مجمع البحوث الإسلامية.. مأمور مراقبة الصادرات

0

عندما يسمع الإنسان اسم «مجمع البحوث الإسلامية» الذي يمثل القمة الفكرية لجامعة عريقة مثل الأزهر، يتصور علماء أجلاء يجابهون ما يتعرض له الإسلام من هجمات، ويحاولون الوصول بمنظومة المعرفة الإسلامية – التي وضعت من ألف عام – إلى عالم العصر الحديث وقضاياه ومشاكله وتحدياته التي لم يكن العصر القديم يتصور – مجرد تصور – وقوعها، وأن يعكفوا على الدرس ويتابعوا مسيرة الثقافة ويخرجوا للناس دراسات فنية رفيعة تسهم في إثراء الحياة الحديثة، وتتعامل مع ما يطرحه العصر من مشكلات بروح علمية تليق بهذا الاسم الضخم «مجمع البحوث الإسلامية».

ولشد ما يفجع الإنسان عندما يرى أن البحوث هي آخر شيء يفكر فيه المجمع الموقر، فهناك ما يعتقد أنه أسمى من ذلك وهو أن يتسلح بالضبطية القضائية، ليصادر أي كتاب يبدي رأيا جديدًا أو يجد حلاً لمشكلة مستعصية أو يخالف المذاهب المقررة أو يعود إلى القرآن الكريم ليستنطقه دون أن يلجأ إلى ترجمان أو يدرس جوانب الإبداع والأصالة في القيادة النبوية أو يقدم الإسلام كرسالة تحرير للجماهير من الأسر والأغلال وإخراجها من الظلمات إلى النور.

وتصور أن من أهم ما يعني المجلس الموقر مراقبة الصادرات من كل الكتب الإسلامية التي تصدرها المكتبات إلى أسواق العالم ومكتباته، ينبغي أولاً أن تمر على المجلس الموقر، وماذا يفعل المجلس الموقر وأعضاؤه المثقلون بالمهام الجليلة؟ هل يقومون بمراجعة الألوف المؤلفة من الكتب التي يرسلها الناشرون إلى المجمع؟ فلماذا يحمل اسم «مجمع البحوث الإسلامية»؟ ولا يكون اسمه «مجمع مراقبة الصادرات»؟

لقد أرسلنا منذ أسبوعين خمسمائة نسخة من ستين كتابًا عن طريق شركة أرامكس إلى الكويت، وكان لا بد قبل أن تذهب للطائرة أن تذهب إلى المجلس الموقر ليصرح بخروجها، فإذا كان سيخرجها دون مراجعة فما قيمته؟ وإذا كان سيراجع فكم يأخذ ذلك من وقت؟ إن كتابًا واحدًا من هذه الكتب – نحو فقه جديد- من ثلاثة أجزاء في ٧٠٠ صفحة، يكون على المجمع إذن أن ينفض يديه من البحوث وأن يعكف على المراجعة، وكيف تستقيم معاملات تجارية ومالية مع هذا المنطق؟ ويكون على الشحنة المطلوب إرسالها اليوم أن تمكث لدى المجلس أسابيع وأسابيع.

وقد يفهم شخص ما أن يراقب المجمع ما يطبع في مصر حماية للشعب مما يسيء إلى الإسلام أو يناقض عقيدته، وقد يفهم هذا الشخص أيضًا أن يراقب ما يدخل إلي مصر من كتب من أطراف العالم، وما أكثر الذين يكيدون للإسلام في الخارج ويفكرون في نقل أفكارهم إلى مصر، ولكن ما لا يمكن أن يفهمه أحد أن يراقب المجمع الموقر الكتب التي تصدرها مكتبات مصرية، تكون بالطبع كتبًا طبعت في مصر وطلبتها مكتبات في الخارج، فهل يريد المجمع الموقر أن يبسط حمايته المباركة على الخارج كما بسطها علي الداخل، وأن يحمي شعوب الخارج من السموم التي يمكن أن يصيبهم بها كتاب الشعب المصري.

وهذا كله هو الجانب الإجرائي، وهو أقل الجوانب، على ما يحمله من عطلة وعرقلة وتوقيف، أما الجانب الأهم فهو أن العالم بأسره قرر حرية الفكر من وقت طويل، وأنه ليس لأحد أن ينصب نفسه رقيبًا على فكر المفكرين، وأن ما يفعله المجلس هو ما كانت تفعله الكنيسة الكاثوليكية منذ خمسمائة سنة عندما كانت تحرم على عامة الشعب قراءة الأناجيل وتقصرها على الكهنة الذين يحللون ويحرمون كما يريد البابا، وعندما تراجع الفكر وتنكر أن يقولوا إن الأرض كرة، وأنها تدور حول الشمس، وأن البشرية تعود إلى ملايين السنين وليس إلى أربعة آلاف عام كما قيل في بعض الكتابات المقدسة، فقد كان ذلك من الأسباب التي أدت بالمفكرين إلى الثورة على الكنيسة الكاثوليكية والقضاء على نفوذها في هذا المجال بإصلاح مارتن لوثر وقيام الثورة الفرنسية.

إن الأزهر العامر يعيد إلى التاريخ تجربة تعسة أخرت البشرية حتي تحررت منها مع الفكر الإسلامي الذي لا يعترف بكنيسة، والذي يقرر كتابه العظيم القرآن حرية الفكر حتى لو كانت إيماناً أو كفرًا.

إن الفضيحة العظمي التي لا تماثلها فضيحة أخرى هي أن مجمع البحوث الإسلامية يعمل في تناقض تام مع ما جاء به القرآن الكريم وما بينه الرسول «ع».

إن القرآن الكريم لم يمنح الرسول «ع»، وهو حامل الرسالة من سلطة سوى التبليغ، أما ما بعد ذلك فليس له أي دخل، إن له أن يبلغ «فَمَنْ شَاءَ فَلْيؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيكْفُرْ»، وإذا رفضوا دعوته، أو حتى آذوه، فليس له أن يرد عليهم «وَدَعْ أَذَاهُمْ».

إن الرسول «ع» ليس له سلطة على الناس، فليس حفيظاً عليهم، ولا جبارًا، ولا مسيطرًا، ولا حتى وكيلاً «وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِوَكِيلٍ».

ألم تقرأوا الآيات العديدة التي تقرر ذلك؟ فكيف تعطون لأنفسكم سلطة لم يعطها الله تعالي للرسول «ع» نفسه؟

ألم تقرأوا «فَمَنْ اهْتَدَي فَإِنَّمَا يهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يضِلُّ عَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُمْ بِوَكِيلٍ»؟
ألم تقرأوا الآيات العديدة التي ذكر فيها القرآن الردة، فلم يوقع على المرتدين عقوبة دنيوية، ولكنه توعدهم بالعذاب في الآخرة؟

أنتم الذين تحاربون مفاخر الإسلام وتفرضون عليه آراءكم التي تخالف الحرية، وتخالف القرآن، وتخالف الرسول «ع»، وتجعلون الإسلام سجناً من دخله فليس له أن يخرج منه، وتفرضون علي الناس أحكامًا قال بها أئمة من ألف عام كأنما هي أحكام الله؟

أنتم الذين تعطون أعداء الإسلام أدلة يدعون بها تأخر الإسلام ومعاداته للعدل والحرية.

أنتم الذين تجمدون الإسلام فيما قاله الأسلاف، كأن الأسلاف أنبياء معصومون، وكأننا لا نتعبد بالقرآن والرسول «ع»، ولكن بكلام الأئمة الأعلام.. إذا كان لكم من حق في مجال النشر فهو مراجعة طبعات المصحف الشريف والتأكد أن ليس فيها خطأ أو انحراف، أما ما عدا ذلك فليس لكم فيه أدنى حق.

ولكن من المؤسف أن القانون قد أعطى المجمع الحق في أن يتابع المطابع ودور النشر والتوزيع وتداول المصحف الشريف، وهل يستطيع المجمع أن يتحول إلي موظفين يهرولون ما بين المطابع ودور النشر والمكتبات لفحص طبعات المصحف، وكان يمكن أن ينص على أن كل من يريد أن يطبع المصحف أن يعرض الطبعة قبل ممارسة الطبع بالفعل ويأخذ موافقته، وأن يقيد هذا الحق بما يحول دون إساءة استخدامه كأن يكون رد المجمع خلال أسبوعين مثلاً في حالة عدم وجود مؤاخذة، وفي حالة وجود مؤاخذة تذكر ويبين تصحيحها.. الخ.

إن المادة تجعل مجمع البحوث الإسلامية يدع كل مهامه ليستطيع القيام بالإشراف على «طبع ونشر وتوزيع».

ومع هذا فإن مذكرة قدمها السيد وفا أبو عجور الأمين العام السابق لوزير لمجمع البحوث الإسلامية والخاصة بطلب الضبطية القضائية يقول فيها «إنه تحركت فرق من مجمع البحوث الإسلامية بعد وجود شكاوى كثيرة تفيد بوجود مصاحف كثيرة للتداول بها أخطاء في جوهر النص القرآني مما يثير مشاعر المسلمين الغيورين على كتاب الله وعلي الدين بالإضافة إلى طبع المصحف الشريف والكتب الدينية والأحاديث دون الحصول على ترخيص من مجمع البحوث الإسلامية».

فهذه الكلمات تستنكر طبع المصحف الشريف والكتب الدينية والأحاديث دون الحصول على ترخيص من مجمع البحوث الإسلامية.

فإذا كانت الصلاحيات المزعومة لمجمع البحوث تضم أولاً طبع المصحف الشريف، ثانياً الكتب الدينية، ثالثاً الأحاديث، فماذا تركوا للفكر الإسلامي.

لا تظنوا أيها السادة أننا سنستسلم، سنلتقي في ساحات القضاء، حتى نتوصل إلى تحرير الفكر الإسلامي من رقابة مجموعات من الشيوخ بحكم وظائفهم. وشتان ما بين الإسلام، والوظائف.
الإسلام يمثل الحرية، يمثل الإيمان، بينما تمثل الوظائف البيروقراطية والخضوع للأوامر.

gamal_albanna@infinity.com.eg

* القاهرة

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading