تختلف الدول الآسيوية وتتباين كثيرا في أنواع الأطباق التي يحتويها مطابخها. فبعض هذه الأطباق نالت شهرة عالمية وذاع صيتها في أرجاء المعمورة، كالأطباق اللذيذة في المطابخ الهندية والصينية والتايلاندية والماليزية واليابانية. ومن ضمن هذه الأطباق ما صار محل نزاع بين أصحابها الأصليين والمستعمرين السابقين كما هو الحال مع أطباق “البرياني” و”السمبوسة” و”الكاري” التي صارت ترد في قوائم المطبخ الإنجليزي فيما هي هندية الأصل والجذور. في المقابل هناك أطباق آسيوية تشمئز منها النفس بفعل مكوناتها الغريبة التي تتراوح ما بين أمخخة القرود، والأخطبوط الحي غير المطهي كما في المطبخ الياباني، ولحوم الكلاب كما في المطبخ الكوري، ولحوم القطط كما في مطبخ جنوب الصين، وبيض البط المحتوي على جنين غير مكتمل النمو، لكن بريش وأظافر كما في طبق “بالوط” الفلبيني، والسحالي والثعابين وفئران الحقول وصراصيرها، وديدان الخشب، والعقارب، كما في المطبخين التايلاندي والفيتنامي اللذين يقدمان كل هذه الأصناف من بعد شوائها ورشها بالملح والفلفل والليمون الحامض.
ففي فيتنام مثلا، تستخدم فئران الحقول، ولاسيما تلك المصطادة من منطقة دلتا نهر “الميكونغ”، في التصدير إلى الخارج مجمدة بواسطة نحو خمسين شركة متخصصة يعمل بها ما لا يقل عن ألفي رجل. كما تستخدم في إعداد “مرقة الفئران” المكونة من الطماطم والبصل والبهارات، والتي تؤكل مع الخبز أو بدونه، بل وتستخدم أيضا في إعداد الوجبات الشعبية الخاصة بحفلات الزفاف، إلى الدرجة التي إتضح معها أن منطقة مثل “باك ليو” تستهلك يوميا أكثر من مائة طن من هذه الفئران.
أما في المطبخ الكمبودي – وإلى حد ما في المطبخ الفلبيني – فإن أطباق الثعابين لها أهمية كبيرة. لكن هذه الأهمية تسببت في تناقص أعداد الثعابين بصورة حادة، الأمر الذي سمح بتكاثر الفئران التي تعد الغذاء الأساسي للثعابين، وهو ما دفع رئيس الوزراء الكمبودي “هون سين” إلى إصدار قرار بحظر أكل لحوم الثعابين والقطط أو تصديرها إلى الخارج كحل لمعضلة تكاثر الفئران. هذا علما بأن التايلانديين يشاركون الكمبوديين والفلبينيين إهتمامهم بالثعابين، لكنهم يحرصون تحديدا على شق بطونها بمشرط من أجل إستخراج الدماء التي يتناولونها في فنجان ويتبعونها بملعقة من العسل، وذلك إعتقادا منهم بأن دم الثعبان مجلب للقوة والصحة و طول العمر.
على أن كل ما سبق ذكره قد لا يثير الإشمئزار والشعور بالإستفراغ بقدر ما يثيره طبق الحساء اللزج المصنوع من رأس وأجنحة الخفاش (الوطواط)، والمشهور عند الكوريين. هذا الطبق الذي يماثل في لزوجته وصمغيته إلى حد ما طبق حساء أنف الوعل المعروف في ألاسكا.
والحقيقة أن الكثيرين في العالم لئن عرفوا وتذوقوا بعض الأطباق الكورية اللذيذة مثل طبقي”بلكوكي” و”كلبي” اللذين يدخل في إعدادهما شرائح لحم البقر المنقعة طويلا في صلصة الصويا وكمية كبيرة من الثوم والزنجبيل، قبل شويها أو طبخها في مقلاة، إضافة إلى طبق “الكيمشي”(من أنواع المخلللات ويصنع عادة من الكرنب الصيني أو الفجل أو الفلفل الأحمر أو الأطعمة البحرية) الذي تعادل شهرته في كوريا شهرة “السوشي” في اليابان، فإنهم لم يسمعوا من قبل بطبق حساء الوطواط.
وبالمثل، ربما لم يسمع الكثيرون عن لهفة الكوريين الكبيرة على أكل رؤوس الأخطبوط تحديدا، (خصوصا بعدما إعتبرها مؤسس كوريا الشمالية الرفيق “كيم إيل سونغ” غذاء قوميا، يساعد الطبقة العاملة على أداء الأعمال الشاقة، وينعشهم صيفا) وبالتالي إستهلاكهم لكميات كبيرة منها يوميا، لإعتقادهم بأنها تنشط الرغبة الجنسية ، لولا ما حدث مؤخرا في سيئول حينما دخلت السلطات البلدية من جهة في نزاع مع أصحاب المطاعم المتخصصة في تقديم رؤوس الأخطبوط، ونواب البرلمان، وقطاع الصيد البحري من جهة أخرى على خلفية محاولة الطرف الأول تحديد عدد رؤوس الأخطبوط التي يمكن للفرد الكوري تناولها في اليوم الواحد دون أن تتسب له في مشاكل صحية. حيث إتضح أن رؤوس هذا الحيوان تحتوي على كميات كبيرة من مادة “الكادميوم” الخطيرة. والأخيرة مادة مسرطنة تسمم الكبد والكلى، الأمر الذي دفع بمجلس مدينة سيئول والسلطات الصحية إلى القيام بحملة تستهدف إقناع الكوريين بعدم تناول أكثر من رأسين في اليوم، وهو ما أغضب الناس والصيادين ومعهم النواب الممثلين للدوائر الإنتخابية الساحلية، بل جعلهم يصعدون القضية ويهددون بمقاضاة الحكومة، خصوصا وأن التحذير الحكومي أدى إلى إنخفاض أسعار الأخطبوط إلى النصف، وتسبب بالتالي في تدهور دخول الكثير من الصيادين.
والجدير بالذكر أن هذه هي المرة الثانية التي تصطدم فيها حكومة سيئول مع مواطنيها من أصحاب المطاعم. فحينما إستضافت كوريا الجنوبية – شراكة مع اليابان – قسما من فعاليات دورة الألعاب الأولمبية لعام 1988 منعت مطاعمها من تقديم لحوم الكلاب، تفاديا لغضب وإستنكار الجماعات الأجنبية المدافعة عن حقوق الحيوان، وأيضا حفاظا على سمعة البلاد، ومنعا لحدوث إشمئزاز في أوساط الزوار الأجانب من المطبخ الكوري، خصوصا وأن الكوريين عـُرف عنهم تحبيذهم شراء الكلب حيا، والقيام بقتله بأنفسهم من بعد تعذيبه بضربه ضربا مبرحا بالعصا، قبل سلخه، وذلك لإعتقادهم بأن أكل لحوم الكلاب المعذبة تقويهم جنسيا. أما القطط، فعلى الرغم من أنها تعامل أيضا معاملة شرسة من قبل الكوريين الذين يصطادونها، ويضربونها داخل أكياس محكمة الإغلاق، قبل أن يسلقونها وهي حية في قدور ضغط كبيرة، فإنها لا تؤكل وإنما تطبخ فقط بهدف إستخراج بعض الأدوية الشعبية منها.
ونختتم بمقولة “أن للناس في ما يأكلون مذاهب”. فإذا كانت البطون الآسيوية تعشق تناول الأطباق التي سردناها دون أدنى درجة من الإشمئزاز، فإنها قد تأنف من بعض أطباقنا بنفس القدر الذي نأنف نحن من أطباقها.
elmadani@batelco.com.bh
باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين