(أأ) فى عام 1994 انعقد فى مصر “المؤتمر العالمى للمرأة”، وقدم كلُ صاحب مصلحة ورقته، وكانت ورقة الإخوان المسلمين تتضمن فى أول بند أن “المرأة عورة كلها”. ولم يراعِ هذا المفهوم أن الواقع المصرى حرر المرأة تماماً، فأصبحت 40٪ من البائعات فى الأسواق وغيرها، هذا فضلاً أن ما تقدر نسبته بـ 20٪ يعملن فى وظائف حكومية أو مناصب إدارية ويساهمن فى إعالة أسرهن بجوار الزوج، أو إذا توفى أو تقاعد أو كان دخله لا يتناسب مع المبلغ الذى تحتاجه الأسرة للإنفاق على نفسها، والإحتفاظ بمستواها. أما باقى النسبة وهى 40٪ فهى لنساء يعملن فى بيوتهم فى التربية والطهى والتنظيف والمساعدة فى توصيل الأبناء الأطفال إلى مدارسهم أو غير ذلك من مسائل لا غنى عنها لكل أسرة.
أما النساء الفارغات من المسئولية والعاطلات عن العمل، فقد تضاءلت نسبتهن جداً حتى لا تكاد تحسب أو يكون لها أثر.
من هذا يستفاد أن الإدعاء بأن (المرأة عورة كلها) ليس من القرآن أو من السّنة ولا يتناسب مع ظروف العصر، بل وينسفه الواقع الذى أضطر المرأة إلى العمل، وأن تصبح مُعيلاً للأسرة، وعمودا فى المجتمع. والقول بأن (المرأة عورة كلها) أمر لم يغيره الأخوان المسلمون، الذين لم يقدموا فكراً أو فقهاً، وإنما حركة هى ضرب من الحركة الوهابية التى تسيطر على بعض البلاد الخليجية والتى تضغط وضع المرأة وتعمل على تدنيه، لظروف تعيش فيها غير الظروف التى تحيا بها مصر. وإن حدث ركون للآية (الرجال قوّامون على النساء)، فإن الآية كاملة دون استقطاع تقول (الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا عليهن ) سورة النساء آية 24. فإذا كان مناط القوامة هو الإنفاق، فماذا لو أن دخل المرأة من العمل أو من ملك أو من غير ذلك يفوق دخل الرجل، وتنفق عليه!؟ هل يمكن تغيير مفهوم حكم الآية، أم أنه لا بد أن يعاد تفسيرها حسب الأمر الواقع والحال المستجد بحيث لا يكون ثمت تناقض أو تعارض بين النص القرآنى والواقع المُعاش.
(ب ب) فى عام 1995 حدثت محاولة لاغتيال الرئيس السابق مبارك، بواسطة الإسلاميين، كما قبل إنه حدثت محاولات أخرى لم يُعلن عنها.
واتجه إنتقام مبارك إلى تقوية الأجهزة الأمنية، حتى اضطرت الإسلاميين للتعامل معها بإنتظام، والأسماء فى هذه الإتصالات معروفة ومحددة وتتصدر المشهد العام، وقد قيل أن ذلك الإتصال كان يجرى بدافع التنسيق. لكن الذى قال ذلك لم يقل كيف كان هذا التنسيق؟ ولا علته؟ ولا ضرورته؟ وهل يوجد تنسيق بين القوى والضعيف؟ أم أن ما يقال أنه كان تنسيقاً. إنما كان تلقياً لأوامر وتنفيذاً لها.
(ج ج) كانت الحكومة قد لجأت منذ عام 1987 إلى الإعتقال الجزافي للإسلاميين، الذين كان لهم حق التظلم من هذا الإعتقال خلال شهر من حدوثه. ولكى تحول الإدارة بين المحاكم وبين الفصل فى التظلمات فقد عمدت إلى عدم إحضار المتظلمين من السجون التى أودعوا فيها، بزعم أن السيارة (سيارة الترحيلات) قد تعطلت فى الطريق أو بأى إدعاء آخر، الأمر الذى كان يؤدى في الواقع إلى أن يظل المتظلم مدة ستة شهور فى السجن قبل أن تنظر المحكمة تظلمه.
واتبعت محكمة أمن الدولة العليا التى كنت أرأسها أمراً آخر، فقد إطّلعتُ وزميلاي على قانون الطوارئ لنتأكد من أمر معين، هو: هل يلزم حضور المتظلم كى تحكم المحكمة فى تظلمه؟ فتبينا أن ذلك الحضور ليس ضرورياً، ومن ثم فقد أفرجنا فى يوم مشهود عام 1987 عن 90 معتقلاً كانوا متظلمين أمامنا ولم تحضرهم الإدارة، ثم درجنا على ذلك الأمر، الذى أصبح سابقة نلتزمها وتلتزمها محاكم أمن الدولة العليا.
حتى اليوم فإن المحامين يتفاخرون بأنى كنت أفرج عن المتظلم وهو فى سجنه.
(دد) اتجه الرئيس السابق مبارك إلى المحاكم العسكرية فقدم كثيراً من المتهمين إليها وكانت المحاكم تحكم بالإعدام على من تنطق الأوراق بأنه مُدان، وكانت أحكام الإعدام تنفذ بكثرة فى الإسلاميين.
وعلمت أن كريستوفر وارن وزير خارجية الولايات المتحدة فى رياسة كلينتون طلب من الرئيس السابق مبارك ذات يوم أن يتنحى عن الحكم لغيره، ويتفرغ لرعاية أحفادة والراحة من أعباء الحكم. فقال مبارك إنه جنرال يعرف معنى القوة، وهو يحكم بالإعدام على عدد من الإسلاميين، مما سوف يؤدى إلى ابتعادهم عن القوة وتدبير الإغتيالات له أو لغيره.
وقال لي أحد السفراء الفرنسيين أن الرئيس جاك شيراك رئيس فرنسا الأسبق قال للرئيس السابق مبارك، لماذا تعدم خصومك بكثرة وبأساليب الأمن، لقد قرأت كتاب المستشار العشماوى .
العقيدة الإسلامية ضد الأيديولوجيا (L’islamisme contre L’islam)
ولو كنت فى مكانك وعندي كاتب مثل المستشار العشماوى لألقيت كتبه على الناس من الهليوكوبتر (وهو يقصد بذلك توزيعها بكثرة وبالمجان) فرد عليه الرئيس السابق مبارك بما رد به على كريستوفر وارن.
ومع أن الرئيس السابق مبارك كان من أكثر المعجبين بأفكاري ومقالاتي وكتبي وبحوثي، فى القانون وفى غيره، وكان حريصاً على أن يرسل إلىّ هذا الإعجاب بين حين وآخر (وإن يكن بطريقة مخطئة)، فإنه لم يتدخل إطلاقاً فى شأن توزيع كتبى، وما زالت لى قضية على ناشر حكمت عليه محكمة الجنايات بأنه ارتكب جناية تفليس بالتدليس، وتمتنع المحكمة المدنية عن الحكم باتباع الإجراءات المدنية التى يُلزمها بها الحكم الجنائى، وفى المفهوم القانونى أن (الجنائى يلزم المدنى).
وناشر (ة) أخرى أخلت بإلتزاماتها نحوي – كأغلب الناشرين – وصدرت ضدها أحكام قضائية لصالحى، فإن هذه الأحكام لم تنفذ، وطلب منى المرحوم الدكتور عبد العظيم رمضان – عندما سأله الرئيس السابق عنى – أن أقابله وأطلب منه تنفيذ أحكامى. غير أني أبيت أن أفعل ذلك وفضّلت أن أكون من مظاليم القضاء الذي شرفته فى أى عمل قضائى عملته، وبقيت ككل الناس يشكون من عدم تنفيذ الأحكام، أو يشكون من طول إجراءات التقاضى وعدم حسم الدعاوى التى تعرض على القضاء بالحق والعدل.
(هـ هـ) أدى ما سُمى خطأ بالتنسيق (وهو فى الحقيقة سماع أوامر من أجهزة الأمن وتنفيذها) إلى أن يدخل إلى مجلس الشعب عام 2000 عدد كبير من الإخوان المسلمين، وصاروا فى مجلس الشعب 2005، 88 عضواً، ووقع تصادم عنيف بين أجهزة الشرطة والإخوان المسلمين حين أرادوا – كعادتهم – الخروج على ما رسمته لهم أجهزة الأمن، وذلك لكى يتعدوا النسبة المحددة لهم كى يكون لهم أثر معطل فى القوانين التى تريد السلطة تمريرها.
وهذا ما حدث. فقد كان برلمان 2005 أسوأ البرلمانات، ففيه صدر تعديل المادة 76 من الدستور، كما صدرت قوانين أخرى مضادة لمصلحة الشعب.
وفى هذه الفترة ازداد الفساد والإستيلاء على الأراضى، وعلى سبيل التحديد فإنهم لم يقدموا مشروع قانون بإلغاء قانون الطوارئ الذى كان أعضاؤهم يُعتقَلون وفقا له، ولم يساءلوا وزير العدل فى عدم تطبيق قانون مد سن رجال القضاء إلى 64 عاماً بأثر مباشر، ولم يعترضوا على إنشاء مجالس فض المنازعات وهى إنشاء نظام قانونى بالمخالفة لأحكام الدستور، ولم يفعلوا الكثير والكثير جداً مما كان ينبغى أن يفعلوه.
ألا يُعدّون من الفلول – الذين أساؤوا إلى مصر وإلى الشعب المصرى – ومنهم أشخاص لم يعترضوا على ما حدث من قصور أو مساهمة بالسلبية فى خطأ كان محدقاً بالشعب ثم وقع فعلاً.
كما سلف فإنهم قبلوا الظلم والمهانة، حتى سنحت لهم الفرصة، فبمجلس شعب مطعون فى دستوريته ومطعون فى عضوية أغلب أعضائه، يريدون إختطاف الثورة والحكومة والرياسة، وتعديل أحكام القضاء ليكون الحكم على هواهم.
saidalashmawy@hotmail.com
القاهرة
ماذا يجرى فى مصر؟ (25)
استغرب عدم كتابة المستشار بشكل متكرر فهو اليوم أخر المفكرين الكبار بعدما جفت الاقلام و رفعت الصحف بشكل بطئ و لكن منهجي منذ العام 1952