لوس أنجلوس تايمز
يتركز معظم الاهتمام هذه الأيام على سوريا، لكن هناك أيضاً مشكلة متفاقمة في مصر لها تداعيات عالمية. ففي 16 أيلول/سبتمبر أصيب تسعة من رجال الشرطة المصرية في انفجار قنبلة في شمال شبه جزيرة سيناء. وفي الأسبوع الذي سبق ذلك، قتل انتحاريون تسعة جنود في شبه الجزيرة. وقد أصبحت عمليات إطلاق النار والخطف والتفجيرات – على جانب الطريق وبالسيارات وعن طريق العمليات الانتحارية – أموراً متكررة الحدوث في سيناء. كما أن التمرد الإسلامي الناشئ آخذ في الانتشار إلى أجزاء أخرى من مصر. وفي أوائل أيلول/سبتمبر، نجا وزير الداخلية بأعجوبة من هجوم بسيارة مفخخة في القاهرة، وأفادت الأنباء أن الهجوم ارتُكب من قبل جماعة جهادية مقرها في سيناء.
وبعد مرور أكثر من عامين من بداية العصيان المدني وارتفاع معدلات الجريمة وانتشار وباء الاعتداءات الجنسية وقتل الجيش في آب/أغسطس لما يقرب من 1000 إسلامي كانوا يحتجون على الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب من جماعة «الإخوان المسلمين» من منصبه، فإن التمرد أصبح أخباراً سيئة بالنسبة لمصر.
ولكن الأمور يمكن أن تزداد سوءاً.
ففي 31 آب/أغسطس، أطلق اثنان من المسلحين قذائف صاروخية على سفينة شحن صينية كانت تعبر قناة السويس. وقد أعلنت “كتائب الفرقان” التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» ومقرها في سيناء عن مسؤوليتها عن ارتكاب الحادث ونشرت مقطع فيديو يوتيوب عن الهجوم. وعلى الرغم من عدم تعرض السفينة لتلف كبير، إلا أن الجماعة تعهدت بمواصلة الهجوم على عمليات الشحن عبر القناة.
ولو استمر المقاتلون في ذلك، فسوف ينجحون عاجلاً أو آجلاً دون أي شك في إلحاق الضرر بسفينة معينة أو تعطيلها أو إغراقها في مجرى القناة، وهو تطور قد تكون له تداعيات كارثية لمصر والتجارة الدولية.
لقد كانت للإطاحة بالرئيس حسني مبارك عام 2011 نتائج وخيمة بالفعل على الاقتصاد المصري. فقد أدت الاحتجاجات المستمرة والعنف المتفرق في جميع أنحاء مصر إلى تخويف المستثمرين وتجفيف الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي كان ذات يوم من الركائز الاقتصادية للدولة. والأمر لم يقتصر على تراجع الاستثمارات – التي وصلت إلى 32 في المائة في الربع الثالث مقارنة مع [الفترة نفسها من] العام الماضي، وفقاً لبنك مصر المركزي – بل تعداه ليشمل هروب رؤوس الأموال الأجنبية. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية خرجت من البلاد استثمارات تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار.
كما أن السياحة، التي كانت تمثل دائماً ما يقرب من 10 في المائة من النشاط الاقتصادي في مصر، قد انهارت. إذ تدنت مستويات الأشغال في مدينة شرم الشيخ، واحة السياحة في جنوب سيناء، إلى 36 في المائة. وفي غضون ذلك، أُغلقت ثلث الفنادق مما يقرب من 250 فندقاً في الجهة المقابلة للقناة في محافظة البحر الأحمر. وفي ظل غياب فيالق الصحفيين، فستكون القاهرة هي الأخرى خالية من الأجانب الذين ينفقون الأموال.
وحتى قبل اندلاع العنف الذي شهده شهر آب/أغسطس، درّج “البنك الدولي” مصر في المرتبة 140 – وهي الأخيرة في العالم، بعد باكستان واليمن – من حيث سلامة السياح. إن الوضع آخذ في التدهور بشكل أكبر. فوفقاً لوزارة السياحة، تراجعت أعداد الزوار بنسبة كبيرة جداً بلغت 85 في المائة خلال الشهر الماضي.
والآن أصبحت إيرادات قناة السويس – الركيزة الثالثة للاقتصاد – التي تبلغ نحو 5 مليارات دولار في السنة، معرضة للخطر. ففي عام 2012، عبرت القناة ما يزيد عن 17,000 سفينة. ومؤخراً، تراجع عدد السفن التي تستخدم هذا المجرى المائي، وفي العام الماضي انخفضت الإيرادات بنسبة 5 في المائة. وقد شهد النصف الأول من هذا العام انخفاضاً بنسبة 6.6 في المائة في حركة المرور، الأمر الذي دفع السلطات المصرية إلى رفع الرسوم.
هذا وتأمل القاهرة أن يساعد انتعاش الاقتصاد العالمي على زيادة الحركة عبر القناة في العام المقبل. بيد، إن الحادث الذي وقع في 31 آب/أغسطس قد يعيق تلك الطموحات. فقد أفادت الأنباء أن المخاوف الأمنية جعلت بعض شركات الشحن الدولية تفكر في طرق بديلة، من بينها مسارات قطبية مبتكرة برفقة كاسرات جليد روسية.
ويعمل الجيش المصري، بالتنسيق مع شركائه الإسرائيليين، على الدفع بأعداد ضخمة من الأفراد والمعدات إلى سيناء – بما في ذلك مروحيات هجومية – في محاولة لاحتواء التمرد. وفي الوقت نفسه، أفادت الأنباء أن الجيش سمح لطائرات إسرائيلية مسلحة بدون طيار بدخول المجال الجوي المصري لاستهداف المسلحين. ومع ذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت تلك القوات المعززة ستكون قادرة على تهدئة المنطقة أو الحد من تهديد حركة الملاحة في قناة السويس.
ويقوم الجيش بحملات اعتقال وقتل للإرهابيين المشتبه بهم على مدى الشهرين الماضيين، إلا أن الهجمات على قوات الأمن لم تتراجع. وفي الواقع، يبدو أن أعداد المسلحين آخذة في التزايد بسبب وجود مقاتلين أجانب والغضب في صفوف البدو وازدياد تطرف أعضاء من جماعة «الإخوان» جراء الانقلاب.
وبنفس القدر من الأمور الباعثة على الإحباط هو التحدي للدفاع عن قناة طولها 120 ميلاً، ومعظمها عرضة للهجمات. وتقول “كتائب الفرقان” إنها ملتزمة باستهداف الطريق الذي تمر من خلاله “حاملات الطائرات الصليبية والسفن التى تمثل شريان تجارة الكفار”.
وبالنسبة لدولة يتقاضى فيها ما يقرب من نصف عدد السكان أقل من دولارين لليوم الواحد، وفيها معدل بطالة رسمي يقترب من 15 في المائة وعجز قاسي في الميزانية لعام 2012-2013 يبلغ 35 مليار مليار دولار مقابل 84 مليار دولار في النفقات، ستكون الخسارة للقناة مدمرة. ومن شأن ذلك أن يقوض ليس فقط الثقة في قدرة الجيش على استعادة الاستقرار، بل سيعمل على تشجيع المسلحين الذين يواصلون السعي لاستعادة الحكم الإسلامي في مصر.
وعلى الرغم من أن الأمر غير مريح، إلا أن واشنطن تستطيع في أسوأ الأحوال أن تتخذ إجراءات بديلة لنشر سفن حربية في الخليج العربي من أجل مواجهة إيران. والآن بعد أن اكتمل السور على طول الحدود، تستطيع إسرائيل هي الأخرى أن تحد كثيراً من تهديد الإرهابيين في سيناء. ومع ذلك، فبالنسبة لمصر، يبرز استهداف القناة الضعف المستمر للدولة.
ويزعم الجيش المصري أنه حقق تقدماً كبيراً لاستعادة الأمن إلى سيناء. لكن المشاكل الأمنية في مصر تمتد الآن إلى ما وراء شبه الجزيرة لدرجة أن الوضع أصبح الآن يشبه حركة التمرد الإسلامية المحدودة التي استمرت خلال تسعينيات القرن الماضي. وفي ظل القدرات التقنية المعززة للمقاتلين الأجانب، فإن هذه الجولة ستكون أكثر صعوبة لدرجة أن القاهرة قد لا تستطيع احتواءها. وإلى أن يُعاد إرساء الأمن في كل من سيناء ووادي النيل فإن انتعاش الاقتصاد والاستقرار السياسي في مصر – جنباً إلى جنب مع الملاحة في قناة السويس – ستظل كلها معرضة للخطر.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.