إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
وُلد عمر سليمان في ٢ يوليو 1936، وتوفّي في 19 يوليو 2012، وشغل منصب نائب رئيس جمهورية مصر العربية من 29 يناير 2011 إلى 11 فبراير 2011، وكان يرأس جهاز المخابرات العامة المصرية منذ 22 يناير 1993 حتى تعيينه نائبًا للرئيس.
وكما يليق بمدير جهاز مخابرات، فقد انتشرت التكهنات حول أسباب موته (أو “مقتله”، حسب بعض الروايات). ولم يتورّع كتاب مصريون وغير مصريين عن الزعم بأنه قتل في انفجار دمشق الشهير الذي قتل فيه مسؤولون أمنيون سوريون كبار!
السيرة التالية لـ”عمر سليمان” نشرها الشفاف في العام ٢٠٠٨، وظلت على صفحاته لمدة ٦ أشهر قبل أن يردنا تهديد من أحد “أصدقاء” عمر سليمان بـ”حجب الشفاف” في مصر (وربما التعرّض لمراسل القاهرة) إذا لم يُسحَب المقال عن الموقع! وكان سبب “غيظ” عمر سليمان هو أن اعتبر الكلام المنسوب له في مطلع الدراسة (قال عمر سليمان في القاهرة: “مؤسف أنه لم يُقتَل عدد أكبر من اليهود”) كاذباً و”مدسوساً” من الأجهزة الإسرائيلية”!
وقد فضّلنا في حينه “سحب المقال عن الموقع” (بعد ٦ أشهر من نشره) لأن ذلك أفضل من “سحب المراسل إلى مقرات الأمن”!
وللتذكير، فالدراسة التالية إسرائيلية، ومؤرخة في ٢٠٠٣، ولكنها ما تزال مفيدة للتعريف بالرجل الذي لعب دوراً أساسياً في تاريخ مصر.
الشفاف
*
كان اليوم بين أسوأ الأيام التي شهدتها إسرائيل منذ أن بدأت الهجمات الإجرامية المميتة تجتاح شوارعها. وكان كل هجوم يأتي في أعقاب الآخر، وتجاوز عدد القتلى في ذلك اليوم 20 قتيلاً. وفي مساء ذلك اليوم المشؤوم، قال عمر سليمان في القاهرة: “مؤسف أنه لم يُقتَل عدد أكبر من اليهود”. وحينما يكون الشخص الذي يدلي بمثل هذا الكلام رئيس المخابرات المصرية، أي أقوى رجل في مصر بعد الرئيس حسني مبارك، وواحداً من ثلاثة مرشّحين لخلافته، فلا بد أن بعض الناس في مقر حكومة إسرائيل سيشعرون بالقلق- خصوصاً إذا ما تذكّرنا كثرة تنقلات عمر سليمان إلى “مزرعة الجمّيز” التي يملكها أرييل شارون وسفره منها مباشرةً لعقد إجتماعات سرّية في مكتب ياسر عرفات في رام الله، ثم عودته مجدّداً إليها لكي يطلع كبار مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع على التطوّرات.
<img3228|center>
وحتى عامين فقط (أي في العام 2003)، لم يكن عمر سليمان معروفاً سوى في أوساط المخابرات ولحفنة من كبار المسؤولين السياسيين في إسرائيل. فالرجل الذي يدير أقوى وأهم منظمة إستخبارية في العالم العربي منذ 10 سنوات كان قد حافظ على صمت مطلق. ولكن العالم بأسره شاهده يوم الأربعاء الماضي وهو يتنقل بين مكاتب رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ومكتب رئيس الحكومة المعيّن (آنذاك) محمود عبّاس (أبو مازن). وبدا أن عمر سليمان هو الشخص الوحيد القادر على التوصّل إلى تفاهم بين الرجلين، وظهر سليمان كرجل دولة أسهم أكثر من أي شخص آخر في تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة.
وفي مصر نفسها، ما يزال الناس يحذرون من التلفّظ بإسم مدير المخابرات العامة. فالمخابرات المصرية تختلف عن منظمات الإستخبارات الغربية في أنها قوية خارج مصر، ولكنها مرعبة داخل حدود مصر بصورة خاصة. ويجدر بالناس عادةً أن يُراعوا الحذر حينما يقومون بجولة في القاهرة أو الإسكندرية. فربما كان بائع الجرائد، مثلاً، أحد عملاء عمر سليمان ورجاله.
إن موقعاً فرنسياً على الإنترنيت يتخصّص بالإستخبارات في العالم بأسره ويشتمل بالتالي على ألوف الإسماء، لا يشير مرة واحدة إلى إسم عمر سليمان مع أنه يدير منظمة إستخبارية كبيرة. وتعلّق مصادر إسرائيلية بأن غياب إسمه دليل على براعته وذكائه. وقال أحد هذه المصادر الإسرائيلية: “من هو عمر سليمان فعلاً؟ أي من هو عمر سليمان فعلاً بعد أن ننزع الطبقات الخارجية؟ أنا لا أملك الجواب على هذا السؤال، ولكن هذا الغموض هو ما يجعل منه ضابط إستخبارات جيداً، وما يشير إلى ما يتّسم به من حكمة وضبط للنفس”.
<img3229|center>
وبات إسم عمر سليمان مألوفاً في مصر منذ العام 2001 فحسب، مع أن ظهور إسمه كان عملية طويلة لها حساباتها. ففي البداية، تم السماح للتلفزيون المصري بإظهار وجهه خلف الرئيس مبارك قليلاً وبجانبه، وذلك بصفته عضواً في وفد مصري يحضر مؤتمرات قمة أو مناسبات كبرى. وفي الفترة نفسها، عرضت قناة “سي إن إن” الأميركية وجهه لأول مرة. وبعد ذلك، نشرت الصحف إسمه، بدون الإشارة إلى وظيفته، بصفته واحداً من كبار المسؤولين الذين يمكن أن يحلّوا محل عمرو موسى حينما يعتزل وظيفته (كوزير خارجية مصر) في مطلع العام 2001. وأشار “الأهرام العربي”، الذي يُعتَبَر جريدة المؤسسة الحاكمة بمصر، إلى إسمه لأول مرة في أبريل 2001. وقد ورد إسمه في نهاية خبر صغير، وورد بجانب الإسم أنه “مدير المخابرات”.
ويوم السبت الماضي، كتب سمير رجب في جريدة الجمهورية أن “عمر سليمان، الذي كان ذكر إسمه متعذّراً قبل سنتين تقريباً، اكتسب زخما ًكبيراً على الصعيدين المصري الداخلي والدولي” (هذا المقتطف تقريبي لأنه مترجم عن الإنكليزية بعد أن تعذّر الحصول على المقال الأصلي بالعربية). ولاحظ رجب أن سلطات المخابرات العامة توسّعت كثيراً في عهد عمر سليمان وأنه، الآن، يشارك في نشاطات إجتماعية وتعليمية، وحتى في قضايا تتعلق بمستشفيات. وبديهي أنه يقوم بهذا المهام علاوة على السلطات التقليدية التي تربتط بوظيفته الأصلية، وهي إدارة الأجهزة المصرية التي تتعامل مع جهازي “الشين بيت” و”الموساد” في إسرائيل. وعلاو على ما سبق، فدوره يجعل منه أعلى شخصية عسكرية في مصر.
يتابع سليمان وسائل الإعلام الدولية إلى درجة الهوس. وهو يعرف أن الصحافة الإسرائيلية والغربية هي صحافة حرة، ولكنه لا يستطيع أن يصدّق أنها مختلفة عنها في مصر، حيث تتحدث الصحافة بإسم الحكومة. وإذا ما قرأ مقالاً عن نفسه في الصحافة الأجنبية، فإنه يبحث دائماً في المقال عن رسالة مخبّاة من حكومة البلد الذي ظهر فيه المقال.
وفي مصر نفسها، لا يتم نشر مقال أو تقرير عنه سوى بعد استئذانه. وبناءً عليه، فإن مقال سمير رجب، سواءً كانت معلوماته صحيحة أم لا، يُظهر أن هنالك مساعي لزيادة شعبية عمر سليمان بإظهاره كشخصية مهتمة بالشؤون الإجتماعية. ويمثّل الإطراء الذي تضمّنه مقال “الجمهورية” المتعاطف إشارة مهمة إلى تنامي سلطة عمر سليمان وخروجه من دائرة الظل الإستخباراتية.
إن مهنة عمر سليمان، وعمره 65 سنة (66 سنة حالياً)، هي المحاماة وهو شخص متديّن جداً. وهو يقيم في حي “حصن الأندلس” الراقي في القاهرة، حيث يقيم كبار مسؤولي الحكومة المصرية تحت مراقبة مشددة من أجهزة الأمن وعلى مسافة غير بعيدة عن سكن الرئيس مبارك.
وللوهلة الأولى، يبدو عمر سليمان جاسوساً تقليدياً: فهو أجلح الشعر، ومتوسط الطول، أي شخص لا يلفت الإنتباه بصورة خاصة. ولكن للوهلة الثانية فإن الناس الذي اجتمعوا معه يقولون أن المرء يلاحظ عينيه السوداوين وتحديقته الثاقبة. وهو لا يكثر الكلام، أما عندما يتكلم فصوته يكون هادئاً ومنضبطاً وكلماته موزونة. ويقول شخص تعرّف عليه أنه “شخص يترك إنطباعاً قوياً. وهو يملك ما يسميه العرب الوقار أو السمو. إنه يتمتع بحضور قوي”. ويتصرّف سليمان بطريقة رئاسية، ويعبّر عن إعتداد بالنفس يندر مثيله في أوساط كبار الموظفين في العالم العربي. وهو معتاد على أن يتعامل الناس معه بوقار، كما أن المحيطين به يعرفون ما يريد وما هي حاجاته حتى قبل أن يعرفها هو. وتُقدّم له حاجاته في وقتها بالضبط. وتصل القهوة أو الطعام أو المشروبات غير الكحولية أو السجائر إلى مكتبه وفق مواعيد دقيقة.
يتمتع مكتب عمر سليمان بفخامة غير مألوفة، إلى درجة أن المرء يحسب نفسه في قصر ملكي. وقال مصدر في منظمة إستخبارات غير إسرائيلية كان قد زاره مراراً أنه “حتى على مستوى رؤساء الدول العربية الأخرى، فمكتبه ملفت للنظر. ومكتبه يرمز إلى مكانته، وإلى الطريقة التي ينظر الناس بها إليه، وإلى نظرته لنفسه. إن مكانته أعلى من مكانة مدير مخابرات- أعلى بكثير”.
ولكن عضو الكنيست يوسى ساريد يتذكر أن مكتب عمر سليمان عادي جداً ولا يلفت النظر على الإطلاق: “إن مكتبه مثل مكاتب الوزراء الإسرائيليين. وهو رجل يترك إنطباعاً قوياً، ولكنه غير مصاب بعادة التكلّف التي يعاني منها الحكام. وهو يخلق جوّاً حميماً منذ لقائك الأول معه، والحديث معه سلس كما لو أنك كنت تعرفه منذ سنوات. وهو شخص جذاب للغاية. إن الناس الذين يشغلون مراكز مثل مركزه يكونون متباهين عادةً، ولكنه ليس مغروراً على الإطلاق. لا أذكر أنني لاحظت فخامةً إستثنائية في مكتبه”.
إن الفارق بين هذين الوصفين هو أفضل مثال على طريقة سلوك مدير المخابرات المصرية. فالسياسي الذي يجتمع معه هو من نوع الأشخاص الذين يُتوقّع أن يسارعوا للحديث مع وسائل الإعلام وأن يفيدوا عن تفاصيل إجتماعهم معه، ولذا فهو يقابلهم في مكاتب عادية وبدون كلفة خاصة. أما حينما تُوجّه الدعوة لديبلوماسيين مهمّين أو لمسؤولي أجهزة إستخبارات، فإنه يتم استقبالهم في قصر سليمان حيث يكوّنون إنطباعاً مباشراً عن الإحترام الذي يلقاه من رجاله. وفي النهاية فإن كل شخص يلقى المعاملة التي يعتقد سليمان أنه جدير بها.
إذ يقف بجانب الرئيس مبارك، فإن سليمان يظلّ متواضعاً. ولكن ثمة شيئاً واحداً يتّفق حوله الجميع في ما يتعلق بعمر سليمان: أنه رجل كتوم، وبارع جداً، وموالي للرئيس مبارك بشكل واضح.
ورغم التعليق الذي أدلى به سليمان بعد الهجمات الإرهابية، فإن إسرائيل تعتبره شخصاً براغماتياً من الناحية السياسية وعنصراً إيجابياً في الشرق الأوسط. ويقول يوسي ساريد، معلّقاً على عمر سليمان الذي يعتبره شخصاً يخضع سلوكه لحساباته وشخصاً خالياً من الأفكار المسبقة: “لو كان بوسعنا أن نتعامل مع أشخاص مثله، فإن الشرق الأوسط كان سيصبح مختلفاً”.
ويُعتَبَر سليمان وطنياً مصرياً أولاً وقبل كل شيء. وهو يؤمن أن مصر ينبغي أن تلعب الدور الأساسي في الشرق الاوسط، ولهذا السبب فهو يعتبر الإرهابَ تهديداً رئيسياً ليس لاستقرار الشرق الأوسط فحسب، بل ولاستقرار النظام المصري.
ويقول عضو الكنيست حاييم رامون- الذي كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست السابق- أن سليمان “يخشى أن تنجح القوة المتزايدة للمنظمات الإرهابية في اختراق مصر، ولهذا السبب فهو يشعر بقلق دائم من العواقب التي يمكن أن تتسبّب بها الإنتفاضة الفلسطينية في مصر نفسها. وهو معني بالموضوع ويتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين إنطلاقاً من المصالح المصرية. وهو يدرك أن استقواء المنظمات المتطرفة في السلطة الفلسطينية سيعزز نموّها في مصر. وقد تعاطى في الموضوع منذ البداية، حتى قبل أن يخرج للعلن، لأنه الأقرب إلى الرئيس مبارك. وكان واضحاً أنه عزّز محادثات السلام والخط الذي يحبّذ المسار السلمي. وكان خطّه الأساسي هو أن السلام في المنطقة سيضعف المنظمات الأصولية في مصر. وهو مستعدّ للتحدّث مع أي شخص للوصول إلى الهدف الذي يؤمن به”.
إن عمر سليمان مسؤول عن مكافحة الإرهاب المحلي والإرهاب الدولي معاً، وهو يتعاون مع أجهزة إستخبارات مختلفة، بما فيها “الموساد”. وقد شدّد الاشخاص الذي عرفوا سليمان منذ سنوات على أن هذا التعاون ينجم عن تفاهم مفاده أن هنالك مصالح مشتركة بين الجانبين، وليس لأنه عميل لجهاز أجنبي ما.
ويزعم يوسي بيلين، الذي اجتمع مع سليمان في يناير 2003، أنه “لا يتّخذ موقفا ًعاطفياً ولا يؤيّد فريقاً بعينه. وهو منطقي جداً حينما يفكّر في الخطوات التي يمكن أن تعزّز النتيجة السياسية. وهو يبحث دائماً عن منفذٍ يعزّز حظوظ المسارات السياسية. ومن هذه الزاوية، فهو لا يمانع في التفاوض مع اليمين. وهو لا يمارس حسابات من هذا النوع، ولا يقاطع شارون. وهو يحمل وجهات نظر سياسية وديبلوماسية، ولكنه حتما مستعد للتفاوض مع الطرف الذي يجده أمامه.”
ويفضّل سليمان أن يظل على تواصل. ويقول بيلين: “لقد دعاني إلى مصر والتقيت به عدة مرات في مكتبه بالقاهرة. وكانت المحادثات ممتعة. وقد أعرب دائماً عن رغبته في الإجتماع مع أعضاء المعارضة (الإسرائيلية). أعتقد أن مبدأه الموجّه هو الحفاظ على الصلات مع مختلف اللاعبين بهدف إدامة المسار السياسي”.
وقال عضو البرلمان بنيامين بن إليعازر، الذي تعرّف على سليمان حينما كان وزيراً للدفاع، أن سليمان “شحص جدي للغاية، ومحترف، ويحظى بتقدير كبير وخصوصاً من الفلسطينيين. وقد أدهشتني معرفته الواسعة وإلفته مع كل شرائح الشارع الفلسطيني. وهو يعرف الجماعات الصغيرة وزعماءها في جميع المستويات. وكقاعدة عامة، فإن إطلاعه على ما يجري في العالم العربي يُعتبر إستثنائيا فعلاً”.
ويقول بن إليعازر أنه “واحد من أنجح مدراء الإستخبارات في المنطقة، وحسب خبرتي الشخصية فإنه يمكن التعويل عليه. وهو يلتزم بوعوده”.
وقد أقام المدير السابق للموساد، شابتاي شافيت، علاقات صداقة مع سليمان تتجاوز الطابع المهني للعلاقات بين مديري جهازين متشابهين. وحينما أصبح شارون رئيساً للحكومة لأول مرة، فقد أرسل شافيت إلى مصر نظراً لصلاته الشخصية مع سليمان.
وفي يوليو 2001، انكشفت الصلات السياسية بين كبار المسؤولين الإسرائيليين وعمر سليمان حينما تسرّبت إلى وسائل الإعلام أنباء زيارته لإسرائيل. وجاء في الصحف الإسرائيلية أن “مصر تقوم بتوسيع تدخّلها في الأحداث: وأن وزير المخابرات المصري اجتمع سرّاً مع رئيس الحكومة ومع وزيري الخارجية والدفاع يوم أمس”. وحينما نُشرت هذه الأنباء، اعتبر البعض أن هذا التسريب يمكن أن يهدّد العلاقات مع سليمان. ولكن التطوّرات اللاحقة أثبتت خطأ هذا التخوّف، بل ويبدو الآن أن التسريب الخاص بزيارة سليمان لإسرائيل كان متزامناً بصورة بارعة مع تسليط الأضواء على مدير المخابرات في مصر نفسها.
بدأ عمر سليمان بلعب دورٍ سياسي حينما اندلعت “إنتفاضة الأقصى”. واستدعت مصر سفيرها لدى إسرائيل، محمد بسيوني، لإجراء مشاورات معه في نوفمبر 2000، ولكنه لم يعد إلى وظيفته حتى تاريخ كتابة هذا المقال. وانتهى عمل عمرو موسى كوزير لخارجية مصر في مطلع 2001، وتم تعيينه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية. ويزعم البعض أن العلاقة الصعبة بين عمرو موسى وعمر سليمان كانت بين الأسباب التي أدّت إلى إبعاد موسى عن منصبه. وسرت إشاعات بأن سليمان سيخلف عمرو موسى في وظيفته، ولكن مبارك عيّن أحمد ماهر، الذي لم يُقِم علاقات عملية مع المسؤولين الإسرائيليين حتى تاريخ كتابة هذا المقال (في مايو 2003).
أدّت الإنتفاضة إلى نقل مركز الثقل من الشؤون السياسية إلى الشؤون الامنية، وكان ذلك سبب إبعاد مستشار مبارك للشؤون السياسية أسامة الباز وبروز عمر سليمان. ويقول مصدر أمني إسرائيلي: “في تلك الفترة، كان الباز هو الذي يفاوض في المكاتب الحكومية الإسرائيلية. ولكن الوضع تغيّر إبان العامين ونصف العام المنصرمين، حيث بات تركيزنا على القضايا الأمنية. إن أسامة الباز ليس الشخص المناسب للتفاوض مع مسؤولي الأمن الفلسطيني مثل محمد دحلان أو هاني الحسن. كانت الحاجة لشخص مطلع جيداً على الشؤون الأمنية”.
ومع الوقت باتت زيارات سليمان لمزرعة شارون موضوعاً لنكات يتبادلها الرئيس المصري مع المسؤولين الإسرائيليين. وحينما قام شمعون بيريز بزيارة مبارك، فإن الرئيس المصري اشتكى ساخراً من أن شارون قدّم وجبة غير مناسبة حينما دعا سليمان للعشاء. وقال مبارك، لتطرية الأجواء، أن شارون “قدم له 2 هوت دوغ فقط”.
وردّ شارون بالمثل. فقال لمبارك حينما تحدّث معه على الهاتف أنه في المرة القادمة سيهتم بمدير المخابرات العامة بصورة أفضل “وسأقدّم له 3 هوت دوغ”.
وإذا كانت إجتماعات سليمان مع المسؤولين الإسرائيليين ذات طابع ديبلوماسي، وموضوعها الرئيسي هي الرسائل والخطابات التي ينقلها من الرئيس مبارك، فإن دوره في مكافحة الإرهاب في مناطق السلطة الفلسطينية أكثر مغزى. فقد كرّس أياماً وليالي عديدة في مسعى للتوصل إلى إتفاقية هدنة بين “فتح” و”حماس”. واعتبر سليمان ذلك مشروعاً شخصياً وواظب على الإهتمام بهذه المسألة لأشهر عديدة في أواخر 2002 ومطلع 2003، ولكنه أخفق.
ويقول يوسي بيلين: “كان متفائلاً بفرض التوصل إلى إتفاق بين فتح وحماس، وشعر في مرحلة معينة بأن تلك هي مهمته الأساسية. بل وقال لي أن مبارك وضع ثقله الشخصي في الموضوع. وكان فشل المفاوضات خيبةَ أملٍ شخصية لسليمان. وفي مرحلة معينة، كان سليمان يعتقد أنه إذا ما استضافت القاهرة المفاوضات، فإن ذلك سيسمح بالتوصّل إلى صياغة تقبل بموجبها حركة “حماس” ما تقبله القاهرة وفتح”.
وحرّر عمر سليمان وثيقة طويلة بعنوان “خطة المشروع الوطني”. وكانت الوثيقة خلاصة للإتصالات التي أجراها مع عرفات (الذي التقاه في رام الله)، ومع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومع ممثلي المنظمات الفلسطينية الأخرى، وخصوصا فتح و”الجهاد الإسلامي”.
وكانت الفكرة من الخطة هي الحصول على موافقة المنظمات الإسلامية على وقف الهجمات الإرهابية، والقبول بوجود دولة إسرائيل، واعتماد حلّ دولتين لشعبين، أي قبول وجود دولة فلسطينية ضمن حدود 1967.
وفي محاولة للتوصّل إلى إتفاقات، دعا سليمان الفرقاء الفلسطينيين للإجتماع في القاهرة مرتين. واستضاف سليمان المتفاوضين في مجمّع حكومي مصري خاص، وعزلهم عن وسائل الإعلام لعدة أيام، وحاول أن يمارس ضغوطه ونفوذه إلى أبعد درجة ممكنة. وكان قد أعلن مراراً إبان الأشهر التي قضاها في متابعة هذا المشروع أنه تم التوصّل إلى مسودة إتفاق. ولهذا السبب فقد وافق على تمثيل مصر في مؤتمر لندن الذي نظّمه توني بلير عشية غزو العراق. واعتبر بلير ذلك إنجازاً كبيراً. وكان سليمان يعتقد أن هذا الحدث سيساعده لإقناع الفرقاء المعنيين بتوقيع إتفاقية مبرمة.
ولكن تلك لم تكن أول مرة يخيّب فيها الفلسطينيون أمالَ سليمان. ويقول ديبلوماسي أوروبي: “لم تكن المساعي الفاشلة للتوصل إلى إتفاق بين فتح وحماس أول مرة يخيّب الفلسطينيون آماله، ولهذا السبب فهو حانق عليهم. ولكنه شخص منضبط ويعرف كيف يخفي مشاعره تجاه الناس”.
وكانت التسوية التي توصّل إليها سليمان في ما بين عرفات وأبو مازن، وأدّت إلى تشكيل حكومة فلسطينية، مثلاً آخر على قدرة سليمان على إخفاء مشاعره. فإسرائيل تعرف أن سليمان، على غرار رئيسه، لا يحب عرفات. وهو يستخدم كلمات جارحة لدى الحديث عن رئيس السلطة الفلسطينية. وهو يحتقره ويزعم أنه يشكل عقبة، ولكن ذلك لم يحل دون سفره إلى مقر “المقاطعة” في رام الله ومن إقناع عرفات بأنهما أفضل أصدقاء.
ويقول نبيل شعث أنه “صديق حميم لعرفات. وحينما جاء سليمان لمقابلة عرفات يوم الأربعاء الماضي، فإنه كان إيجابياً للغاية ورقيقاً معه. وقد سمّاه أب الشعب الفلسطيني، وقال أن مكانته لن تُمَس، ووعد بمساعدته”.
ويزعم الخبراء الإسرائيليون الذين تمعّنوا في الموضوع أن سليمان توصّل إلى تفاهم بين عرفات وأبو مازن لأنه استخدم وزنه الشخصي، وتحدّث بإسم الرئيس مبارك، وكذلك لأن التفاهم يخدم المصالح الفلسطينية في الأمد البعيد وهذا ما يدركه عرفات. ويزعم شعث أنه منذ تخلي عمرو موسى عن وزارة الخارجية، فقد أنشأ عمر سليمان وكبار المسؤولين الفلسطينيين علاقة ثقة ساعدته في مهمة العثور على صيغة تفاهم. وقال شعث: “إن سليمان لم يكذب علينا أبداً خلال السنتين الماضيتين ونحن نثق به بعد أن جرّبنا عمله في عدد من القضايا”.
ويقول إسرائيليون سبق لهم اللقاء مع سليمان أنه يحمل تقديراً كبيراً لأبو مازن. وقد ذكر مراراً أنه الشخص الذي يمكن أن يحل محل عرفات. ويلاحظ هؤلاء الإسرائيليون أن أبو مازن لن ينسى أن سليمان رتّب الأمور لصالحه وأنه إذا ما طلب منه خدمةً في المستقبل، فلن ينسى أبو مازن أنه هو الذي سهّل له الوصول إلى رئاسة الحكومة وسيشعر أنه مدين له.
ولا يقتصر عمل عمر سليمان على الشرق الأوسط وحده. فهو يقيم علاقات وثيقة مع أجهزة إستخبارات أخرى، مثل “السي آي أي” التي وجّه لها تحذيراً بأن بن لادن ينوي بوضوح توجيه ضربة لم يسبق لها مثيل داخل الأراضي الأميركية. وجاء هذا التحذير قبل 8 أيام من عملية 11 سبتمبر.
إن أحداً في إسرائيل ليس مستعداً لتأكيد هذه المعلومة، ولكن الأشخاص الذين تعرّفوا على سليمان يقولون أنك حينما تتحدث إلى سليمان حول “القاعدة”، فستصاب بالدهشة إزاء مدى معرفته لها. وقال شخص مطّلع على هذا الموضوع: “لم يكن تحذير سليمان مدعاة للدهشة، لأن الذراع العملياتي لبن لادن يتألف من من تنظيمات مصرية كانت تسعى للإطاحة بالنظام في مصر وقد كافحها سليمان بنجاح؟”
وأضاف: “لا أعتقد أن مدير أي جهاز (إستخبارات) آخر يعرف أدق التفاصيل عن خصمه كما يعرفها هو. كما أن تحليله عن نوايا بن لادن “ليس عاطلاً على الإطلاق”. ورأيي هو أن علينا أن ننصت أكثر للمصريين وللأردنيين في هذه المسائل”.
وقد حقّق سليمان نجاحات كثيرة في مكافحة الإرهاب داخل مصر. إن المعرفة التي اكتسبها، وإلفته مع الإرهاب الإسلامي، وموقعه كمدير للمخابرات، جعلت “السي آي آي” تنظر إليه كمستشار ترحّب بالإستماع لآرائه. ويضيف مصدرنا: “يستطيع هو أن يساعد السي آي أي أكثر مما تستطيع السي آي أي أن تساعده، نظراً لخبرته في مكافحة الإرهاب الإسلامي”.
وبعد وقوفه إلى جانب مبارك حينما جرت محاولة لاغتياله في العام 1995، بدأ سليمان يستخدم المناورات الديبلوماسية والسياسية في حربه ضد الإرهاب في مصر. وذلك أسلوب نموذجي للعمل: مزيج متوازن من القوة والديبلوماسية. وتزعم مصادر إستخبارية، مثلاً، أنه رغبةً منه في الحفاظ على السلام (مع إسرائيل) وحماية السيّاح في سيناء من أعمال الأرهاب، قام سليمان بإغراق الشريط الواقع بين “طابا” و”شرم الشيخ” بالعملاء. وتضيف هذه المصادر: “حتى الموظفين الذين يعملون في فنادق سيناء- وأعني كل الموظفين- على صلة بالمخابرات المصرية ويرفعون التقارير لها”.
علاوة على مصلحتهما المشتركة في مكافحة الإرهاب في مناطق السلطة الفلسطينية، يلتقي سليمان وإسرائيل حول موضوع آخر مثير للقلق، هو إيران. ويختلف سليمان عن مدراء المخابرات العرب الآخرين في أنه يفهم التهديد الذي تمثّله الدول الداعمة للإرهاب. وينطبق ذلك على المسألة السورية. فهو يشعر أن له مصلحة في تهدئة “حزب الله” وفي الحؤول دون فتح جبهة شمالية على إسرائيل. والسؤال الوحيد هو ما إذا كان الرئيس الأسد سيصغي لرأيه.
كما ذكرنا في المقدمة، فإن عمر سليمان هو واحد من 3 مرشحين بارزين لخلافة مبارك- إلى جانب وزير الدفاع محمد حسين الطنطاوي، وإبن الرئيس جمال مبارك الذي يطلق عليه البعض لقب “جيمي”. ولكن هذا الإحتمال لا ينغّص نوم كبار مسؤولي وزارة الدفاع الإسرائيلية. ففي نهاية المطاف، ينظر هؤلاء إلى عمر سليمان كرجل دولة براغماني وواقعي يؤمن بأن مكافحة الإرهاب وتثبيت السلام، وتحقيقه، في الشرق الأوسط يخدم مصالح مصر.
وتستفيد دولة إسرائيل من وجهة النظر هذه ومن الجهود الحثيثة التي بذلها لتنفيذها في الواقع، حتى بصفته مديراً للمخابرات العامة. وتعتقد المصادر الإسرائيلية أن كلام سليمان الذي أعرب فيه عن سروره لموت عدد كبير من الإسرائيليين إثر موجة الأعمال الإرهابية ليس مهمّاً. ويقول خبير إسرائيلي حول المسألة: “لن يثير دهشتي إذا كان كبار المسؤولين في الدول العربية، بما فيها الدول المعتدلة، يشعرون بالسرور، على المستوى الشخصي، حينما تقع هجمات خطيرة ضد الإسرائيليين أو الأميركيين. إنهم لا يحبّوننا، نحن اليهود. وهم كانوا سيفضّلون لو أننا لو لم نكن موجودين في هذه البلاد. ولكن سليمان ليس ممن يعتنقون وجهة نظر سياسية شاملة مفادها أن سفح أية دماء إسرائيلية هو أمر يبعث على الغبطة”.
(نُشرت هذه الدراسة في جريدة “هآرتز” الإسرائيلية، بالإنكليزية، في 2 مايو 2003، ونشر “الشفاف” ترجمتها لأول مرة في سنة 2008)
محرّك الدُمى: مدير المخابرات العامة بمصر عُمَر سليمان (الدراسة المحظورة)
ليست المشكلة في العواطف ضد اسرائيل ، بل المشكلة في العمل الفعلي.