زار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل لبنان لأول مرة، وبشكل مفاجىء، طرح أكثر من علامة استفهام حول الهدف الحقيقي من الزيارة في هذا الظرف بالذات. وقد أحيط قدومه بسرية تامة، وبقي خبر وصوله طي الكتمان الى حين بدء محادثاته في القصر الجمهوري مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان. قد يقال أن ذلك يعود لأسباب أمنية فقط، وهذا ممكن والى حد ما منطقي، الا أن المثير في الأمر هو ما تسرب من معلومات الى بعض وسائل الاعلام عن أن مسؤولاً سورياً رفيعاً، لم يكشف عن هويته، سيصل الى بيروت. فمن سرّب هذا الخبر، ولماذا؟
وأول ما يلفت في هذه الزيارة، طبيعة ونوعية اللقاءات التي عقدها مشعل والوفد المرافق في العاصمة اللبنانية، ثم اللهجة التي استعملها في التصريحات التي أدلى بها، وتاليا مضمون ما أدلى به من مواقف حول الوضعين اللبناني والفلسطيني، والذي بدا وكأنه مجموعة “رسائل مشفرة”، تقول الشيء ونقيضه.
أول لقاء عقد في قصر بعبدا ودام نحو ساعة ونصف الساعة، تبعه لقاء دام نصف ساعة مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي كان وصل الى القصر الجمهوري بمناسبة انعقاد جلسة مجلس الوزراء صباح الأثنين الماضي. وبعد اللقاءين، أعلن مشعل أنه “طمأن” سليمان والسنيورة حول الوضع الفلسطيني الداخلي، وأكد “التزام الفلسطينيين بالقانون والسيادة اللبنانيين”، وتعهد ان تتم “معالجة الملفات العالقة، سواء المخيمات ووضعها وأمنها، وكذلك السلاح، وحتى المطلوبين”، وانما في ظل “حوار جاد بين الطرفين…”.
فما هو المقصود أولا بـ”حوار جاد”، ومن هم “الطرفان” اللذين يجب ان يقيما هذا الحوار؟ اذ من المعروف ان هناك في الأساس حوار جاد انطلق لأول مرة، بعد خروج القوات السورية من لبنان، بين أول حكومة سيادية ترأسها السنيورة (في تموز 2005) وممثل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في لبنان عباس زكي، وتنسيق دائم حول كل القضايا، وعلى المستويات كافة. أي بين طرفين رسمين، لبناني وفلسطيني. كما تم تشكيل لجنة وزارية قامت بجولة ميدانية على المخيمات في بيروت للاطلاع على أوضاعها، ولو انها لم نتجز يومها الكثير.
كما أن التنسيق كان على أشده بين الطرفين، أي الحكومة (وايضا الجيش اللبناني) وممثل السلطة الفلسطينية، خلال المعركة التي خاضها الجيش اللبناني ضد عصابة “فتح الاسلام” في مخيم نهر البارد، شمال طرابلس. تلك العصابة التي مازالت “تفرّخ” هنا وهناك، في مناطق مختلفة من لبنان، وتحديدا في الشمال والبقاع، حيث كان هناك تواجد عسكري كثيف للجيش السوري، وحيث لا يزال هناك نفوذ سوري، ومحاولات مستمرة لتعزيز هذا النفوذ، تحت أسماء ومسميات وأشكال مختلفة، من “فتح الاسلام” الى “فتح الانتفاضة”، الى “القيادة العامة”، وكلها تنظيمات وأسماء مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمخابرات السورية.
كما أن اللافت والطريف في آن، هو انه في كل مرة يتم فيها اكتشاف تورط مجموعة، أو شبكة، أو عناصر من هذه “التشكيلات”، بالتفجيرات التي حصلت ضد الجيش اللبناني أو ضد أهداف أخرى، وأيضا وقبل أيام، ما تسرب عن تورط هذه العناصر بجريمة اغتيال بيار الجميل، يتم فجأة “اكتشاف” علاقة شبكة تجسس لصالح العدو الاسرائيلي. كذلك، وعندما تسجل الأجهزة الأمنية والقضاء اللبناني تقدما في التحقيق في ملابسات وخلفيات التفجيرات، يتم فجأة، وبقدرة قادر، اكتشاف “أنابيب” تحتوي على “مواد سائلة شديدة الخطورة”، في أقصى الجنوب، أي شبعا وكفرشوبا، تم “ارسالها” هذه المواد لفحصها في مختبرات فرنسية!!
فهل هذا هو الحوار الذي لا يعجب خالد مشعل؟
كما إن “الحوار الجاد”، أطلقه اللبنانيون في الأساس على طاولة الحوار، في آذار 2006، وتوافقوا خلاله بالاجماع (قوى 14 آذار و8 آذارعلى السواء) على ضرورة أن يتم تسليم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال مدة ستة أشهر، انتهت منذ أكثر من سنتين من دون ان يتم تنفيذ هذا البند الذي وافق عليه حلفاء رئيس “حماس” في لبنان، وعطّله حليفه الفلسطيني، السوري الولاء، أحمد جبريل. أي، بمعنى آخر، من عطّل الحوار هو النظام السوري الذي يقيم مشعل على أرضه، و”المتحالف معه ضمن استراتيجية الممانعة”…
فهل ان مشعل لا يريد أن يسلم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟ وكيف يعلن التزام الفلسطينيين بالقانون والسيادة اللبنانيين، ولا يريد ان يلتزم بقرار سيادي لبناني حول مسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟ وماذا يقصد اذا بـ”الملفات العالقة”؟
ان السيد مشعل يذهب أبعد من ذلك محاولا فرض شروطه على الدولة اللبنانية. ففي الوقت الذي يؤكد فيه انه ملتزم قوانينها وسيادتها، يعلن ان “السلاح خارج وداخل المخيمات وكل الموضوعات الأمنية تعالج على طاولة الحوار اللبناني- الفلسطيني ضمن رزمة كاملة”. وماذا تعني هذه “الرزمة الكاملة” التي كرّرها مشعل في معظم تصريحاته؟
ومن ضمن إعلانه “التزام القوانين اللبنانية والسيادة اللبنانية”، يقول مشعل أيضا انه مستعد لبحث مسألة “المطلوبين” كجزء من “الملفات العالقة”، فهل ان عناصر عصابة “فتح الاسلام” ليسوا من ضمن “المطلوبين”؟ فلماذا لا يسعى الى تسليم زعيم هذه العصابة شاكر العبسي الى السلطات اللبنانية، التي “يحترم سيادتها وشرعيتها”؟ ولماذا لم يشارك تنظيمه في المواجهة التي خاضها الجيش اللبناني ضد هذه العصابة في مخيم نهر البارد، طالما انه يطالب الدولة اللبنانية باعادة تعمير المخيم؟ وهذا من دون شك حق لأهالي المخيم المنكوبين.
واذا كان مشعل يحتج على الطرف الفلسطيني المنتدب من قبل السلطة الفلسطينية لتمثيلها في لبنان، فهذا شأنه وشأن فلسطيني داخلي، ولا علاقة للدولة اللبنانية بأمور البيت الداخلي الفلسطيني. تماما، مثلما لا علاقة للفلسطينيين بالشؤون الداخلية اللبنانية. وهذا الموقف يجسّده خير تجسيد مندوب السلطة الفلسطينية في لبنان عباس زكي.
وخلال اللقاء الذي جمع رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” مع حشد شعبي من المخيمات، في منطقة الغبيري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، أعلن مشعل انه أكد في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين رفضه لـ”التوطين”، وأيضا، اسمعوا جيدا …”التهجير”؟!
وهذه نغمة جديدة! فهل سمع من أحد هؤلاء المسؤولين، أو طرح أحدهم أمامه فكرة تهجير الفلسطينيين، أم اشتمّ من أحد نية مبيتة في هذا الاتجاه؟ أم أن هذه “فزّاعة” جديدة تستبدل “فزّاعة” التوطين؟ أو انها مزايدة رخيصة يقصد منها تضليل الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وتأليبهم على الدولة اللبنانية واللبنانيين؟
وفي العودة الى نوعية اللقاءات، كانت جولة مشعل واسعة وانتقائية. فالى جانب لقاءاته مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، التقى أيضا رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري و”الجماعة الاسلامية”، وبطبيعة الحال أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله.
فاذا كانت اللقاءات مع ميشال سليمان وفؤاد السنيورة ونبيه بري لها طابعها الرسمي، فلماذا لم يكتف بلقاء ممثلي المؤسسات الرسمية في الدولة اللبنانية كونها الزيارة الأولى له الى لبنان؟ ولماذا اختار مشعل أن يلتقي الحريري و”الجماعة” ونصرالله فقط من دون غيرهم من القيادات اللبنانية؟ سؤال مشروع طالما انه أكد خلال تصريحاته أنه “على مسافة واحدة من الأفرقاء اللبنانيين”؟ واذا كان للقائه مع الحريري خصوصية معينة، على خلفية الاحتقان السني-الشيعي في لبنان والمنطقة – رغم ان مشعل السني هو شيعي الولاء لارتباط حركته المدعومة والممولة من النظام الايراني – فلماذا لم يلتق أحدا من “قوى 14 آذار” على سبيل المثال، طالما انه قال في تصريحاته “لسنا طرفا في اي خلاف داخلي لبناني ولسنا محسوبين على أي طرف، ومع لبنان الموحد”؟ لماذا لم يلتق وليد جنبلاط أو أياًمن القوى والأطراف المسيحية؟
ماذا جاء يفعل خالد مشعل في بيروت؟ وهل انه “الورقة الجديدة” التي يراد لعبها بعدما احترقت اوراق جبريل وجماعة “فتح الانتفاضة” في لبنان؟ وهل من طبخة تُعدّ للمخيمات وللوجود الفلسطيني في لبنان؟ ولماذا لم يزر مشعل لبنان إبان مرحلة الوصاية والوجود العسكري السوري في لبنان؟
s.kiwan@hotmail.com
ماذا جاء يفعل رئيس حركة “حماس” خالد مشعل في بيروت؟
جاء مبعوثا ليخربها مع سجين “زندا” وجوقة الأنس ومن بيت الحماة, فمن بعد مسدس الماء وتحويله الى ضحية إخلاص فائق و إخراج الرجل الصادق المعطل جسما لا عقلا وقلبا من السجن و تجهيزه للمقبرة و سنده الرنتيسي ليخلو الجو لها كي تبيض وتصفر وتنقر ماشاء لها أن تنقر مع من كان يكتب أسماء الفدائيين الصادقين بحبر سري على الجدار في غزة و الضفة قبل شبه الحكومة ليظهره جنود الجماعة و يصفوهم.
إنها الفصل الأخير في الملهاة فاستعدوا…….سيفتح الستار.