“الشفاف”- بيروت
يزدحم في رؤوس اللبنانيين هذه الايام ضخ المعلومات عن المحكمة والقرار الظني والقرار الاتهامي والحرب القادمة والتهديدات الاسرائيلية. ومعها تهديدات زعزعة الاستقرار في الداخل وتهاوي شبكات العملاء على إختلاف مراتبهم ومواقعهم وطوائفهم. وكل ذلك وسط حلقات مسلسلة ومتلفزة للامين العام لحزب الله حسن نصرالله تسبقها عاده حملات تخوين وتهديد تضطلع بها وسائل إعلام قوى 8 آذار ويتولى الوزير السابق وئام وهاب ترجمتها على شاشات التلفزيونات في كيفية “دعس الرقاب” ومحاسبة عموم العملاء وليس المقبوض عليهم فقط.
ومع هذا الضخ يصعب على المواطن العادي تبيان الخيط الاسود من الخيط الابيض فما الذي يجري عمليا على الساحة وما الذي يتم التحضير ومن هو هذا الذي يحضر؟
وفي هذا الضجيج لا بد من التوقف عند بعض المعطيات التي يبدو ان بعضها كلام حق يراد به باطل.
اولها في العملاء: كان لافتا ان جميع هؤلاء العملاء المقبوض عليهم تم تجنيدهم ما قبل العام 2005 ويتم كشفهم وتوقيفهم بعد العام 2005, وللتذكير فإن العام 2005 هو محطة رئيسية في تاريخ البلاد حيث انسحب الجيش السوري من لبنان وتفكك معه النظام الامني الذي أنشأه.
وهنا يصح التساؤل: ما هي مسؤولية ذلك النظام الامني في تجنيد العملاء سواء في دفعهم الى التجند او في عدم كشفهم خصوصا ان من بينهم كما ظهر من يمارس العمالة من الثمانينات؟
واستطراداً، يصح التساؤل عن البيئة الحاضنة للعملاء من جهة والبيئة الطاردة للولاء الوطني من جهة أخرى! فكم اتضح بالدليل الحسي ان بيئة نظام ما قبل العام 2005 هي التي لعبت دورا مزدوجا, فاحتضنت العملاء من جهة، وشكلت بممارساتها عامل طرد للولاء الوطني من جهة ثانية، بحيث وجد عدد من اللبنانيين ان بيع ضمائرهم وانتمائهم الوطني للعدو التاريخي اسهل من التعرض للإذلال اليومي ولامتهان الكرامة على يد ازلام ومحاسيب البيئة التي سادت قبل العام 2005.
ثانيا: في المؤتمر الصحفي للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله امس. لقد اقفل سماحته الرواية على بطل سجين، فلا هو قادر على مغادرة السجن ولا يبدو ان هناك من يريد إخراجه.
ومع ذلك يصح سؤال سماحته بعض الاسئلة. من بينها: أين يقف سماحته من الرواية السورية التي ظهرت في أعقاب جريمة العصر والتي اتهمت احمد ابوعدس والجماعات السلفية الاصولية السنية بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في حين ان نصرالله اتهم إسرائيل بالضلوع في الإغتيال من دون ان يشير الى ما يربط بين ابو عدس والاصوليين المتزمتين من جهة والاسرائيليين من جهة ثانية؟!!!
الصور التي عرضها سماحته يوم امس ترقى الى مستوى الالعاب الالكترونية لاكثر من عقد مضى، وإمكان التلاعب بمضمونها ومحتوباتها عال نسبيا. فهي لا تحمل تاريخا واضحا، ومعظمها يعود الى حقبة التسعينات. اما المشفر منها فأعلن سماحته عجزه عن فك شيفرته وتاليا لا يمكن ربط اي صورة بالجريمة.
ولماذا لم يقدم سماحته، وهو العليم، اي صورة لمسار خط الوزير بيار الجميل، او لبيت الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، او لمنزل سمير قصير في الاشرفية، او لمسار الوزير الياس المر، او الطريق الى مقهى الروضه حيث إغتيل النائب وليد عيدو ونجله، مع ان المسار الذي عرضه امس يمر بجانب مقهى الروضة. هذا طبعا عدا عن الطرق التي كان يسلكها الرائد وسام عيد والعميد فرنسوا الحاج والنائب جبران تويني والنائب انطوان غانم والصحافية مي الشدياق والقدم سمير شحاده والوزير السابق النائب مروان حماده!!
أفلم يساور سماحته اي اعتقاد بأن عرض مسار واحد من هذه المسارات قد يعطي روايته صدقية اكثر؟ والحجة بأن الوقت اصبح داهما لا تفيد كثيرا، لأن من يراقب عمل طائرات التجسس الاسرائيلية كان بإمكانه وضع صور صناعية لمسار اي من الشهداء الآخرين والعمل على مطابقتها مع ما يتم تصويره والتقاطه من قبل عمليات حزب الله، طالما ان العمل جرى على هذا المنوال لمطابقة صور صناعية مع طرق محددة كان يسلكها الرئيس الشهيد رفيق الحريري!!!
ثالثا، إذا كان موضوع العملاء والاتصالات هما المفتاح في القرار الظني المرتقب، لماذا غيب سماحته في مؤتمره الصحفي اي إشارة الى الاتصالات او الى العميد الموقوف على ذمة التحقيق القيادي في التيار العوني فايز كرم!!
المعلومات في العاصمة اللبنانية بيروت تتوزع بين آراء عدة في قراءة مؤتمر الامين العام لحزب الله.
الاول يقول إن هيبته انتهت بعد ان تجرأ عليه عدد من الصحافيين وصولا الى حد إطلاق لقب “سماحة المذيع”، و”سماحة مقدم البرامج”، و”سماحة المحقق”، و”سماحة القاضي”… وصولا الى سؤال يشكك في كل الصور التي عرضها بحيث سأل مراسل “إل بي سي” ما إذا كانت المسارات التي عرضها نصرالله هي لمواقع سورية وليس بالضرورة لموكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري! وأخيرا، خيبة الامل التي اطل بها الصحافي طلال سلمان في اول سؤال طالبا من نصرالله حصر حديثه بالسياسة وليس بالوقائع القانونية.
وكان الارتباك واضحا لدى منظمي المؤتمر الصحفي بحيث عمدوا الى الغاء طلبات عدد من الصحفيين طالبي الكلام ليتوجهوا الى نصرالله بأسئلتهم بعد ان بدا ان منحى الاسئلة لا ينسجم والنسق الذي أراده نصرالله.
ويشير احد الصحافيين إلى إن كلام نصرالله نزل من مرتبة “الكلام المنزل” الى كلام اي مسؤول عادي يمكن محارجته او مساءلته والتشكيك فيه.
الثاني يشير الى ان الاجواء الحالية تشبه الى حد التطابق مرحلة ما قبل السابع من ايار من العام 2008، حيث عمد “سماحته” الى تطمين تيار المستقبل في خطاب القاه في الثاني من ايار ليطلق العنان لازلامه في السابع منه ليعيثوا فسادا وتخريبا في العاصمة. مع تسجيل مفارقة هذه المرة، وهي انه طمأن ايضا رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، ويقول هؤلاء إن الـ”سبعين 7 أيار” ستشمل هذه المرة المناطق المسيحية.
اما القراءة الثالثة فرأت في المؤتمر الصحفي للامين العام إختيارا للمسار الكربلائي الاستشهادي على المستوى السياسي، بعد ان أدرك ان المحكمة اصبحت واقعا وأنه لن يستطيع تعطيلها وأسقطت من يده جميع المحاولات التي بدأها منذ اليوم الأول للإعلان عن تشكيل لجنة التحقيق الدولية. وتاليا، فإن سوريا التي إختارت التعاطي مع التحقيق والمحكمة على طريقتها، وإيران التي تبحث عن أضحية لفك ضائقتها الاقتصادية، ومناهضي السيد نصرالله من اللبنانيين الذين ينتظرون معرفة من قتل أحباءهم وأهلهم، جميع هؤلاء يراهم نصرالله طوقا بدأ يضيق من حوله في ضوء الحرص على عدم زعزعة الاستقرار بمظلة عربية قوامها السعودية وسوريا وتركيا. فاختار سماحته التحضير لاستشهاده سياسيا وتحضير جمهوره معه.