ربطت مصادر سياسية مطلعة بين اربع محطات اساسية طرأت على الساحة اللبنانية بين الامس واليوم على صلة بالوضع العام لتيار المستقبل ونتائج الانتخابات النيابية، اثنتان منها اقليمية والاخريين داخلية.
في الاقليمية، تدرج المصادر، اولا الهجمة التي شنتها صحيفة عكاظ السعودية على ما افرزه الاستحقاق البرلماني اللبناني راسمة صورة قاتمة عن لبنان الدولة المتحكم به كليا حزب الله والممسك بزمام قراره في مختلف المجالات، حيث اعتبرت ” ان حزب الله يريد ربطة عنق انيقة في رئاسة الحكومة تلتف من فوقها عمامته”، ثم تبعتها صحيفة الرياض اليوم من ضمن هجوم شنته على ايران وتصريحات المرشد الاعلى علي خامنئي، مصوّبة في اتجاه ادواتها في دول المنطقة، ومعتبرة ان المناطق الخاضعة لسيطرة ادوات طهران في لبنان تنتشر فيها الجريمة والجهل وتجار المخدرت والقتلة.
ثانيا: تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي قال فيه ان “رئيس الحكومة سعد الحريري خسر في الانتخابات النيابية ومن المعروف لماذا خسر. تعرفون الحريري ، تعرفون اسباب فشله، فعندما نعرف الخطأ نصارح به”، مؤكدا ان الخلاف بين تركيا والسعودية تحول الى مصيبة.
اما المحلية، فكثيرة بدأت مع حل هيئة الانتخابات في التيار والماكينة ومنسقيات العاصمة وعدد من المناطق قبل ان يصدر مساء بيان استقالة مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري (الموجود في باريس منذ ايام عدة) من المسؤوليات كافة التي يتولاها في مكتب الرئيس وتكليف محمد منيمنة تولي مهام مدير مكتب الحريري بالوكالة. ثم استتباعها ليلا بمعلومات عن استقالة امين عام تيار المستقبل احمد الحريري ونفيها لاحقا، واليوم بالاعلان عن قرارين للرئيس الحريري قضى الاول باعفاء منسق عام الانتخابات وسام الحريري من مسؤولياته في هيئة شؤون الانتخابات، والثاني بإعفاء مدير دائرة المتابعة في مكتب الرئيس ماهر ابو الخدود من مهامه في التيار.
اما في خلفية القرارات التي ربطها البعض تارة بمعطيات خارجية واخرى بنتائج الانتخابات التي خيبت آمال المستقبل، وردت الامانة العامة للتيار بنفيها واعتبارها مفبركة وتاكيد ان القرارات الصحيحة هي تلك التي تصدر حصرا عن الرئيس وتعلنها الامانة العامة، فتقول مصادر مطّلعة لـ”المركزية” ان خسارة تيار المستقبل 11 مقعدا نيابيا، لا يمكن الا ان تعقبه قرارات من هذا النوع في اطار سياسة الثواب والعقاب ووجوب تحمل المسؤوليات من اجل تغيير منهجية العمل المتبعة التي اثبتت صناديق الاقتراع فشلها ووجوب البحث عن اخرى جديدة في ادارة المعارك الانتخابية لاحقا.
بيان الإستقالة من السعودية
بيد ان الانتخابات ليست السبب الوحيد خلفها، فجذور “الفشل” في الاستحقاق تمتد الى اشهر طوال، حينما اعلن الرئيس الحريري استقالته من المملكة العربية السعودية بكل ما رافقها من ملابسات والتباسات، بقي معظمها طي الكتمان، وربما قبل ذلك حينما رضي بالانتقال من جبهة 14 اذار التي كانت عامل الجذب الاكبر لشعبية التيار منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ، الى ثنائية “المستقبل- التيار الوطني الحر” التي لم يستسغها الشارع السني المستقبلي ،ولم يهضم ترك الحليف القواتي الذي خاض معه معركة نضالية سيادية للانتقال الى الضفة ” العونية” التي ما زالت حتى الساعة تنبش قبور ” الابراء المستحيل”، اذ ترى بعض القواعد الشعبية المستقبلية ان هذه النقلة بمن يقف خلفها، مصلحية نفعية للبعض من الجانبين الذي يوظفها لمصالح شخصية بحت، فيما يتمسك الرئيس الحريري بالحفاظ على الاستقرار الذي استنزف رصيد “المستقبل” كما اظهرت نتائج صناديق الاقتراع.
وقد تكون سلسلة الاجراءات المستقبلية على مدى الساعات الماضية على صلة ايضا، بحسب المصادر، باعتبارات سياسية خارجية على عتبة تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، حيث ترتفع سقوف المطالب والشروط الى الحد الاقصى، بحيث بات الظرف الاقليمي، مع تصوير فريق 8 آذار نفسه الرابح الاكبر، يوجب عودة “المستقبل” بحلة جديدة تتناسب ومقتضيات الواقع الجديد على غرار ما كان مطلوبا من صدمة استقالة الحريري.
في مطلق الاحوال، تختم المصادر، ان جملة الاستقالات والاعفاء من المهام، كانت خطوة اكثر من ضرورية، لان استمرار الادارة المستقبلية على النحو الذي كانت عليه لم يعد جائزا، في ضوء المتغيرات المحلية والاقليمية، وقد لا تقتصر عند ما صدر منها حتى الساعة لان الظروف تحتم على الارجح اكثر من ذلك، وربما تطهير التيار من كل من اوصله الى حيث هو ، قبل انطلاق حقبة استحقاقات ما بعد الانتخابات.