نص المداخلة التي تقدمت بها الى مركز سكايز (عيون سمير قصير) للدفاع عن الحريات الصحفية والثقافية في الشرق الأوسط بمناسبة قيام المركز بتنظيم مؤتمر صحفي تضامني مع معتقلي ” اعلان دمشق ”
بداية أتوجه بالشكر الى مركز”سكايز” للدفاع عن الحريات الصحفية والثقافية في الشرق الأوسط لكسره جدار الصمت غير آبه بسوط الجلاد وهو اذ يعلن تضامنه اليوم مع معتقلي ” اعلان دمشق ” عبر الكلمة فلأنه يحترم من قالها بصدق. ولأن الكلمة الصادقة يخافها الجلاد كان اغتيال سمير قصير الذي نشكر روحه الحاضرة اليوم بيننا والذي يرقبنا عبر عيونه فرحا بهذا المؤتمر التضامني . الكلمة إياها التي قتلته هي نفسها التي أدخلت رياض سيف وفداء حوراني ورفاقهما السجن .
اذن وكما يقول روائي عربي كبير: “المشروع الحقيقي للديكتاتورية هو انهاء الكلام . يجب أن يخلص الحكي كي يبدأ القمع، يجب ان تموت الكلمات علي الاقلام والافواه كي يسود الاستبداد.”.
فهل نصمت ؟
لا، ولن
دائما تنتصر الكلمة وينهزم الجلاد .
أعزائي الحضور سأقسم مداخلتي الى قسمين ، قسم سألقي فيه على مسامعكم مناظر وصور حقيقية لا فضل لي فيها *أبدا كل ما قمت به هو جمعها و التقاطها فقط. لا أحاول من خلالها استدرار عواطفكم أو شفقتكم أو دموعكم انما فقط لنذكر للعالم سوية ان الاستبداد يريد أن يثبت أن الانسان يتطور القهقرى من مخلوق كامل مصانة كرامته وحريته الى حشرة تدب على الأرض .
أما الجزء الثاني** فسأعرض فيه اعتبارا من العام 2000 وبشكل مختصر ومكثف بداية الطريق الذي أفضى بنا الى ” اعلان دمشق ” .
منظر عام:
بعد عام العام 2000 أجهض ربيع دمشق باعتقال أهم رموزه وناشطيه ومثقفيه .
اعلان دمشق بيروت – بيروت دمشق حوصر باعتقال عدد من أهم موقعيه في الجانب السوري .
اعلان دمشق اُستهدف باعتقال 12 من أهم قياديه حتى الان .
منظر رقم 1 :
عناصر من الشرطة يحيطون بسيدة جميلة ولطيفة ذات ابتسامة ساحرة اسمها فداء .
تقول رزان الناشطة الجريئة في مجال حقوق الانسان : ليست السيدات كثيرات في حراكنا العام السوري ، لكن الواحدة منهن تساوي قمرا وحقل نجوم .
منظر رقم 2 :
الصحفي والناشط علي العبدالله عرض بعد التحقيق معه على الطبيب الشرعي لاصابته في أذنه نتيجة التعذيب . تسأل زوجته وابنته ، لماذا هو في غرفة الطبيب ونجيب ، لتوقيع بعض الأوراق . تنسل الابنة بيننا ، تحاول استراق الحديث ، ثم تعرف ما جرى وتقول لا تخبروا أمي ، وأمها تقول ، لا تخبروا ابني ، والابن يتصل من غربته ، لا تخبروا أمي ، لن نخبر أحدا . أنتم أصدقائي كتابا وصحفيين (متوجها الى الحضور)أرجوكم أرجوكم اخبار الجميع .
منظر رقم 3 :
أحد عشر من المثقفين والصحفيين يساقون الى سيارة السجن الكبيرة الأشبه ببراد نقل الأطعمة ، الى جانب سجناء جنائيين اخرين ، قريب أحد هؤلاء السجناء الجنائيين كان يصرخ اتجاهه عبر الباب الخارجي المطل على شارع” النصر ” لا تخف أيام وتخرج من السجن (دبرت) اخلاء السبيل أصبح في جيبنا .
منظر رقم 4 :
يأتي دور سيارة سجن النساء ، تصعد السيدة الجميلة الى الباص مع زميلات السجن ! يندفع ابنها الشاب الوحيد ابن العشرين ربيعا فيعترضه عناصر الأمن .
منظر رقم 5 :
فجيعة الشاب لم تنته بأمه (فداء الحوراني) ففي تاريخ 28/2/2008 وبعد مضي الشهرين والنصف من إيداعها السجن، أقدمت دورية من شرطة حماه على توقيف الطبيب الفلسطيني غازي عليان من مكتبه في مشفى الحوراني وتم نقله مباشرة الى الحدود السورية الأردنية ، ثم ترحيله خارج سوريا على أساس صدور مذكرة رسمية بانهاء فوري لاقامته .
منظر رقم 6 :
تم وهن نفسية العائلة وتمزيق أواصرها ثم بعد ذلك اغلق مشفى الحوراني بأمر رسمي من السلطات المختصة .
منظر رقم 7 :
قبل وهن نفسية أسرة الحوراني وتمزيق وتقطيع أواصرها ، قبلها وقبلها الكثير الكثير تم وهن نفسية أسر وعائلات كثيرة .
منظر رقم 8 :
اقالة زوجة المعارض السوري أنور البني من وظيفتها اثر اعتقاله .
منظر رقم 9 :
يقول أكرم البني بعد خروجه من سجنه الأول ( هو سجين سابق لمدة سبعة عشر عاما) وقبل دخوله مجددا سجنه الثاني :
ربما من الصعب أن يتخيل من يعيش حياته بصورة طبيعية، ماذا يعني أن تنقطع عن أسرتك لسنوات وسنوات، وأن تترك طفلتك رضيعة، وتعود للعيش معها وقد أصبحت طالبة جامعية؟! هذا مثال بسيط مما حصل معي، وهناك، بلا شك، صور أكثر إرباكاً وألماً، كما هناك حالات أخرى، من المعتقلين، كانت معاناتهم أقسى وأشد وطأة، وعانوا الأمرين في إعادة تكيفهم واندماجهم مع المجتمع، وخاصة، أولئك الذين لم يسمح لأهلهم بزيارتهم، طيلة فترة اعتقالهم .
منظر رقم 10 :
أكرم البني ماركسي ، أحمد طعمة اسلامي تم انتخابهما أميني سر المجلس الوطني لاعلان دمشق، ومن المفارقات أنهما كانا في زنزانة واحدة لدى مخابرات أمن الدولة قبل احالتهما الى المحكمة .
ماذا يعني ذلك؟
نضج المعارضة أم نضج النظام؟
تقدم المعارضة وتراجع النظام أم العكس؟
قبلها ، قبلها منذ سنوات عديدة خلت، كان أكرم في تدمر مع رفاقه من رابطة العمل الشيوعي بالقرب منهم في زنزانة واحدة أو ربما الجدار على الجدار أو كما يقول المثل الشعبي ” الحايط عل حايط ” معتقلين من الجانب الاسلامي ؛ ربما يعيد التاريخ نفسه، لكن الحوار استمر، وها هو ينضج ليكون ” اعلان دمشق ” . فالى متى يصمون اذانهم عن القبول بالحوار ؟
منظر رقم 11 :
أحمد طعمة اسلامي يستلهم تجربة حزب العدالة والتنمية التركي. في محاضرة للمفكر السوري برهان غليون في منزل رياض سيف قبيل انعقاد المجلس الوطني لاعلان دمشق بعشرة أيام يقف أحمد طعمة ويقدم مداخلة يقول فيها بالحرف : عار على الاسلام حديثين ، حديث من بدل دينه فاقتلوه ، وحديث ، لا يفلح قوم ولوا أمرهم امراة .
لماذا أحمد طعمة في السجن ؟
أليس في وجوده خارجه ضمانة لوقف مد التكفير والتطرف .
منظر رقم 12:
يقول معتقل سابق وكان قد اعتقل لست سنوات على خلفية إسلامية، إنه لم ير والده المقيم في المنفى منذ تسع سنوات، لأنه ممنوع من المغادرة ووالده ممنوع من العودة إلى سوريا. “كنت أتمكن من زيارة والدي كل صيف قبل اعتقالي، لكن منذ الإفراج عني منعت من السفر ولم أتمكن من رؤية والدي الذي يناهز السبعين من عمره ووضعه الصحي ليس على ما يرام.
منظر رقم 13 :
طلال أبو دان، الفنان التشكيلي وأحد المعتقلين الاثني عشر ومعتقل رأي سابق، كسروا ريشته لمدة عشر سنوات ، وقبيل اعتقاله الحالي، كانوا قد حطموا مرسمه وبعثروا ألوانه الزاهية . (تم الاعتداء وقتها على سيارة سمير نشار وأيضا سيارة الناشط الحقوقي ابراهيم ملكي بالاضافة الى تحطيم مرسم طلال أبو دان )
منظر مؤلم جدا :
يروي فرج بيرقدار الشاعر الذي أسكتوا قصائده خمس عشرة سنة، يروي في تغريبته عن سجن تدمر سيء الصيت صورة تقشعر لها الأبدان :
امرأة تزور سجين بعد أكثر من عشر سنوات على وجوده في ذلك المعتقل الرهيب ، كان لا يتمالك نفسه من تكرار ندائه :
يمّا … كيفك يمّا … مالك يمّا … جاوبيني اش في يمّا
وكانت هي تختنق بالنشيج وتظل عاجزة عن اخباره بأنها أخته .. وأن أمه ………….. ماتت !!!
احصائيات : على اعتبار أن تهمة ” وهن نفسية الأمة ” هي التي اعتمدتها محكمة الجنايات بدمشق لتجريم قياديي ” اعلان دمشق ” وعلى اعتبار ان ” الأمة ” هنا غير مفهوم ما المقصود بها وهل يقصد الأمة السورية أم العربية أم الاسلامية حسب نقد جاء به ياسين الحالج صالح فانني سأورد لكم احصاءات ومفارقات فريدة تدلل كلها على وهن نفسية العائلة السورية :
عائلة البني :
ابراهيم الأخ الأكبر أكرم كاتب وصحافي وزوجته روزيت ، أنور محام ، سحرمهندسة مدنية وزوجها مصطفى خليفة مؤلف رواية ” القوقعة ” والتي تتحدث عن فظائع سجن تدمر كلهم تقريبا كانوا في المعتقل ، مجموع ما أمضوه في السجن يتجاوز الستين عاما .
عائلة الحاج صالح :
ياسين اعتقل وعمره تسع عشرة سنة طالب في السنة الثالثة في كلية الطب البشري ، خالد مهندس زراعي ، مصطفى قاص ، مجموع ما أمضاه الثلاثة يقترب من الثلاثين عام في السجن ، اضافة الى الأخ الأكبر محمد وهو قاص وروائي نفد بجلده من الاعتقال يعيش حاليا في النروج ، توفيت أمهم وهي تمني النفس رؤية أولادها الثلاثة لكن أمنيتها لم تتحقق .
عائلة عاشور :
أسامة عاشور عضو المجلس الوطني لاعلان دمشق اعتقل سابقا لمدة خمسة عشر عاما ، في نفس تلك الفترة كان أخاه وأخته في المعتقل، غير معروف لدي مجموع ما أمضته هذه الأسرة في السجن .
غير هذه، هناك عائلات يصنفها النظام على انها اسلامية منها من مات في المعتقل ومنها يتوازع أفرادها جهات الأرض الأربع ، بعض من أفراد هذه العائلات مفقود ولا يعرف هل هو حي أم ميت ، حتى السجلات المدنية والعقارية فالفوضى هي سيدة الموقف فيما خص اقرار الوفاة أم لا ، كذلك قضايا الارث وما شابه .
بالنسبة الى جزء مهم وأصيل من الشعب السوري وأقصد الأكراد تجد مفارقات لاتعد ولا تحصى فضمن العائلة الواحدة تجد من يحمل بطاقة الهوية السورية وشقيقه أو شقيقته لا يحملان تلك الهوية وتقارير منظمات حقوق الانسان في سورية مليئة بتلك الأعاجيب .
اذا كان المشرع السوري يقصد بمعاقبة من يحاول ” وهن نفسية الأمة “- وهي تهمة “ستاندر” يتم توجيها لكل معارض – حماية هذه ” الأمة ” من كل متسلل أو دخيل يحاول العبث بقيمها وتماسكها فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا من يوهن نفسية من ومن يحاكم من ؟؟ إذا ما نظرنا في المقابل إلى قصص الفساد والاستزلام وخطف الدولة ونهب المال العام وكل التردي الاقتصادي والسياسي ونظرنا إلى فساد القضاء وانحطاط التعليم .. الخ الخ الخ .
أعزائي الحضور أشكر لكم حسن اهتمامك وأتمنى أن نلتقي في مناخات أفضل .
استفادت هذه المداخلة من مقال للكاتبة السورية رزان زيتونة بعنوان ” يوم في قصر العدل “.*
أيضا من تقرير بعنوان “دروب ما بعد المعتقل” من اعداد الدكتور حسام السعد والمحامية رزان زيتونة .
** فيما يتعلق بالجزء الثاني تم الغاءه لضيق الوقت .
ahmadtayar90@hotmail.com
* كاتب سوري