إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
في محاكاةٍ لما كان يقوم به “غازي كنعان” و”رستم غزاله” و”جامع جامع” وسواهم من عُسُس الاحتلال السوري (الأسدي) للبنان، وصل “عباس عرقجي”، وزير خارجية ايران الى لبنان قبل يومين، ليُؤَنِّبَ المسؤولين اللبنانيين الذين تجرأوا وطالبوا بوقف اطلاق النار، وتطبيق القرار الدولي 1701، وفكِّ مسار غزة عن جنوب لبنان، وانتخاب رئيسٍ للجمهورية لا يمثل تحدياً لاي فريق لبناني!
“وحدة المسار مع غزة”، هي نفسها ما كانت، قبل 2005، “وحدة المسار والمصير مع سوريا”، “وشعب واحد في دولتين”! فكان لبنان يدفع ثمنَ الحروب وسوريا تفاوض، واليوم لبنان يدفع ثمن الحروب وإيران تفاوض.
المفارقة ان المسؤولين اللبنانيين على ضفتي الصراع معارضين وممانعين، أدمنوا الخضوع، فهم انفسهم كانوا ينفذون إرادة المحتل السوري، ها هم انفسهم اليوم يطأطأون رؤوسهم للمحتل الايراني.
وها هو نبيه بري يتراجع ضمنا عن مبادرته وإن من دون أن يعلن عن ذلك بعد ان عنَّفه عرقجي
لم ينتفض احد في وجه عرقجي!
لم ينتقد احد تفرُّدَ وزير ايراني لا يتقن حتى اللغة العربية باتخاذ قرار بالقتال حتى آخر لبناني عموماً، وحتى آخر شيعي خصوصا!
وما شأن عرقجي باللبنانيين ولبنان ليضع في جيبه قرار وقف الحرب؟
لعل موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي حين انهى ديبلوماسيا الاجتماع مع عرقجي احتجاجا على صلافة الاخير ومنعه من التصريح من منبر السرايا الحكومي، هو الوحيد على ضعفه، الذي مثل انتفاضة لبنانية في وجه الوالي الايراني.
حقيقة الامر ان لا ساسةَ في لبنان ولا “رجال دولة”! فعلى الرغم من كل المتغيرات التي تضرب المنطقة لا زال هؤلاء يفكرون في حسابات الربح والخسارة في المخاتير والبلديات وفي احسن الاحوال في الانتخابات النيابية، او على الطريقة اللبنانية “عند تغيير الدول احفظ رأسك“.
سياسيا، حاول رئيس مجلس النواب ايهام الفرقاء اللبنانيين بأنه يطرح مبادرة لحل الازمة الرئاسية كمدخل للبدء في معالجة آثار الحرب الاسرائيلية، ولكنه في الواقع باع معارضيه من بضاعتهم، حيث نصّت مبادرته على التراجع عن شرط الحوار قبل انتخاب رئيس، عمليا هذا لا يمثل تراجعا بل استغلال فائض قوة شريكه لفرض مرشحه على باقي الشركاء في الوطن، فالدستور اللبناني لا ينص على حوار يسبق انتخاب رئيس بل هذا “عُرف” حاول بري فرضَه على اللبنانيين اسوة بباقي “الاعراف” التي فرضها.
ثانيا طالب برئيس توافقي، وهو لطالما اعتبر ان سليمان فرنجيه هو رئيس توافقي. بمعنى ما هو لم يتراجع عن تسمية فرنجيه!!
قد يكون التراجع الوحيد هو من ضمن مواصفات الرئيس، الذي لا يشكل تحديا لاحد، علما ان اكثر من فريق سياسي اعتبر ان فرنجيه يمثل تحديا له.
أما عن تطبيق القرار الدولي 1701 ووقف اطلاق النار، فجاء الجواب اليوم على لسان رئيس الحكومة، الذي قال في حديث لقناة سكاي نيوز عربية، “لم اكن انا الباديء في اطلاق النار لكي أوقف النار“!
عن اي وقف اطلاق نار تتحدث المبادرة في حين أن من اطلقها لا يملك قرار وقفه؟
اما تنفيذ القرار 1701 فقعد نعاه “عرقجي” من عين التينة.
عمليا انتهت مبادرة الثلاي بري ميقاتي جنبلاط.
ولكن في المقابل، ماذا يفعل سائر الفرقاء؟
“القوات اللبنانية” تلتزم صمت القبور! فلا مبادرة سياسية تساهم في إخراج البلد من أزمته، مع أنها تضمّ اكبر كتلة نيابية. فبعد المؤتمر الذي دعت اليه القوات في معراب لتنفيذ القرار 1701، لا وفود نيابية تجوب العالم لتطالب بتنفيذ القرار ولا حتى لجنة لاستكمال ما تم بحثه، وانتهى المؤتمر بانتهاء تلاوة البيان الذي أُريدُ منه الايحاء بأن الدكتور سمير جعجع هو زعيم المعارضة في البلاد!!
ايضا في كلمته في مناسبة إحياء ذكرى “شهداء المقاومة اللبنانية” بداية شهر ايلول المنصرم، مدَّ جعجع يده لحزب الله، ورفض صيحاتِ محازبيه “حزب الله ارهابي“، ونهَرَهُم من على المنبر لإسكاتهم، ما يوحي بصدق معلومات حوارٍ كان يقوده “عراب معراب”، ملحم رياشي، و”خازني”، مع حزب الله لتسويق جعجع رئيسا لجمهورية؟!
وثالثة الاسافي، الاتصالات التي بدأتها زوجته، السيدة ستريدا، بالقيادات السياسية لمطالبتها بالمسارعة الى انتخاب زوجها رئيسا للجمهورية الآنت قبل ان يجدوا انفسهم مضطرين لانتخابه لاحقا؟!
جبران باسيل يتحسس رقبته سياسيا، بعد كل الضربات التي تلقاها حليفه منذ اتفاق مار مخايل المشؤوم في 6 شباط من العام 2006، ويجهد في تسويق تمايزه عن الحزب الايراني، ولكن نفاقه مكشوف وكذبه معروف، وهو الذي ينقلب على التفاهمات وتوقيعه، قبل صياح الديك وقبل ان يجف حبر التوقيع.
حاول باسيل الالتحاق بمبادرة بري، وعرض ان يكون الرابع في الصورة، ولكن لم يقبلوه!
رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل، يبدو حائرا في اي موقف يتخذه! فعَينُه على “القوات” من جهة و””باسيل” من جهة اخرى، والعينين على حزب الله! من هنا مواقفه ملتبسة وغير مفهومة معظم الاحيان.
بالاختصار لا مبادرات سياسية على المستوى المسيحي، بل تنطيق عليهم الحكمة الصينية الشهيرة ” لا تنتقم.. اجلس على حافة النهر وانتظر.. وذات يوم سوف يجيء التيار حاملاً معه جثة عدوك.”.
تفكيكُ بنية حزب الله سيحدث فراغا سياسيا وامنيا في البلاد، بغياب اي فريق قادر على ملء هذا الفراغ. والمسيحيون مطالبون قبل غيرهم بالجهوزية التامة لاعادة تصويب بوصلة الدولة والمؤسسات. فلا خيارات التقسيم تنفع، ولا خيار الفيدرالية ينفع، ولا الخروج على اتفاق الطائف يُجدي، ولا القول “ما بيشبهونا” ينفع! فعند الجذّ استقبلهم جمهوركم كلبنانيين، ويشاطرهم لقمة العيش والمأوى، بكل رحابة صدر، وها هم وسطَكم في مدارسكم وكنائسكم وبيوتكم الفارغة التي اجّرتُموها لهم. وجمعياتكم الاهلية تجهد لتامين القوت والمأوى لهم، فمن أين اتيتم بمقولة “لا يشبهوننا”؟
‘إذا كنتم اعجر اليوم من ان تبادروا الى إنقاذ وطنكم كالرجال، فلا تبكوه لاحقا كالنساء.