من يراقب ما يدور في مأرب وحولها يتساءل ما الصفقة التي يسعى لها الإخوان المسلمون مع الحوثيين؟ هل هناك نيّة للتفاهم على اقتسام اليمن في مرحلة ما بعد سقوط المدينة
استغل الحوثيون مناسبة عيد المولد النبوي كي يثبتوا إلى أيّ حد باتوا يمسكون بمناطق واسعة في شمال اليمن، أي في ما كان يعرف، قبل الوحدة في العام 1990، بالجمهوريّة العربيّة اليمنيّة. جاء العرض العسكري البحري قبالة ميناء الحديدة تتويجا لوضع يدهم عليه ونجاحهم في بناء قوّة بحريّة لا يمكن الاستهانة بها. صار الحوثيون (جماعة أنصارالله) موجودين بقوّة في البحر الأحمر بعدما نجحوا في جعل اتفاق ستوكهولم الذي وقّعوه مع “الشرعيّة” برعاية الأمم المتحدة أواخر العام 2018 يصب في مصلحتهم.
من الواضح، أنّ الحوثيين يعرفون قوانين اللعبة الدوليّة. هناك عقل إيراني وضع نفسه في خدمتهم وفي خدمة مشروع توسّعي فارسي لا يتقن استغلال الفرص فقط بل يتقن هذا المشروع أيضا أين يستطيع أن يتقدّم وأين عليه التراجع. يؤكّد ذلك تراجع الحوثيين في المخا، وهو الميناء اليمني الذي يمكن منه السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي. أدركت إيران أنّ العالم لا يمكن أن يقبل وجودها في المخا بسبب الموقع الاستراتيجي لهذا الميناء فإذا بها تجبر الحوثيين على الاعتراف بالهزيمة أمام القوّات التي أخرجتهم منها. هذه قوات غير تابعة لـ”الشرعيّة”، أي للرئيس المؤقت عبدربّه منصور هادي وجماعة الإخوان المسلمين الذين يشكلون جزءا لا يتجزّأ من هذه “الشرعيّة”.
حصل الحوثيون نتيجة اتفاق ستوكهولم الذي أشرف عليه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وقتذاك، مارتن غريفيث، على الهدنة وعلى الحديدة ومينائها في الوقت ذاته. استطاع غريفيث وقف الهجوم الذي كانت تشنّه قوات يمنية بقيادة طارق محمد عبدالله صالح من أجل استعادة المدينة والميناء.
منذ توقيع اتفاق ستوكهولم، تكرّس أمر واقع في الحديدة. مثلما عرف الحوثيون استخدام اتفاق السلم والشراكة، كغطاء شرعي لوضع اليد على صنعاء بعد21 أيلول – سبتمبر 2014 كي يخلقوا أمرا واقعا في العاصمة اليمنيّة، حققوا نجاحا آخر في الحديدة.. في انتظار نجاح جديد في مدينة مأرب.
في أساس كلّ ما يجري في اليمن اليوم الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون في شباط – فبراير 2011 على علي عبدالله صالح. كان مخططهم يستهدف أخذ مكان الرئيس اليمني وقتذاك. انتهى بهم الأمر أن أصبحوا أداة لدى الحوثيين الذين هم بدورهم أداة إيرانيّة.
من بين الأمور التي لا يمكن تجاهلها في الوقت الحاضر أنّ “الشرعيّة” لم تستطع الدفاع عن مدينة مأرب على الرغم من أهمّيتها الاستراتيجيّة. لولا التحالف العربي الذي استخدم سلاح الجوّ بفعالية، لكانت المدينة سقطت منذ فترة طويلة. أنهك الحوثيون، بفضل الموجات البشريّة، المدافعين عن مأرب والذين بينهم رجال قبائل في المنطقة من عبيدة ومراد. أخطر ما في الأمر، أنّ الإخوان المسلمين كانوا يرفضون دائما عروض إرسال قوات مرابطة قريبا من الحديدة لدعمهم. كانوا يشترطون أن تكون هذه القوات بإمرتهم وأن يتولوا هم توزيعها على الجبهات. لم يستفيقوا إلى أنّ في استطاعتهم الاستفادة من الذين على استعداد لمواجهة الحوثيين إلّا متأخرا.. أي بعد فوات الأوان. أكثر من ذلك، لم يحرّك الإخوان قوات بإمرتهم موجودة في حضرموت حتّى عندما انتفضت محافظة البيضاء في وجه الحوثيين. هل يخفي ذلك صفقات تجري من تحت الطاولة بين “أنصارالله” والإخوان؟
ثمّة بين اليمنيين من يطرح مثل هذا السؤال، خصوصا لدى استعادة شريط الأحداث في صيف العام 2014 عندما توجه الحوثيون من صعدة إلى صنعاء مرورا بمحافظة عمران حيث كان مفترضا أن يواجهوا مقاومة شرسة. هذا ما نبّه إليه الراحل علي عبدالله صالح في حينه بدعوته عبدربّه منصور إلى استخدام الجيش اليمني الذي كان بإمرته من أجل وقف الحوثيين في عمران التي تعتبر بوابة صنعاء. رفض الرئيس المؤقت الأخذ بنصيحة الرئيس السابق. اكتفى بالقول إلى الشخصيات الأربع التي حملت إليه رسالة من علي عبدالله صالح: ليست مهمتي تصفية حساباته مع الحوثيين.
في كلّ ما فعلته “الشرعيّة” منذ خلف عبدربّه منصور، علي عبدالله صالح في موقع رئيس الجمهوريّة، قدّمت هذه “الشرعيّة” خدمات إلى الحوثيين وإلى المشروع الإيراني. من يراقب في الوقت الحاضر ما يدور في مدينة مأرب وحولها، يتساءل بكل بساطة: ما الصفقة التي يسعى لها الإخوان المسلمون مع “أنصارالله”، أي مع الحوثيين؟ هل هناك نيّة لتفاهم بين الجانبين على اقتسام اليمن في مرحلة ما بعد سقوط مدينة مأرب، وهو سقوط سيعني اكتمال الأسس التي تؤمن وجود كيان حوثي قابل للحياة في اليمن. لن يكون مثل هذا الكيان سوى قاعدة إيرانيّة تستخدم في ابتزاز دول الخليج العربي في مقدّمتها المملكة العربيّة السعوديّة.
في الواقع، هناك نظرتان لما يمكن أن يحصل في حال استيلاء الحوثيين على مدينة مأرب. يرى أصحاب وجهة النظر الأولى أنّ “أنصارالله” سيتوجهون جنوبا وسيتوغّلون أكثر في محافظة شبوة الغنيّة بالنفط والغاز حيث توجد عائلات موالية لهم. لا يمكن الاستخفاف بوجهة النظر هذه. إلّا أن أصحاب وجهة النظر الأخرى يقولون إنّ الحوثيين سيركزون في مرحلة ما بعد سقوط مدينة مأرب على التحرّش مباشرة بالمملكة العربيّة السعوديّة في مناطق حدوديّة بين اليمن والمملكة.
في كلّ الأحوال، يبدو واضحا أنّ اليمن يمرّ حاليا بمرحلة جديدة مختلفة عن سابقاتها. المرحلة الآتية في غاية الخطورة، بعدما أثبت الحوثيّون أن ليس في الإمكان الاستخفاف بهم وأنّ التعايش مع وجود إيران في اليمن صار حقيقة. أكثر من ذلك، صار في استطاعة الحوثيين عرض عضلاتهم في مناطق واسعة من اليمن..
يحصل ذلك كلّه في وقت تبدو الإدارة الأميركية في عالم آخر يرفض أن يأخذ الخطر الحوثي على محمل الجدّ. إلى متى يستمر الانكفاء الأميركي تجاه اليمن، وهو انكفاء لا يعني أكثر من الوقوف موقف المتفرّج أمام تحوّلات أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها ذات طابع مصيري بالنسبة إلى مستقبل قسم من شبه الجزيرة العربيّة؟