ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟

13

في كتابه المعنون ” عن الحرب ” يقول الجنرال النمساوي الأشهر فون كلاوزفيتز: الحرب هي السياسة بوسائل عنيفة. ويقول المارشال هانز جودريان في كتابه “احذر الدبابات” Achtung Panzer واصفا ً الحرب العصرية : إنها الأعمال العسكرية الخاطفة، التي تشل أعصاب العدو. أما الخبير الإستراتيجي سير ليدل هارت فيكتب في مؤلفه الهام “الإستراتيجية –نظرية ُ ومنهج ُ الاقتراب المباشر” ما يلي : إن الوحدات العسكرية خفيفة الحركة مطارق ُ، وأفضل المطارق ما ينزل على الرأس، لأنها تهشم أدمغة قيادات الجيوش، وُعقد مواصلاتها. ويستأنف السير البريطاني فكرته قائلا ً : وعلى الوحدات المقاتلة ألا تتوقف لتحتل أرضا ً،بل عليها أن تتقدم بسرعة لكسر جيش العدو، وبهذا تنفتح الأرض التي وراءه.

يسأل المرء نفسه – إذ لا يجد من يسأله – ترى هل قرأ “جنرالات ” حماس هذه الكتب، خاصة كتاب كلاوزفيتز، قبل أن يبدءوا (بوسائلهم العنيفة) مشروعهم القاصد كسر إرادة العدو الإسرائيلي السياسية ؟! وإذا كانوا قرءوه فكيف أهملوا الدروس العسكرية والسياسية الواردة في تضاعيفه، وأهمها: تعيين القوى العسكرية القادرة على مجابهة جيوش العدو، فيما يعرف بتوازن القوى، جنبا ً إلي جنب الاطمئنان إلى وجود قيادة سياسية واعية تعرف كيف تجهز للحرب ميزانيتها الخاصة، وترتب لها التحالفات الدولية، وتمفصل داخل أرض المعارك المتوقعة الخطوط اللوجستية الضرورية، وتؤّمن لمقاتليها مواقع الإمداد والتموين..الخ؟

أما لو كانوا قد أغفلوا قراءة هذا الكتاب العمدة، فلا بد أن ُيسألوا: على أي كتاب إذن تراهم اعتمدوا حين أعلنوا حربهم ” الشعبية ” التي دفع شعب غزة وحده فاتورتها: 1315 قتيلا، و5300 جريحا ً، 22000 مبنى مدمرا ً؟! بل وعلى أية فقرة في هذا الكتاب الغامض (الذي ربما قرءوه) سيعتمدون وهم يوقعون – أجلا ً أم عاجلا ً – على الصك السياسي الذي بمقتضاه سيحرمون من العودة لإلقاء صواريخهم العبثية علي جنوب إسرائيل، مثلما ُحرم حزب الله من التعرض لشمالها؟!

والحق أن كاتب هذه الصفحات، إنما رأى القلم يأبى أن يمضي قدما ً في مسائلته لتلك الحركة الحماسية على ضوء الكتابين الآخرين، قبل أن يمارس صاحبه نقدا ً ذاتيا ً على
“انجراره” وراء تعبير “الحرب الشعبية” الذي تسلل إلى حبره مما يكتبه بعض المدافعين – بالحق أو بالباطل – عن مسالك فصائل المقاومة وقوى الممانعة. ذلك أن تعبير الحرب الشعبية في حد ذاته إنما كان عنوانا ً على ما حلم به الكاتب ُ منذ شبابه الأول لمواجهة العدو الإسرائيلي، بل وكان مدخلا ً لمعارضته للنظامين الناصري والساداتي، وكان دليلا ً أيضا ً لزوار الفجر في العهدين إليه. ولا عجب فالمطالب ُ بالحرب الشعبية لا غرو يطالب بسلطة حكم منتخبة تحت ظل نظام ديمقراطي لا غش فيه، نظام قادر على وضع موارد الدولة جميعا ً في خدمة الهدف الأسمى: التحرير، وقادر في الوقت نفسه على تسليح الشعب رجالا ونساء دون خشية منهم أن ينقلبوا عليه، وكيف ينقلب الناس على نظام هم صانعوه،و حراسه ؟!
كان النموذج الفيتنامي في ذلك الوقت ساطعا ً مشرقا ً، منه انبثقت عبقرية الجنرال الشعبي
” جياب ” من ذاقت الجيوش الأمريكية على يديه مرارة الهزيمة، حتى أنها اضطرت للانسحاب الكامل دون تفاوض يحفظ ماء الوجه.. فأين منه القائد الحماسي في معركة غزة ؟! ما اسمه ؟! ما هي انجازاته على أرض المعركة؟!

بيد أننا نظلم المقاتل “الحمساوي” إذا عقدنا مثل هذه المقارنة بينه وبين أي ” جياب ”
فيتنامي، فحرب حماس لم تكن حربا ً شعبية بحال من الأحوال كي ينبثق منها قائد عسكري عظيم يتذكره التاريخ، صحيح أن حكومة حماس جاءت إلي السلطة عن طريق انتخابات نزيهة لم تشبها شائبة تزوير، لكن نزاهة الانتخابات لا تعني اكتمال الديمقراطية، وإلا لصح القول بأن نظام هتلر النازي كان نظاما ً ديمقراطيا ! وكم كتبنا في هذا الموضع، وفي غيره شارحين أن الانتخابات هي مجرد أداة لتداول السلطة شرط أن تجرى –أي الانتخابات – على أرضية
” عقيدة ” مفادها أن الشعب سيد مصيره، وأنه هو مصدر السلطات وليس الكائن العلوي أو من يتحدثون باسمه، وحين تغيب هذه العقيدة عن شعب من الشعوب فلا يجوز إطلاقا ً وصفه بأنه يحكم نفسه، ومن ثم تنتفي عن نظامه صفة الديمقراطية مهما يمارس من انتخابات، والنموذج الإيراني أفضل ما ُيتمثل به لفهم هذا الحال، فهل يماري أحد في أن حكم الفقيه هو أساس الدولة، وقادتها يصرحون بذلك علنا ً بينما يتركون للشعب في الانتخابات حق اختيار ممثل الفقيه أحمد، أو ممثل الفقيه سيد أحمد!

لهذا السبب (لا ديمقراطية حماس) لم يكن ممكنا ً تسليح الرجال والنساء والصبية ممن
ليسوا أعضاء في التنظيم، فكان أن تركهم القادة يواجهون آلة الحرب الجهنمية الإسرائيلية عزلا ًكي يموتوا ويجرحوا أو ينزحوا عن ديارهم ( للمرة الألف ! ) ولكي يوظفهم حلفاء أولئك
القادة في التنديد بوحشية العدو، وتخاذل الأهل، دون أدنى التفات إلي كون هؤلاء الحلفاء هم
أول المتخاذلين، رغم كونهم أعظم الصارخين بالثبور وعظائم الأمور!

لندع إذاً أطروحة الحرب الشعبية في حالها، فالوقت ليس وقتها، والمكان ليس مكانها،
ولنمض إلى استعراض ما جرى في ساحة المعركة في سياق ما كان يدلي به من تصريحات المتحدث ُ الرسمي للحركة من مكتبه الوثير في بيروت، وجميعها كانت تصريحات متفائلة
تبشر بالنصر المؤزر مثل: قمنا بأسر جندي إسرائيلي. ولاستحالة إظهار صورته أو الكشف عن اسمه (مثل جلعاد شاليط الذي صار أشهر من جورج كلوني) يعود المتحدث ليقول في اليوم التالي : سوف نأسر جنديين! أو قتلنا 80 جنديا ً، مقابل التصريح الرسمي الإسرائيلي
بأن قتلاهم 10 جنود لا غير ذاكرا ً أسماءهم فردا ً فردا ً، والسيئ أننا صرنا – نحن العرب –
أميل إلى تصديق العدو بعد ما رأينا كيف تتم عنده المحاسبة [لجنة فينوجراد] أما الأسوأ فيتمثل في أننا بتنا على ثقة أنه تم إغفال نصيحة المارشال جودريان الذهبية القائلة : عليك بالأعمال العسكرية الخاطفة التي تشل أعصاب العدو وراء خطوط المواجهة، حيث تأتي هذه الثقة من غياب أي بيان عسكري حمساوي يدور حول مباشرة هذا التكتيك من قريب أو بعيد.

ينبجس المر الثالث من قلب الفجيعة المأساوية، في هيئة سؤال لمن صعروا خدهم لكل
ناصح، رفضا ً منهم لتجديد اتفاقية التهدئة برعاية مصر، قائلين سنمزقهم شر ممزق ! سؤال
لابد وأن يطرحه اليوم أو غدا ً أي مؤرخ عسكري: فأين ذهبت وحداتكم القتالية خفيفة الحركة
والتي كان بإمكانها أن تهوي كالمطارق – بحد تعبير ليدل هارت – على أدمغة القادة الميدانيين
الإسرائيليين فتربك خططها، وتقطع ُعقد مواصلاتها؟ تلك التي كان بإمكانها أن تلتف من وراء لتحاصر القادمين الغزاة؟

لو كانت الإجابة: ادخرناها ليوم ذي مسغبة، لما كان علي المتسائل من جناح أن يخمن قصدكم.. ترمون إلي صدامكم المرتقب مع فتح! هنا يستطيع الخبير العسكري أن يفهمكم، فلقد أترعتم بخمر نصركم الوحيد في الرابع عشر من حزيران 2007 حين قمتم بتصفية المئات من كوادر الأعداء ” الفتحاويين ” وليس 10 إسرائيليين فقط،. ذلك أن مثل هذا النصر لا يلزمكم بقراءة كلاوزفيتز، أو جودريان، أو ليدل هارت، بل ولا حتى مكيافيللي،لأنكم – طبعا – لا تحبون القراءة. فهل لهذا السبب أيضا ً تخفون اسم القائد العسكري الميداني الذي أنزل الهزيمة بالجيش الإسرائيلي؟!

Tahadyat_thakafya@yahoo.com

• الإسكندرية

13 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
أحمد
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟
فقط أحيلكم -لو تكرمتم- إلى هنا

http://www.arabrenewal.org/articles/22982/1/BaCaeOYiEO-Aae-quotIaiaEquot-INE-UOE/OYIE1.html

وإلى هنا

http://www.facebook.com/topic.php?topic=6459&post=23616&uid=54784207618

وفقط أتمنى التوقف عن تبرير أي اسائة باللعب على وتر العصبية القومية ضد إيران
والتي أظن بالتأكيد أن تعصبنا ضد أمريكا و اسرائيل أكبر ،، ولو أن أمريكا رضيت عن إيران لرضى كثيرون عنها و لرفعوا كل من ينتسب لها فوق الرؤوس

د/أمير مكرم
د/أمير مكرم
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟
لكم أمتعتنا يا أستاذ مهدى بكلامك السليم الذى ستثبت الأيام عبقريتك

ضيف
ضيف
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟على دلعونا وعلى دلعونا – هزمناهم ولا هزمونا . سالتني احد الصديقات, عن ماذا هدة الاغنية ؟!التي يرددها من تم اطلاق سراحهم من المعتقالات الاسرائيلية من الفلسطينيين , وردت عبارة عن مقطع صغير بدون تعليق بعد اخبار الساعة 00/15 بتوقيت موسكو في التلفزيون الروسي . احترت في الترجمة وحتى من الاجابة على نفس السؤال المفاجئ, والغريب منها , لانة لو كان الان عام 1973 بدون ادنى تراجع ترجمت , اوهي ادركت بنفسها في كل الاحوال , ولكن الان بعد الهزائم التي بدون انقطاع منذ 1948 في فلسطين , لايمكن الحديث عن أي… قراءة المزيد ..

sayed
sayed
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟
اين المشاركه من الامانه عرض المشاركه

sayed
sayed
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟بسم الله الرحمن الرحيم لقد انتصرت حماس بفضل الله رب العالمين وقدمت وفعلت مابوسعها من منطلق قول الله واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم اليسوا هم الذين وقفوا امام اليهود مع قلة عددهم وعدتهم اليسوا هم الذين يقاتلون فى سبيل الله اليسوا هم الذين يدافعون عن المسجد الحرام انسيتم ماترك قوم الجهاد الاواذلهم الله بالله عليكم فماذا فعلتم انتم دعوهم وشانهم وكلوا ملئ بطونكم ونامواملئ جفونكم فالدنيا لاتدوم والكراسى زائله بالله عليكم لوفتح باب الجهاد يااستاذ مهدى انت والدكتور خالدود محمودهل ستنضمو للمجاهدين ام ستجلسوالتحليل… قراءة المزيد ..

د.خالد محمد عبد الغني(باحث مصري)
د.خالد محمد عبد الغني(باحث مصري)
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟قرأت بكل اهتمام مقال الاستاذ الكبير مهدي بندق واتفق مع سيادته تماما ولعلي كنت قد أعلنت سابقا ان حماس أخطات مرتين الاولى عندما تحولت الى حكومة تمسك بزمام السلطة وهي غير مهيأة لذلك(لاحظ اعلان تاسيسها في منتصف الثمانينيات)، والثانية عندما عقدت الراوبط والصلات بإيران التي لا يخفى اطماعها في بلاد العرب فهي تحرك الشيعة في ثلاث جبهات لتحدث القلاقل في محيطنا العربي الاول في العراق ومنطقة الخليج العربي (كالبحرين والكويت )، والثانية في بلاد الشام (حزب الله وسوريا) والثالثة في اليمن ، وبالتاكيد تريد أن تحرك الاحداث في فلسطين وبالتحديد في غزة… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟نحن العرب. والسيئ أننا صرنا – نحن العرب- هنا يجب الوقوف لحظة, برهة , ونقرامن هوكاتب هدة العبارة الرنانة على مسامعنا ((الطيب اردغان غادر دافوس ليس لان الاسرائليين يقتلوا اطفال فلسطين انما لم يحترموا تركيا الممثلة في شخصية , واعطاء ممثلها الحديث 25 دقيقة مثل حامل جائزة نوبل للسلام , احد محاربين- سابقا- اسرائيل في ابادة اطفال فلسطين في الجيش الاسرائيلي المدجج بالاسلحة الفتاكة . اليوم اسرائيل ,ايران (حماس) يتقاسموا نتائج الجريمة البشعة 1500 قتيل في اقل من 20 يوم فقط . وزن تركيا اقل من اسرائيل على المستوى العالمي وكدا وزن… قراءة المزيد ..

    د /  محمود رشدى
د / محمود رشدى
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟
يا استاذ مهدى
كلامك العلمى والصحيح يمكن ان يصل ويفهم ويقدر
فقط من الأسوياءالأحرار المناضلين بحق.
اما اللذين يعملون لدى الغير فهؤلاء لن يردوا رداًعلمياولن يجحدوا الرأى بالرأى.إنهم يفاخرون بأنهم لايحتاجون للقراءة.
سيقولون لك خسئت وسيطالبونك بسب مصر……….
هذا هو الاسلوب الحمساوى فى النضال

طارق حجي
طارق حجي
15 سنوات

ما اسم القائد العسكري ” الحمساوي” الذي هزم إسرائيل؟
مقال عبقري ويثبت أن السياسة “يمكن” أن تؤسس على الثراء المعرفي والزخم الثقافي …. رائع ؛ بل أكثر من رائع … طارق

المعلم الثاني
المعلم الثاني
15 سنوات

المدرسة التكتيكية
درست حماس التكتيك العسكري والاستراتيجية القتالية على يد قطبين من اعظم علمائها: أحمد سعيد المصري والصحاف العراقي…

ليخسأ كل من اتهمها بعدم القراءة،إنها لا تحتاجها!!

انتصرت حماس بفضل استماع قادتها لتسجيلات صوت العرب القديمة و متابعتهم تلفزيون صدام من بغداد…

يكفيها ذلك فخرا

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading