من المقرر ان يجتمع المكتب السياسي الكتائبي يوم الاثنين المقبل لدرس التدابير الميدانية التي سيخذها الحزب في حق منسق الامانة العامة لقوى 14 أذار النائب السابق فارس سعيد.
كان لهذا الخبر ان يكون له وقع الصاعقة لو انه ليس متأخرا أكثر من 37 عاما. فالمكتب السياسي الكتائبي ما زال يحتفظ بذكريات تلك الايام التي كان فيها يقرر مصير اللبنانيين أفرادا وجماعات! ويبدو ان من كان يحضر تلك الاجتماعات ما زال ذهنه يتوقد ليستحضر التهديد الذي كان يصاحبه تنفيذ عمليات تأديب تقوم بها ما كان يعرف بـ”القوى النظامية” في حزب الكتائب، على غرار تأديب “الكتلويين” في مركزهم في مدينة جبيل، عام 1976 فقتلوا 22 كتلويا أعزل، وكذلك في “جاج” حيث قتل ايضا 13 كتلويا. الى “العاقورة”، حيث حاصروا البلدة لثلاث سنوات وقتلوا 14 شخصا. الى قصف منزل “جان حواط” في جبيل محاولين قتل عميد الكتلة الوطنية ريمون اده في داخله. وصولا الى محاولة اغتيال مرة ثانية بعد مطاردته على طريق نهر ابراهيم فأصيب خمسة من مرافقيه. الى سبحة طويلة من الممارسات التي يحفل بها تاريخ الحزب الطويل وقرارات مكتبه السياسي التي كان يشارك فيها حينذاك الوزير والنائب السابق الموقوف ميشال سماحة، وكريم بقرادوني، وسواهما…….
المكتب السياسي الكتائبي استبق اجتماعه الاثنين بهجوم على النائب السابق سعيد توعده خلاله سجعان قزي من على شاشة تلفزيون “المنار” بـ”رد ميداني”، وذلك على خلفية الخلاف بين الكتائب والامانة العامة لقوى 14 أذار، وهو الخلاف الذي تبحث الكتائب عن أسباب لتستمر في تسعيره.
إن تعبير “رد ميداني” يثير سؤالاً لا بدّ منه: إذا قرّر حزب محلي (والمرشّحون كثر..) او النظام السوري، أو حتى أحمد جبريل أو “بدائل ميشال سماحة”، أن الوقت مناسب لـ”عملية ما” ضد فارس سعيد شخصياً، فهل يتحمل حزب الكتائب وسجعان القزي مسؤولية إعطاء الحزب المحلي، أو “المقاوم الفلسطيني، أو النظام السوري، “حجة براءة مسبقة”، طالما أن من يهدّد “ميدانياً” هو حزب من أحزاب ١٤ آذار؟
بداية لا بد من التوقف عند تأسيس الامانة العامة لقوى 14 آذار، حيث كانت الغاية الاولى لتأسيسها إيجاد مساحة مشتركة بين الاحزاب المكونة لقوى 14 آذار، وتم تكليف النائب السابق فارس سعيد تسيير اعمال الامانة العامة، والتنسيق بين مكوناتها وتنظيم الاجتماعات الدورية كل اربعاء.
وكان اتفاق بين جميع مكونات قوى 14 آذار، على تكليف النائب السابق سعيد مهمة منسق الامانة العامة، على إعتبار ان الاحزاب تملك مقراتها، فتكون الامانة العامة مقرا للأحزاب وللمستقلين في 14 آذار والذين يشكلون العمود الفقري لهذه القوى من الذين اعتصموا في ساحة الحرية لعشرات الايام وصولا الى تحقيق انسحاب الجيش السوري من لبنان وإقرار المحكمة الدولية.
مع انطلاق اعمال الامانة العامة، كانت عين حزب الكتائب على المقر! وسادت مقولة “الحزب التاريخي”، الذي يجب ان تصل اليه المنافع على اختلافها، من مناصب ومقرات، فلا بد من ان تتناغم “الامانة” مع “الصيفي” ليصبح للكتائب مقران إثنان. وطالبت الكتائب بأن يكون منصب منسق الامانة العامة مداورة، الامر الذي رفضه جميع مكونات 14 آذار مصرين على إبقاء الامانة العامة للمستقلين، وصولا الى صدور اتهامات من حزب الكتائب بهدر اموال في الامانة العامة قدّرها الكتائب بملايين الدولارات، الامر الذي تراجع عنه الرئيس امين الجميل لاحقا، بعد ان اكتشف ان لا ملايين في “الامانة”، وأن ما تم سَوقه كان مجرد إفتراضات وإفتئات على “الامانة”.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل ان التباين في وجهات النظر انتقل من الافتراء التنظيمي الى الخلاف السياسي في النظرة الى لبنان. خصوصا ان النائب سامي الجميل لا يرى لبنان سوى “فدرالية طوائف”! في حين ان “الامانة العامة” المؤتمنة على العيش المشترك ترى ان الانصهار الوطني اولوية يجب العمل دائما على تكريسها وتعزيزها في معزل عن أي خلفية سياسية او اجتماعية او اقتصادية.
النائب الجميل، يسعى الى تسويق منظومة افكار تؤدي الى تكريس “فدرالية الطوائف” تحت مسمى “اللامركزية الادارية الموسعة”. وهو للغاية يستند إلى دراسات إحصائية خلاصتها ان المسيحيين الذين همشتهم حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ العام 1992 وحتى العام 2005، دفعوا ضرئب للدولة اللبنانية بما يتجاوز 52 مليار دولار، في حين ان الانماء الذي طال المناطق المسيحية لم تتعدَّ كلفته 10 مليارات دولار، ما يعني حسب الجميل الابن ان المسيحيين دفعوا للمسلمين 42 مليار دولار!
وتضيف اطروحة الجميل ان “اللامركزية الادارية الموسعة”، والتي يقصد بها “لا مركزية سياسية” ايضا، تقضي بإنشاء مجالس منتخبة محليا تجبي الضرائب، وتتولى إدارة شؤون الاقضية على المستويات كافة، على ان تدفع نسبة 10% من ضرائبها للدولة المركزية من اجل اعمال الامن والمشتركات في البنى التحتية وسواها.
ويقول الجميل إن هذا الامر من شأنه ان يرفع من شأن المناطق المسيحية لتصبح عامل جذب سياسي وديموغرافي، من دون ان يوضح ما هي آليات وشكل عمل المجالس في المناطق المختلطة طائفيا، وحيث توجد اقليات مسيحية في مناطق ذات أغلبية إسلامية والعكس.
هذا الخلاف المبدئي بين الجميل و”الامانة العامة لـ١٤ آذار” أخذ يتطور ليتحول من خلاف جذري ومبدئي الى خلاف على تفاصيل وشكليات. على غرار تلك التي تذرع بها حزب الكتائب من اجل عدم المشاركة في اللقاء التشاوري في “معراب”، حيث قامت “الامانة العامة” بواجبها كاملا حين زار منسق الامانة العامة حزب الكتائب في الصيفي. وصودف غياب الرئيس الجميل في الخارج، فالتقى امين عام الحزب ميشال الخوري، وجوزيف ابو خليل ونسّق معهما اللقاء في “معراب”، وكان اتفاق على مشاركة الكتائب، حيث تولى امين عام الحزب إبلاغ الكتائبيين الذي سيشاركون في اللقاء، ليعود ويبلغهم ليلا قرار المقاطعة من دون ان يشرح الاسباب، التي بدا بعضها من نوع انه كان على “سعيد” ان يتصل بالرئيس امين الجميل، او بنجله “سامي” لمزيد من التنسيق! وانه كان على امين عام الكتائب ان يشترط على “سعيد” الاتفاق سلفا على عقد اللقاء الثاني في “بكفيا”، قبل الاتفاق على المشاركة في لقاء “معراب”، وما الى ذلك من شكليات لا تمت بَصِلة الى الاخطار التي يعاني منها الوضع اللبناني ولا التحديات التي تواجهها قوى 14 آذار.
اليوم وجدت الكتائب ضالتها في حديث النائب “فارس سعيد” التلفزيوني: حيث أكد ان لا خلاف مع “الكتائب” في الشكل ولا على التنظيم، بل ان الخلاف يتعلق بالنظرة الى لبنان، وبموقف الكتائب من اختزال جمهور قوى 14 أذار بأحزاب 14 آذار، الامر الذي اكد سعيد رفضه، مشيرا الى تمسك هيئات المجتمع المدني في قوى 14 آذار والمستقلين، باستقلاليتهم ضمن ثورة الارز.