “تسلح المقاومة حق وواجب مشروع اقرته وكفلته كل الشرائع والمواثيق”. وقال ان “من يحاول مصادرة هذا الحق تحت أي عنوان أو ذريعة انما يمارس فعل الارهاب ويوفر الدعم للارهاب الذي يمثله الكيان الصهيوني”. وقد نسي النائب الكريم أن حزبه مارس “الإرهاب” بعمليات خطف الديبلوماسيين والرعايا الأجانب لـ”موازرة” المشروع السوري الرامي إلى إسقاط لبنان من الخريطة الدولية، و”توّج” عملياته الإرهابية باحتلال عاصمة بلاده في 7 أيار 2008!
كذلك صرح مسؤول العلاقات الدولية في “حزب الله” نواف الموسوي: “اننا متمسكون اليوم اكثر من اي وقت مضى باستمرار سلاح المقاومة وتعزيزه، بل اننا نعمل على الاستيعاب التدريجي للقوى السياسية في اطار المقاومة”.
“… (على طريقة إٍستيعاب العونيين في حزب الله!)
وتحدث مسؤول منطقة الجنوب في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق عن “معادلة جديدة بعد ما حدث في غزة”، وقال: “لن يكون البحث في الحوار حول نزع السلاح بل سيكون حول تعميم استراتيجية المقاومة على جميع اللبنانيين وعلى جميع دول المنطقة”.
“مشكلة” الحزب أنه بات الورقة الإيرانية الوحيدة بعد ” سحب ورقة غزة من أيدي النظام الإيراني!
*
أبرز النقاط في مذكرة النائب بطرس حرب حول الاستراتيجية الدفاعية:
* لإقرار استراتيجية دفاعية رسمية تلتزم معها الدولة الدفاع عن لبنان
وتحرير ما تبقى من أرض محتلة وعدم الانجرار الى صراعات إقليمية
* يجب تنفيذ القرار 1701 واستكمال تحرير المزارع وتلال كفرشوبا ديبلوماسيا
والاحتفاظ بحق تحريرها بكل الوسائل الملائمة عند فشل الديبلوماسية
* لإنشاء حرس وطني تابع للجيش لحماية الحدود وفتح باب التطوع لعناصر المقاومة
وحل الجناح العسكري في “حزب الله” وغيره من التنظيمات المسلحة
* تسليم أسلحة “حزب الله” الى الجيش وفق خطة زمنية وبرنامج محدد
واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لحماية كوادره وقياداته
* للطلب الى سوريا بالموافقة الخطية على لبنانية مزارع شبعا
وترسيم الحدود وإقفال المخيمات الفلسطينية التابعة لها
* البدء الفوري بتطبيق مقررات الحوار وإعلان حياد لبنان الإيجابي
وإقرار التعديل الدستوري المقدم من النواب لمنع التوطين
وطنية – 26/1/2009 ( سياسة ) قدم النائب بطرس حرب مذكرته حول الاستراتيجية الدفاعية، الى المتحاورين في قصر بعبدا، وجاء فيها:
“في جو المخاطر العديدة التي تهدد لبنان، المتمثلة بالاعتداءات الإسرائيلية والإرهاب وانتشار السلاح الفلسطيني وقيام دويلات مسلحة ضمن الدولة اللبنانية، يتعرض لبنان لخطر التدمير والسقوط وتبرز الحاجة إلى التوافق لحماية الوطن والدولة لتفادي تحول لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ولا سيما في ظل المحاولات المستمرة من قبل بعض دول الجوار للسيطرة على القرار الوطني اللبناني.
غير أنه من المؤسف أن اللبنانيين، وإن اتفقوا على وجوب التصدي للاعتداءات الإسرائيلية ومواجهة الإرهاب وجمع السلاح الفلسطيني والتمسك بالوحدة الوطنية، فهم مختلفون على كيفية مواجهة هذه المخاطر، وعلى جدوى بقاء السلاح في يد بعض اللبنانيين خارج إطار الجيش والشرعية، وعلى رؤيتهم لكيفية حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية وإمكانية تحول لبنان الى ساحة حرب تخاض فيها كل الصراعات الإقليمية والدولية، كما هم مختلفون على نظرتهم الى دور دول المنطقة في السياسة اللبنانية وانعكاسه على سيادة لبنان.
إن هذا الخلاف، إذا ما استمر، قد يؤدي الى انفجار الوضع الداخلي، وبالتالي الى سقوط وحدة الدولة والوطن، ولنا في تاريخنا القديم والحديث تجارب مرة لا نزال نعاني من آثارها حتى اليوم.
إن ما يزيد الخوف على مصير لبنان أن بعض الطروحات يتجاهل انعكاس استمرار الواقع الحالي على مستقبل الدولة، أو، ربما، يعتبر أن صيغة الدولة القائمة لم تعد تلائم توجهاته وطموحاته، فيقدم طروحات تطيح بمرتكزات الدولة الأساسية، وتعرض البلاد الى حرب أهلية معروفة النتائج سلفا، ومنها سقوط الدولة الواحدة الموحدة وقذف البلاد نحو المجهول والمغامرة القاتلة. ومن هنا الحاجة الى حوار هادئ وموضوعي يوفق بين الطروحات المتناقضة”.
أضافت المذكرة: “ان الحوار القائم حول الاستراتيجية الدفاعية ينطلق من نظريتين مختلفتين كليا:
النظرية الأولى: يشترك في طرحها “حزب الله” والعماد ميشال عون، ف”حزب الله” يعتبر ان الديموقراطية تسمح بقيام هامش بين الدولة والشعب يسمح للشعب بحرية التصرف خارج إطار الدولة وسيطرتها وتوجيهها من دون أن تتعرض الدولة ومرافقها لردود فعل العدو، ولا سيما أن الجيش اللبناني غير قادر على مواجهة الجيش الإسرائيلي لأن ليس لدينا إمكانات مالية لتجهيزه ولأنه جيش نظامي كلاسيكي تستطيع إسرائيل “مسحه” خلال ساعات (كما ذهب إليه الأمين العام ل”حزب الله”).
كما يعتبر أن المقاومة قد أثبتت قوتها، ودفعت إسرائيل إلى الانسحاب بالنظر لمميزات خاصة تتمتع بها تسمح لها بالتوازن مع القوة العسكرية الإسرائيلية، ولا سيما مع وجود الصواريخ التي تستطيع أن تطال إسرائيل وشعبها. ومن هنا نجاح نظرية توازن الخوف والضرر.
والمطلوب التنسيق بين الجيش والمقاومة على أن تبقى الإمرة للمقاومة، وأن تبقى المقاومة ممسكة بزمام المبادرة بعد أن تبين أن نهج المقاومة المسلحة يشكل الخيار الاستراتيجي الناجح لمواجهة إسرائيل وحماية لبنان.
وقد لاقى العماد عون طرح “حزب الله” بنظرية اعتماد استراتيجية تعتمد على مركزية القرار ولا مركزية التنفيذ، من دون أن يحدد الهيئة التي يعود لها اتخاذ القرار المركزي أو الهيئات التي تنفذ.
وقد لفت في طرحه الى التوازنات الاجتماعية والدينية التي تجعل من لبنان قويا في وحدته الوطنية ضعيفا في غيابها، لأن غياب الوحدة الوطنية هو مصدر نزاع يستدرج السلاح الى الداخل، وبدل أن يكون للدفاع يتحول أداة للاقتتال.
وقد حصر العماد عون الأخطار الخارجية في الأطماع الإسرائيلية ومحاولتها نزع سلاح المقاومة للسيطرة على القرار اللبناني ورفضها لعودة الفلسطينيين والتوطين. وقد رفض مقارنة سلاح الميليشيات بسلاح المقاومة المنضبط والمعد لمواجهة إسرائيل، ودعا إلى المحافظة عليه وتعميمه على كل الأراضي اللبنانية.
وقد طرح لمواجهة إسرائيل قيام قوتين من الجيش والمقاومة، واعتماد أسلوب القتال بوحدات صغيرة تستطيع التخفي والاحتماء، بالإضافة إلى تكوين جهاز دفاع جوي حديث، كما طرح أن تغطي المقاومة كل الأراضي اللبنانية، فتنشأ في كل قرية مقاومة مسلحة مدربة ومؤهلة للدفاع عن كل لبنان، ولا سيما لمواجهة عمليات الإنزال التي يقوم بها العدو. ولم يقترن طرحه هذا بأي تفصيل حول كيفية عمل هذه المقاومات المحلية وحول حق الإمرة عليها، وحول استقلالها عن القوى الشرعية وانعكاس ذلك على السلم الأهلي ووحدة الدولة.
بالإضافة الى ذلك، وبعد أحداث غزة المؤلمة، والمجازر الوحشية، التي ارتكبها العدو الإسرائيلي، اعتبر “حزب الله” أن أحداث غزة أثبتت صحة استراتيجية المقاومة، وأنه لم يعد من جدوى في استمرار الحوار، وأنه يقتضي القبول بطرح الحزب وباستراتيجيته الدفاعية.
أما النظرية الثانية، فيشترك في طرحها الأحزاب والقوى السياسية المنضوية في تجمع قوى الرابع عشر من آذار، وهي تقوم على رفض طرح “حزب الله” والعماد عون، معتبرة أن مهمة المقاومة في الدفاع عن الجنوب بعد تحريره قد انتهت، ولا سيما بعد أن أصبحت المقاومة تذكيرية، وأنه لا يجوز تحويل لبنان الى ساحة للصراعات الدولية يبقى لبنان معها الساحة الوحيدة لمواجهة إسرائيل.
وأنه يجب العودة الى اتفاق الطائف واتفاقية الهدنة وتقوية الجيش، وأنه لا يجوز إبقاء القرار التكتي في يد المقاومة لأنه يعرض وحدة الدولة والكيان لمخاطر متعددة. وأنه لا يجوز تحميل الدولة نتائج قرارات لم تتخذها، أو تحميل الشعب نتائج أعمال لا تقع في إطار مسؤولية الدولة.
كما وأن إبقاء الحال على ما هي عليه يؤسس لقيام دولة ضمن الدولة، ومن هنا عدم جواز تخلي الدولة عن وظيفتها السيادية في الدفاع عن حدود لبنان، أو قبولها شراكة في هذه الوظيفة في ظل توازنات المجتمع الدقيقة والمعقدة.
واعتبرت أن كل طرح يجب أن يحترم وثيقة الوفاق الوطني، ويمنع استخدام لبنان ساحة لأهداف تتعدى السياسة المرسومة لحماية الأرض، ووجوب العودة الى اتفاقية الهدنة، وطلب ضمانات دولية، وتعزيز وجود قوات الطوارئ الدولية.
بالإضافة إلى رفض قيام أي طرف لبناني بنسج أحلاف إقليمية، والالتزام بالدفاع عن حدود لبنان وعدم الذهاب بالخيارات أبعد من ذلك.
ويتمسك أصحاب هذه النظرية:
– بتطبيق قرارات الحوار الوطني.
– بقيام حملة ديبلوماسية واسعة لاستعادة مزارع شبعا.
– باعتبار الدفاع من مسؤولية الدولة، واعتبار كل سلاح خارجها غير شرعي، ووجوب انتشار الجيش حتى الحدود الدولية.
– بتطوير وسائل الجيش لمقاومة كل اعتداء ولحماية السيادة.
– بإيجاد حل للوحدات القتالية للمقاومة واستيعاب وحدات الصواريخ في الجيش والتزام حماية كوادر المقاومة.
وقد اعتبرت هذه القوى أن أحداث غزة، وما خلفته من ضحايا ودمار، في جو الانقسام الفلسطيني، جاءت لتؤكد أولوية الوحدة الوطنية في مقاومة العدو الإسرائيلي والحاجة الى أن يكون الموقف الموحد مصدر القرارات الوطنية التي يرتبط بها مصير الشعب”.
تابعت المذكرة “ملاحظة أولية لا بد منها:
إن طرح موضوع سلاح “حزب الله” على بساط البحث الموضوعي يشكل أمرا بالغ الأهمية على الصعيد الوطني لا يجوز ولوجه إلا لدوافع وطنية تتجاوز الاعتبارات الشخصية والحزبية والطائفية. وكل نقاش حول جدواه أو عدمه لا يمكن أن يتجاهل التضحيات التي بذلها عناصر المقاومة وقادتها في سبيل تحرير الأرض، وهي تضحيات تحتل موقعا كبيرا من الاحترام والتقدير في قلوب كل الأطراف السياسية.
غير أن تضارب الموقفين يجعل أي حوار عقيما، ما يدعونا الى السعي الى التوافق على حل ينطلق من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدول السيدة الديموقراطية المصممة على حماية أراضيها وسيادتها من دون تعريض كيانها لمخاطر تهدد وجودها ومستقبلها.
ومن هذا المنطلق، اعتبر من الواجب التذكير بهذه المبادئ والمخاطر لننطلق منها لتوحيد الموقف اللبناني حول الاستراتيجية الدفاعية الواجب اعتمادها. فكل اتفاق يقوم على أنقاض المبادئ التي بنيت عليها الدولة اللبنانية سيؤدي حتما الى تحطيم هذه الدولة والى ضرب الوفاق الوطني.
أولا: في أهداف مقاومة الاحتلال
إن استعداد اللبنانيين للشهادة في سبيل استعادة الأرض المحتلة أو في الدفاع عن الأرض ليس مبنيا على قيمة الأرض المادية بل على ارتباطها بالكيان الوطني وبسيادة الدولة. ومتى سقط هذا الاعتبار تختلف النظرة كليا الى مفهوم الشهادة والتضحية، وتتحول الى قتال على ملكية ذات قيمة مادية زائلة.
إن أفراد الجيش اللبناني، وأعضاء المقاومة الشعبية الذين استشهدوا، سقطوا دفاعا عن أرض الوطن وسيادة الدولة، وليس لاسترداد ملكية عقارية أو مساحة جغرافية.
من هذا المنطلق يجب التذكير بثابتة لا يجوز الاختلاف عليها وهي، أن الوطن والدولة يقومان على وحدة الشعب وعلى رغبته في العيش المشترك، تجمعه أهداف مشتركة على أرض واحدة. ومتى سقطت الوحدة يسقط الوطن والدولة، وتزول صفة الشهادة عن من يموتون دفاعا عن الأرض. فانقسام اللبنانيين حول استراتيجية دفاعية واحدة سيؤدي حتما الى الاختلاف الداخلي والى سقوط الدولة الواحدة الموحدة التي تعطي للأرض قيمتها المعنوية والوطنية التي تبرر الاستشهاد والتضحية.
فالمقاومة لا يجوز أن تكون هدفا بحد ذاتها، بل يجب أن تكون وسيلة لتحرير أرض الوطن أو للدفاع عنها، وهذا ما يجب العمل على تحقيقه معا موحدين، تجمعنا نظرة واحدة لكيفية مواجهة أعداء لبنان، وإرادة ثابتة في الحياة معا في ظل نظام سياسي ديموقراطي تعددي ارتضيناه. وكل ما عدا ذلك ضرب لمقومات الوطن وتشويه لأهداف مقاومة الأخطار التي تحدق بلبنان.
ثانيا: في أن حرية القرار السياسي والعسكري للمقاومة يهدد سلامة الشعب اللبناني ودولته
ليس صحيحا أن النظام الديموقراطي يخلق هامشا بين الدولة والشعب يبقي له حرية التصرف خارج سيطرة وتوجيه الدولة (كما ذهب إليه الأمين العام ل”حزب الله”).
إن هذه النظرية تشكل خروجا على أبسط مبادئ قيام الدول، وعلى القواعد التي ترعى العيش المشترك التي يقوم عليها نظامنا الديموقراطي التوافقي. فالهامش الذي تسمح به الديموقراطية يقتصر على حق المواطنين في الاعتراض على سياسة الدولة وعلى حرية انتقادها، إلا أنه لا يسمح للمواطنين بالخروج على الدستور والميثاق الوطني وعلى القوانين، ولا يسمح لهم بضرب التزامات الدولة الدولية، وإلا لكانت الديموقراطية موازية للفوضى ومولدة للحروب الأهلية والثورات، ولا سيما إذا كان الهامش المذكور يتضمن حق إنشاء تنظيمات عسكرية مسلحة خارج إطار الدول، تنظيمات قادرة على فرض قراراتها على الدولة، وعلى تحميلها نتائج هذه القرارات، مما يؤدي الى تقويض الدولة وتعطيل قراراتها والإخلال بالنظام العام، ولا سيما متى كانت هذه التنظيمات ممولة من غير الدولة اللبنانية.
أكثر من ذلك، إن هذه النظرية المستغربة مرفوضة كليا، ولا يمكن أن تصح بنظر العالم والقانون الدولي والدول الصديقة والشقيقة، وهي بالتالي لا تبرر بقاء أي سلاح خارج الشرعية، ولا تجيز منح أي فئة مسلحة حرية الإمرة والقرار العسكري، وهي نظرية لا تقنع أحدا، مما يعرض الشعب اللبناني بأسره الى الأخطار، ويعرض مرافق الدولة للتدمير، وقد أثبتت تجارب الماضي ذلك، لأن إسرائيل لم توفر العمق اللبناني في حرب تموز 2006، بل طالت اعتداءاتها الشعب والجيش وكل الأراضي اللبنانية.
ومن ناحية أخرى، إن القول بأن الجيش اللبناني ضعيف وهو كلاسيكي ونظامي “تستطيع إسرائيل أن تمسحه خلال ساعات”، وهو ما يوجب المحافظة على المقاومة للدفاع عن لبنان، فهو قول يؤدي الى إضعاف الجيش الشرعي الذي يحوز على ثقة كل اللبنانيين، وهو إسقاط لدوره ولمسؤولياته وضرب لمعنوياته ولكل أمل في تطويره وتعزيزه للقيام بدوره الوطني، وهو دعوة مبطنة لإهماله واستمراره على ضعفه، كما هو طلب لإبقاء المقاومة، التي لا تمثل كل اللبنانيين، بل تثير لدى قسم كبير منهم الريبة والخوف.
ثالثا: في أن الإبقاء على سلاح المقاومة خارج الشرعية يعرض الوحدة الوطنية للسقوط
يقوم لبنان على توافق مختلف طوائفه وأحزابه على العيش معا بسلام في إطار دولة قانون، وفي ظل نظام ديموقراطي توافقي تعود صلاحية اتخاذ القرارات المتعلقة بالشأن الوطني العام ورسم سياسة البلاد الى مؤسساته الدستورية المنبثقة عن الإرادة الشعبية الجامعة، وكل خروج على هذه المبادئ يطيح بالدولة وبوحدة أبنائها ويعرض العيش المشترك للأخطار.
فما من عيش مشترك كريم حر في ظل تفرد فئة من اللبنانيين بالقرار ومصادرة دور السلطة الشرعية والحلول محلها في اتخاذ للقرارات الوطنية وفرضها على اللبنانيين. وليس من طمأنينة إذا ما تسلح فريق من اللبنانيين خارج إطار القوات الشرعية اللبنانية، ولا مفر من انتشار موجة التسلح والتدريب لدى الأحزاب والطوائف، كردة فعل على تسلح فريق معين، وخوفا من اختلال التوازنات السياسية والطائفية والمذهبية. فالسلاح خارج الشرعية يخلق الهواجس والمخاوف لدى غير المسلحين، ويضطرهم بدافع الصراع على البقاء الى التسلح المقابل، وهو ما يحول لبنان الى مجتمع ميليشياوي تسوده شريعة الغاب والعنف والإقتتال، وهو ما يعرض الحياة المشتركة للسقوط.
إن خروج أي حزب أو فريق على الشرعية، واتخاذه قرارات تنعكس على الشعب اللبناني، يشكل خروجا على الدولة الواحدة الموحدة ونشوءا لدول ضمن الدولة وعلى حسابها.
فالخيار الوحيد المتاح للشعب اللبناني للمحافظة على وحدة لبنان هي الوحدة الوطنية واحترام مبادئ النظام السياسي وقواعد الوفاق الوطني والعيش المشترك.
رابعا: في أن الإبقاء على سلاح “حزب الله” سيؤدي الى انتشار السلاح ويعزز الإرهاب والفلتان الأمني
إن استمرار وجود السلاح خارج إطار الشرعية في ظل التوترات الطائفية والمذهبية القائمة في العالم والمنطقة والمنعكسة على الداخل اللبناني، وفي ظل الصراعات الإقليمية قد دفع الكثيرين في لبنان الى التسلح الفردي والى إعادة طرح إنشاء تنظيمات عسكرية في وجه التنظيمات الطائفية القائمة، وهو ما يشكل كابوسا مرعبا دفع اللبنانيون ثمنه غاليا في الماضي القريب.
وقد يكون تساؤل الأمين العام ل”حزب الله” حول إشكالية وجود سلاح المقاومة في يد طائفة واحدة، وهو تساؤل جدي وعميق، وقد بقي من دون جواب، بالإضافة الى دعوة العماد عون الى تعميم المقاومة على كل الأراضي اللبنانية، يدلل على أهمية المسألة وخطورتها وانعكاسها على الوحدة الوطنية، ما يحتم علينا التساؤل حول جدية تعميم السلاح على كل اللبنانيين في كل القرى والبلدات وتدريبهم وتأهيلهم للقتال، وحول كيفية ضبط هذا السلاح، الذي يفترض أن يتساوى مع سلاح “حزب الله”، لجهة حرية قراره واستقلاله ووجهة استعماله إذا لم يكن خاضعا للجيش اللبناني، وإمكانية تحوله من سلاح للتحرير وللدفاع عن أرض لبنان الى أداة للاقتتال الداخلي، كما ذهب إليه العماد عون في طرحه من دون تقديم الجواب الشافي عليه.
ناهيك عن أن بقاء سلاح “حزب الله”، مع، أو من دون تعميمه على كل الأراضي اللبنانية، وحاجات تحرك المقاومة، يحتم تنقل السلاح في المناطق اللبنانية بحرية وسرية خارج إطار رقابة الأجهزة الأمنية، يسمح للارهاب من جهة، وللمجرمين وللمخابرات بجنسياتها المتعددة من جهة أخرى، الاستفادة من هذا الواقع للتنقل بسلاحها وزرع الفتنة بحرية وسهولة تعجز أجهزة الدولة عن ضبطه، ولنا في نصب الصواريخ في الجنوب وإطلاقها خلال حرب إسرائيل على غزة أكبر دليل على ذلك. فكيف يمكن مطالبة الدولة بضبط الأمن، والسلاح يفوق عدد المواطنين؟ وكيف يمكن لأجهزة المخابرات الشرعية من تفعيل شبكاتها الأمنية في وقت تستدعي سرية عمل المقاومة إقامة جزر أمنية لا تستطيع الدولة دخولها خوفا من اختراقها؟
إن الإبقاء على سلاح “حزب الله” خارج إطار الشرعية سيؤدي حتما الى عجز الدولة على ضبط الأمن، وبالتالي سيعزز الفلتان الأمني الذي يسهل الجريمة والاغتيالات والإرهاب والتفجير، كما سيسمح للكثيرين جر لبنان الى مواجهات لا يريدها الشعب ولا الدولة اللبنانية.
إن انتشار السلاح بين أيادي المواطنين والأحزاب، يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة، قنبلة قادرة على ضرب الأمن وسقوط الدولة والعودة الى الاقتتال الداخلي، وسيؤدي بالتالي الى تحول السلاح من مواجهة إسرائيل الى أداة للاقتتال الداخلي. ولا مجال بنظرنا لتفادي هذا الأمر إلا بالعودة الى الدولة وحصر السلاح بالجيش وقوى الأمن، لأننا، بذلك، نفسح في المجال أمام القوى الأمنية والعسكرية لضبط الأرض اللبنانية بكاملها، ومنع تسلل شبكات الإرهاب والتخريب ونشوء الأحزاب والميليشيات المسلحة.
خامسا: في زوال أسباب استمرار المقاومة
إن الأسباب التي أدت الى قيام المقاومات عبر التاريخ انحصرت في حالات سقوط الدول أو احتلالها من قبل عدو وقيام حكومات فرضها العدو المحتل لأرض هذه الدول.
إن الأسباب التي أدت إلى بروز المقاومة في لبنان عام 1982 هي احتلال العدو الإسرائيلي لأرض لبنان وسقوط القرار الوطني للدولة وانقسام الحكومة. وقد استمرت المقاومة بسبب انكفاء الدولة، التي كانت خاضعة للوصاية السورية المرتبطة بالمعادلات الإقليمية وبرغبة سوريا في تفادي المواجهة المباشرة مع إسرائيل. وقد نجحت المقاومة في دفع العدو الإسرائيلي الى الانسحاب من جنوب لبنان المحتل، بحيث لم يبق من الأراضي اللبنانية تحت الإحتلال إلا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، التي قام الجدل حول هويتها، والذي لم يحسم حتى اليوم بنظر القانون الدولي، وهي المزارع التي لا تزال سوريا ممتنعة عن تسهيل تحديدها وترسيم حدودها لتحميل المجتمع الدولي مسؤولية تحريرها.
يعتبر “حزب الله”، الذي شكل القوة الأساسية في المقاومة أن نجاحه في مواجهة إسرائيل تبرر استمراره مستقلا عن الدولة اللبنانية، حرا في قراراته في عملية المواجهة بالرغم من تبدل الظروف الدولية والإقليمية والوطنية.
فعلى الصعيد الدولي، صدر القرار 1701 الذي نص على نشر 15 ألف جندي من قوات الطوارئ الدولية الى جانب الجيش اللبناني لحماية لبنان ومساعدة جيشه على بسط سيادته حتى الحدود الدولية، والعودة الى إتفاقية الهدنة وتحرير كامل أرضه وترسيم الحدود في مزارع شبعا لاستعادة الأرض التي تثبت لبنانيتها الى الدولة اللبنانية. وهو ما أبعد فصائل “حزب الله” المقاومة عن الحدود رسميا، وحد من قدرة إسرائيل على الاعتداء العسكري على جنوب لبنان، باستثناء حركة الطيران الاستطلاعي.
أما على الصعيد الإقليمي فلقد اتخذ الوجود العسكري ل”حزب الله”، مع ترسانة الأسلحة والصواريخ الضخمة التي تضمه، بعدا إقليميا خطيرا يجعل من لبنان ساحة المواجهة الوحيدة مع إسرائيل، هذا في الوقت الذي اجتمع العرب، كل العرب، في بيروت وأعلنوا مبادرة عربية لتحقيق السلام مع إسرائيل، وفي وقت تقوم الدول الأكثر راديكالية بمحادثات سلام مع العدو الإسرائيلي.
ولا بد لفهم خطورة الوضع من التذكير بالتزام “حزب الله” بمرجعية الفقيه، الممثلة بمرشد الثورة الإيرانية، التي تعلن للملأ وجوب تدمير دولة إسرائيل، خلافا لما التزم به لبنان في إطار المبادرة العربية.
أما على الصعيد الداخلي، فلقد أجمع اللبنانيون على اعتماد سياسة مواجهة أي اعتداء تقوم به إسرائيل والتصميم على تحرير ما تبقى من الأرض المحتلة، وهي سياسة تتحمل فيها الدولة اللبنانية بقواها العسكرية والسياسية المسؤولية الكاملة.
بالإضافة إلى أن الدولة قد عادت إلى ممارسة دورها ومسؤوليتها عن الشعب اللبناني، بوصفها ممثلة عن هذا الشعب، ومسؤولة عن مصيره وحمايته وأمنه، وهو ما يسقط بشكل جذري الأسباب التي بررت قيام المقاومة واستمرارها.
إن الدولة اللبنانية، الممثلة لكل شعب لبنان، أصبحت دولة مقاومة بكل طاقاتها وقدراتها، وقد سقط لجيشها الشهداء الأبرار في المواجهات السابقة، ولم يعد من حاجة لكي يقوم مقامها أي حزب أو مقاومة، ما يستدعي حل المقاومة الشعبية وإفساح المجال أمام من يريد متابعة النضال ضد العدو الإسرائيلي الالتحاق بمؤسسات الدولة العسكرية ليؤدي دوره الوطني.
إن استمرار المقاومة خارج إطار الدولة يتناقض وكل الأعراف، ويقوم على حساب الدولة المنبثقة عن الإرادة الشعبية، ويضعف الدولة ويسقط صدقيتها تجاه المجتمع الدولي، ويعطل دورها في القيام بالموجبات الملقاة عليها.
كما وان استمرار المقاومة خارج إطار الدولة ليس موضع إجماع أو توافق بين اللبنانيين، ما يحولها من أداة للتحرير الى سبب للنزاعات الداخلية وانفراط الوحدة الوطنية. وهو ما يسقط كل المكاسب الوطنية ويعرض لبنان لخطر الإنهيار.
فلو كان الإنقسام حول نظرة اللبنانيين الى العدو، وحول السياسة الدفاعية للدولة، وحول وجوب التصدي لاعتداءاته أو عدمه ، بين داع للمقاومة وداع للاستسلام، لا يزال قائما، قد يفهم البعض تمسك “حزب الله” بسلاحه وبحرية قراره. أما وقد أجمع اللبنانيون على اعتماد سياسة دفاعية تجعل من الدولة اللبنانية دولة مقاومة تقوم بواجبها في التصدي لكل اعتداء وفي تحرير الأرض المحتلة، فلا مبرر إطلاقا لتمسك قسم من اللبنانيين بالمطالبة باستمرار المقاومة خارج إطار الدولة، ولا سيما أن ذلك لن يحقق الأهداف المعلنة، بل سيؤدي الى نتائج عكسية.
سادسا: في المقترحات
لما كانت الخيارات المطلوب اعتمادها حول طاولة الحوار هذه محصورة في الاتفاق على المبادئ السياسية التي تقوم عليها الاستراتيجية الدفاعية من دون التدخل في العمل العسكري وتفاصيله، والتي تعود صلاحيته الى الأجهزة العسكرية والى قيادة الجيش، فإنني أقترح اعتماد التوجهات الآتية:
– إقرار استراتيجية دفاعية رسمية تلتزم معها الدولة القيام بواجباتها في الدفاع عن لبنان وسيادته، وتحرير ما تبقى من الأرض اللبنانية المحتلة، وحصر مسؤولية الدفاع عن لبنان بالدولة اللبنانية، وعدم الإنجرار الى الصراعات الإقليمية أو الإنفراد بأحلاف تتجاوز حدود الأرض اللبنانية وسيادة لبنان.
– العمل على تنفيذ القرار الدولي رقم 1701 بكل مندرجاته، ولا سيما استكمال تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بالوسائل الديبلوماسية، والاحتفاظ بحق تحريرها بكل الوسائل الملائمة عند فشل الديبلوماسية.
– الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف، ولا سيما العودة الى اتفاقية الهدنة وبسط سلطة الجيش اللبناني حتى الحدود المعترف بها دوليا.
– تعزيز الجيش اللبناني بكل الإمكانات المتاحة لكي يتمكن من القيام بدوره الوطني، وذلك بإيلاء حاجاته الأولوية من اعتمادات الدولة، والقيام بحملة واسعة لدى الدول الصديقة والشقيقة لتقديم المساعدة والتجهيزات اللازمة للجيش، إسوة بما قام به الاتحاد الروسي، وبما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الشقيقة والصديقة مشكورين.
– إعتماد أساليب متطورة تسمح للجيش بمواجهة العدو بوحدات قتالية مدربة ومؤهلة تسمح له بالنجاح في القيام بمهامه الدفاعية.
– إنشاء حرس وطني لحماية الحدود اللبنانية تابع للجيش اللبناني، وتحت قيادته المباشرة، وفتح باب التطوع لعناصر المقاومة للانخراط فيه كل في قريته وأرضه، وحل الجناح العسكري في “حزب الله” وغيره من التنظيمات المسلحة.
– تسليم أسلحة “حزب الله” وصواريخه الى الجيش اللبناني وفق خطة زمنية وبرنامج محدد معقول.
– إتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لحماية كوادر وقيادات “حزب الله”.
– تعزيز الضمانات الدولية لحماية لبنان.
– مطالبة سوريا بالموافقة الخطية على لبنانية مزارع شبعا والموافقة على ترسيم الحدود، الآن من دون انتظار حل القضية الفلسطينية ومطالبة إسرائيل بالانسحاب منها وإعادتها الى السيادة اللبنانية.
– البدء الفوري بتطبيق مقررات الحوار الوطني، ولا سيما جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها والطلب الى سوريا إقفال المخيمات الفلسطينية التابعة لها.
– إقرار التعديل الدستوري المقدم من النواب والذي يمنع التوطين أو التنازل عن أي قسم من الأراضي اللبنانية إلا بالإجماع، وهو ما يسقط خطر التوطين الفلسطيني في لبنان.
– الإبتعاد عن صراع المحاور الإقليمية أو الدولية وإعلان حياد لبنان الإيجابي والسعي لضمانه دوليا.
– إلتزام الأطراف السياسية اللبنانية كافة بالعمل على تنفيذ هذه المقترحات، بما يوفر الطمأنينة لكل فئات الشعب اللبناني، وبما يحصن الوحدة الوطنية ويحمي السيادة الوطنية ويعزز دور الدولة السيدة الديموقراطية الحاضنة لكل أبنائها”.