إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
هذا مخرج مصري من أصول كردية، عاش حياة سينمائية شديدة الثراء ومزدحمة بالتشويق والإثارة والتنقلات والمنعطفات الحادة لدرجة يمكن معها تحويل حكايته إلى فيلم سينمائي. وأطلقت عليه الكاتبة ميرفت عمر، التي أعدت حوله كتابًا بتكليف من الدورة 37 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط، لقب «المخرج الثائر» كناية عن انشغاله بالتغيير وتحسين ظروف حياة الناس البسطاء، وتمسكه بالمفاهيم والقضايا الوطنية والنضالية الكبرى كقضية فلسطين وقضية التحرر العالمي وحقوق الشعوب المضطهدة، بدليل تطوعه في أعمال عسكرية أثناء حرب أكتوبر 1973 رغم كونه غير مكلّف بخدمة العلم.
وكذلك حين أقدم على تنفيذ فيلم عن القضية الكردية وزعيمها مصطفى البارزاني، وهو المشروع الذي لم يكتب له الخروج إلى النور رغم الجهود التي بذلت بشأنه عبر سنوات طوال.
إنه المخرج علي بدرخان المولود في حي القلعة القاهري الشعبي في 25 أبريل 1946، إبنا لوالده المخرج المعروف أحمد علي شاكر خورشيد بدرخان (الشهير بأحمد بدرخان) ووالدته سلوى علام (آخر زوجات أحمد بدرخان التي تزوجها عام 1944 ورزق منها بعلي ورقية)، أما جده فهو خورشيد طاهر باشا أحد قادة الجيش العثماني في مصر خلال القرن التاسع عشر، ومؤسس أول صحيفة كردية قبل مائة عام.
تعلق مخرجنا بالسينما وفنونها منذ نعومة أظافره. فقد كان منزل والده في القاهرة بالقرب من معهد السينما، والبيت الذي نشأ فيه محجة للفنانين والمخرجين، وهو ما جعله يعيش عوالم السينما وأجوائها ويشاهد أقطابها من منتجين وروائيين ونقاد ونجوم، ويتواصل مع طلبة معهد السينما، ويزداد شغفا بالفن والصناعة السينمائية وحياة النجوم والمشاهير. وقد لاحظ والده عليه هذا الشغف فشجعه على اقتحام عالم السينما ودراسة الإخراج بدلا من إلدراسة بالكلية البحرية التي أراد الالتحاق بها.
وهكذا درس صاحبنا الإخراج في المعهد العالي للسينما، وتخرج منه في عام 1967 بعد أن تتلمذ في المعهد على يد ثلة من كبار مخرجي عصره. بعدها حاز على منحة لمدة عامين للتدرب في استوديوهات مدينة السينما الايطالية بروما، ليعود ويبدأ مسيرته بالعمل كمساعد مخرج في عدد من الأفلام منها: «نادية» و«أرض النفاق» و«الإختيار» و«العصفور»، و«أشياء لا تشترى»، و«أفراح»، و«النصف الآخر». وفي عام 1973 قدم أول أعماله ممثلاً في فيلم «الحب الذي كان» من بطولة سعاد حسني ومحمود يس وايهاب نافع ومحمود المليجي.
تعرف بدرخان على الفنانة سعاد حسني، حينما كان يعمل مساعدا لوالده في إخراج فيلم «نادية» سنة 1969 عن رواية ليوسف السباعي، وجمعت بينهما قصة حب قوية انتهت بزواجهما بعد تصوير الفيلم المذكور، لتستمر هذه الزيجة لمدة 11 عامًا تخللها قيامه بإخراج عدة أفلام من بطولة زوجته سعاد حسني مثل: «الحب الذي كان» في عام 1973، و«الكرنك» في 1975، و«شفيقة ومتولي» في 1978. وفي عام 1981 تم الانفصال بينهما، بعد أن صارح بدرخان زوجته بوجود فتاة أخرى في حياته، لترفض سعاد الاستمرار وتطلب الانفصال، علمًا بأنهما ظلا صديقين واستمر التواصل والعمل بينهما، بدليل أنه أخرج لها بعد الانفصال مجموعة أخرى من الأفلام مثل: «أهل القمة» عام 1981، «الجوع» عام 1986، «الراعي والنساء» عام 1991، والفيلمان الأخيران من تأليفه.
بالإضافة إلى الأفلام التي أخرجها من بطولة زوجته السندريلا، أخرج أربعة أفلام أخرى لم تشارك فيها الأخيرة وهي: «الرغبة» في 2002، «النزوة» في 1996، «الرجل الثالث» في 1995، «شيلني وأشيلك» في 1977.
وهكذا نجد أنه أخرج عشرة أفلام فقط حتى الآن، لكن جلها الأعظم اعتبر من العلامات المضيئة في تاريخ السينما المصرية، فمثلاً فيلميه «الكرنك» و«أهل القمة» اختيرا ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. كما أنه حصل على جائزة السينما ضمن جوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب سنة 2021، وحصل على جائزة أفضل إخراج عن فيلمه «الكرنك» في المهرجان الذي أقامته وزارة الثقافة عام 1975، كما أطلق اسمه تكريمًا له على الدورة 37 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لأفلام البحر الأبيض المتوسط. ولعل السبب في قلة عدد أفلامه مقارنة بغيره من مجايليه هو رفضه إخراج كل ما كان يعرض عليه، بمعنى أنه كان دقيقًا في اختياراته ويرنو إلى أعمال تحمل فكرة أو رؤية عن هموم الوطن والمواطن.
انصرف بدرخان عن الإخراج بعد فيلمه الأخير «الرغبة» ليُدَرِّس الإخراجَ السينمائي لأجيال جديدة من الشباب، ويقيم لهم ورش العمل السينمائية، ويدخل معهم في نقاشات عميقة حول الفن السابع، وذلك من خلال معهد السينما أو من خلال أكاديمية خاصة أسسها قبل سنوات. وقد وجد في نقل خبرته إلى الشباب – بحسب كلامه – متعة وسعادة بالغتين جعلته ينسى شغفه وعمله الأصلي.
وعن توقفه عن تقديم أعمال جديدة، أخبرنا في حوار صحفي أنه لم تعرض عليه مشروعات أفلام جديدة ذات قيمة وهدف أو ذات طبيعة جادة، وهو من جانبه لم يسع للوقوف أمام أبواب المنتجين استجداء للعمل، مضيفا أنه لا يضيره أن يكون رصيده من الأفلام عشرة فقط، حيث إن مخرجين عالميين أخرجوا أفلامًا لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. فالمهم أن تترك الأفلام تأثيرًا. ومن هذا المنطلق لم يقدم على أي عمل إلا وهو مؤمن بفكرته. ولهذا السبب وقع خلاف بينه وبين السيناريست وحيد حامد حول طريقة تقديم مسرحية (جريمة في جزيرة للماعز) لـ«أوجو بيتي» على شاشة السينما، ما أدى لخروج القصة في فيلمين: «الراعي والنساء» من سيناريو وإخراج علي بدرخان، و«رغبة متوحشة» من سيناريو وحيد حامد وإخراج خيري بشارة.
قال عنه صديقه المخرج يوسف شاهين ما مفاده أنه يمكنه الاعتماد عليه لاستكمال أي فيلم في حالة غيابه عن العمل لأي سبب كالمرض مثلاً، «لأن علي بدرخان سيقوم بكل شيء تمامًا كما لو كنت موجودًا».
وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أن بدرخان قبض عليه مع الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام وآخرين، ودخل المعتقل لمدة عشرة أيام في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب تحريضه الناس ضد زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر. كما أنه كان في عام 1987 ضمن المشاركين في الحركة الاحتجاجية التي قادها أعضاء النقابات الفنية، احتجاجًا على التعديلات التي أجريت على قانون النقابات المهنية، علمًا بأن يوسف شاهين تناول وقائع هذا الاحتجاج في فيله «إسكندرية كمان وكمان» في عام 1990.