إن تقديم استجواب للوزير ولو كان عن أعمال مارسها الوزير أثناء حمله الحقيبة الوزارية ذاتها في الفصل التشريعي السابق، ولم يكد مداد مرسوم تشكيل الحكومة يجف، يكون افتئاتاً على صلاحيات الأمير الدستورية في منح الثقة بالوزير في التشكيل الجديد للحكومة.
الاستجواب من منظور دستوري
لم يكد مداد مرسوم دعوة مجلس الأمة للانعقاد للفصل التشريعي يوم الحادي عشر من شهر ديسمبر الماضي يجف حتى قدم يوم 15 يناير الجاري استجواب إلى الشيخ سلمان الحمود وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب، والذي سيدرج على جدول أعمال جلسة 30 يناير الجاري لمناقشته.
ولا جدال في أن الاستجواب حق دستوري لكل نائب، بل هو أهم أدوات الرقابة البرلمانية، وهي بدورها أساس الحكم الديمقراطي، لأنه يفتح الباب لمناقشة واسعة يشارك فيها أعضاء المجلس حول ما يثيره الاستجواب من قضايا لتتكشف الحقائق التي قد تكون غابت عن البعض، خصوصاً أن غاية الحكومة وغاية المجلس هي المصلحة العامة وتفعيل وسائل الرقابة البرلمانية باعتبارها إحدى القنوات الدستورية للكشف عن أي خلل، وتقويم أي اعوجاج في تطبيق القوانين، ومادام الخطأ وراداً فإن النقد والتوجيه والنصيحة بل المحاسبة والمساءلة واجبة.
كما أن الاستجواب يعتبر أخطر أدوات الرقابة البرلمانية لما يؤدي إليه من طرح الثقة بالوزير أو طرح عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، لذلك يحيطه الدستور بمجموعة من الضمانات والإجراءات والمواعيد، التي تكفل استقرار الحكم، وهو الركيزة الأولى في الدستور التي يقوم عليها نظام الحكم.
لذلك فإن ما يستوقفنا في الاستجواب المقدم إلى السيد وزير الإعلام من منظور دستوري لا أملك سوى أدواته هو ما يلي:
أولا- محاور الاستجواب سابقة على ثقة الأمير:
تقول المذكرة التفسيرية- وهي ملزمة شأنها شأن نصوص الدستور- إن الدستور جعل حجر الزاوية في كفالة الاستقرار في الحكم متمثلاً في الأمور التي عددتها، ومن بينها أن “الدستور ترك مجالاً واسعاً لتصرف رئيس الدولة أو السلطة التنفيذية دون رجوع سابق إلى مجلس الأمة أو دون الرجوع إليه كلية، مثال ذلـك… الاستعاضة بثقة رئيس الدولة في تشكيل الوزارة عن حصولها على ثقة مجلس الأمة عقب كل تجديد لانتخابات هذا المجلس”. (مادة 98).
فلم يأـخذ الدستور بما تأخذ به بعض الدساتير من وجوب حصول الحكومة عند تشكيلها، وفي أي تعديل وزاري على الثقة من البرلمان، فإن لم تحز الحكومة أو الوزير المعين في التعديل على ثقة البرلمان، يعود الأمر إلى رئيس الدولة ليعيد تشكيل الحكومة، أو لتعيين وزير خلاف الوزير الذي لم يمنحه البرلمان ثقته. فقد اكتفى الدستور بالثقة التي يمنحها صاحب السمو الأمير لرئيس مجلس الوزراء، بإصداره أمره الأميري بتكليفه بتشكيل الحكومة، ويمنحها للوزراء عند تعيينهم، حيث يعين صاحب السمو الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء، كما يجدد هذه الثقة برئيس مجلس الوزراء وبمن يتم اختياره من الوزراء في بدء كل فصل تشريعي. لذلك فإن تقديم استجواب للوزير ولو كان عن أعمال مارسها الوزير أثناء حمله الحقيبة الوزارية ذاتها في الفصل التشريعي السابق، ولم يكد مداد مرسوم تشكيل الحكومة يجف، يكون افتئاتاً على صلاحيات الأمير الدستورية في منح الثقة بالوزير في التشكيل الجديد للحكومة.
وهو ما قاله المرحوم الدكتور عثمان عبدالملك في مقال له في بداية السبعينيات على صفحات جريدة “الأنباء” من أن الثقة الجديدة من صاحب السمو الأمير ترفع مسؤولية الوزير السياسية عن أعماله في وزارة سابقـة.
ثانيا- برنامج عمل الحكومة:
كما اكتفى الدستور بالنص في المادة (98) على أن “تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنـامج”. وفي سياق تفسير المذكرة التفسيرية للدستور للمادة (98) سالفة الذكر تقول المذكرة ما يلي:
” أوجبت هذه المادة على كل وزارة جديدة أن تتقدم فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، ولكنها لم تشترط لبقاء الوزارة في الحكم طرح موضوع الثقة بها على المجلس، بل اكتفت بإبداء المجلس ملاحظاته بصدد هذا البرنامج، والمجلس طبعا يناقش البرنامج جملة وتفصيلاً، ثم يضع ملاحظاته مكتوبة، ويبلغها رسميا للحكومة، وهي– كمسؤولة في النهاية أمام المجلس- لا بد أن تحل هذه الملاحظات بالمكان اللائق بها وبالمجلس المذكور”.
ومؤدى نص المادة (98) من الدستور، وتفسير المذكرة التفسيرية للدستور لأحكامها- وهو تفسير ملزم- أنه يمتنع تقديم أي استجواب لطرح الثقة بالوزير أو عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء قبل عرض الحكومة لبرنامجها ومناقشته، وإبداء المجلس ملاحظاته عليه، لأنه يفترض أن تتضمن هذه الملاحظات، ما شاب عمل الوزراء من أخطاء في الماضي إن وجدت ليتداركوها، ولتتم محاسبتهم ومساءلتهم بعد ذلك عن استمرارها بعد إعطائهم الفترة الكافية لإصلاح أخطاء الماضي، ما لم تكن هذه الأخطاء لم تتكشف إلا بعد إبداء ملاحظات المجلس على برنامج عمل الحكومة.
ثالثاً- أعمال الوزير في وزارة سابقة:
قضت المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 9 لسنة 2004 بجلستها المعقودة بتاريخ 9/ 10/ 2006، “بأنه لا يجوز استجواب الوزير عن الأعمال السابقة التي وقعت قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها أياً كانت صفته وقت صدورها، كما لا يجوز استجواب الوزير عن الأعمال السابقة التي صدرت من وزير آخر أو من الوزراء السابقين الذين تولوا الوزارة قبل تعيين الوزير المراد استجوابه وزيراً بها متى كانت هذه الأعمال السابقة قد تمت، ولم تستمر في عهده”.
على أن ذلك لا يمنع من مساءلة الوزير سياسياً عن وقائع سابقة على توليه المنصب الوزاري كما قررت المحكمة الدستورية في تفسيرها سالف الذكر “إذا استمرت تلك الأعمال في عهد الوزير معيبة دون أن يتخذ بشأنها في حدود سلطته إجراءً أو تصرفاً قانونياً لإزالة العيب أو إصلاحه، لأن هذه الأعمال بالنظر إلى استمرارها معيبة خلال فترة ولاية الوزير لوزارته، تكون داخلة في اختصاصاته بما ينفسح معه مجال مسؤوليته السياسية عنها، ويسوِّغ بالتالي استجوابه بشأنها وفقاً للدستور”.
خلاصة ما تقدم
إن من الأعمال التي يصدرها الأمير ما يكون قصراً عليه، باعتبارها صلاحيات دستورية خولت له منفردا، ولا تطرح أصلاً وأساساً على مجلس الوزراء، وتصدر هذه الأعمال بأوامر أميرية في حالات ثلاث هي: تعيين ولي العهد وتعيين نائب الأمير وتنظيم صلاحياته، وتعيين رئيس مجلس الوزراء وإعفاؤه من منصبه، وتعيين الوزراء وإعفاؤهم من مناصبهم. لذلك فإن الاستجواب وإن كان حقا دستوريا لكل عضو في مجلس الأمة، إلا أنه يستهدف أصلاً وأساساً طرح الثقة بالوزير واعتزال منصبه، الأمر الذي يتعين عند مساءلة الوزير عن وقائع سابقة، سواء كانت قد تمت قبل توليه الحقيبة الوزارية أو كانت امتداداً لأعماله في وزارة سابقة وفي مجلس سابق، الالتزام بالضوابط الدستورية التالية:
1- أن يكون تقديم الاستجواب، بعد تقديم الحكومة برنامجها إلى مجلس الأمة إعمالا للمادة (98) من الدستور.
2- أن يكون مجلس الأمة قد ناقش هذا البرنامج وأبدى ملاحظاته عليه.
3- أن يكون من ضمن ملاحظات المجلس على هذا البرنامج ما شاب أعمال الوزراء السابقين والحاليين من أخطاء في ممارسة صلاحياتهم الدستورية، إلا إذا كانت هذه الأخطاء لم تتكشف لمقدمي الاستجواب إلا بعد إبداء هذه الملاحظات.
4- أن يمنح الوزير فترة كافية لإصلاح هذه الأخطاء قبل تقديم الاستجواب. وعلمنا هذا رأي فمن جاءنا بخير منه قبلناه.