منذ أيام غيب الموت مصطفى طلاس وزير دفاع نظام الأسد لمدة تزيد عن ثلاثين عاما، وهو أحد الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بالإضافة لجرائم أخرى كنهب الأموال العامة والفساد والابتزاز وغيرها من الجرائم.
والجرائم ضد الإنسانية المتهم بها هي أولا بصفته وزير الدفاع فهو مسؤول عن كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها جيش النظام خاصة سوريا في بدايات الثمانيات في حلب وجسر الشغور وحماه حيث تم قتل أكثر من أربعين ألف سوري وتم تدمير مدينة حماه وجزء من مدينة حلب، وتم تغييب الآلاف من السوريين بالمعتقلات ما زال أكثر من ثلاثة آلاف منهم مجهولي المصير. كما هو مسؤول عن مجزرة تدمر التي تم فيها قتل حوال ألف معتقل في مهاجعهم بالرصاص. كما هو مسؤول عن كل الجرائم والانتهاكات التي قام بها الجيش الأسدي في لبنان من عمليات قتل وتدمير ومجازر كمجزرو تل الزعتر وغيرها واغتصابات وتهجير قسري وسرقة ونهب.
بالإضافة إلى مسؤوليته المباشرة عن آلاف الإعدامات خارج نطاق القضاء التي وقع على أوامرها بتصديق قرارات المحاكم الميدانية العسكرية. وقد اعترف بهذه الجريمة بكل وضوح بالمقابلة الصحفية التي أجراها وأكد فيها قيامه بالتوقيع على أوامر الإعدام تلك كما وضح بشكل مباشر أن استيلائه على السلطة كان بقوة السلاح أي بشكل غير شرعي وأن من يريد أخذ السلطة منه فلا يوجد أمامه وسيلة سوى السلاح والقوة.
بالإضافة إلى ذلك فهو مسؤول عن نهب أموال السوريين بصفقات سلاح مشبوهة أو بسرقته الأموال مباشرة دون وجود أ ي رقابة أو محاسبة على ميزانية وزارة الدفاع . وكذلك ترؤسه لحلقة فساد حكومية تبدأ بابتزاز أهالي المجندين ولا تنتهي بانغماسه بالأعمال التجارية المشبوهة . هذا إذا تجاهلنا الجرائم المنسوبة إليه حول اغتصاب أو محاولات الاغتصاب التي قام بها مع نساء المعتقلين أو غيرهم والتي تسرب عنها قصص كثيرة ونترك لهم الكشف عنها والادعاء بها .
أمام موت المتهم بارتكاب هذه الجرائم هل يمكن القول بأن ملف العدالة ومحاسبة المجرم قد طوي؟
في القضاء الجزائي العادي فإن موت المتهم يوقف الملاحقة الجزائية ويطوي الملف القضائي ويبقى للمتضرر مراجعة القضاء المدني للمطالبة بحقوقه .
في الجرائم ضد الإنسانية فإن المقاربة تختلف وموت المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن يطوي ملف العدالة، لأن هدف فتح ملف العدالة يختلف بهدفه عن العدالة للجرائم العادية .
فالهدف من فتح ملف العدالة بالجرائم ضد الإنسانية ليس فقط معاقبة المجرمين والتعويض على الضحايا بل لكشف الحقائق وتعريتها وفهمها وتوضيح ظروفها ودوافعها وكشف جميع المشاركين بها والمحرضين عليها، لأن الكشف عن هذه الجرائم هو الذي يخدم إعادة بناء المجتمع، ويهدف إلى بناء سلم أهلي وجعل من هذه الجرائم ومحاسبة المجرمين درس وأمثولة للمستقبل وتذكير الأجيال القادمة بها حتى لا تتكرر هذه الجرائم مرة أخرى .
لذلك فإن موت مصطفى طلاس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمنع فتح ملف الجرائم التي ارتكبها، ولا يمكن القول أن ملف العدالة تجاهها قد أغلق وطوي، وأن التعويض لضحايا هذه الجرائم قد أصبح مجرد حق مدني .
هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا يؤثر على الإدانة موت أو عدم موت المتهمين بارتكابها , ولا يمكن نسيانها أو تجاهلها، لأن ذلك يعني ترك ألغام متفجرة للمستقبل يمكن أن تعيق أو تمنع قيام سوريا المدنية الديمقراطية , وإعادة بناء السلم الأهلي فيها.
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية