إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ميقاتي وبري وجنبلاط (وعون) هم أعمدة التيار “البيتاني” (نسبةً للماريشال الفرنسي بيتان) في لبنان. فهم تابعون، ومدينون بالفضل، لحزب الله لأنهم يستمدون شرعيتهم – في الهيكلية الرسمية الحالية – منه.
سوريا أو العراق أو ليبيا، التي طالما وجدت أعوانًا وعملاء محليين لتعزيز سياساتها المتطرفة، لم تعد موجودة. أما السعودية، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، فهي غير مكترثة البتة باللبنانيين “الكليبتوقراطيين” (“حكم اللُصوص”، حسب “الويكيبيديا”) الذين عاشوا طويلاً على سخاء هذه الدول، ثم خانوها، ومعها الخط العربي التقليدي، لصالح إيران ومحور الشر.
لا أحد مخدوع،
فهؤلاء السياسيون كلهم رجال أعمال أولاً وأخيراً. وتحالفهم مع حزب الله لم يكن عن قناعة (ومرة أخرى، ماذا فعلوا “عن قناعة”؟) بل عن عوامل كثيرة: الخوف، والنفعية، والانتهازية. فهم يريدون البقاء داخل بُنية الدولة حتى لو كانت الدولة على حافة الهاوية. وحتى لو كانت الدولة تتعرض لقصف ولهجمات شديدة من قبل إسرائيل، وحتى لو لم يبقَ من الدولة إلا اسمها فقط.
في الواقع، هم آخر الركاب على متن سفينة “التايتانيك”، ولا يستطيعون القفز من السفينة. ليس لأنهم لا ينوون ذلك (هناك الكثير من النوايا الخفية بذلك الإتجاه)، ولكن لأنهم لا يستطيعون السباحة في هذا البحر الهائج. طوّافاتهم و”سترات النجاة” الخاصة بهم غير مجدية، لأنها مصنوعة في إيران في حين أن البحر عربي أو إسرائيلي أو أمريكي أو أي شيء آخر غير إيراني.
لذا، وتحت ذريعة الحفاظ على البلاد – وجميع طوائفها – يريدون إنقاذ حزب الله للحفاظ على الوضع الراهن، والعيش يومًا آخر والأمل في مستقبل أفضل في ظل هدنة ما بوساطة أوروبية.
ولكن، ليس لأوروبا سلطة أو تأثير يذكر في هذا الصراع الحالي. وروسيا على الجانب الآخر. والصين أيضاً على الجانب الآخر من الكوكب. الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على رمي حبل النجاة لهم، وهم يأملون أن يأتي “آموس”، أو أي مبعوث آخر، لمساعدتهم في الخروج من هذا المأزق.
الآن فقط، متأخّرين 18 عاماً، أعادوا اكتشاف قراري مجلس الأمن الدولي 1701 (الصادر في 2006)، 1559، ولكن، هل القوات المسلحة اللبنانية على صلة بهم؟ وهل صحيح أن هنالك “عدواناً يشنه العدو الاسرائيلي المجرم على الشعب اللبناني”، أم أن حسن نصرالله هو الذي شنَّ “عدوان إسناد غزة” على إسرائيل، وهو ما أكّدهُ نعين قاسم بعد اغتياله؟ وهل ستقبل إسرائيل، وهل ستقبل الأغلبية اللبنانية الآن، بتطبيق القرار ،1701 (الذي “يَلحظُ” انسحاب قوات حزب الله لما بعد الليطاني) بعد اندثار حزب الله الوشيك؟
الحقيقة هي أن “ثلاثي التيتانيك” لم يَلحّظ أن بيانه جاء متأخراً 18 سنة فقط! ولم ينتبه إلى أن مطلب “وقف إطلاق النار الفوري” هو أصلاً “مطلب إسرائيلي” (!!) ظلَّ حزب الله (ومن خلفه حكومة ميقاتي) يرفضه منذ 8 أكتوبر 2023). ولم ينتبه إلى أن إرسال الجيش إلى جنوب الليطاني كان ينبغي أن يحصل منذ 2006 لولا رفض إيران وحزب الله وتخاذل الحكومات اللبنانية.
والأسوأ أن بيان “ثلاثي التيتانيك” يدعو “الشركاء في الوطن” إلى “انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية”، ولا يشير إلى أن الشغور الرئاسي نجم عن قرار حسن نصرالله بأنه هو وحده من يختار رئيس جمهورية لبنان وإلا.. لن يكون هنالك رئيس للجمهورية!!
الحقيقة أن ”حزب الله“ هو الذي يتوسل إليهم، حتى قبل مقتل نصرالله، لإيجاد حل لوضعه المترنح، وهم يتساهلون في هذا الطلب على أمل أن يؤمِّن لهم دوراً في أجهزة الدولة على رغم عدم وجوده أو وضعه المزري جدا..
إن اجتماعهم الثلاثي بدون أي زعيم مسيحي، أو حتى زعيم مسيحي رمزي من حلفائهم السابقين (أو من الحياة السابقة) هو أمر معبّر. فهم يريدون اغتنام الفرصة للعمل كـ”جبهة خلاص” في الحرب لجنيِ ثمار السلام. وهذا لن ينفّر المكوّنات المسيحية المناهضة لحزب الله فحسب، بل سينفّر جميع اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشارع منذ العام 2019 وصرخوا بصوت عالٍ وبقوة: ”كلن يعني كلن“. قد تظنون أنهم تعلّموا من الأحداث الجارية في غزة وفي لبنان. قد تظنون أن مقتدى الصدر في العراق قد قدم لهم تلميحًا للتخفيف عن أنفسهم. تظنون أن صمتَ بشار الأسد التكتيكي سيكون درساً وتلميحاً لهم بأن يتصرفوا بتواضع، وأن يُصغِّروا أنفسهم ويخرجوا من المسرح قبل أن ينهار فوق رؤوسهم.
في الواقع، تُظهر أفعالهم نمطَ الوهم السياسي اللبناني.
فقد دشّن القضاء على كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري عهدًا جديدًا في لبنان. ولن يكون اغتيال حسن نصر الله مختلفًا، وفي هذا العهد الجديد لن تكون الأدوات القديمة العتيقة مختلفة. وبما أنّهم لا يستطيعون تغيير مسارهم – بإرادتهم أو تحت الضغط – وبما أنّهم لا يستطيعون تغيير نغمتهم في حين أنّ المنطقة بأسرها – بما فيها إيران الرسمية بصوت رئيسها الجديد – قد غيّرت نغمتها الخاصة، فإنّهم سيهرولون إلى زوالهم السياسي.
لقد ثبت أن بُعدِ نظرِ جنبلاط (الذي لطالما وُصِفَ بأنه أفضل من غيره تناغماً مع المتغيرات الإقليمية)، وأن البراغماتية وبعضاً من الحس الوطني (الذي اشتُهر به “برّي” أو اتُّهِم به)، والموقف المعتدل والوسطي (الذي عُرف به ميقاتي) ليست إلا وهم.
الثمن سيكون باهظاً على البلاد، والنتائج على حزب الله كارثية بالفعل، وعواقب استمرارية هذا الثلاثي من السياسيين باتت واضحة تماماً.
وداعًا لما كان… ومرحبًا بما هو آتٍ!
إقرأ أيضاً:
حصري-مصادر: خامنئي حذر نصر الله من خطة إسرائيل لاغتياله ولم يعد يَثِق بأحد
.اسمح لي صديقي بيار ان اختلف معك بهذه القراءة.
و طبعا مع صديقي نوفل.
لا يمكن لحصول هذه الانعطافة لولا هذان او هذين الرجلان او الرجلين لست اعلم.
تبسيط الامور و تسطيحها و اخنزالها لا يقدموا قراءة متكاملة، و ان لا شك ان ما تقلونه يحمل الكثير من الحقيقة لكنه يغفل اكثر.