اختارت دول مجلس التعاون الخليجي عنوانا شائكا، بل شائكا جدّا، للنسخة الاولى من أعمال “المنتدى الاعلامي الخليجي” الذي استضافته المنامة قبل أيّام. كان العنوان “الاعلام والاتصال والامن القومي”. ما الاعلام؟ ما الاتصال؟ ما الامن القومي؟ ما الفارق بين الاعلام والاتصال وبين الامن الوطني والامن القومي؟ وما الفارق بين مفهوم هذه الدولة لامنها الوطني والقومي ومفهوم دولة أخرى لهذا الامن؟
كان لا بدّ من طرح كلّ هذه الاسئلة والاكتفاء باجوبة في غاية البساطة تشير الى أن دول مجلس التعاون تسعى الى تلمّس طريقها في عالم يتغيّر بسرعة الضوء. من بين هذه الاجوبة البسيطة أن تنظيم الاعلام بكلّ اشكاله، أي الاعلام الالكتروني والاعلام المكتوب والمرئي ووسائل الاتصال الحديثة بدءا بتغريدات “تويتر” وانتهاء بالصحف والمواقع الالكترونية، لا تعني بأي شكل أنّ هناك رغبة في تقييد الحريات.
هناك رغبة في تنظيم أوضاع معيّنة طرأت على المشهد الاعلامي وغير الاعلامي. انها أوضاع يصعب ضبطها وصفها وزير الاعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة بـ” تسونامي هاجم علينا”. لم يتردد الوزير السعودي الذي تحدث في الجلسة الختامية للمنتدى في القول:” نكتشف كلّ يوم شيئا جديدا”. هناك بالفعل جديد يطرأ في كلّ يوم. وهذا الجديد لا يمكن التعاطي معه الا بشفافية وانفتاح.
اتفق على ذلك كل المشاركين في ختام المنتدى وذلك في جلسة شارك فيها اضافة الى الوزير السعودي، كلّ من وزير الاعلام الكويتي الشيخ سلمان الحمود الصباح ووزيرة الدولة لشؤون الاعلام في البحرين السيّدة سميرة رجب ووزير الاعلام العماني الدكتور عبدالمنعم الحسني وممثل لقطر، حيث لا وزارة للاعلام منذ خمسة عشر عاما، هو السيد مبارك الكواري الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للاعلام وممثل لدولة الامارات هو السيد أبراهيم العابد مدير المجلس الوطني للاعلام.
أكد المنتدى أمرا واحدا يتمثل في أن تنظيم الاعلام يحتاج الى تشريعات جديدة وليس الى قيود من أي نوع. أجمع المشاركون في الجلسة التي ادارها الزميل ماضي الخميس الامين العام لملتقى الاعلام العربي على أن هناك تحديات جديدة تواجه دول مجلس التعاون.
لا مفرّ من مواجهة هذه التحديات. ذهبت سميرة رجب الى حدّ القول:” لقد تطورّت التكنولوجيا الحديثة للمعلومات والاتصالات بصورة رهيبة في السنوات القليلة الماضية، وزادت الطين بلّة، اذ جعلت الشعوب غير المواكبة لهذه التطورات وغير المنفتحة على تعديل التشريعات أكلة سهلة أمام ماكينات وسائل الاعلام الدولية التي تعمل بصورة ذكية وامكانات ضخمة بما يجعل من الصعب على بعض الدول التفريق بسهولة بين الاعلام الموجّه من جهة وحقّ شعوبنا في الحصول على الاخبار والمعلومات وممارسة حرية الراي والتعبير من جهة أخرى”.
من خلال متابعة جلسات الندوة، يبدو أن هناك فوضى في حاجة الى تنظيم. الجميع اعترف بذلك. فالكويت كما قال الشيخ سلمان الحمود اختارت الخروج بما يسهل عملية الاتصال والتواصل، مضيفا أنّه عندما عُرض مشروع الوزارة الهادف الى وضع قانون جديد وحديث يتعلّق بتنظيم عمل وسائل الاعلام، بما في ذلك وسائل الاعلام الالكترونية، كانت هناك انتقادات وتحفّظات. اختار رئيس الوزراء تجميد المشروع من دون أن يغيب عن البال أن الهدف النهائي يتلخص بـ”حماية المجتمع”. لكنّ الكويت مستمرة في جهودها الهادفة الى اصدار قانون جديد يواكب التطورات من جهة ويحمي المجتمع من جهة أخرى من دون أي تقييد من أي نوع للحريات أو مسّ بحقوق المواطن.
كانت المداخلات التي خرج بها المشاركون في المنتدى مفيدة. كشف العابد أن لا مشكلة لدولة الامارات مع الاعلام الحديث. ما يدلّ على ذلك السماح باقامة المناطق الاعلامية الحرّة. هناك الف وستمئة وخمسون مؤسسة اعلامية في دبي ومئتان وخمسون مؤسسة اعلامية في المنطقة الحرة في أبوظبي ونحو خمسمئة في الفجيرة وعشرات في رأس الخيمة. هناك بكلّ بساطة تعاط مرن مع التطورات ومواكبة لها، خصوصا أن أبواب الامارات مفتوحة أمام مئات المؤسسات الاعلامية من مختلف انحاء العالم…في ظلّ قوانين تحمي الصحافيين والمؤسسات التي يعملون فيها.
تكمن أهمية المنتدى الذي استضافته المنامة في أن دول مجلس التعاون الخليجي تعرف معنى الاعلام واهميته ومدى خطورته. وقد عبر عن ذلك صحافيون من ذوي الخبرة شاركوا في المنتدى من بينهم رئيس تحرير “الاتحاد” الزميل محمّد الحمادي الذي دعا الى ان يكون القانون هو الحكم، ذلك أنّ “جزءا من ضعف الاعلام العربي غياب التشريعات التي تعطي كلّ ذي حقّ حقّه”. كذلك، كانت هناك مداخلة قيّمة للزميل جمال خاشقجي الذي يشرف على تأسيس فضائية عربية جديدة انطلاقا من المنامة. وقد تميّز خاشقجي في طرحه بالواقعية وتأكيده أن لا مفرّ من التكيف مع التطورات التي يعيشها العالم والمنطقة والارتفاع الى مستواها.
أما السيّد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير “اخبار الخليج” فقد القى الضوء على مخاطر السياسة الاميركية الجديدة في المنطقة واستهدافها البحرين في الخطاب الاخير للرئيس أوباما في الجمعية العمومية للامم المتحدة.
ما كشفه المنتدى الاوّل لـ”الملتقى الاعلامي الخليجي” وجود جدّية في التعاطي مع التحديات التي تتعرّض لها دول الخليج. الاكيد أن لا وجود لسياسة اعلامية موحّدة، أقلّه الى الآن، في غياب الفهم المشترك لطبيعة العدو الذي يهدّد الامن القومي في منطقة الخليج حيث تتعرّض البحرين لهجمة شرسة. هذا العدو، الذي يراهن على اثارة الغرائز المذهبية، معروف جيّدا. وقد زادت خطورته مع التوجهات الجديدة للادارة الاميركية الحالية التي لم تعد تفرّق بين العدو والصديق وهي تبحث عن انتصارات سياسية من نوع ما. سيتبين عادلا أم آجلا أنّ مثل هذه الانتصارات أقرب الى أن تكون انتصارات وهمية من أي شيء آخر.
في انتظار عودة الادارة الاميركية الى رشدها ليس أمام مجلس التعاون باعضائه الستة سوى حماية مصالحه. اعلاميا وسياسيا واقتصاديا. يستطيع أن يفعل ذلك من منطلق الاقتناع أن ليس في الامكان الفصل بين التهديدات التي تتعرض لها البحرين، وهي ايرانية في جزء منها، وبين الامن الخليجي ككلّ. هل مثل هذه القناعة متوافرة؟