في 16 شباط/فبراير، استخدمت قوات الأمن البحرينية القوة الوحشية لإخلاء “دوار اللؤلؤة” في المنامة من المحتجين المطالبين بالديمقراطية، وذلك بأوامر من نظام يبدو غير عابئاً بالتغطية الإعلامية الدولية والخدمة الإخبارية الذاتية شبه الفورية للمتظاهرين من جيل “تويتر” — موقع التدوين المصغر على الشبكة العنكبوتية. ورغم أن الحجم الصغير نسبياً للحشود (مقارنة بالاحتجاجات الأخيرة في مصر وتونس) قد سهل حملة القمع، إلا أن الطريقة الأفضل لشرح هذا التصرف هو العقلية التي يلتزم بها النظام منذ فترة طويلة تجاه الانشقاق.
وعلى وجه التحديد، تعتقد النخبة البحرينية الحاكمة أن أي تحد سياسي من قبل الأغلبية الشيعية في الجزيرة يجب قمعه بسرعة — وهي الرؤية التي تدعمها العائلة المالكة في السعودية المجاورة، وتم تطبيقها بعنف في البحرين رغم المشاركة السنية الكبيرة في الاحتجاجات. وهذا العامل السعودي، والوجود الإيراني عبر الخليج العربي الذي يلوح في الأفق، يرفع أزمة البحرين إلى مستوى يمثل تحدياً للسياسة الأمريكية هي على قدم المساواة مع الأحداث في مصر.
مرتبطون بالتاريخ والجسر
إن الشيعة العرب البحرينيين يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين الحقيقيين للبحرين والجزر الأصغر المحيطة بها. ولديهم روابط وثيقة مع الشيعة في السعودية الذين يشكلون أغلبية محلية في “المحافظة الشرقية” المجاورة في المملكة. وتواجه كلا الجماعتين تحاملاً دينياً من نخبهم الحاكمة وتهميشاً سياسياً وحرماناً اجتماعياً واقتصادياً؛ ويعود ذلك جزئياً لأن الحكومتان السعودية والبحرينية قد شككتا في ولائهما منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. غير أنه رغم الاكتشاف العرضي لمؤامرات محلية مع روابط مؤكدة أو مشتبه بها مع طهران، إلا أن الشيعة السعوديين والبحرينيين الناطقين بالعربية عبروا بصورة عامة عن مواقف متحفظة، بل وحذرة، تجاه أخوتهم الذين يشاطروهم المذهب الشيعي من الإيرانيين الناطقين بالفارسية عبر الخليج.
وتميل السعودية إلى تبني أسلوب الأخ الأكبر الهادف إلى الخير، تجاه جارتها الأصغر حجماً منها بكثير. وعلى الرغم من أن النفط كان قد تدفق ذات مرة من القسم الجنوبي لـ “خليج البحرين”، إلا أن احتياطيات الجزيرة منه على وشك النضوب. واليوم يرتكز دخل الحكومة في المقام الأول على عائدات حقل النفط السعودي قبالة ساحل المملكة، الذي يباع لصالح البحرين. ومن الناحية الثقافية، تتسامح الرياض مع الأعراف الاجتماعية الأكثر تحرراً المسموح بها في البحرين التي تم ربطها بالمملكة في عام 1986، عن طريق جسر يبلغ طوله ستة عشر ميلاً. ويتردد الزوار السعوديون (معظمهم من الرجال) — في عطلات نهاية الأسبوع على وجه الخصوص — إلى نوادي وحانات الجزيرة بأعداد كبيرة.
وفيما يخص التطور السياسي، يبدو أن الرياض تنظر إلى البحرين بشبه ازدراء. فعلى سبيل المثال، عندما أعلن رئيس الدولة الحالي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عن مجموعة من الإصلاحات الدستورية في عام 2001 كوسيلة لمواجهة عدة سنوات من غليان الاضطرابات الشيعية، شعر السعوديون بالإمتعاض لأنه حوّل نفسه من حاكم إلى ملك. وعلى الرغم من أن الإصلاحات قد أعادت تنشيط البرلمان البحريني، إلا أنها خلدت أساساً الإحساس بإقصاء الشيعة عن طريق الغش بتقسيم الدوائر الانتخابية [إلى وحدات سياسية] لضمان عدم إمكانية الشيعة قط إنشاء أغلبية سياسية.
وحتى الآن، لا يبدو أن الرياض قد تدخلت على أرض الواقع أثناء الأزمة الحالية في البحرين. ومع ذلك، فإن الغرض الاستراتيجي الرئيسي للجسر الذي يربط الدولتين لم يكن قط تجارياً أو دبلوماسياً، بل استراتيجياً: فقد تم بناؤه لتمكين الجيش السعودي من تعزيز النظام البحريني على سبيل السرعة، إذا ما لزم الأمر. ورغم أن خطط بناء الجسر كانت قد طُرحت في الأصل في الستينات من القرن الماضي، عندما لم يكن شاه إيران قد تخلى بعد عن المطالبة الفارسية القديمة بالجزيرة، إلا أن بناء الجسر لم يبدأ فعلياً حتى عام 1981، عندما أصبحت الدول العربية قلقة بصورة متزايدة من سعي نظام الخميني لنشر ثورته في مجتمعات شيعية أخرى في المنطقة. ووفقاً لحكايات من مغتربين بحرينيين، فإنه قبل أن يتم إكمال الجسر كانت السماء تمتلئ ظاهرياً بالمروحيات السعودية أثناء مواكب الاحتفالات الدينية الشيعية في الجزيرة. ومع ذلك، ففي منتصف التسعينيات كانت الرياض قادرة على نشر ناقلات قوات الحرس الوطني في الجزيرة عندما زُرعت قنابل في الحي التجاري في المنامة.
وفي الانتقال إلى المرحلة اللاحقة، من الممكن على الأرجح الاستدلال عن موقف الرياض حيال الانشقاق البحريني من خيبة أملها التي تناقلته الأخبار إزاء سماح واشنطن بإسقاط نظام حسني مبارك في مصر. ويُقال أن الدعم السعودي لنظام مبارك تضمن وعوداً بتعويض أي اقتطاع للمعونة الأمريكية العسكرية والاقتصادية إلى القاهرة. وربما تحمل الدول الأخرى الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” وجهات نظر مشابهة (باستثناء قطر المستقلة تقليدياً في الفكر والسلوك، ومقر شبكة تلفزيون “الجزيرة”، التي كان يُنظر إليها بأنها عملت على تشجيع المتظاهرين المصريين.)
بيد أنه قد تكون السياسة السعودية مضطربة بسبب العجز الناتج عن الشيخوخة الذي أصاب كبار الأمراء. فالملك عبد الله يقضي الآن فترة نقاهة في المغرب ولم يظهر علناً منذ 22 كانون الثاني/يناير، مما يطرح المزيد من علامات الاستفهام حول صحته. ويكاد يكون من المؤكد أن الأمير متعب — أحد أبناء الملك عبد الله وقائد “الحرس الوطني السعودي” الذي تتدرب قواته للتدخل في البحرين — هو معه في المغرب. ووفقاً لذلك، فإن القرارات في الرياض هي من الناحية الإسمية في أيدي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلطان، الذي يقال إنه يعاني من تشويش عقلي. ولذا، فإن [المسؤول] الأكثر حسماً في السياسة في المملكة هو وزير الداخلية الأمير نايف، الذي له سمعة بأنه شخص صارم ويسيطر على قوات شبه عسكرية قوية.
مخاوف السياسة الأمريكية
تواجه واشنطن حالياً عدداً من التحديات السياسية البحرينية السعودية المحتملة. أولاً، “المحافظة الشرقية” هي مركز حقول النفط السعودية حيث يُنتج منها 10 بالمائة من النفط العالمي يومياً. ورغم تحسن الأمن، إلا أنه سبق وأن تم استهداف منشآت النفط هناك من جراء أعمال تخريب قام بها تنظيم «القاعدة» وإيران. وإذا كان للاضطرابات البحرينية تأثير مُعدٍ في المملكة، فسوف تتصاعد الأزمة بسرعة بحيث تتحول من قضية إقليمية إلى قضية دولية.
ثانياً، تستضيف البحرين مقر “الأسطول الأمريكي الخامس” والعناصر البحرية من “القيادة المركزية” للولايات المتحدة. وحالياً، إن السفن الأمريكية التي تزور البحرين ترسو في عرض البحر وبشكل متوار عن الأنظار، لكن النظام يقوم ببناء أرصفة من شأنها أن تسمح للسفن بالرسو بصورة أقرب إلى الشاطئ. والأهم من ذلك، أن مجمع مقر القيادة — الذي يدير العمليات دعماً للقوات الأمريكية في الخليج والعراق وأفغانستان فضلاً عن جهود مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال — يقع بجوار ضاحية شيعية على الجزيرة نفسها، على مسافة دقائق معدودة فقط بالسيارة من ميدان “دوار اللؤلؤة”. وقد كانت الحكومة البحرينية حريصة على الحفاظ على هذا الوجود، ولم يصبح الانسحاب الأمريكي، حتى الآن، جزءاً من قائمة طويلة من المطالب التي يرفعها المحتجون.
وعلى نحو أوسع، كافحت الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق التوازن بين دعم الحلفاء من الحكام العرب والتطلعات الشعبية للحقوق الديمقراطية. وفي العام الماضي، قدمت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ملاحظات في البحرين دعمت فيها النظام الذي يقوم الآن بقمع المتظاهرين العزَّل، بمن فيهم النساء والأطفال، بمواجهات دموية. إن الأغلبية الشيعية في البحرين والروابط الإيرانية التاريخية قد جعلت منها حالة خاصة؛ بيد، إن غيرها من الدول — التي تستضيف منشآت عسكرية أمريكية حاسمة الأهمية وإن لم يصحبها صخب إعلامي (مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان) — قد تقرر أيضاً تقليل هذه الروابط في ظروف معينة. فعلى سبيل المثال، بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي كشفت عن تورط العديد من السعوديين، أجبرت الرياض واشنطن على نقل القوات العسكرية الأمريكية في محاولة لتطويق المعارضة الداخلية المتنامية.
توصيات سياسية
دعا النشطاء البحرينيون إلى القيام بالمزيد من الاحتجاجات واسعة النطاق، بينما منع النظام جميع هذه المظاهرات وقام بنشر الدبابات والمركبات المدرعة (أمريكية الصنع) في نقاط التقاطع الحيوية والمباني الحكومية. وبناء على ذلك، ينبغي على واشنطن أن تضغط على الملك حمد لضمان عدم استخدام القوة بصورة وحشية، مثل ما وقع [منذ] السادس عشر من شباط/فبراير في ميدان “دوار اللؤلؤة”.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على واشنطن أن تشجع الإجراءات الإصلاحية، التي يمكن أن تقدم الأمل للبحرينيين الذين سئموا من الحكومة التي تمارس حكماً أبوياً يتناقض مع الصورة التقدمية والانفتاحية التي تبرزها المنامة على الصعيد الدولي. ويشمل ذلك اتخاذ إجراءات ضد الفساد الذي أصبح متفشياً. وقد كان واحداً على الأقل من بين السفراء الأمريكيين المغادرين قد أخبر الشيخ الراحل عيسى، والد الملك حمد، بأن عليه أن يُقيل رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة (عم حمد). ويُعتبر اسم خليفة مرادفاً للفساد، حيث بقي في منصبه لمدة دامت أربعين عاماً، مما يجعله رئيس الوزراء الأطول خدمة في العالم.
وفي هذا الصدد، إن حصول تقدم أو عدمه في البحرين يمكن أن يثبت الاتجاه في كل منطقة الخليج. وستكون عواقب الاضطراب السياسي في السعودية المجاورة أكبر بسبب فراغ القيادة المتنامي في المملكة. ولذلك، يجدر بواشنطن أن تضغط على الرياض للمساعدة على نزع فتيل التوتر في المنامة. ومن المرجح أن يتعارض ذلك مع الرؤية السعودية الغريزية في التعامل مع الاضطراب في البحرين. وفي النهاية، فإن أخطر مواجهة تواجهها واشنطن في السعي إلى إيجاد مخرج سلمي للمواجهة الداخلية البحرينية قد لا تكون مع أصدقائها في المنامة، بل مع أصدقائها في الرياض.
المرصد السياسي #1759
سايمون هندرسون زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.