محمد سعيد طيّب: قلت لعبد العزيز بن فهد “الملكية الدستورية، وإلا فلن تبقى دولتكم”

1

د.سليمان الهتلان يستضيف محمد سعيد طيب في حوار هام على قناة الحرة (تدوين الأستاذة فوزية العيوني)

(التدوين خاص بمنبر الحوار والإبداع)

* لا بد من الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء كما كان الوضع عليه في يومٍ ما..

* أرى أن منع الإصلاحيين من السفر هو إجراء غير قانوني وغير شرعي وغير إنساني

* يقلقني أنه لا حديث عن الإصلاح السياسي.. لا إنتخابات ولا مشاركة سياسية.. وأتساءل إلى متى؟

*الملكية الدستورية هي دولة المؤسسات المدنية ودولة العدالة والقانون والفصل بين السلطات..

*لا بد من الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء كما كان الوضع عليه في يومٍ ما..

**

في بداية الحلقة أبدى د. سليمان الهتلان عتبه على “أبي الشيماء” لأنه ومنذ سنتين يطلب منه الحوار ولكنه يرفض.

فأجاب الأستاذ طيب بحدة:

يا أخي أنتم محطة أمريكية وأنا قومي عربي.. وأمريكا قتلتني في عروبتي..
أمريكا دمرت بغداد تحت ادعاءات كاذبة في وجود أسلحة الدمار الشامل.
دمرت أفغانستان من أجل مصالحها لإخراج الاتحاد السوفييتي..
تخلت عن الصراع العربي الإسرائيلي ودعمت الكيان الصهيوني على حساب العرب..
تبغى أزيدك كمان؟..

د. الهتلان مقاطعاً: نحن في برنامج “حديث الخليج” ونناقش قضايا سعودية، ولو أردت برامج تناقش السياسة الأمريكية فسأوعز لأصحابها لاستضافتك..

ثم سأله الهتلان: أنت قد صرحت بأن ملف الفساد فـُتح ولن يغلق ولكنك في قول أخر ظهرت وكأنك تتراجع عن ذلك…. فهل مواجهة الفساد أمر أشبه بالمستحيل؟

طيب: مواجهة الفساد أمر صعب وشاق ولكنه ليس بالمستحيل ويتطلب قوة وشجاعة و”حزم وعزم”
وأنا أقول أن كارثة جده فتحت ملف الفساد فبعدها لن يجرؤ أمين بلدية ما أن يطبق منحة لأي من كان على مخطط حديقة أو محطة وقود أو نحوه..ولن يجرؤ كاتب عدل أن يفرغ مثل تلك العقود المزورة.

الهتلان: يمكن أن يحدث هذا لو أن عقاباً رادعاً أنزل بحق المفسدين

طيب: الأمر وصل لخادم الحرمين وسيحال إلى ديوان المظالم وأنا متأكد أن المسألة تسير بمسارها الطبيعي..

الهتلان: نلمس في الصحف المحلية مؤخراً نقداً صريحاً ضد الأخطاء والانتهاكات ولكننا نلمس في المقابل خفوتاً واضحاً عن ذكر الإصلاح الذي دخلتم السجن بسببه..

طيب: نعم هذا صحيح.. هناك خفوت.. فبينما نشهد انجازات كبيرة مثل جامعة الملك عبد الله وتوسعة الحرم المكي والمسجد النبوي وجامعة الأميرة نوره، ولكننا لا زلنا نطمح للإصلاح السياسي الذي ومنذ اعتقالنا عام 2004 لم يتحرك قيد أنمله.. حتى الانتخابات البلدية المتواضعة أجلت سنتين..

الهتلان يسأل: لماذا أجلت؟

طيب: كأننا فوجئنا بأن الدورة الانتخابية انتهت ونحن لم نخلص بعد من قضية المرأة هل تشارك أو لا تشارك!إن أجرينا انتخابات بدونها، ففي ذلك إحراج لنا أمام الرأي العالمي..

الهتلان: هل تتوقع أن المرأة ستشارك كمنتخبة؟

طيب: نعم أتوقع ذلك

الهتلان: يقول الكاتب مارك وستن في ص 34 من كتابه أنك خاطبت الأمير نايف قائلاً له (إذا أردتم أن تبقى الدولة 200 سنة قادمة فلا بد من الانتقال إلى الملكية الدستورية وإلا لن تبقى دولتكم)

طيب: هذا الكلام لم يُقَل للأمير نايف بل قيل للأمير عبد العزيز بن فهد وقيل في بيتي ضمن حوار طويل دار في المجلس..
وما زلت أتبنى هذا القول ولا أحيد عنه فالملكية الدستورية هي دولة المؤسسات المدنية ودولة العدالة والقانون والفصل بين السلطات.. كل هذه الملامح نطمح من ورائها لتوطيد الحكم ونموه وازدهاره ورقيه واستمراره..

الهتلان: لكن مايك وستن يقول أن الأمير نايف فهم الدستورية على أنها تهميش للملك كما في بريطانيا

طيب: نعم لقد فُهمنا خطأ.. نحن نقول للقائد نحن معك ومن خلفك ولا نرمي لتهميش أحد.. إحدى الكاتبات قالت لي مرة ما هذه المطالب ؟ إنها تعود للعصور الوسطى..

نعني بالملكية الدستورية: تطوير النظام الأساسي للحكم.. وللأمانة في هذا النظام مواد كثيرة جيدة ولكن قد مرّ عليه عشرون عاما وهذا الزمن كاف ليخضع النظام للتطوير.
لا بد من الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء كما كان الوضع عليه في يومٍ ما.. إذ كيف يمكن أن يكون (رئيس الدولة) قائداً أعلى للقوات المسلحة ورئيسا لمجلس الوزراء ومرجعاً للسلطات الثلاث..
رئيس مجلس الوزراء عليه أن يعد برنامجه ثم يذهب إلى مجلس الشورى يناقش برنامجه ثم يرفعه للملك ويعود بعد عام لمجلس الشورى ليقيم آداءه.
نريد دعم القضاء وتطويره واستقلاليته، فصل السلطات الثلاث، نبذ التفرقة والعنصرية وتدعيم الدعوة للتسامح.
أريد أن أشير إلى دور المؤسسات المدنية بشاهد قريب: عندما سقط العراق سياسياً سقط كله نتيجة لغياب مؤسسات المجتمع المدني.
ولكني أريد أن أبشر بأني قابلت أحد أعضاء مجلس الشورى وأكد لي أن المشروع (جمعيات المجتمع المدني) قطع شوطاً كبيراً ولعله سيكون من أفضل الأنظمة على مستوى الوطن العربي..

الهتلان: هل لديك حساسية من أن تصنف كمعارض؟

طيب:ما أمارسه ليست معارضة إنما هي مطالب بسيطة لا تلغي دور أحد..

الهتلان: هيئة البيعة هل أدت دورها بفاعلية أم نقول أحسن الله عزاءكم؟

طيب: نحن لا نستطيع أن نقول أنها فاعلة أو غير فاعلة.. أرى أنها كانت جزءا من مشروع الإصلاح وكان لا بد منها. ودورها يكمن في تعيين رئيس الدولة ونائبه، وعندما يحين الأوان لتأدية هذا الدور عندها نستطيع أن نعلن أنها فاعلة أو غير فاعلة.

الهتلان: ما أكبر ما يقلقك على مستوى الإصلاح؟

الاستاذ طيب: الذي يقلقني أنه لا حديث عن الإصلاح السياسي.. لا إنتخابات ولا مشاركة سياسية.. وأتساءل إلى متى!
بدأنا الآن في إصلاح قضائي وقد درست مشروعه بعد أن نشر وظهر للناسٍ دراسة متعمقة. وأنا متفائل جداً به لا سيما أن من يقوم عليه أربعة من كبار المسئولين.. رئيس المجلس الأعلى للقضاء و وزير العدل ورئيس ديوان المظالم ورئيس مجلس الشورى الذي كان وزيرا للعدل. وأرى أنه خلال سنتين سنشهد تطوراً ملموساً في القضاء ونحن نطمح أن يصل الإصلاح إلى مرافق وقطاعات أخرى كالتعليم والإدارة والسلطات التنفيذية.. إن نظام الإجراءات الجزائية يحوي مواد ذهبية تضمن حقوق المتهم وأهله وعشيرته منذ لحظة إلقاء القبض عليه حتى محاكمته وإطلاق صراحه.. هذه الأنظمة يجب أن يتلقى رجال وزارة الداخلية والجهات التنفيذية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دورات تدريبية للتعرف عليها و الالتزام بها، وعلى هيئة وجمعية حقوق الإنسان الإعداد لهذه الدورات.

الهتلان: ولكن، ألا تلاحظ أن ما على الورق جميل عادةً ولكن التطبيق متخاذل؟ خذ مثلاً الاختلاط لم يتم تناوله إلا بعد أن أقره الملك؟

طيب: لا تنسى يا أخي أن فترات العتمة كانت طويلة وقوية جداً، وخلالها ترسخت مفاهيم وقيم غاية في الرداءة والتخلف.. هذا إذاً يحتاج إلى وقت طويل وليس قرار ملك..

**

الهتلان: هناك إيحاءات كثيرة بأن قيادة المرأة للسيارة صارت وشيكة.. ومن هذه الإيحاءات تركيب كاميرات الليزر في الشوارع وتوظيف وتدريب نساء في مراكز المرور.. هل ترى أنت ذلك؟

طيب: أنا سمعت وقرأت وتابعت ولكني لا أرى شيئاً قريباً على مدى شهر أو شهرين، ربما عام أو عامين.

الهتلان : يقال أنك رجل حكومة.. إذ تربطك علاقات تواصل جيدة مع رموز السلطة هل أنت رجل حكومة؟

طيب: أسألك هل يمكن لرجل يُسجَن نصف عمره ويُمنع من السفر نصف عمره ويبقى مراقَباً نصف عمره أن يكون رجل حكومة؟ علاقتي الطيبة بهم لأني لست ضدهم وأحترمهم ولكن ليس هنالك تواصل بالشكل الذي قد يتراءى لك.. مرة قلت للأمير محمد بن نايف: كل آمالنا اليوم أنكم تدرجوننا مع الإرهابيين في سلة واحدة. قال الأمير “كيف”؟ فقلت “إنكم تناصحونهم وتدفعون لهم رواتب وتزوجونهم ثم تعفون عنهم”. فقال “لا، هذا ليس ثوبكم!”. سؤالي الآن ما هو ثوبنا؟ ماذا يكون؟ أريدهم أن يقولوا لنا ما ثوبنا!

الهتلان: ولكن لماذا تغضب من عبارة رجل حكومة؟

الطيب: أغضب لأني لا أريد للمتلقي أن يأخذ عني فكرة غير صائبة. رجل الحكومة تعني أنه يأخذ شرهات وامتيازات وعطاءات ومنافع عديدة، وأنا لا أستنفع مطلقاً بهذا الشكل من الحكومة. يا أخي أنا في العقد الثامن من عمري.. يعني في المحطة الأخيرة من قطار العمر ولا أتطلع لأي من هذه الأمور بل كل هدفي هو حاضر ومستقبل الوطن. بالطبع عندما كنت شاباً كان لي طموح كأي شاب ولكني لم أطمح يوماً لمنصب سياسي.

الهتلان: يقول عبد المقصود خوجه عنك “محمد سعيد طيب.. تعامله مع الواقع مشكلة، وتعامله مع القيم والمثالية مشكلات”. هل بينك وبين خوجه توتر في العلاقة؟

طيب: علاقتي بخوجه لا يعتريها أي توترات، ولعل صياغته لكلامه لم تكن المتوخاة.. أنا أنظر لنفسي كصاحب مشكلة، أو أنا عبء على وطني… لا ،فق الصديق خوجه! وكذلك علاقتي مع كل أعيان جدة ممتازة. علاقتي متوترة فقط مع الأدعياء والمتسلقين سواء من التيار الليبرالي أو السلفي..

معتلقي جدة “ما مشكلتهم”؟

الهتلان: رغم أنه يتم الإفراج عن بعض المتهمين بالعنف، إلا أن معتقلي جده لم يفرج عنهم؟ ما هي مشكلتهم؟

طيب: بصراحة هذا الموضوع طال.. وطوله غير مبرّر وليس شرعياً ولا قانونياً. قبل عام قال لي الأمير محمد بن نايف إن المسألة مجرد وقت “ويوم الحكومة بسنة”! ولكن الأخبار المؤكدة التي أملكها أن الموضوع صار قاب قوسين أو أدنى من التسوية ولم يتبق سوى إجراءات بسيطة متوجبة ويقفل الموضوع نهائياً بعد إطلاق سراحهم..

الهتلان: من وجهة نظرك هل من المتوقع عودة العنف؟ وهل أنت مطمئن من عدم عودة القاعدة؟

طيب: يجب أن نكون منتبهين وحذرين ونضع الأمور في نصابها المتوازن، فلا نعطي الموضوع أكثر مما يستحق وألا يعتبر ذريعة لتعطيل عجلة الإصلاح. إلى متى ونحن رهينة للعنف كلما علا صوته سمح لنا بالحديث، وكلما خفت عدنا للمربع الأول؟ الإصلاح والتنمية يجب أن يكون مطرداً ومستمراً.. لقد فات علينا الكثير.. 30 عاماً ليست قليلة في عمر الشعوب، ولكن لننتبه فالاستهانة بـ”القاعدة” خطأ..

د. الهتلان: إلى متى يستعمل المنع من السفر كعقوبة؟

طيب: هذا الكلام يوجه لصاحب القرار. أما رأيي، فأنا أرى أن المنع من السفر هو إجراء غير قانوني وغير شرعي وغير إنساني
وقد آن الأوان أن نراجع بعض الأخطاء.. أنا متمسك بأن هدفنا العالي والسامي هو خدمة الوطن، والله ثم والله، ليس لنا أي اتصالات بدول خارجية ولا سفارات. نعم لنا علاقات بمنظمات حقوقية مستقلة. أنا شخصياً عضو في اثنتين منها ولا حرج في التعاون من أجل إرساء ثقافة حقوق الإنسان.

الهتلان: لو عاد بك الزمن 40 سنة إلى الوراء هل ستسلك نفس الدرب الذي سلكته مطالبات وسجون و..؟

طيب: المطالبات بيدي ولكن السجن ليس بيدي.. أنا لم أذهب إليهم يوماً لأقول اسجنوني! أنا لم أخطئ. فليقولوا لي، أنت غلطت في كذا حتى أستغفر إلى الله وأتوب وأتحاشى أخطائي.

الهتلان: ما مليت؟ ما تعبت؟

طيب: سأقول لك شيئاً، في مسيرة الناشطين يمرون بأربع مراحل. الأولى، يكون الناشط فيها مع الناس “في الشارع”. الثانية مع الناس ولكن يطلع على الرصيف وليس في قلب الشارع. الثالثة، لا في الشارع ولا على الرصيف بل في البلكونة يتفرج وهؤلاء كثر. الرابعة، لا في الشارع ولا على الرصيف ولا في البلكونة بل في الصالون يراقب التلفزيون..! أنا ما زلت مع الناس ولكني على الرصيف، فأنا في العقد الثامن من العمر!

الطيب: بدون غرور وكبرياء كاذبة ولا إدعاء، أنا لم أحقق ما طمحت إليه.. الجيل القادم سيكون أفضل.. كنا نظن أننا أفضل جيل.. ولكننا كنا واهمين.

الهتلان: يلقبك البعض بأنك “الأب الروحي لليبرالية”، ولكن هناك من يسخر منك على مقولتك “نحن آباء الليبرالية على الكتاب والسنة”؟

طيب: الليبرالية هي التحرر من قيود تعيق تقدم الإنسان وليست تحررا من القيم.. الليبرالية هي قيم ومثل عليا والكتاب والسنة تطرح نفس التوجه في المجمل وليس في التفاصيل.. عمهم جون ميلن يقول إذا كان الهدف من إسعاد البشرية يترتب عليه الإخلال بالعدالة فالعدالة أولى. أنا مع أي توجه تنويري يسمح ويشيع ثقافة التسامح والاعتدال ويؤمن بتكافؤ الفرص.

الهتلان: نود تحديد علاقتك بالتيار السلفي

طيب: أنا لا أعادي أي تيار يتلاقى وأفكاري الإنسانية.. أنا فقط ضد الأدعياء والمتسلقين والانتهازيين.. في التيار السلفي هنا بعضهم دعاة وأصوات عالية ولكنهم لم يقدموا شيئاً لوطنهم، وعلى نفس الشاكلة لدى التيار الذي يدعي أنه وطني لبرالي، وسأضرب لك مثلاً. عندما طلبنا توقيعات على أحد البيانات جفا وتنحى البعض، وعندما قلنا أن الملك عبد الله قال “مشروعكم هو مشروعي”، لامنا هؤلاء وغيرهم وقالوا “لنا نحن مواطنون ومن حقنا أن تشركونا في هذا البيان”. وقال وهو يضحك.. ولما جاء وقت الجد “وقت الله الله ما لقيناهم”. وفي المقابل لا يمكن أن ننكر أن هنالك رجال شجعان وأوفياء وبوجه واحد من كافة الأطياف.. الوطنية موجودة عند كل الأطياف حتى عند السلفيين، وأنا ناشط وطني أسير مع كل دعاة العدل والحقيقة.

الهتلان: حدثنا عن علاقتك مع الأمير نايف.

طيب: بدأت علاقتي مع الأمير نايف منذ أكثر من 35 سنة على إثر خروجي من سجن طويل ومرير استمر خمس سنوات ونصف.. دعاني وقال لي “الماضي مضى ونحن أولاد اليوم وتأكد أن المثقفين هم من أغلى ما عندنا. تخرب آلة يخرب مصنع بأكمله سهل علينا استجلاب كل شيء لإعادته، ولكن انتم المثقفون كيف نستجلبكم؟” وقال “نحن لسنا أنبياء.. ولا ملائكة.. نحن بشر نخطىء ونصيب وأرجو أن يكون التعامل بيننا في النور.” علماً بأننا لم نكن نعمل تحت الأرض بل في العلن وفي النور. والتواصل معه مستمر، ودليلي ما أشرت اليه في الحلقة السابقة عندما قال لي الأمير محمد بن نايف أن “الإرهاب ليس ثوبكم”.

الهتلان: ما موقف بعض الأطراف داخل العائلة الحاكمة منكم؟

طيب: داخل العائلة هناك مؤيدون، وهناك حياديون، وهناك ضد..

الهتلان: لنتطرق إلى تجربة السجن في عام 1969.

طيب: هذا السجن جرح عميق ودام ومرير، أمرّ منه المحقق عبد العزيز مسعود الذي حين طلبت منه تعريفي بتهمتي قال: أنك لو خضعت لتحليل لنطقت كل خلية في جسدك بأنك تكن عداءً لهذا الوطن.. أنت أفضل شيء للوطن أن تظل بالسجن.. وكان من أجل خلاصي من جبروته يطلب مني أن أدون كلاماً هو يريده ورفضت.. برأيي أن المدعو ” المسعود ” كان يتصرف باستبدادية انفرادية ولا علاقة لها بوزير الداخلية، بدليل أنه لمجرد نهايته بشكل مأساوي انتهى التعذيب في السجون السعودية رغم بقاء وزير الداخلية ولكن بعد نهاية المسعود.. ومازلت أفكر في فرصة سانحة لممارسة حقي في مقاضاته ومقاضاة وزارته وسأطالب بالتعويض لأني لا أرى مسوغاً أو مبرراً لمسامحته حتى لو رأى المئات من المساجين من مدنيين وعسكريين وغيرهم وكلهم عذبوا على يديه أن يسامحوا.. لقد صفدنا بالقيود على مدى هذا الزمن ووضعنا في زنازن بحجم متر في متر ونصف لمدة 88 يوم.. صيف كامل من صيوف الرياض الحارقة.

الهتلان: كنت في صباك تشغل منصباً كبيراً.. مدير مكتب وزير المواصلات.. كنت مهيأً جداً للصعود ما الذي جعلك تتجه للشأن السياسي دون الطموح الوظيفي؟

طيب: أنا توجهت للفكر القومي العروبي قبل الوظيفة.. وكما تعرف وظيفة مدير مكتب وزير ليست منصبا كبيراً.. وحتماً كانت الفرص الوظيفية أمامي كبيرة.. محمد عمر توفيق رجل فاضل تعلمت منه كثيراً وأعطاني كثيراً من خبرته.. كنت في الثانوية عندما اعتنقت التوجه العروبي الناصري.. كان المناخ العربي بمجمله محفزاً للشباب للانضمام تحت هذا اللواء لاسيما في عام 58 حيث أعلنت الوحدة بين سوريا ومصر..في 59 نشب الخلاف بين الملك سعود والرئيس عبد الناصر، وسجننا ليس ببعيد عن هذا الخلاف..

الهتلان: دعنا نتحدث عن علاقتك مع محمد سرور الصبان وعن موقفك الانتقادي له؟

طيب: قصتي معه طويلة وأقرب إلى الخيال.. هو رجل دولة وشخصية فذة واستثنائية. اعتبره أبناء جيله أنه العمدة وشيخ الإدارة الأول.. وكان أبناء جيله من أمثال أحمد زكي يماني ، عبد الوهاب عبد الواسع، أحمد صلاح جمجوم، محمد عمر توفيق، وغيرهم على درجة كبيرة من الغرور والاعتداد بالذات.. ولكن إذا جاءت سيرة الصبان: كان هو العميد. أنا شخصياً كنت أختلف عن كل هؤلاء. إذ اعتبرته مثالاً للفساد ( كنت في مقتبل العمر..يساري عارم وقليل تدبير ). مع مرور الزمن وبعد الاعتقال تكشفت لي أشياء جعلتني أعيد النظر ولكن بعد وفاة محمد سرور. وحول ذلك قصة غريبة. في المعتقل كنا محرومين من الكلام ومن التواصل مع العالم الخارجي، فلا صحف ولا إعلام ولا شيء يربطنا بما هو خارج الزنزانة الضيقة.. في غفوة منام رأيت محمد سرور الصبان في المنام.. الرجل كما هو بصورته البهية وهو معروف بأناقته, قلت له: “معقول سنة وسنتين وثلاثة ما أحد يتكلم مع الحكومة؟” قال: “لا تكلمنا”. هذا كان حلم.. صحيت ودخلت الحمام ولقيت صفحة من جريدة طيرتها الريح وجابتها الصدفة للحمام.. كانت سفرة للجنود كما بدا لي مما علق عليها من أكل. خبأت الصفحة وخرجت وفي الزنزانة قرأت إشادة من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بتقرير أعده سلفه الصبان. وكان التقرير هائلاً يدل على أمانة ونزاهة الصبان، فأدركت كم ظلمت الرجل..

الهتلان: ولماذا أثنيت على محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى سابقاً؟

طيب : أنا لا أعرف الرجل ولا أحداً من أقاربه من قبل.. تعرفت عليه خلال محاكمتنا في المعتقل.. وبعد الإفراج، تعرفت عليه كوزير للعدل ورئيس مجلس الشورى.. يتميز الرجل بنبل وصدق وشجاعة تجلت في موقفه معنا حيث نطق بالحكم قائلاً “لم يثبت لدينا ما يدين هؤلاء”. فلا هو خطّأنا ولا هو أداننا.. يبقى الرجل صفحة مضيئة في القضاء في بلادنا.

الهتلان: في عام 1963 كتبت في جريدة “الندوة” كلاماً كنت خلاله مستبشراً بمناسبة وعد الملك فيصل بإصدار النظام الأساسي للحكم وطالبت بانتخابات لمجلس الشورى.. لماذا انطفأ وهج تفاؤلك؟

طيب: ظننا مع هذا الوعد أن انفتاحاً سيجري.. والحقيقة أنها مرحلة وانتهت ثم ألزمونا بالصمت. كانت مرحلة تكتيكية قصيرة وعدت.. في تلك المرحلة كنت أطالب بالانتخابات في مجلس الشورى وأرفض التعيين. اليوم أقول ببقاء المجلس على ما هو عليه وعلى مسئولية ولي الأمر، وينتخب المواطنون مجلساً آخر كما في تجربة البحرين،بل كما التجربة البريطانية، مجلس اللوردات ومجلس العموم.

الهتلان: تعتز بموقف قوي للأمير طلال في عام 2004. حدثنا عنه، هل كان بسبب منعك من السفر؟

طيب: لا.. بل بسبب الاعتقالات. فأنا عضو في “المجلس العربي للطفولة” الذي يرأسه الأمير طلال ويضم في عضويته شخصيات كبيرة ومفكرات ومفكرين واختصاصيين وكان علينا حضور اجتماع تم التنسيق له مسبقاً، فجاءت الاعتقالات مفاجئة, فأمر طلال ومن معه بتعليق أعمال اللقاء تضامناً معي. كانت علاقتي بالأمير طلال جيدة حتى جاء بيان الملكية الدستورية، فحدث نوع من الفتور.. رغم أنه هو أول من دعا إليها وأستغرب موقفه..

الهتلان: لنتحدث عن موقفك من الشيعة وحماسك لهم؟

طيب: أنا أقول أن الشيعة ليسوا طائفة بل هم جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن، ومن يدعو للعنصرية ليس السياسي، فصاحب القرار معترف بما نعترف به. المتهم هو تلك الجهات المتغولة بالتطرف وإقصاء الآخرين هذه الجهات التي تسمي الشيعة بـ”الرافضة” تعتبر الوطن مزرعة أبيهم. وأنا أقول بعض السلفيين وليس كلهم.. ففي لقاء التعايش والوحدة الوطنية الذي عقد في القطيف مؤخراً حضر سلفيون وقالوا كلاماً جميلاً. على الجميع أن يعترفوا بتعددية المجتمع وأن التعايش ليس خياراً بل حتمية وبدونه سنعيش في تناقض.. كلنا شركاء ولا بد من التعايش السلمي.

الهتلان: نتوقف أمام حرية التعبير والإعلام، وهل يمكن للصحف المستقلة أن تكون حرة في تعبيرها؟

طيب: لا أحد ينكر – وأنا لا أجامل لا الوزير خوجه ولا الوزير السابق مدني – أن هامشاً جديداً معقولاً حصل لحرية التعبير وعلينا التمسك وتنميته واستثماره.. أما الصحف المستقلة، فأنه من المعروف وعلى مساحة العالم العربي أن الصحيفة التي لا تكون مدعومة من أمير أو رجل أعمال لا يمكن أن تستمر، أما أصحاب الصحف المستقلة فالويل لهم!!

الهتلان: يستغرب الكثيرون تفاؤلك بمستقبلنا الوطني رغم حدة انتقاداتك له؟

طيب: عندما أسأل هل يوجد ضوء في آخر النفق، أجيب “لا.. لا يوجد”.. ولكني أراه لأني إن قلت “لا أراه” فسنسقط في دائرة اليأس والإحباط. لذلك فالإصلاح مسئولية الأمة وليس القائد فقط.. الإصلاح هدف الأمة حكومةً وشعباً. أما القول بأن لنا خصوصيتنا والاستسلام لهذا المخدر، أو أن الإصلاح ليس هذا وقته، فهذا كلام تجاوزته المرحلة..

الهتلان: لو ركزنا على الأولويات في مجال الإصلاح المطلوب، فكيف تحددها؟

طيب: أوجزها لك بما يلي: الشروع بتطوير النظام الأساسي للحكم، اعتماد الفصل بين السلطات الثلاث، دعم وتطوير وتقنين القضاء، السماح بتكوين وتأسيس جمعيات المجتمع المدني المستقلة، توسيع دائرة حرية التعبير في الصحافة والإعلام، إرساء مبدأ العدالة والمساورة وحق تكافؤ الفرص، محاسبة من تغوّل في التطرف والإقصاء والتمييز الطائفي والعنصري وسن التشريع الصارم ضد من يمارس هذه الأفعال وإخضاع صاحبها للقضاء.

الهتلان: توجيه رسالة أخيرة

طيب: أوجه رسالة لسمو وزير الداخلية: يا سمو الوزير لقد آن الأوان لأن تكون ثقافة حقوق الإنسان ممارسة دائمة ولا بد من إخضاع الجهات التنفيذية للإحاطة بحقوق الإنسان وإلزامهم بتطبيقها أثناء تعاملهم مع الناس في كل الظروف.

دوّنت الحوار فوزيّة علّوني لمنبر الحوار، الذي ننصح قرّاء “الشفّاف” بالإطلاع عليه:

http://www.menber-alhewar1.org/news.php?action=view&id=6336

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
13 سنوات

محمد سعيد طيّب: قلت لعبد العزيز بن فهد “الملكية الدستورية، وإلا فلن تبقى دولتكم”
دستوري — nada2010@hotmail.com

كلام جاي على الجرح- .. البلد بخير لان فيها مثلك يا طيب

دستوري

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading