بيروت: ثائر عباس
اتجهت الأنظار في الأعوام الماضية إلى رئيس كتلة نواب حزب الله في البرلمان اللبناني محمد رعد الذي شارك مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في لقاءات الحوار الوطني التي جرت في لبنان منذ عام 2005، قبل أن يصبح ممثله الرسمي فيها بعد انتهاء حرب يوليو (تموز) التي حتمت على نصر الله الابتعاد عن الظهور العلني. محمد رعد هو «الوكيل» الوحيد على هذه الطاولة التي تضم 14 قياديا لبنانيا، لكنه من دون شك أبرزهم لأن الحوار قائم حول السلاح الذي يحمله حزبه، وكلما قدمت استراتيجية دفاعية من المشاركين في الحوار تتجه الأنظار إلى رعد الذي غالبا ما يعطي «إجابات دبلوماسية وانطباعات سلبية».
وبخلاف ما يراه كثيرون من تصلب وتعنت في شخصية رعد، يقول معارفه وأصدقاؤه إنه شخص «حواري بامتياز» كما يؤكد قاسم قصير، الإعلامي اللبناني الذي رافق كـ«زميل» بدايات رعد في «اتحاد الطلبة» وكـ«صديق» في الفترات اللاحقة. رعد كان من أبرز الذين ظهرت عليهم ملامح التغيير في حزب الله بعد حرب تموز 2006. فقد تغير القيادي الذي اشتهر بدماثته ودبلوماسيته، وانتقل من صفوف «الحمائم» إلى «الصقور»، إن صح وجود مثل هذا التصنيف داخل حزب الله. لكن من المؤكد أن لهذا الأمر ارتباطا بالخلفية الفكرية التي قدم منها رعد، ألا وهي «حزب الدعوة» العراقي المنشأ الذي قدم أبرز القيادات الفكرية الشيعية اللبنانية قبل أن يذوب لصالح حزب الله. ولهذا ثمة من يتحدث من معارضي الحزب عن وجود اتجاه «كامن» في حزب الله أساسه القادمون من «حزب الدعوة» الميالون الى «إظهار الوجه السياسي والاجتماعي للحزب بدلا من العسكري والأمني». يقول أحد المتابعين لأحوال الحزب إن هذا التيار «قمع فكريا وتنظيميا بحيث أقصي أصحابه عن مراكز القرار الأساسية في الحزب، فمنهم من اختار الرحيل بضجيج، كما فعل الأمين العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي، أو بصمت. ومنهم من اختار البقاء في صفوف الحزب الخلفية». ويرى هؤلاء في رعد مشروع قيادي أحبطه وصول الأمين العام الحالي للحزب السيد حسن نصر الله الذي «أعطي ما لم يعط لغيره من قيادات الحزب من صلاحيات ودعم لا محدود».
ويقول سياسي لبناني بارز كان على صلة برعد، إن الأخير فاجأه بشكل مثير للدهشة بعد الحرب الأخيرة، فهذا الرجل الذي كنا نلتقيه ونحاوره ويلقي أمامنا النكات، تحول الى متصلب في الرأي والموقف. وأشار الى أنه التقى رعد أكثر من مرة قبل هذه الحرب، والتقاه مرة بعدها ليرى أمامه «شخصا آخر» ويضيف ضاحكا: «كأنما جرى استبداله في أحد مخابئ الحزب خلال الحرب». تطورت مواقف رعد باتجاه خطاب أكثر حدة منذ انتهاء الحرب الاخيرة بين حزب الله وإسرائيل التي ما أن وضعت أوزارها حتى اندلعت «الحروب الصغيرة» في السياسة وفي الشارع اللبناني. فقد خرج رعد بعد الحرب ليقول «ان الفريق الحاكم يتوهم ان باستطاعته إنتاج سلطة في لبنان وفق رغبته بعدما عطل رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، ويمكن القول انهم أغبياء وحمقى وليسوا واهمين فحسب، ونقول لهم ان لا خيار أمامكم إلا خيار الشراكة». واتهم فريق «14أذار» بانه «سلم أمره لأسياده الخارجيين»، وقال: «لم نقل عنكم لا خونة ولا عملاء ولكن نقول إن خياركم لا ينفع فلا تلزمونا خيارا كهذا، فنحن نريد ان نحفظ بقية ماء وجهكم حين ندعوكم ان تقبلوا بان تكون فقرة (فيها) حرص على حق المقاومة». وبعد اتفاق الدوحة والتعثر الذي أصاب عملية إعداد البيان الوزاري حمل رعد على «التعنت الذي يصرّ عليه المراهنون على المشروع الأميركي والصهيوني في لبنان»، في إشارة إلى فريق الأكثرية البرلمانية، مستغرباً كيف يرفضون «الالتزام بحفظ حق المقاومة حتى بعد انكسار شوكة العدو»، ومعتبراً أنّهم «وقعوا في مصيدة التزاماتهم» وأنهم «يثيرون الضجيج كي يسمعهم من تخلّى عنهم»، في حين أن المقاومة محصّنة بما سماه «معادلة إقليمية ودولية». ويعتبر رعد – المعروف بـ«أبو حسن» – من أوائل الذين عملوا على «التثقيف السياسي» في الحزب وقبله، وهو يمتلك قدرة لافتة على الحوار و«الاستماع»، خلافا لما يعتقده كثيرون ومنهم النائب وليد جنبلاط الذي وصفه ذات مرة بـ«الحيط» – أي الحائط – لإظهار تصلبه، قبل أن يعود ليتحاور معه لاحقا. فهو كان مع فنيش من أوائل الذين يسعون للتحديث داخل الحزب، وكان من اشد انصار مشاركة الحزب في الانتخابات النيابية. وهو كان كما يقول الصحافي علي الأمين الذي يعتبر من ابرز متابعي تجربة حزب الله، من أنصار بروز الجانب السياسي والاجتماعي للحزب على حساب الجانبين العسكري والأمني، وكان من الذين يعارضون داخل الحزب الوضع السائد فيه لجهة الابتعاد عن العمل العام وترك الساحة السياسية للرئيس نبيه بري مقابل الاحتفاظ بالعمل الميداني. أما التشدد الذي يظهر على رعد حاليا، فيبرره قصير بأنه «انعكاس للسياق العام الحاصل في الحزب بعد حرب لبنان الأخيرة».
ولد رعد في محلة المصيطبة في بيروت في عام 1955. والده كان حلاقا معروفا ومحبوبا في المنطقة ذات الغالبية الإسلامية السنية، لكنه ينحدر من بلدة جباع في اقليم التفاح بجنوب لبنان. وهو حاصل على إجازة من دار المعلمين والمعلمات في لبنان وإجازة جامعية في الفلسفة من كلية الآداب في الجامعة اللبنانية. وقد عمل رعد أستاذا للفلسفة في أكثر من مدرسة ثانوية في بيروت قبل أن يتفرغ للعمل الحزبي.
لم يكن محمد رعد يساريا في بداياته ولا «فتحاويا» نسبة الى حركة فتح، كما هي حال الكثير من القيادات السياسية «الإسلامية» التي «خاب ظنها من التجارب اليسارية والقومية فلجأت إلى الإسلامية». فمحمد رعد كان «إسلاميا» منذ بداياته، غير أنه لم يكن يعيش جوا «شيعيا» بل سنيا، إذ درس في مسجد منطقة المصيطبة في أجواء جماعة «عباد الرحمن». انضوى رعد في «اتحاد الطلبة» الذي كان يمثل ابرز إطار إسلامي قبل نشوء حزب الله، وهو اتحاد كان من ابرز واجهات حزب الدعوة، فكان رعد مسؤوله الإعلامي ورئيس تحرير الصحيفة الصادرة عنه. ومع انتصار «الثورة الإسلامية» في ايران عام 1978 كان نشاط رعد السياسي قد بدأ يتبلور في «اللجان الاسلامية» التي كانت احدى قنوات الاتصال مع الثورة الايرانية الناشئة التي وجدت على الساحة اللبنانية بين عامي 1978 و1982.
لم يرتبط رعد (ايضا بعكس الكثير من قيادات الحزب الحالية) بحركة «أمل». لكن صهره الحاج حسن شري كان عضوا في المكتب السياسي للحركة، وقد قتل اغتيالا على يد عناصر من «حزب البعث» الموالي للعراق في ظل المواجهة التي سادت بين «البعث» والتنظيمات الاسلامية على الساحة اللبنانية. وقد فرضت هذه الحادثة نفسها على شخصية رعد الذي كان متأثرا الى حد بعيد بالسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد حسين فضل الله وهما من أبرز رموز حزب الدعوة.
كان رعد من اوائل اللبنانيين الذين بدأوا «التواصل» مع ايران بعيد نجاح الثورة وقيام الجمهورية الاسلامية، وكان من أوائل الذين دعوا الى «التزام خط الأمام الخميني». ففي ذلك الوقت اتخذ حزب الدعوة قرار التواصل مع ايران بواسطة أحد ابرز قيادييه في لبنان الشيخ على كوثراني الذي غادر الى طهران واقام فيها حيث بدأ «التغلغل الفكري» للثورة يأخذ طريقه اليه، وكان أول من طرح فكرة قيام حزب الله في كتابه المعروف «طريقة حزب الله». أحدثت هذه التطورات خلافات عميقة داخل حزب الدعوة، وتحديدا بين الجناحين اللبناني والعراقي، وفيما التزم معظم اللبنانيين من أعضاء الحزب كلمة السيد الصدر الذي قال: «ذوبوا في الخميني كما ذاب هو في الإسلام». كانت هناك تحفظات من البعض كرئيس المجلس الإسلامي الشيعي لاحقا الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين وغيره. لكن اتجاه الفرع اللبناني من الحزب كان مع فتح علاقة مع ايران، ورعد كان من الذين تابعوا هذه العلاقة وخاضوا فيها الى العمق، وكان من ابرز قياديي «اللجان الاسلامية» التي نشأت في الفترة الفاصلة بين انتصار الثورة الايرانية عام 1978 وقيام حزب الله عام 1982.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وصلت وحدات من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان وأقامت مراكز تدريب في البقاع، بالتزامن مع قرار إنشاء حزب الله، وكان رعد من القيادات المؤسسة للحزب، وأشرف مباشرة على عمليات «التعبئة العسكرية» أي عمليات التدريب. فقد كان حزب الدعوة على مشارف الانتهاء في لبنان كبنية تنظيمية ونشأت «لجنة التسعة» لـ«إيجاد تشكيل إسلامي في لبنان على صلة بإيران» تألفت من 3 أعضاء من اللجان الإسلامية و3 أعضاء من حركة «أمل – الإسلامية» التي انشقت عن قيادة نبيه بري و3 أشخاص من «تجمع علماء البقاع». وقد ذهب هذا الوفد للقاء الإمام الخميني الذي قال لهم «ابدأوا من الصفر وقاتلوا إسرائيل» وكانوا نواة حزب الله ومنهم طبعا محمد رعد.
ساهم رعد في وضع النظام الداخلي للحزب، وكان من أوائل الأعضاء في قيادته، وشغل منصب مسؤول الإعلام فيه وكان رئيسا لتحرير صحيفة «العهد» الناطقة بلسان الحزب. وكان عضوا في أول مجلس شورى ينتخب للحزب خلال ولاية الامين العام السابق للحزب صبحي الطفيلي الذي كان على صداقة خاصة مع رعد، قبل ان تتجمد هذه الصداقة اثر الخلافات التي حصلت مع الطفيلي ورسمت حدودها بالدم في وقت لاحق خلال احتلال الطفيلي وأنصاره لحوزة تابعة للحزب وصدامه مع الجيش اللبناني. كما كان على علاقة خاصة بالشيخ نعيم قاسم زميل تجربته في «اتحاد الطلبة»، وهو كان ولا يزال على علاقة طيبة جدا مع الوزير الحالي محمد فنيش الذي يعتبره كثيرون «توأمه السياسي والفكري».
كان رعد – وفنيش – من الذين خرجوا من «شورى الحزب» لدى حصول «الحركة التصحيحية» على يد أمينه العام السابق عباس الموسوي وأمينه العام الحالي السيد حسن نصر الله، لكنه لم يخرج من الحزب كما فعل الطفيلي. ويرى كثير من المراقبين أن رعد كان يشكل «مشروع قائد» للحزب في فترات نشأته، وأنه بقي على هذه الحال حتى وصول السيد حسن نصر الله، وهو كان منافسا – وصاحب حظوظ في الوصول الى القيادة في تلك الفترة. ويشير الأمين إلى أن رعد كان يمثل الوجه الآخر للسلطة داخل الحزب، قبل أن يتراجع ويقبل بالأمر الواقع الذي فرضه ثلاثي «المال والسلطة الميدانية والقرار الإقليمي» وينكفئ بعد حصول ما يصفه الأمين بأنه عملية «تقليم أجنحة» بعض القيادات داخل الحزب والتي حصلت على مرحلتين، الاولى مع وصول نصر الله، والثانية مع بداية العام 1997 وصولا حتى عام 2000 حيث تعززت الى حد كبير صلاحيات نصر الله المالية والعسكرية والسياسية داخل الحزب وتراجع القيادة الجماعية القائمة داخل الحزب آنذاك نحو الكثير من المركزية.
كثيرون توقعوا أن يخرج رعد من الحزب في تلك الفترة، أو أن يقوم برد فعل ما، لكنه خالفهم جميعا وبقي ليتحول الى «شخص مسالم» بعدما رأى وجود موجة تسعى الى «مركزة القرار»، يضيف الامين، وتجميع المؤسسات الحزبية وربط العلاقات الخارجية للحزب بمركزية معينة. فرعد كان في تلك المرحلة يشكل «خطابا نقديا مهذبا» داخل الحزب، لكنه لم يدخل المعركة وبدأ يتحول الى شخص آخر مُسلِّما بالموجة السائدة التي كان يمثلها من يمسك بالعسكر والأمن والمال والعلاقة مع إيران، فتحول كما يختم الأمين من «مجتهد إلى مقلد».
انتخب رعد نائبا في كل المجالس النيابية التي انتخبت بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف وتمثل في البرلمان في دورات الأعوام 1992، 1996، 2000 و2005 عن المقعد الشيعي في النبطية. وهو رئيس لكتلة نواب «الوفاء للمقاومة» التي تضم نواب حزب الله والمتحالفين معه. لا يمتلك رعد صفة تنظيمية داخل الحزب في الوقت الراهن، فالشيخ قاسم هو المشرف الرسمي على العمل النيابي في الحزب، ولا يوجد لرعد أي صفة تنظيمية، بمعنى الصفة التنفيذية، لكنه من الذين يكلفون بـ«المهمات الخاصة» كمهمة تمثيل الحزب في الحوار. وكغيره من قيادات حزب الله لا يعرف الكثير عن الحياة الشخصية لرعد، لكنه «معروف بدماثته وتواضعه وقربه من الناس»، وهو من محبي سهرات «النرجيلة» وصاحب نكتة حاضرة وسرعة البديهة. متزوج من فاتن برغل ولديهما خمسة أولاد.