لم تكن مصادفة ربما أن تطلق ماجدة الرومي حفلتها السنوية بعد اهتزازات أمنية اعتادت أن تتجاوزها. السنة الماضية غنّت حزينة بعد تفجيري مسجدي السلام والتقوى في طرابلس، وأول من أمس افتتحت موسم السياحة والمهرجانات بعد ثلاثة تفجيرات ضربت لبنان في أسبوع واحد.
تدخل مسرح بيت الدين بفستانها الأبيض الملائكي، تنحني لجمهورها الوفي، جمهور لا يهزّه مشهد لبنان السوداوي. بالعكس يجعل مدرج القصر الكبير التاريخي يرتجف مع كل إيقاع ونغمة. هنا بيت الدين طبعًا، ولكن في هذا القصر لا قتل باسم “الدين” ولا جهاد دفاعًا عن “الدين”. لا حالش ولا داعش. فن وإبداع و… كرسي الفراغ.
في مشهد مسرحي ذكي، تقف الماجدة أمام كرسي كبير فارغ وراءه يرتفع علم لبنان، تصرخ: “سيّدي الرئيس، تحيّة وبعد.” ثمّ تختم وتنحني مجدّدًا: “سنبقى، لأننا وأرضنا والحق أكثرية.”
تحمل في أغانيها معاناة شعب متعطّش إلى الفرح وتقول في كلمة الافتتاح: “أنا بالنهاية مواطنة لبنانية ويحقّ لهذا الشعب أن يحلم بوطن بحجم معاناته.”
هكذا ينطلق صيف لبنان بصوت سموي وأداء مبهر، الصيف الذي انتظرناه مزهرًا حافلًا، ينطلق بغصّة وخجل. مصير مهرجانات بعلبك يبقى مجهولًا رهن انتحاريين مهووسين.
“إذا يئسنا، ماذا يبقى من لبنان؟” تسأل ماجدة الرومي قبل إطلاق أغنيتها الجديدة “الحرّية” للشاعر طلال حيدر. تقدّمها إلى كل ضحايا المعارك العربية وتذكر تحديدًا شهداء لبنان في السنوات الأخيرة: “إذا الظلم بيربح جولة، الحرّية قدر الأحرار.”
يمتزج الكلام الجميل بالحضور المبهر والموسيقى الراقية فتخرج كلمات الرومي، صوتاً صادحاً للسلام يبدّد القلق من متفجّرات وأحقاد تلهب الشرق الأوسط. تنفتح سماء بيت الدين فينهمر حب وعشق نفتقدهما. ما زالت تحلم ماجدة الرومي بلبنان هديّة في العلب، تلك القصيدة الدعاء الدائم.
محزن أن تعيد الرومي في كلّ حفلاتها أغنية “يا بيروت”. ألَم يحن الوقت لكي تقوم تلك المدينة من تحت الردم؟ ربّما لا فالقلوب المغلقة توسع انتشارها والتطرف ينهش كيان الوطن الصغير.
هتافات الجمهور لا تفارق أغاني ماجدة، يغنّي الحضور المتفاعل حينًا ثم تكمل هي. تعرف سرّ اللعبة المسرحية الفاخرة. المشهد يتكرّر؛ يقف الجمهور بعد كلّ أغنية وتنحني الماجدة تواضعًا وإجلالًا. تحمل علم لبنان، تقبّله، وتلقيه على البيانو.
الأضواء والعيون تتجه نحوها، يقبّل يدها المايسترو إيلي العليا، تلقي نظرةً أخيرة على الكرسي الفارغ وتغادر المسرح تاركةً بعض الأمل يضيء قلب شعب مشتاق إلى لبنان الحلم.
ملاحظات الشفاف:
• غاب الحضور الرسمي عن الحفلة.
• تأخّر دخول ماجدة الرومي نحو ساعة عن الموعد المحدّد، بسبب التدقيق الأمني.
• على غير عادة، لم ترافق فرقة الدبكة سلسلة الأغنيات الوطنية والتراثية اللبنانية التي غنّتها المطربة.
• أعادت ماجدة الرومي أغنيتها الجديدة “الحرّية” بعد طلب من الجمهور.
• استطاع قاصدو المهرجان الاستمتاع بمعرض فني قبل بداية الاحتفال.
• تولّى المايسترو إيلي العليا قيادة الفرقة الموسيقية التي ضمّت أكثر من 90 عضواً.
• صوّرت قناة “أم تي في” الحفلة ونقلت الافتتاح مباشرةً على الهواء.
• بيعت كل البطاقات قبل حوالي ثلاثة أسابيع من الأمسية وامتلأ المدرج بكامله.
• إستمرّت الحفلة ساعتين من دون استراحة.
• الأغاني التي أدّتها الرومي: سيّدي الرئيس، نشيد الشهداء، غمّض عينيك، غنّي، مطرحك بقلبي، عم يسألوني عليك الناس، أحبّك جدًا، اقبلني هيك، خذني حبيبي، عم بحلمك، كلمات، لو أهلا وسهلا قاولك، وعدتك، اعتزلت الغرام، “المدلي اللبنانية”، ويا بيروت.