الجريمة البشعة في قضاء سنجار التي حصدت ما يزيد عن 800 قتيل وجريح من الأيزيديين الآمنين ودمرت منازلهم التي لا زال العديد منهم تحت أنقاضها، أكبر مذبحة دموية يرتكبها الإرهاب الأصولي تضيف آثاماً للمقتلة اليومية الجارية باسم “المقاومة العراقية”، الوحش المنفلت على الشعب العراقي بكافة مكوناته، والذي لم يلق بعد من يضع حداً لجرائمه الهمجية ضد الإنسانية والحضارة والحداثة وكل ما هو جميل في الحياة.
العمليات الوحشية للمجموعات الإرهابية استمرار لتاريخ طويل من المذابح خبرها الأيزيديين في كل العهود، رغم أنهم لم يحملوا السلاح يوماً في وجه أحد ولم يصارعوا على السلطة في أي وقت، كشعب مسالم له ديانته الخاصة ولا يرغب من الحياة سوى تأمين الرزق وممارسة الشعائر بحرية والتعايش مع الجيران المختلفين بأمان واحترام وكرامة. لم يأت وال عثماني لبغداد إلا واستعرض قوته بتدبير مذبحة لهم وما يرافقها من نهب وسبي، ولم يشذ عن ذلك النظام الصدامي الذي شملهم بالتعريب والتهجير القسري، والإبادة ضمن حملات الأنفال الشهيرة.
المجزرة الأخيرة ليست الأولى فقد سبق أن قتل العشرات من الأيزيديين في محافظة الموصل، بعد تهديدهم بالقتل من أميرها السلفي فيما يسمى “دولة العراق الإسلامية” إن لم يتركوا مدينة الموصل، وآخر عمليات جماعته خطف بائعي زيتون أيزيديين ورجمهم حتى الموت في ساحة تجمع فيها الناس ليهتفوا “الله أكبر”!! منتشين بالعمل البربري. لم يسلم من سفاح الموصل المسيحيين والصابئة المندائيين الذين ذبح منهم العديدين وهجر الآلاف بعد تخييرهم بين القتل واعتناق الإسلام أو دفع الجزية. حتى المسلمين طالبهم “الأمير” بترك الأقضية التي تسكنها الأقليات وإلا تعرضوا لقطع أعناقهم.
ما يدعو للاستغراب أن سفاحي ما يدعى بالمقاومة الذين استباحوا العراق وأهلها، يتصرفون كأن “الخلافة الإسلامية” قد أحيت وأن عليهم باسم الدين، الذي هو براء منهم، إبادة كل من يختلف عنهم في المعتقدات والهوية التكفيرية، فإرهابهم مسلط على الجميع في غياب تصدي فعال لهم من الحكومة العراقية والقوات متعددة الجنسية، فأحزاب الحكومة لاهية بصراعاتها على السلطة في سفينة تشرف على الغرق، بدل توحيد جهودها حول هدف رئيسي :
القضاء على الإرهاب وحل المليشيات المذهبية المسلحة، فلا حياة للعراق دون إنجاز هذا الهدف، وبعدها يمكن التنافس على السلطة ضمن حدود القوانين النافذة.
وإذا كانت القوات متعددة الجنسية غير قادرة حتى الآن على تحقيق الأمن للمواطنين العراقيين، فإن ذلك يرجع المسؤولية للمجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة ودول العالم، فيما عدا الدول المجاورة الداعمة للإرهاب بالفتاوى والمساندة السياسية والتمويل والتدريب والأسلحة والممرات الآمنة وقواعد الانطلاق.. فالمطلوب عقد مؤتمر عالمي لتقرير إجراءات فعالة لاستئصال الإرهاب من العراق، فأمن المواطنين العراقيين عندما تعجز حكومتهم عن حمايتهم، مسؤولية المجتمع الدولي كما حدث في شمال العراق عندما أعلن منطقة آمنة من البطش الصدامي أوائل التسعينيات، ثم في البوسنة وكوسوفو ودارفور…
أما الجامعة العربية فلن تتعدى إدانة الجريمة، ناهيك عن مؤتمر الدول الإسلامية الذي لن يختلف عنها في عجزه، طالما أن العروبة متكاملة مع الإسلام والأقليات يجب صهرها، كما نظر لذلك أساطين القومية العربية ومنهم مؤخراً الأستاذ معن بشور الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي المتكامل مع المؤتمر الإسلامي – القومي، إذ نفى في مقاله بصحيفة “النهار” -8 آب- وجود أقليات في العروبة، وتبنى نظرية أن لا أقليات دينية أو مذهبية أو عرقية في المنطقة التي تسكنها “أكثريتان”: أكثرية عربية يدمج فيها المسلم وغير المسلم، وأكثرية مسلمة يصهر فيها العربي وغير العربي أي الكردي والأمازيغي والافريقي والشركسي…!
والإسلام بالنسبة للمسيحيين –برأيه- ثقافة، دون تحديد أي ثقافة يعني: ثقافة قطع الأعناق والأيدي والأرجل والرجم وقتل المرتد، أم ثقافة دار الإيمان ودار الكفر والجهاد ضد الكفار إلى أن تقوم الساعة، أم ثقافة إلغاء الرسم والموسيقى والغناء والرقص، أم ثقافة الرجال القوامون على النساء وحبس المرأة في البيت…
ولم ينتبه بذلك لأقوام مثل الكلدو-آشوريين والأرمن، المسيحيين في نفس الوقت، والايزيديين الكرد أتباع ديانة توحيدية لا علاقة لها بالإسلام، وربما ذنبهم الذي يعاقبون عليه بقسوة أن لا مكان لهم في تصنيفه “البدعة”، الذي هو، حسب تعبيره، جزء من “مهمة –رسالة”، لا نرى أنها تختلف سوى في الصياغة عن الرسالة الخالدة للحكم العراقي السابق التي اعتمدت تجاه مكونات العراق المتعددة، أو عن “الرسالة الإسلامية” المدعاة للسلفية الراهنة، لكن النتيجة واحدة : القومية العربية المتكاملة مع الإسلام تصهر جميع المكونات القومية والدينية والمذهبية والوطنية القطرية..
طالما أن هذا التعريف والتصنيف مستمر دون الاعتراف بالتعددية والخصوصيات المتميزة للمكونات وحقوقها الكاملة، فسيبقى هناك دائماً من يفسر الصهر في “الاكثريتين” على طريقته الخاصة، مثل النظام الصدامي في حلبجة والأنفال، وسفاح الموصل وأمثاله في سنجار وشتى أنحاء العراق.
* كاتب فلسطيني – دمشق