كان العام 2011 عام نحس على الحكّام العرب. سقط فيه أربعة منهم، والخامس يتأرجح الآن في دمشق. وربما نشهد في العام الحالي سقوط آخرين، أرجو أن يكون حاكم الخرطوم على رأسهم. والعام نفسه عام سعد بالنسبة للشعوب العربية التي أسقطت مَنْ ذكرنا، وألقت الرعب في قلوب الآخرين. لم تسلم دولة عربية في هذا العام من مظاهر احتجاج ومعارضة متفاوتة الحدة والحدود والأبعاد.
بيد أن ما سبق لا يختزل الصورة كلها. يمكن الكلام عن العام 2011 باعتباره نهاية لمرحلة في التاريخ العربي وبداية لمرحلة جديدة. في هذا العام انتهى النظام العربي المولود بعد هزيمة العام 1967. وهي المرحلة التي أسميتُها في معالجات سابقة بالحقبة السعودية. أما المرحلة الجديدة فما تزال في طور القراءة والتمحيص، وهي على الأرجح مرحلة انتقالية.
تشهد المرحلة الانتقالية صعوداً للإسلاميين. وقد أثار صعودهم الكثير من الآمال لدى أنصارهم، والكثير من المخاوف في أوساط ليبرالية وعلمانية في العالم العربي وخارجه. المخاوف مبررة ومفهومة، لكن الذهاب بعيداً في التحفظ إزاء ما حدث ويحدث ناجم عن الفشل في فهم معنى ومبنى ثورات العام 2011.
وإذا شئنا فهم معنى ومبنى تلك الثورات بطريقة مقارنة فلن نجد أفضل من ثورات العام 1848 في أوروبا. هُزمت كل تلك الثورات في فترة قياسية، بل وارتد بعضها بطريقة مُفزعة، ولكنها زرعت بذور الدساتير والحريات السائدة في أوروبا في الوقت الحاضر.
لنفكر في المرحلة الانتقالية بطريقة أخرى: الأخوان المسلمون في مصر دخلوا في حوار مع الأميركيين، وأرسلوا باعتراف وزيرة الخارجية الأميركية تطمينات لا يحتاج أحد لمهارة إضافية في فهمها على خلفية معاهدة السلام مع إسرائيل، والعلاقات الأميركية ـ المصرية.
وهذا الفعل، بالمعنى السياسي، عين العقل من جانب جماعة تتصرّف الآن بطريقة مغايرة لما كانت عليه في المعارضة. لكن عين العقل يقود إلى مشكلة مع الشعار والأنصار. الشعار الذي يفترض بأن الأيديولوجيا المعلنة للجماعة قادرة على تقديم حلول عملية لمشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية. والأنصار، الذين التفوا حولها على أمل المدينة الفاضلة.
ليس من السابق لأوانه القول إن الحلول العملية تستدعي مرونة الشعار، الذي إذا لم يمل مع الريح انكسر. والمدينة الفاضلة تحرّض على الشقاق والانشقاق إذا كشفت ضرورات السياسة حدود ومحدودية الشعار. عندئذ، نعود إلى تجربة البعث الذي صعد باسم الوحدة العربية، وأسهم أكثر من غيره في تبديدها.
بعبارة أخرى، يقول الإسلاميون: الاشتراكية والقومية فشلتا وجاء الآن دورنا. وعلى الرغم من حقيقة أن هذا الكلام غير صحيح، لا بأس. لو لم يقم العسكر في الجزائر بالانقلاب على نتائج الانتخابات في مطلع التسعينيات لكنّا، اليوم، في العالم العربي وبعد عقدين من تجربة الإسلاميين في الجزائر أمام واقع وأسئلة مغايرة. على أية حال، لا يمكن حرق المراحل التاريخية. ينبغي التشديد على فكرة كهذه، على الرغم من مجانيتها ومأساويتها، دون الوقوع في وهم الحتمية التاريخية.
بيد أن الكلام عن صعود الإسلاميين لا يستقيم دون تحليل الظروف الموضوعية التي أسهمت في تحويلهم إلى ظاهرة تحصد الأصوات في الانتخابات. وفي هذا الصدد، إذا شئنا الكلام بطريقة مجازية فلنقل إننا:
نحصد ما زرعه أنور السادات، ومصطفى محمود، والشيخ الشعراوي. افتتح هؤلاء زمن التلفزيون، وتمت إعادة إنتاجهم بأعداد لا تُحصى على مدار العقود الأربعة الماضية، خاصة بعدما اكتشف النفط كفاءة التلفزيون وفوائده السياسية والأيديولوجية والمالية. هؤلاء هم الفائزون الحقيقيون في الانتخابات. وبالقدر نفسه، نحصد، أيضاً، ما زرعته مناهج التعليم الحكومية، وشعبوية الديانة المدنية، لدولة ما بعد الاستقلال في العالم العربي، التي كانت خير حليف للإسلاميين.
انتقد إدوارد سعيد في وقت مضى السياسات التعليمية لدولة ما بعد الاستقلال العربية، وميولها القوموية، وإفراطها في ابتكار وتعزيز هويات جديدة متوّهمة في أغلب الأحيان.
ولن نفهم ما وصلنا إليه، وما تبرهن عليه صناديق الاقتراع، دون إعادة النظر في طريقة ابتكار وبناء الهويات في ظل نظام التعليم والإعلام المركزيين في دولة ما بعد الاستقلال. هنا يكمن أحد مفاتيح فهم ظاهرة الإسلام السياسي.
ركزّنا حتى الآن على دور النفط، وصعود أيديولوجيا مشيخات النفط التقليدية والمحافظة، وعلى نفوذ الثورة الإيرانية، ودور الأميركيين والغرب، ولكن السياسة التعليمية لدولة ما بعد الاستقلال في العالم العربي، وفي الحواضر على نحو خاص، لم تنل ما تستحق من نقد في هذا الجانب بالذات.
المهم ألا نكف عن طرح الأسئلة، فالثورات العربية بعد مرور عام على اندلاعها، تحرّض على طرح أسئلة جديدة. والمهم أيضاً أن العام 2011 كان وما يزال لحظة تاريخية نادرة وعلامة فارقة، وفي هذه وتلك ما يستحق المديح.
khaderhas1@hotmail.com
* كاتب فلسطيني – برلين
مديح العام 2011..!! عودتك أكثر من مره للمقارنه بين ما يتم في اقطار عربية وأوروبا 1848 وجهة نظر تحتاج للمراجعه. فالمقاييس مختلفه بدرجة كبيره. وبقوة تظهرايجابيةالنمط الأنتاجي وقوة اثر الأيديولوجيا وقتذاك معايير ثوريه قادرة على الحياه. فيماالان نجد برجماتية مقبولة من الأسلام السياسي بمعايير الأنتاج المشوة يعني سياسه يتراوح عمرها بعمر المراحل مما يضعف ركائزها. طبعا لا مناص من المراهنه على قوة زخمها الشعبية لتعطيها اطول عمر ولتكن تمهيدا لظروف افضل. وما بعد الانتخابات لا يمكن نسيان ان الطليعة من الشباب قدمت كل شيء فيما خسرت كل شيء في الأنتخابات . حتى في مثل هكذا ظروف انتاج تختل الترجمات التطبيقيه… قراءة المزيد ..