ما الفرق بين الغرفة السابعة السرية للجرجوف *والغيلان الجاثمة في حكاياتنا الشعبية التي تحذر البطلة /البطل من الاقتراب منها أو فتحها ، وبين ضريح الجندي المجهول ( السري) الذي ظل ويظل مجهولاً ؟
لماذا يحذر الجرجوف زوجته/ فتاة الدوم /البطلة من معرفة ما تحتويه الغرفة السابعة ؟ ولماذا تحذرنا الأنظمة والسلطات من معرفة ما كنه الجندي المجهول ، وما تحويه بطنه ؟
لماذا السرية والمجهولية للغرفة السابعة ولضريح الجندي المجهول ؟؟
(2)
غريزة المعرفة جعلت فتاة الدوم /البطلة /الزوجة تضرب بتحذيرات الجرجوف جانباً ، لتفتح الغرفة السرية وتعرف حقيقة أنها غرفة الموت والدمار . كان ذلك من خلال رؤيتها لأكوام الجثث والأشلاء التي يتغذى عليها الجرجوف ، كونه من أكلي لحوم البشر .
دفعت فتاة الدوم ثمنا باهضاً للمعرفة ابتداء من حالة الرعب /الصدمة ،التي روعت بها عند اكتشافها ما تحويه غرفة زوجها الجرجوف ، (الغرفة السابعة ) مروراً بتبعات ما بعد الاستكشاف ، وحالة الشك التي انتابت الجرجوف عند مشاهدته التغير البادي في حالة زوجته ، ثم تحقق شكه الذي انتهى به إلى يقين أن زوجته قد فتحت غرفته المحضورة وكشفت سره ، وأخيراً ترتيبه للعقاب المناسب المعنف لانتهاكها المحرم والمغيب ، التابو الجرجوفي ( الغرفة السابعة) .. أي ثمن المعرفة .. إذ قام بقتل أخيها المنقذ لها ، والى أخر ضريبة المعرفة التي دفعت ثمنها فتاة الدوم بطلة حكاية الجرجوف .
(3)
ماذا لو فكر كل واحد منا – المسألة لا تحتاج إلى بطولة تخرج من بطون الحكايات الشعبية وحزاوي الجدات ، مطلقاً فزمن البطولات قد انتهى – لكن أتحدث هنا عن غريزة المعرفة البشرية . ماذا لو قام أحد منا باقتحام مجهولية /سرية ضريح الجندي المجهول الذي شيدته الحكومات والأنظمة خصوصاً العربية والإسلامية ، إذ لا يختلف عن غرفة الجرجوف السابعة .
ماذا لو تحولت الشعوب إلى شعوب “الدوم ” لتمارس غريزتها في حب المعرفة ، واقتحام المجهول .. ماذا لو ؟
(4)
مثلاً :
* نتحرر من ” الوطن ” الذي لا يختلف عن الغرفة السابعة للجرجوف ، بل هو الجرجوف ذاته ، وهو الغرفة السابعة المحاطة بالكتمان والسرية .
وطن ،جرجوف ، يتسلى بنا تارة باسم الدفاع عنه ، وتارة باسم هتك لسيادته ، وأخرى بحجة انهمار الأعداء الذين لا ينتهون ،الطامعين في خيراته .
* أن نقول للوطن /الجرجوف كف عن مناداة أبنائنا ليضحون من أجلك فتلتهمهم فداء لك ، قرابين عند أقدامك ، تلحسهم بذنبك المشوك لتشفي نهمك للموت والدم والأشلاء . نحن نتيتم ، نستوحش ، نبتلع غصصنا ، التي تصنعها دوماً بإتقان ، تهدينا إياها بانتظام لتزين أعيادك الوطنية . تكافئنا ببضعة ورود ذابلة من تحت علم ومارشات وأناشيد ، وبضعة عسكر لا ندري ما كنههم أنس ، جن ،جراجيف وغيلان ،لا ندري .
* نقول لك كف عن هباتك السخية بمكرمة أم / أب الشهيد . كف أيها الوطن عن نثر قصائدك وملاحمك التي تعطسها عقب كل معركة تمددها عند أقدام قبر الجندي المجهول .. لقد تعلمنا أن الجراجيف لا تصنع القصائد .
(5)
الوطن . الغرفة السابعة السرية ،الغول ، جرجوف الشجر والحجر والهواء .. وظيفته الوحيدة استبدال كل ماهو حي أو حتى جامد بما هو جثثي ، وفي لحظة ظهور منقذ أومخلص يلتهمه ليظل هو آلهة الدمار ومهلكة الفرح ، بلا منازع . يجبرنا جرجوفنا الأرعن أن نطبخ لحم أخونا / المنقذ ، أن نتلذذ، كما يتلذذ هو بفصفصة العظام وقرططتها ..
(6)
فتاة الدوم عرفت أن ذلك اللحم لحم أخيها ، وتلك الأصبع الصغيرة المزينة بالخيتم /الخاتم هي إصبع أخيها .. وبحجم الحزن والألم والفجيعة دفنت لحم وإصبع أخيها في “مِشقار” ( أرض صغيرة يزرع فيها أنواع الريحان) لتخلقه من جديد . نحن أيضاُ نعرف لحم أخوتنا ، وأهلنا وبشرنا ، مازالت أصابعهم تزينها الخواتم حتى اللحظة أنها في جوف الجندي المجهول .
(7)
نحن عكس فتاة الدوم ، نأكل لحم أبنائنا وإخوتنا ، بعضنا بعضا برغم أن كل أصبع ماهي إلا جثة مزينة بالخاتم . بمعنى أننا نعرفهم تمام المعرفة . أصابعهم بخواتمها تؤكد لنا أن “المِشقار”قريب منا ، ما علينا إلا نخلقهم من جديد ، من “المِشقار” المعلوم وليس عند ضريح الجندي المجهول الذي لا يشبع . أنهم يخلقون من جديد عندما نعرفهم من خواتمهم ، ومن الخواتم نعرف ما يحويه بطن الجندي المجهول .
من معرفتنا لنصب الجندي الذي يصبح معلوماً ، نضع حداً للأوطان وللجراجيف . نكبح غرائزنا المظلمة التي دمرت المشقار وسحقت الريحان في غفلة من أمرها ، أو في سرية من أمرها .نقتل كل الجراجيف المتغولة في داخلنا ، التي تماهت ذات يوم مجهول بالجرجوف الأب – الجرجوف الرمز ، ساعتئذ ننتصر للحياة كما انتصرت فتاة الدوم ..
جرجوف متلوّن .. وطن متلوّن :
* ما احوجنا في مثل هذه الأيام أن نكون قليلاً من فتاة الدوم . ندرك أن المعرفة حياة . أن الوطن ماهو إلا جرجوف وغرفة سابعة ، تاجه ضريح مجهول متخم بالقتلى والجثث والأشلاء ، أو ما يطلق عليهم شهداء ؟
* قليلاً من فتاة دوم ندرك أن وطننا لا يتغذى إلا على جثثنا، يتلون مثل الجرجوف ، يلون المعارك تلو المعارك ، يلون القيم والأخلاق يخبز وطن من دين ، ودين من وطن ، يشحننا بغرائز غضبية متفجرة منفلتة : إغضاب الوطن هو إغضاب لله ولولاة الأمر ، يدهن شفاهنا بزيوت الأعداء والمقدسات وانتهاكات ، وعدم الاستسلام ، ولا تراجع ، ولا حوار ، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ووووالخ .
* قليلا من فتاة دوم نقتحم سرية الغرف المغلقة المحشوة بجثث البشرية على مر الأزمان .
* قليلا من فتاة دوم نرفض اللعب مع الجرجوف /الوطن فلا نثني الضربة القاتلة ، ولا نخطه ، ولا نتفله ، ( أوضاع في الحكاية الشعبية يأمر الجرجوف البطلة بفعلها حتى يستعيد حياته ويعيش ) ففي كل حركة تثنية إعادة لحياته . نحيه من جديد ، بمعنى نعيد عجلة المهلكة ، فتبدأ من جديد ولا تنتهي .
* نعيش ما تبقى لنا من حياة اختصرها الجرجوف / الوطن في بطنه التي ليست فقط بحجم ” ساع ” قبة الصوف ، بل تتجاوز قبة الأرض والسماء والكون باكمله .
(8)
أوقفوا الغرفة السابعة في صعدة
* أنظر حكاية الجرجوف ( الغول ) وهي حكاية شعبية دونها الأستاذ علي محمد عبده في كتابه المعروف حكايات وأساطير يمنية .