سددت قوات التحالف العاملة في أفغانستان في الأسبوع الماضي صفعة جديدة لحركة طالبان بقتلها قائد عملياتها العسكرية الملا دادا الله آخوند (41 عاما) في عملية مشتركة في مقاطعة هلمند الجنوبية. و مثلما قيل عند مقتل زميله الملا “اختر عثماني” في ديسمبر 2005 ومقتل زميله الآخر “الملا عبيد الله” في عملية مشابهة في وقت سابق من العام الجاري، فان حركة التمرد والعنف التي تقودها طالبان قد لا تتوقف برحيل دادا الله فورا. فالعنف في العراق مثلا لم يتوقف بنجاح القوات الأمريكية في قتل مهندسه أبو مصعب الزرقاوي الذي لم يكن يختلف كثيرا عن صاحبنا سواء لجهة الموقع و النفوذ أو لجهة الدموية والبشاعة التي وصلت حد إشرافه شخصيا على عمليات جز أعناق الخصوم بالسكاكين و تصويرها ، و من ثم تسجيلها على أقراص مدمجة للبيع في أسواق وزيرستان الباكستانية من اجل الترهيب و بث الذعر.
على أن تسليمنا بهذه النظرية لا ينفي أن حركة طالبان قد تلقت ضربة موجعة برحيل هذا الرجل الذي لم يسمع به الأفغان على نطاق واسع إلا في عام 1999 حينما قاد عملية ضد قوات تحالف الشمال و ساهم في احتلال مدينة مزار شريف و أقدم على مجزرة رهيبة بحق الشيعة الهزارة في مقاطعة باميان، خاصة و أن خليفته المعين حديثا “الملا بخت محمد” شخصية غير معروفة و لا تلتقي مع سلفها إلا في الجهل و الأمية اللتين هما السمة الطاغية على كل القيادات الطالبانية السابقة و الحالية، وبالتالي لا يمكنها ملأ الفراغ.
وحتى لو افترضنا – و هو افتراض كثر الحديث عنه مؤخرا – أن هذا الفراغ سيشغله فعليا الرجل الثاني في حركة طالبان “الملا جلال الدين حقاني”، فان تحولا ما قد يحدث في اتجاه تراجع نفوذ الحركة و خططها، لا سيما و أن هذا الأخير الذي عينه زعيم طالبان الأعلى “الملا محمد عمر” كنائب له في العام الماضي فقط ليس من قادة طالبان الأصليين و لا ينتمي إلى معقل نفوذ الحركة في قندهار، و إنما انضم إلى الطالبانيين في التسعينات بعدما كان ضمن جماعة قلب الدين حكمتيار. و بعبارة أخرى فان حقاني لا يملك ما كان دادا الله صنعه لنفسه من نفوذ وتأثير و هيبة بفضل ذكائه الفطري و أعماله الدموية الرهيبة و معايشته الميدانية لجنوده و تقدمه للصفوف، في وقت كان فيه القادة الآخرون يعيشون بعيدا في الكهوف و المغارات على طريقة الملا عمر الذي لم يشاهد منذ هروبه من كابول في عام 2001 على ظهر “موتوسيكل” قديم من نوع هوندا.
و مما تردد عن دادا الله الذي حارب في صفوف المجاهدين ضد السوفييت في الثمانينات و فقد إحدى ساقيه – في رواية أخرى انه فقد ساقه بفعل لغم ارضي في مدينة هرات في منتصف التسعينات أثناء حملة كان يقودها ضد جماعة إسماعيل خان وزير المياه و الطاقة الحالي – لكنه ظل طويلا دون أن يحقق النفوذ أو المكانة التي حققها آخرون كأحمد شاه مسعود و حكمتيار وعبدالرسول سياف و غيرهم ممن استولوا على مساعدات الجهاد الاجنبية و استثمروها في بناء الفصائل الخاصة بهم، انه كان على خلاف و تنافس مع الملا حقاني منذ بعض الوقت. و طبقا لبعض الروايات فان احد أسباب الخلاف كان إصرار دادا الله أن يكون التمرد ضد نظام كابول والقوات الاجنبية بمعزل عن تنظيم القاعدة و الأفغان العرب، فيما كان حقاني يتبنى وجهة نظر معاكسة، لا سيما و أن الكثيرين من بقايا الأفغان العرب فروا إليه طلبا للحماية بعد مناوشات وقعت بين ميليشيات القاعدة و ميليشيات محلية، ناهيك عن علاقته الخاصة بالأفغان العرب منذ أن تزوج في الثمانينات من إحدى بناتهم التي صارت لاحقا أما لنجله ناصر الدين.
و من أسباب الخلاف الأخرى أن حقاني عارض اتصالات دادا الله مع الحكومة الباكستانية، و هي اتصالات يقال أنها بدأت في عام 2005 و تواصلت بعد ذلك، و حققت أهدافها التي تمثلت في عقد صفقة مع إسلام آباد يحصل بموجبها الطالبانيون على الأمان و حرية الحركة و التدريب في أقاليم باكستان الشمالية مع بعض المساعدات العسكرية واللوجستية الخفية، في مقابل كف طالبان عن التعرض لنظام الرئيس الباكستاني برويز مشرف و إقناع الجماعات الدينية الباكستانية المتعاطفة أو الشريكة للحركة في إقليم وزيرستان بتركيز جهودها على محاربة نظام كابول و ليس النظام القائم في إسلام آباد. إذ رأى حقاني أن مثل هذه الصفقة تساعد نظام مشرف المتواطيء مع الغرب على البقاء من جهة، و تخدم الأهداف الاستراتيجية لباكستان في أفغانستان من جهة أخرى.
على أن السبب الرئيس لخلاف الرجلين هو تنافسهما على النفوذ في أوساط القبائل المتعاطفة مع طالبان في وزيرستان. فحقاني الذي لطالما ادعى بأنه صاحب كلمة و نفوذ في هذه المنطقة و بأن تحت أمرته أكثر من ثلاثين ألف انتحاري من أبناء وزيرستان، ساءه ما قام به دادا الله في العام الماضي حينما راح بمعزل عنه يتصل بقبائل وزيرستان و يجند شبابها و يجمع التبرعات منها وصولا إلى التفاف معظم زعماء القبائل المتعاطفة مع طالبان – من أمثال بيت الله مسعود و حافظ غول بهادور و مولوي صديق نور – حوله. و من هنا قيل أن حقاني ربما كان المستفيد الأول من غياب دادا الله، إضافة بطبيعة الحال إلى حكومة كابول و قوات التحالف والكثيرين من الأفغان الذين تسبب الرجل في قطع رقاب أحبائهم أو إرهابهم. أما على صعيد الخاسرين فيبدو أن في مقدمتهم النظام الباكستاني الذي خسر برحيل الرجل تفاهما مع طالبان لا يمكن الجزم باستمراره في ظل عودة حقاني إلى الواجهة في وزيرستان و استعادته لمكانته في حركة طالبان دون منافس.
و سواء صدقت هذه الروايات أو لم تصدق فان مما لا جدال فيه أن طالبان خسرت إلى الأبد قائدا ميدانيا شرسا لا يمكنها تعويضه بسهولة. فإليه يعزى الجزء الأكبر من نجاح عودة الحركة إلى الواجهة و تسببها في صداع مرير لقوات التحالف منذ العام الماضي، كونه هو الذي خطط لحملة الربيع التي سماها بغزوة بدر تيمنا بانتصار المسلمين على الكفار في الغزوة المعروفة قبل 1400 عام، و ذلك عبر إعادة تجميع قوات طالبان المهزومة و المشتتة، و تجنيد الآلاف من المتعاطفين الباكستانيين من وزيرستان، و التفاهم مع السلطات الباكستانية على نحو ما سبق ذكره. و هو الذي اشرف في الوقت نفسه على حملة دعائية متزامنة لبعث ذكريات الجهاد و المقاومة في الثمانينات، و تيئيس الأفغان من أي إنجاز على يد حكومة كابول، و إشاعة أن وجود قوات أجنبية جديدة على الأرض الأفغانية ما هو إلا تبديد لانتصارات المجاهدين ضد السوفييت، و حمل الأفغان على هجر أراضيهم و الالتجاء إلى تجمعات سكانية بعيدة عن قوات “الكفر”، ناهيك عن استثماره لما وقع من ضحايا مدنيين في عمليات قوات الناتو في تأليب الأفغان ضدها و دفعهم إلى الالتحاق بحركة التمرد.
وقد نجحت هذه الخطط إلى حد ما بدليل أن عمليات طالبان في الأشهر العشرة الأخيرة تجاوزت معاقلها التقليدية في زابول و اورزغان و هلمند و أجزاء من قندهار إلى غرب البلاد في هيرات وفرح و غور، و إلى جنوب شرق البلاد في كونار و باكتيا و خوست.
محاضر أكاديمي متخصص في الشئون الآسيوية
elmadani@batelco.com.bh
مواضيع ذات صلة:
يمكن للقارئ مشاهدة وقراءة برنامج “فرونت لاين” الممتاز حول “عودة الطالبان” والملا دادا لله على الرابط التالي. ويقترح “الشفّاف” على قرائه متابعة هذا الموقع- المحطة التلفزيونية باستمرار لأنه يقدّم نوعاً من “صحافة التحقيقات” يندر مثله في العالم العربي:
http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/taliban/