في 12 أكتوبر، 2008 اجتمع وزراء العدل العرب في القاهرة بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وعقدوا جلسة استثنائية من اجل التباحث في تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حول دارفور، وللنظر في الطلب الموجه للرئيس عمر البشير وبعض أتباعه للمثول أمام المحكمة، من اجل مساءلتهم عن جرائم الحرب والتصفيات العرقية التي اُرتكبت في جنوب السودان، وعلى وجه التحديد في دارفور.
وزراء العدل العرب لأول مرة في التاريخ يشعرون أن ثمة شيئاً اسمه “ظلم” حين مس احد الحكام الذين يحتمون تحت عباءاتهم، ويسترزقون من وراء تقنين القهر وتسليطه على شعوبهم. رجال العدل الغيورين على إظهار الحق وإزهاق الباطل، رفعوا أصواتهم بغضب من اجل اشد حكام العرب قسوة وتنكيلا بشعبه، واستنكروا القرار “المجحف” في حقه! اعتبروه انتهاك سافر لدولة ينعم سكانها بالخير والسلام والرفاهية بفضل حاكمها المسلم الذي يطبق الشريعة الإسلامية بأمانة وصدق! أكدوا انه لا بد من احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه واستقراره، وكذلك احترام صاحب الولاية الأصلية الرئيس عمر البشير في إحقاق العدالة. وان ما صدر في التقرير بما يسمى التطهير العرقي، والتهجير الإجباري، والتصفيات السياسية ما هي سوى افتراءات وكذب ملفق.
الذي يهم في ذاك الخبر انه تبين منه مدلولين جديرين بالذكر، أولهما: للتو أدركت شعوب الشرق البائس أن ثمة حناجر صاخبة وقوية لوزراء عدل في أوطان تـُحكم بالنار والحديد، وبالعصا لمن عصا، وتتبع كل السبل لتطبيق الشريعة الاستبدادية والبطش.
الأمر الثاني وربما هو الأهم والذي يحتاج أن يستوعبه العالم بأسره. اتضح أن العدل العربي له مفهوما آخرا من بعد تلك المحنة التي يمر بها الرئيس السوداني عمر البشير، وهو أن تصفية ما يـُطلق عليهم “بالخارجين على الحاكم” بأيدي جلاديه يُعتبر عدلاً، لكن إدانة الحاكم ومن قام بقتل تلك الأفراد يُعد ظلماً وكبيرة من الكبائر. ولكي تـُوضع النقاط على الحروف، صار لا بد من توضيح أمور لطالما التبست على الكثير من الناس، وربما “ظُلم” وزراء العدل العرب بسببها. فمن اليوم وصاعدا يتوجب أن يعرف القاصي والداني معنى العدل العربي وهذه أهم بنوده:
العدل العربي هو أن يُختطف الناس من بيوتهم، وتُعذب حتى الموت، ثم تـُلقى في غياهب السجون لسنوات طويلة بدون محاكمة وبدون أن يعرف عنهم أقاربهم إن كانوا أحياء أو أمواتا.
العدل العربي هو أن يـٌبرر الافتقار إلى التعامل الإنساني بين الناس، وخراب البلد، وتفشي الأمية بين أفراد الشعب، وانتشار الفساد في المؤسسات العامة والخاصة ويـُنسب لمؤامرة الغرب” والامبريالية وقوى الاستعمار.
العدل العربي هو أن يـُعقد قران طفلة لم تتجاوز التسع سنوات على رجل مريض مسن يقطن على حواف القبر.
العدل العربي هو أنه حين يقتل رجل امرأة ويقطّع جسدها ارب اربا بحجة الشرف، ثم يُسجن لمدة أقصاها 6 اشهر، ومن بعدها يـُطلق سراحه ويستقبله أهله وحارته كبطل منتصر في معركة مصيرية.
العدل العربي هو أن لا تُـعطى النساء ولا الأقليات حق المواطنة كاملا، ويمارس عليهم شتى طرق العنصرية والتمييز.
العدل العربي هو أن يـُحرم النساء من حرية الحركة، وتـُعتقل ويـُنكل بها لو قادت واحدة منهن أي وسيلة تنقل.
العدل العربي هو أن من تـُغتصب من الإناث حتى لو كانت قاصرا، اما أن تـُجلد ومن ثم تـُسجن، او تـُدفن في حفرة ويـُترك رأسها ظاهرا، ومن ثم تـُهشم جمجمتها بالصخر حتى الموت.
العدل العربي هو أنه حين يـُضرب السجناء عن الطعام مطالبين بتحسين أوضاعهم، يـُحكم عليهم بالجلد بعد إطعامهم بالغصب، ومرات يجبرون على التهام فئران صغيرة ميتة.
العدل العربي هو أن تـُستعبد العمالة الوافدة، وتـُحرم من حقوقها تحت مسمى قانون الكفيل.
العدل العربي هو أن يـُعطى الرجال السلطة الكاملة على النساء، يتصرفون بهن كما يشاءون، يطلقونهن ويتزوجونهن بصكوك تملك برضاهن أو بدونه، ويكدسونهن مثنى وثلاث ورباع، وكأن النساء قطيع من الغنم.
العدل العربي هو أن لا تساوي المرأة شيئا، ولا تستطيع أن تنجز شيئا إلا بمحرم.
العدل العربي هو أن يـُورث الذكر ضعفي الأنثى، حتى لو كانت الأنثى أرملة وتعيل أطفالا، والذكر ثري ولا يعيل احد.
العدل العربي هو أن تـُمنع المرأة من دخول الدوائر الحكومية إذا كانت محجبة. ومرات لا تدخلها أبدا بأي شكل من الأشكال.
العدل العربي هو أن يُطـلَّق عنوة اثنان متزوجان ويـُفرقان عن بعضهما البعض بحجة عدم تكافؤ النسب، وتـُشرد أسرة بكاملها، وتـُودع الأم وطفلها الرضيع في السجن.
العدل العربي هو أن يُسجن رجل مريض طاعن في السن، يقارب عمره 95 عاما، بتهمة تذمره من الحاكم، ويُحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة سنوات، ويموت قبل ان يكمل الشهور الأولى من القهر والمرض.
العدل العربي هو أن من يقول عن حاكم عربي انه مريض يُـزج في الحبس لمدة عام وربما أكثر.
العدل العربي هو أن من يـُطالب بالإصلاح الدستوري بأسلوب سلمي يُسجن، وينكل به، ويُحرم من السفر، بينما من يـُشهر السلاح في وجه السلطة، ويتسبب في قتل الأبرياء، تحتضنه الدولة، وتسدد له ديونه، وتعمر له بيته، ويـُدرج في برنامج المناصحة.
العدل العربي هو حين يـضرب “رجال الفضيلة” إنسان على رأسه حتى الموت، يبرؤون القتلة، بحجة أن الرأس ليس بمقتل.
العدل العربي هو أن يـُعامل الناس بريبة وشك، وتُـسلط عليهم “رجال فضيلة” يطاردونهم ويضيقون عليهم عيشهم، ويزاحمونهم في الشوارع، ويسببون لهم حوادث وإصابات بالغة، ومرات يلاقون حتفهم، كل ذلك بحجة سد الذرائع.
العدل العربي هو أن يـُحكم على احد العمالة الوافدة الأسيوية بالقتل بدون أن يخبره احد حتى لو لم يكن قاتلا، لأن المحاكم لا تهتم أن تجلب له محام، أو حتى مترجم ليعلمه ما يدور في أروقة المحاكم.
العدل العربي هو أن يـُحاكم ويُهان ويُـسجن لمدة خمس سنوات أو ربما أكثر كل من يرشـّح نفسه في الانتخابات، وينافس حاكم الضرورة على السلطة.
العدل العربي هو أن يـُورث الحكم حتى في الجمهوريات “العلمانية”، وتـُعدل بنود الدستور من اجل أن تناسب ابن الحاكم.
العدل العربي هو أن تـُنهب ثروات البلدان، ويُحرم الناس من جميع سبل العيش الكريم، وان يزداد الثري ثراء، والفقير يزداد فقرا.
العدل العربي هو أن يتحارب رجال السلطة على تقسيم “حصة الوطن” ، ويستعينون بالخارج، ومن ثم يقتل كل منهم أتباع الآخر، ويحرقون الأخضر واليابس، والأكثر شراسة وقسوة منهم ينال نصيب الأسد.
العدل العربي هو أن تُـرتكب بإسم الدين كل جريمة انتحارية وخطيئة وأثم في حق الآخر، وان تغرق الأمة في مستنقع من الوساخة، وتغط الناس في سبات اللا أخلاقيات حتى النخاع.. والكل يـُزايد ويـُكابر…
*
“ما أوسخنا ونكابر” عبارة مقتبسة من إحدى قصائد الشاعر العراقي الثوري الكبير مظفر النواب.
salameyad@hotmail.com
* كاتبة من السعودية
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
مقال رائع للكاتبة .. و يتحدث عن حقيقتنا المسكوت عنها من قبل الجميع ( وساختنا )
تحية للكاتبة على جرأتها و تميزها ..
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
حسبت ان الصورة المرفقة للكاتبة ” بوستر لفيلم بوليسي ” خخخخخخخخخخخ
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
MERCI VOUS ETES UNE FEMME TRES COURAGEUSE ,C’EST CE QUI MANQUE AU MONDE ARABO-MUSULMAN..VOUS ETES NOTRE FIERTE.AMEN.
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
allrespect GO GO GO
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”الى الاخ مجدي اخي مجدي, لماذا تتجاهل الحقائق وتوجه التهم (الصحيحة او المغالطة) الى الآخرين؟ لماذا تتهم الغرب بفرض الحكام علينا ونحن منذ قرابة قرن كامل مستقلون ولكننا نرضى بالهوان والاستعباد من زعماء سياسيين وعسكريين ومن رجال احتكروا الدين وهم ابعد الناس عن الدين الحق. ما علاقة ابناء العم “اليهود” بما كتبت عنه السيدة الحويدر؟ أكلما أثار شخص مستنير قضية مؤلمة تنخر في مجتمعاتنا نرمي التهمة في ذلك على الآخرين؟ لماذا لا تقارن ما تعاني منه بلادنا من أمية وتأخر وظلم وعنف وفرار المثقفين والادمغة العلمية بالامور الايجابية التي لدي “ابناء العم” وهي ليست بالقليلة؟ اذا ظللنا نفكر… قراءة المزيد ..
ما اوسخ المثقفين امثالكملا اعرف الى متى ستظل ابواق مثلكم تصدح بشتائم وويلات للحكام العرب خاصة وان كانو مسلمين ، واخفاء حقيقة الامر ان من قام بتعيين هؤلاء الحكام هو الغرب انفسهم لكي يكونوا حراس لمصالحهم في الشرق الاوسط السيد طارق حجي قام بتخصيص علمه وقلمه لمهاجمة كل ماهو اسلامي ومسلم متناسيا ان الغرب الذي تربى وتررع في جنابته هو من قام بتولية امر الشرق الاوسط للحكام في منطقتنا العربية اما عن قضية دارفور “،و التي لاتتضح معالمها الى الان الهم الا دعاية مضخمة عن هولوكوست يقبل الزيادة من 50 فرد الى 50 مليون فرد ضحية والارقام تزيد وتنقص حسب… قراءة المزيد ..
“ما أوسخنـا ونـُكابـر” لطالما قرأت البيت الذي قال شاعره القديم : (تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من شميم ) ولكم طربت له كثيرا .. دون أن أعرف ماهو العرار!! غير أني والحق أقول لإنني منذ وعيت لم أشتم من ثقافة البيداء إلا مايزكم الأنوف من روائح عفن الفكر الذي لاحديث له إلا عن النساء والأموال والحروب واسقاط التدبير لأن السماء تدبر فبت أؤمن بما آمن به ابن خلدون من تفريق شاسع بين ثقافة شعوب الماء وثقافة شعوب البيداء . وبت لاأري نكبة عبر تاريخنا الطويل منذ هبت عليناعاصفة نجد منذ 14 قرنا ونيف من السنين إلاّ وحطت… قراءة المزيد ..
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
This is a very good article.
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
ياأختى وجيهة أن مقالك يدمى القلوب ويذكرنا بحالنا المؤسف وأصبح ينطبق علينا القول أننا أمه ضحكت من جهلها الأمم.
أننا لا بد أن نصلح كل مايسؤنا فى مجتمعنا وأرى ان البدايه بأن نصارح أنفسنا كما فعلتى أنتى ياأختى وجيهة ثم بعد ذلك أن يدلوا كل منا بما يراه من حلول لنهو هذه المأسى التى تصيب مجتمعنا العربى وهكذا يكون الحل والطريق الصواب
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
لا فضّ الله فاك ايتها الكاتبة الشجاعة . ما احوجنا الى امثالك من الذين وضعوا نصب اعينهم تنقية اجواء مجتمعاتنا في سبيل غد افضل وعالم “انظف” لبناتنا وابنائنا على حد سواء.
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
لضعف بصري و شيخوختي لم استطع قراءة المقالة, هلا تكرم أحدكم واعلمني بما جاء فيها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
“ما أوسخنـا ونـُكابـر”
مقال رائع ويصيب كبد الحقيقة ويفضح “وساخة” العقل العربي و “وساخة” ثقافتنا التى نخاف عليها من الإختراق والغزو القافي ونبكي حرصا على تفاصيل هذه “الوساخة” والتى نسميها (أي مفردات هذه “الوساخة”) “خصوصياتنا الثافية” وهى الخصوصيات (أي “الوساخات”) التى يبذل علماؤنا (تصوروا أن هؤلاء الشائهين عقليا وشكليا يسمون فى ثقافتنا بالعلماء) الغالي والنفيس لحميتها كي تبقي كما كانت عبر القرون “وساخات” نكابر (على حد تعبير مظفر النواب) فى مقدمة “خصوصياتنا” التى لا نتصور الحياة بدونها … طارق حجي.