تعيش إسرائيل منذ الحرب الفاشلة في لبنان، هزة أرضية عنيفة لا تريد أن تهدأ. شعبية رئيس الحكومة أولمرت، والحكومة كلها، في الحضيض. ويتفق كل المراقبين أن حكومة أولمرت ليست قادرة، مهما فعلت، أن تستعيد الشعبية. ليس النقاش: هل تسقط حكومة أولمرت، بل: متى تسقط؟
وقد شكَّلت حكومة أولمرت الفاشلة نفسها لجنة التحقيق القضائية التي فحصت الفشل وأسبابه وجاءت بتقرير مذهل في عمقه وحَّدته، ومذهل في كشفه الصارخ لنقاط عجز الحكومة.
وقد كان تقرير “لجنة فينوغراد” الحافز المباشر لعاصفة سياسية من الغضب والاحتجاج ضد حكومة أولمرت. وهناك عشرات الأشكال الجماهيرية للاحتجاج العاصف ضد حكومة أولمرت والمطالبة باستقالتها. بل إن أوساطاً واسعة تريد انتخابات برلمانية جديدة تقود إلى حكومة جديدة بديلة لحكومة أولمرت.
ليس بإمكان أي وصف أن يقدِّم صورة كاملة للعاصفة السياسية والإعلامية التي تغمر إسرائيل في هذه الأيام. والصحافة عادت تنشر تقارير جديدة، مذهلة، حول نقاط ضعف سياسية، معمِّقة، بذلك، عدم الثقة بالحكومة وعدم الاتكال على الحكومة لقيادة دولة إسرائيل!
هناك عاصفة داخلية في حزب العمل وهناك عاصفة داخلية في حزب “قديما” وكل وزير في قفص الاتهام.
كل هذا يجري في إسرائيل تحت سمع وبصر الحكومة، ويجب أن لا ننسى أن الحكومة هي التي شكّلت لجنة فينوغراد لكشف أخطْاء الحكومة.
إذا أردنا مواصلة استعمال أسلوب أحمد سعيد، وأسلوب الإعلام العربي في التعامل مع إسرائيل يمكن القول إن كل هذه الهزة الأرضية في إسرائيل هي “لعبة”، وربما يقول المتخلفون أكثر، إن كل هذا جاء بتوجيه من الولايات المتحدة!
لماذا نلف وندور ونهرب من الحقيقة وهي أن إسرائيل في التعامل مع نفسها، هي نظام ديمقراطي حقيقي وأن الرأي العام قادر أن يعصف ويسقط أية حكومة، وأن مَن يجلس الآن إلى وراء المِقْوَد يمكن أن يصير غداً أو بعد غد، سياسياً مهزوماً في المعارضة.
لماذا لا نعترف بان الشعب في إسرائيل ليس فقط أهم من الحكومة، بل أيضاً أنه هو هو الذي يختار الحكومة وهو الذي يسقطها متى شاء، إذا تطلبت التطورات والأزمات السياسية ذلك؟
نحن العرب الفلسطينيين، المواطنين داخل إسرائيل، ندرك على جلدنا أن الديمقراطية الإسرائيلية ظالمة تجاهنا، لا تعطينا المساواة الكاملة ولا تعطينا المشاركة الكاملة. نحن، إلى حد بعيد.. نتفرج على الديمقراطية الإسرائيلية!!!
ولكن، هل يجوز أن نضع رؤوسنا في الرمل ونتجاهل أن هناك ديناميكية ديمقراطية نشيطة في إسرائيل، وأن النظام الديمقراطي يجعل كل سياسي، والحكومة كجسم، تحت الرقابة الشعبية وتحت رقابة الإعلام.
لماذا لم تكن عندنا الشجاعة أن نفكِّر، مهما يكن هذا التفكير مؤلماً. إن الديمقراطية الحقيقية الواسعة للشعب اليهودي هي ما جعلت إسرائيل قوية عسكرياً أيضاً وقوية سياسياً ومتطورة اقتصادياً وعلمياً؟ إن النظام الديمقراطي يجعل كل مواطن قادراً- بل مطالباً-على التفكير، يجعله يقارن بين كل الخيارات المطروحة، يجعله غير خائف أن يفكر وأن ينتقد، وأن ينزع الثقة من حزب ويعطي الثقة لحزب آخر.
الفضائيات العربية، في السنوات القليلة الماضية، تعطي صورة عن الصراع الداخلي في إسرائيل ويجب الزيادة والزيادة، في إعطاء الصورة الكاملة، حتى يدرك المواطن في دنيا العرب، الفرق الشاسع بين النظام الديمقراطي في إسرائيل والأنظمة الدكتاتورية، الطائفية والعشائرية الوراثية الرابخة على صدر شعوبنا العربية.
هل كان بإمكان الشعب العراقي أن يعترض على شن نظام صدام حرباً على ايران؟ هل كان بإمكان أهل المليون شهيد أن يتظاهروا ضد صدام وعصابته؟ ألم يكن صدام يأخذ 100 بالمائة من الأصوات، وذات مرة حصل على 106 بالمائة وكاد النظام ينصِّب صدّام نبياً مرسلاً؟
هل كانت هزة سياسية حقيقية في مصر وسورية بعد هزيمة حزيران 1967؟ هل كان شعب ليبيا قادراً أن ينتقد حماقات نظام القذافي التي لا أول لها ولا آخر؟ ليست حرية الشعوب العربية هي المغتصبة، فقط، بل خيرات الشعوب العربية كلها، مغتصبة من قبل الأنظمة الدكتاتورية سياسياً اللصوصية اقتصادياً، القامعة لحقوق الإنسان التي تسجن بلا محاكمات، وتقتل وتدفن، بدون قدرة الشعب على الاعتراض والاحتجاج.
هل صدفة أن أوطاننا العربية التي عندها خيرات طبيعية هائلة، نفطية وغير نفطية، هي أوطان للفقر والأمية والعذاب بينما الدول التي أفقر من دولنا تنعم بحياة إنسانية جيِّدة، في ظل الديمقراطية؟
إن العالم العربي إذا ظل على حاله –نهب خيراته من الأجانب ومن الظالمين المحليين، وزيادة طبيعية عالية وفقر مُدْقِع واتساع للأمية وتخلُّف عن آفاق التقدم الاقتصادي والعلمي والاجتماعي والثقافي، فأخشى ما نخشاه أن نجد أنفسنا ..خارج الحضارة!
هل نعرف لماذا تحترم الولايات المتحدة إسرائيل ولا تحترم الدول العربية؟ الولايات المتحدة تعتقد أنها حامية الأنظمة العربية وأن الأنظمة العربية يجب أن تشكر أمريكا صباح مساء،ويجب أن تعطيها النفط العربي مجاناً ويجب أن تعطيها كل الأسواق العربية لأن هذه الأنظمة العربية الدكتاتورية المتخلفة لا تعيش بدون الوصاية الاستعمارية الغربية، بينما إسرائيل تجنِّد يهود أمريكا للضغط على أمريكا لدعم إسرائيل.
إن العالم يتقدم بسرعة صاروخية. وهناك دول كانت متخلفة جداً، في شرق آسيا، تقدمت بشكل هائل ورفعت مستوى معيشة شعبها. حيث انتصرت الديمقراطية وتقلَّص الفساد وانتشر التعليم، وساد الشعب- هناك تقدم اقتصادي واجتماعي وتعليمي وتكنولوجي. وعندنا حيث الأنظمة الفاسدة والمتخلفة والظلامية والدكتاتورية تحكم كما تشاء وتتصرف كما تشاء، وتتعامل مع الشعب كقطيع يجب أن يكون مطيعاً-كأنما هذه هي إرادة الله سبحانه وتعالى-فإننا نلاحظ أن التخلف يقود إلى مزيد من البطش وحياة شعوبنا أبشع من الموت!
طالما أن الحاكم هو الراعي وهو الذئب والشعب هو القطيع المطيع، فلن تتحسن حالتنا بل سوف تسوء. وعندما يصبح الشعب سيِّد بلاده وسيِّد حكامه يطلع الفجر على أوطاننا العربية المعذبة والحزينة.
عندما يصير الشعب سيِّد الموقف..يتغير الموقف.
salim_jubran@yahoo.com