أتوقع أن هاني السباعي مدير مركز المقريزي في لندن ضحك كثيراً بعد أن قال: “ابن لادن والظواهري لم يحتفلا من قبل بأعياد الميلاد، لأنها بدعة غربية لا يقرّها الشرع، ولم يثبت أن الرسول الكريم أو الصحابة احتفلوا بأعياد ميلادهم”، وذلك رداً على تسليط الإعلام الغربي الضوء على بلوغ أسامة ابن لادن 50 عاماً قبل حوالي أسبوع.
ولماذا يضحك السباعي؟ لأنه يعرف جيداً أن الحديث عن البدعة يصير استخفافاً بالعقول بل ضرباً من الدجل إذا كان مُتجنب البدعة قاتلاً محترفاً مثل حالة الإرهابي ابن لادن وصاحبه، فأمام قتل آلاف الناس وإشاعة الخوف في بلاد الآمنين، يهون الاحتفال بعيد الميلاد بل والرقص فيه على أنغام الموسيقى الصاخبة.
فإذا كان احتفال ابن لادن بعيد ميلاده “الميمون” بدعة، فماذا يسمى هوسه بالقتل وخروجه على دولته وتدبيره التفجيرات فيها لضرب اقتصادها وأمنها؟ وكيف يصنّف تعبئته الشباب وغسل أدمغتهم وإرسالهم إلى الحتف هنا وهناك؟ وماذا يعتبر إرساله 19 رجلاً لقتل ما يزيد على 3000 إنسان كانوا منهمكين في أعمالهم التجارية؟
المشكلة ليست في رأس السباعي وحده، بل رؤوس كثيرة لا تعرف أن الأولوية هي تجنب الاقتراب من المحرّمات كالقتل ثم الابتعاد عن البدع كالاحتفال بعيد الميلاد، هذا إذا كان الاحتفال به بدعة أصلاً، فالبدعة كما يقال هي كل عبادة أحدثها الناس ليس لها أصل في الدين، فهل يحتفل الناس بأعياد ميلادهم باعتبارها عبادة يتقرّبون بها إلى الله زلفى؟
أذكر قبل سنوات، استضافت إحدى القنوات الفضائية اللبنانية مغنياً خليجياً في أحد برامجها الفنية. وفكرة البرنامج تتلخص في استضافة فنان في حلقة جمهورها من الشابّات، واستضافة فنانة في حلقة جمهورها من الشباب، وسؤال الضيف عن أموره الشخصية مع إعطاء كل سؤال ثلاثة خيارات، وأكثر من يقترب في إجاباته من إجابات الضيف، يحظى في نهاية البرنامج بالتجوّل معه في شوارع بيروت ساعة من الزمن.
حين سُئل المغني الخليجي عن سبب عدم احتفاله بعيد ميلاده في السنوات الأخيرة، أخفقت الفتيات في معرفة السبب، ولم يفلح حتى معدّ البرنامج في وضع إجابة متوقعة، فقد قال المغني بالحرف الواحد: عيد الميلاد بدعة. وكان طبيعياً أن تتشكّل ألوان قوس قزح على وجه مقدم البرنامج وعلى وجوه الفتيات المصعوقات من رد المغني.
وغاب عن المغني، أن الذي يعتبر عيد الميلاد بدعة، من البداهة أن يعتبر الغناء محرّماً، والخروج مع إحدى المعجبات في ساعة زمن حراماً بيّناً، بل يعتقدون أن كل فلس يكسبه المغني من غنائه حرام، وبالتالي يعتبرون شحمه ولحمه حراماً في حرام.
صحيح أن ارتكاب الإثم العظيم لا يبرّر ارتكاب الأخف، لكن الذي يقتل ويروّع الناس، كيف يتجرّأ على الكلام عن البدعة؟ والذي يضرب الخادمات، عليه أن يخجل قليلاً من الحديث عن الرأفة بالحيوان، والذي يشرب الخمر، عليه أن يبلع لسانه إذا تحدث أحدهم أمامه عن حرمة التدخين، على الأقل احتراماً لعقول الناس إن لم يكن هناك من داعٍ لاحترام المرء لنفسه.
* الإمارات