قبل “إنترنيت إكسبلورر” الذي يستخدمه معظم مرتادي الإنترنيت الآن، كان “نيتسكيب” هو البرنامج المفضل للتجوال في الإنترنيت. وما زال “نيتسكيب” يذكّر أهل الإنترنيت بسيارة “الفولسفاكن” الشعبية والصغيرة والخفيفة ولكن الكفؤة، بالمقارنة مع “إنترنيت إكسبلورر” الثقيل و”الرسمي”.
كان عمر “مارك أندريسين” 22 عاماً حينما طوّر برنامج “نيتسكيب” . وقبل ذلك، كانت “الشبكة” عبارة عن صحراء يتم التواصل فيها بواسطة “النصوص” وحدها (مثل “التلكس”)، ويقتصر روّادها على قلة من “العارفين”. بفضل “نتسكيب” بدأت “ثورة الدوت كوم”، وصار بوسع كل إنسان أن “يتزلّج” على صفحات الإنترنيت الملوّنة بنفس سهولة اللعب على ماكينة “الفليبّر”. وبفضل هذا الإختراع، يُعتَبَر “مارك أندريسين” أحد أكبر روّاد الإنترنيت الحديث.
دخلت شركة “نيتسكيب” البورصة في العام 1995، وحقّقت نجاحاً كبيراً، ولكن انحدارها بدأ بعد ذلك بقليل. فبعد صراع مرير بين الشركات، بدأت أسهم “نتسكيب” بالتراجع في البورصة، إلى أن اشترتها شركة “أميركا أون لاين” بأكثر من 4 بليون دولار. وبعد سنة واحدة، بدأ ” مارك أندريسين” شركة ثانية اشترتها “هيوليت باكارد” في العام 2007 بمبلغ 1،6 بليون دولار. وفي هذه الأثناء، كان قد أسّس شركة ثالثة هي شركة Ning تمثّل منصة إتصال بين 170 ألف
“شبكة إجتماعية”.
يبلغ عمر “مارك أندريسين” الآن 36 عاماً.
مجلة “دير شبيغل” أجرت المقابلة التالية مع “مارك أندريسين”:
دير شبيغل: هل تخيفك فكرة إندماج “مايكروسوفت” و”ياهو” لتأسيس شركة عملاقة واحدة؟
“مارك أندريسين”: أبداً. إذا تمّت الصفقة، فستستغرق عملية الدمج سنتين. وفي النهاية، ستحقّق الشركة الجديدة بعض النجاحات وستخفق في أشياء أخرى. في أثناء ذلك، هنالك عمل كبير جدّاً ستقوم به شركات أخرى مثلنا. وهذا يعني أنه ستكون هنالك فرص كبيرة.
دير شبيغل: هل تعتقد أن الإندماج سيخلي الإنترنيت للاعبين رئيسيين فقط يسيطران على الإنترنيت، “مايكروسوفت مع ياهو” مقابل “غوغيل”؟
“مارك أندريسين”: يستحيل التنبّؤ بعواقب الإندماج، أو بالمركز الذي ستحتلّه هذه الشركات. كما يستحيل التنبّؤ بـ”الشركات الناشئة” start-ups التي ستبرز في هذه الأثناء. وهذا بالضبط ما يجعل هذه الصناعة مثيرة إلى هذه الدرجة.
دير شبيغل: ما هي مشكلة “ياهو”؟ لماذا واصلت خسارة مركزها في السوق لصالح “غوغيل” إلى درجة أنها باتت هدفاً تسعى ميكروسوفت للإستيلاء عليه؟
“مارك أندريسين”: هذه أحد نتائج الدخول إلى البورصة. لقد أسّست شركتين
وأدخلتهما إلى البورصة، ولكن شركتي الثالثة، شركة Ning، لم تدخل إلى البورصة. وهذه أحد الأشياء التي أحبّها في شركتي، كما أن شركة “فايس بوك” تتمتّع بوضع مماثل. فلا أحد يستطيع أن يشن عليك غارة عبر البورصة. وتستطيع أن تركّز كلياً على ما تقوم به- ولا يوجد توزيع لأرباح الأسهم كما لا تستطيع أية شركة أن تقدّم “عرضاً غير ودّي” لشراء شركتك.
دير شبيغل: ماذا كانت أسباب نشوء “لعبة البوكر بالمليارات” هذه في صناعة الإنترنيت؟
“مارك أندريسين”: أولاً، لأن الإنترنيت بات الآن شيئاً حقيقياً إلى درجة لم يبلغها في أي وقت من قبل. وهو الواسطة الرئيسية التي يستخدمها المستهلكون للحصول على المعلومات وللتواصل. وأنت تستطيع أن ترى ذلك في الإعلانات التجارية، وفي الإتصالات البعيدة، وفي الفيديو بواسطة “يو تيوب”، وفي الصحف والمجلات. لقد تحدّثنا جميعاً عن هذا التطوّر في سنوات التسعينات، ولكنه لم يحدث في ذلك الحين. كان الأمر مجرّد تجارب في ذلك الحين، ولكنه يحدث فعلاً الآن.
دير شبيغل: لكن الإعلانات التجارية خارج الإنترنيت ما تزال أكثر بكثير منها على الإنترنيت؟
“مارك أندريسين”: التحوّل سيحصل خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. وستلعب الشركات الكبرى- “غوغيل” و”ميكروسوفت” و”ياهو”- دوراً كبيراً في هذا الإنتقال. وستحقق مبالغ طائلة بفضله. ولكن جيلاً جديداً كاملاً من “الشركات الناشئة” سيستفيد منه كذلك.
(الصورة: مداخيل الإعلانات في العام 2007: “غوغيل” الأصغر حجماً حقّقت 16،4 مليار دولار، مقابل 6،1 ملياراً لـ”ياهو”، و2،2 ملياراً لـ”أميركا أون لاين”، وفقط 2،1 مليار دولار لـ”ميكروسوفت” العملاقة. “ميكروسوفت” عرضت شراء “ياهو” للوقوف بوجه “غوغيل”)
دير شبيغل: لكن من سيحقّق القفزة الكبرى المقبلة؟ شركة “نيوز كورب” استرت “ماي سبايس”، و”غوغيل” استثمرت مبالغ كبيرة في “أميركا أون لاين”، في حين اشترت “ميكروسوفت” حصصاً في “فايس بوك”: يبدو أنه سيتم الإنتهاء قريباً من تقطيع الكعكة وتوزيعها؟
“مارك أندريسين”: كلا. إذا كان هنالك جديد، فهو أن وتيرة التغيير تتسارع. لقد عمل التلفزيون والصحافة دائماً وفق نفس القواعد ونفس المعايير التقنية. في الإنترنيت، الأساس هو “البرامج”. وكل إنسان يستطيع أن يكتب برنامجاً جديداً يمكن أن يستخدمه مليارات البشر بعد سنوات. نظريتي هي التالية: في كل سنة، يوجد برنامج تطبيقي “قاتل” جديد. في سنة، كان هذا البرنامج هو Ebay. في سنة أخرى، كان Craigslist، ثم Napster، ثم Paypal و”يو تيوب” و”فايس بوك”، وهكذا. لقد وظّفت أموالاً في مجموعة من الشركات الناشئة التي يمكن أن تتحوّل إلى واحدة من هذه الظواهر العملاقة: خذ شركة Digg مثلاً…
دير شبيغل: .. منصة معلومات يحلّ فيها القرّاء، بفضل تصويتهم، محلّ المحرّرين، ويقرّرون أية مقالات، وفيديو، وغيرها ستوضع على صفحة Digg الرئيسية؟
“مارك أندريسين”: ربما كنا جميعاً سنحصل على الأخبار بهذه الطريقة خلال 5 سنوات. هذا ممكن جداً أن يحصل، ولكنه قد لا يحصل. هذا التغيير وهذا التطوّر المتواصل يعني بالأساس: أنه لن تكون هنالك حالة مستقرة. لا أعتقد أننا سنصل إلى نقطة زمنية نقول فيها: حسناً، “غوغيل” ستقوم بهذه الوظيفة، في حين تؤمّن “ميكروسوفت” الوظيفة الأخرى. في الماضي، حينما كنا نتحدث عن التلفزيون في أميركا، كنا نتحدث عن “سي بي إٍس” و”إن بي سي” و”أي بي سي”. وكانت الصحافة عبارة عن “نيويورك تايمز” و”وواشنطن بوست، و”لوس أنجلوس تايمز”. هذه أيام ولّت.
دير شبيغل: يعني أن القرّاء سيخلقون “المضمون” بأنفسهم، في حين يفقد الصحفيون المحترفون أهميتهم؟
“مارك أندريسين”: ثمن الجريدة سيشتري لك فنجان قهوة في محلات “ستار باكس”. إن الصحف التي ينخفض توزيعها كل يوم يمكن أن تتذمّر بقدر ما تشاء حول قرّائها، بل ويمكن أن تتّهمهم بقلة الذوق. ولكنكم مع الوقت ستخرجون من مهنة الصحافة. الصحافة ليست مؤسسة حكومية: إنها تقوم على “نموذج تجاري” business model إما أن يكون ناجحاً أم لا.
دير شبيغل: الأمر ليس بهذه البساطة. الواقع أن كل الصحف الكبرى تملك مواقع على الإنترنيت، والعديد منها لديها عدد من القرّاء ومداخيل أكبر بكثير من مواقع مثل “ديغ دوت كوم”.
“مارك أندريسين”: خد “نيويورك تايمز” مثلاً. إنهم بطيئون، وهم في حالة عدم تصديق. بعد 15 سنة من الإنترنيت، فإن قسم الإنترنيت في الجريدة- مع أنه نشيط جداً، ويتمتع بإدارة جيدة بالمقارنة مع الشركات الأخرى- لا يمثّل سوى 10 بالمئة من مداخيل الشركة الإجمالية. وهذا ليس كافياً. إن جوهر “بيزنس” الجريدة آخذ بالإنهيار. ما سيحدث هو أن الإشتراكات في الجريدة الورقية سوف تنخفض إلى درجة أنه لن يعود ممكناً، بحساب الأرباح والخسائر، الإستمرار في تشغيل المطابع. ستتوقّف المطابع عن العمل. كذلك شبكات التوزيع. وحينما يحدث ذلك، فما سيتبقّى سيكون أقسام هذه الجرائد الموجودة على الإنترنيت. وهذه الأقسام لن تكفي لتغطية نفقات غرفة الأخبار. ولا يمكن لهم أن يضعوا إستراتيجية إنتقالية بين النقطة “أ” والنقطة “ب”.
دير شبيغل: ماذا كنت تفعل لو كنت مكانهم؟
“مارك أندريسين”: حسناً، إذا انتهت شركات الصحافة إلى تدمير نفسها لأنها لم تعرف التعامل مع هذه المرحلة الإنتقالية، فتلك مشكلتها. إن الناس الذين أسّسوا شركات النقل بالخيول لم يكونوا هم أنفسهم الذين أسّسوا شركات السيارات. ولكن جوهر الموضوع هو التالي: هنالك طلب هائل على المعلومات. المشكلة هي في كيفية تلبيته بطريقة تتلاءم مع تكنولوجيات عصرنا. وجوهر الموضوع، أيضاً، هو أن هذا الطلب سيتيح فرصاً كثيرة لجيل جديد من شركات الإعلام، خصوصاً الشركات التي تولد عادةً على الإنترنيت. حالياً، تولد مثل هذه الشركات في كل مكان- مثل شركة Talking Points Memo وهي مدوّنة سياسية يسارية تُذكِّر بصحافة ما قبل الحرب العالمية الثانية، حينما كان الناس يتوقّعون من الصحيفة أن تكون “منحازة”. إن أيّا من هذه الشركات ليس كبيراً، ولكن كل الصناعات تنشأ صغيرة. ربما نلتقي بعد 10 سنوات لنكتشف أن شركات إعلامية كبرى قد نشأت من تجارب تجري في هذه اللحظة ولا علاقة لها على الإطلاق بـ”سي إن إن”.
دير شبيغل: إن شركتك الحديثة العهد تشكل حاضنة للشبكات الإجتماعية. لقد خلق المستخدمون شبكات لهواة الخضروات الجديدة، ولاعبي البيسبول، وحتى محبّي “مادونا”. ألا تعتبر أنّك تأخرت؟
“مارك أندريسين”: إن موقعي “ماي سبايس” و”فايس بوك” يحققّان نجاحاً كبيراً، وكلاهما يتناميان بسرعة كبيرة. غير أنّهما ما زالا عبارة عن مفاهيم حدائق مسوّرة إلى حد كبير. نحن نعتمد موقفاً مناقضاً، أي أننا نقول للناس: إتبعوا جنونكم، واخلقوا كل ما تشاؤون. هنالك عشرات الملايين من البشر المجهولين الذين بدأون يتعوّدون على مفهوم الشبكات الإجتماعية. وعند نقطة معيّنة، فإنهم سيرغبون في أن يكون لديهم شيء خاصّ بهم. وهنا يأتي دورنا. إن موقعنا ينمو ويتزايد الآن. ومقابل كل شخص ينضمّ إلى الشبكة، فإن شخصين آخرين سيتبعانه. أي أن 1000 مستخدم يصبحون 3000 مستخدم، و3000 مستخدم يصبحون 9000 مستخدم، وهكذا. إن عدّاداتنا لا تنوقّف، مثل دقّات الساعة..
دير شبيغل: حقّقت نجاحاً هائلاً في العام 1995 حينما طرحت أسهم “نيتسكيب” في البورصة، وكان عمرك 24 سنة وجنيت ملايين الدولارات. شركتك الجديدة Ning صغيرة جداً بالمقارنة. لماذا تبدأ كل مرّة من الصفر؟
“مارك أندريسين”: أنا أحب “السيليكون فالي”، وأشعر بأنني محظوظ لأنني أعيش فيه. لقد نشأت في الغرب الأوسط، حيث بالكاد توجد شركات ناشئة. أما “السيليكون فالي” فهو مكان سحري. هنا يستطيع شخص لا يملك خبرة تجارية مثلي أن يخلق تكنولوجيا جديدة، وأن يبدأ شركة جديدة، ويراقبتها وهي تنمو وتصبح شركة ناجحة. هذا مكان مذهل.
دير شبيغل: قبل حوالي سنتين، بدأ الجميع يتحدث عن “الويب 2”. برأيك، كيف سيكون “الويب 3″؟
“مارك أندريسين”: هذه كلها تعابير فارغة تسعى لتصنيف الأشياء. كان الإنترنيت، وسيظلّ دائماً، صندوقاً سحرياً. إذا جاءني أحد وقال لي أنه يرغب في أن يفتح شركة “ويب 2″، فإنني أصرفه! لأن كلامه سيعني أنه ليست لديه فكرة واضحة عما يفعله، ولأنه ليس لديه نموذج إقتصادي واضح.
دير شبيغل: قبل 9 سنوات، دفعت شركة “أميركا أون لاين” بلايين الدولارات لشراء برنامج “نيتسكيب” الذي طوّرته أنت. في مطلع شهر مارس المقبل، سيتوقّف الدعم نهائياً لهذا البرنامج. هل تشعر بخيبة أمل؟
“مارك أندريسين”: الحقيقة أن “نيستكيب” توقّف في العام 1999! ومنذ 1999 وحتى العام 2008، كان عبارة عن كارثة متواصلة. وكان جزءاً من كارثة “أميركا أون لاين-تايم وورنر”.
دير شبيغل: “الويب” موجود منذ 15 عاماً. هل بات أي من أوجهه طاغياً؟
“مارك أندريسين”: المعلومات. من المؤكّد أن لدي معلومات أكثر بكثير. هذا يكاد يصيبني بالجنون. ولهذا السبب بدأت “صياماً عن المعلومات”!
المقابلة على صفحة الشفاف الإنلكيزية أو على الرابط التالي:
http://www.spiegel.de/international/business/0,1518,536087,00.html